جبل الكست بتافراوت… بيئة تستغيث أمام زحف الرعي الجائر وتربية الغزال النادر

محمد التفراوتيمنذ 3 ساعاتآخر تحديث :
جبل الكست بتافراوت… بيئة تستغيث أمام زحف الرعي الجائر وتربية الغزال النادر

آفاق بيئية: النقراوي مولاي المصطفى*
قبل سنوات قليلة، كان زائر جبل الكست يجد نفسه وسط لوحة طبيعية خلابة: غطاء نباتي متنوع، مساحات خضراء ممتدة، ومراعي وفيرة تشكل مصدر عيش أساسي لساكنة أملن وتافراوت. اليوم تغيّر المشهد جذرياً: الغطاء النباتي يتآكل بسرعة غير مسبوقة، المراعي تنهار تحت ضغط القطعان الكبيرة، وتظهر ظواهر جديدة أكثر خطورة، أبرزها تربية الغزال النادر في غياب أي مراقبة.
رعي جائر… وحيوانات بالمئات
تشير شهادات محلية إلى أن بعض المالكين أصبحوا يقتنون قطعان ماعز تعد بالمئات ، لا باعتبارها مورداً للعيش، بل بدافع الاغتناء والوجاهة الاجتماعية. هذه القطعان الضخمة تستهلك يومياً مساحات واسعة من الغطاء النباتي الهش بجبل الكست، مما يجعل التجدد الطبيعي مستحيلاً.
ويقول أحد الفاعلين المحليين: «لقد كان الجبل فضاءً للجميع، أما اليوم فلم يعد بإمكان الرعاة الصغار إدخال ماشيتهم، بعدما استحوذت القطعان الكبيرة على كل شبر».

الغزال النادر… تجارة في الظل

الأخطر هو ظهور حالات تربية الغزال النادر بالمنطقة. في ظل غياب المراقبة البيئية الصارمة، يتم استغلال هذا الحيوان في ظروف غامضة، خارج أي إطار قانوني، مما يهدد التنوع البيولوجي الفريد الذي طالما ميز جبل الكست وجعله خزاناً طبيعياً لسوس ماسة.

ضحايا بيئيون واجتماعيون

تداعيات هذه الممارسات لا تقتصر على الطبيعة فقط، بل تمتد لتشمل البعد الاجتماعي. فصغار مربي الماشية الذين كانوا يعتمدون على المراعي لتأمين قوت أسرهم وجدوا أنفسهم مضطرين إلى بيع ماشيتهم أو الهجرة نحو المدن.
لقد تحولت نعمة الماشية، التي شكلت لقرون ركيزة للاقتصاد المحلي، إلى نقمة بيئية واجتماعية. كما أدى ذلك إلى اندثار الأعراف التقليدية، وعلى رأسها نظام الأكدال (ⴰⴳⴷⴰⵍ)، وهو نظام رعي أمازيغي قديم ينظم استغلال المراعي من خلال فترات راحة بيولوجية وحظر موسمي للرعي للحفاظ على استدامة الموارد الطبيعية. هذا النظام الذي كان يشكل جزءاً من التراث الثقافي، يتعرض اليوم للتآكل والإهمال.

بيئة في خطر… وصمت رسمي

يحذر المهتمون بالشأن البيئي بتافراوت من أن استمرار الوضع الحالي قد يحوّل جبل الكست إلى فضاء جرداء خلال سنوات قليلة. ورغم خطورة المؤشرات، تبقى إجراءات المراقبة الرسمية محدودة، ما يفسح المجال أمام المخالفين للاستغلال بلا حسيب ولا رقيب.

مطالب بإنقاذ عاجل

يجمع الخبراء والفاعلون على أن إنقاذ جبل الكست يتطلب:
• تشديد المراقبة وتطبيق القانون على الرعي الجائر وتربية الحيوانات النادرة.
• إطلاق مشاريع لإعادة تأهيل المراعي وحمايتها.
• إشراك المجتمع المدني المحلي كقوة اقتراحية ورقابية.
• توفير بدائل اقتصادية مستدامة لصغار الرعاة وحمايتهم من التهميش.

يشار أن جبل الكست ليس مجرد فضاء طبيعي، بل هو ذاكرة وهوية لسكان أملن وتافراوت، ورمز بيئي وثقافي لسوس ماسة. التدهور المتسارع يضع الجميع أمام مفترق طرق: إما تدخل عاجل يعيد التوازن ويحمي الموروث الطبيعي للأجيال المقبلة، أو خسارة إحدى أجمل المعالم البيئية في المغرب.
البيئة تستغيث… فهل من مجيب؟

* النقراوي مولاي المصطفى:  الائتلاف المدني من أجل البيئة بأملن تافراوت

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!