التكيف المناخي في معركة الحسم: حين تواجه الوعود اختبار التمويل والعدالة

محمد التفراوتيمنذ 4 ساعاتآخر تحديث :
التكيف المناخي في معركة الحسم: حين تواجه الوعود اختبار التمويل والعدالة

آفاق بيئية: محمد التفراوتي

من 12 إلى 15 أغسطس 2025، تحولت لوساكا، عاصمة زامبيا، إلى قبلة لأكثر من 450 مشاركا يمثلون حكومات وخبراء ومؤسسات تمويل ومنظمات دولية، ضمن فعاليات “معرض خطط التكيف” ( NAP Expo 2025) ، الذي تنظمه الأمم المتحدة لتغير المناخ.

يأتي الحدث في ظرف دولي دقيق، حيث تتصاعد آثار تغير المناخ بوتيرة تفوق قدرات أغلب الدول النامية على المواجهة، فيما تظل فجوة التمويل المناخي بين الشمال والجنوب محور جدل ومطلبا متكررا.

قراءة في الرسائل الخفية

رغم الطابع التقني للمعرض، كانت الرسائل السياسية والمالية واضحة وجلية، حيث وجه وزير الاقتصاد الأخضر والبيئة الزامبي، “مايك مبوشا”، نداء مباشرا لدول الشمال، مطالبا برفع تمويل التكيف من 100 مليار إلى 300 مليار دولار سنويا بحلول 2035، مع تسهيل شروط الولوج إلى الأموال، خاصة لأقل البلدان نموا. الرسالة هنا مزدوجة. الإقرار بمسؤولية تاريخية للدول الصناعية عن الانبعاثات، ثم ربط العدالة المناخية بتمويل عاجل يمكن الدول الأضعف من تنفيذ خططها.

وشدد مدير التكيف في الأمم المتحدة، يوسف ناصف، على أن الوقت حان للانتقال من وضع السياسات إلى التنفيذ الميداني، مسلطا الضوء على “الابتكار” كمدخل لتسريع العمل، سواء عبر التكنولوجيا، التمويل الإبداعي، أو الاستفادة من الحكمة المحلية. كما ربطت “آنا توني”، الرئيسة التنفيذية لمؤتمر الأطراف المقبل (COP30)، بين مسار التكيف ومسار التخفيف، مؤكدة على ضرورة منح التكيف نفس الوزن في الأجندة العالمية، خصوصا مع تسلل آثار تغير المناخ إلى أوطاننا بشكل ملموس.

يشار إلى أن المعرض هذا العام تجاوز كونه ملتقى تقنيا ليصبح منصة اختبار للنوايا الدولية قبيل مؤتمر الأطراف في البرازيل، إذ تعكس المواضيع المطروحة، من الذكاء الاصطناعي في التكيف، إلى الحلول القائمة على الطبيعة، والربط بين المناخ والصراعات، تحول النقاش نحو ربط التكيف بالأمن الغذائي، والاستقرار الاجتماعي، وإدارة الهجرة.

عقد من التجربة… والتحدي الأكبر

رغم احتفال المعرض بعشر سنوات على انطلاقه، يظل التحدي الحقيقي في تحويل التوصيات إلى خطط قابلة للتنفيذ، مدعومة بتمويل فعلي وليس وعودا سياسية مؤجلة.

“لوساكا” بهذا المعنى ليست محطة احتفالية، بل اختبار جديد لإرادة المجتمع الدولي في الانتقال من الخطاب إلى الأفعال، خصوصا مع تصاعد الظواهر المناخية المتطرفة التي تضرب الاقتصادات الهشة، وتزيد من هشاشة المجتمعات.

و عليه يحمل معرض NAP Expo 2025 رسالة واضحة إلى جميع الأطراف. إن تأخير التمويل أو التعقيدات البيروقراطية لا يعطل فقط خطط التكيف، بل يعرض حياة ملايين الناس للخطر، ويفرض على العالم ثمنا باهظا في الأمن والاستقرار.

خطط التكيف بين الطموح والواقع: مفترق التمويل والعدالة المناخية

رغم الدور المحوري الذي تلعبه خطط التكيف الوطنية في توجيه الجهود المناخية، فإن هذه الخطط تواجه العديد من الإشكالات التي تعيق تحقيق أهدافها على أرض الواقع. إذ تظل الفجوة بين الطموح والتمويل الفعلي عائقا كبيرا، حيث تضع العديد من الدول النامية خططا طموحة لكنها تفتقر إلى التمويل الكافي أو تواجه شروطا تعجيزية تحول دون تطبيق هذه الخطط بشكل فعال. ولا يقتصر الأمر على حجم الأموال المتاحة فقط، بل يشمل سهولة الحصول عليها ومدى توافقها مع الأولويات المحلية الحقيقية. إلى جانب ذلك، تعاني هذه الخطط من تبعية تقنية وبيروقراطية ملحوظة، إذ تعتمد كثيرا على الاستشارات والخبرات الخارجية مما يحد من قدرة الدول على بناء قدراتها الذاتية ويبطئ التنفيذ بسبب الإجراءات المعقدة في مؤسسات التمويل الدولية. كما تواجه هذه الخطط تناقضا في الأولويات بين المتطلبات التي يفرضها المانحون والأولويات الحقيقية للمجتمعات المحلية، الأمر الذي يضعف من تأثيرها ويجعلها غير قادرة على إحداث الفرق المرجو.

وعلى صعيد أعمق، تعكس هذه الخطط صراعا جوهريا حول العدالة المناخية بين الشمال الصناعي والجنوب النامي، حيث يظل الشمال مطالبا بتمويل التكيف كجزء من مسؤولياته التاريخية عن الانبعاثات، بينما يطالب الجنوب بتمويل عادل ومباشر لكنه غالبا ما يواجه شروطا مالية وسياسية تعيق استفادته، مما يعزز من تفاوت القدرات ويهدد التعاون الدولي. هذه الفجوة تولد توترا متزايدا قد يؤدي إلى تراجع الالتزام العالمي ويضعف آليات التكيف ويزيد من هشاشة الدول الأضعف أمام تغير المناخ. لذلك، يدعو هذا الواقع المعقد إلى ضرورة إعادة التفكير في آليات تنفيذ خطط التكيف لتصبح أدوات فاعلة في بناء القدرات المحلية وتسهيل وصول التمويل وضمان مشاركة المجتمعات بشكل فعلي، مع تعزيز الشفافية والمساءلة لضمان تحقيق العدالة المناخية على أرض الواقع.

تجربة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في المغرب: نموذج متقدم في صياغة وتنفيذ خطط التكيف

برزت تجربة برنامج الأمم المتحدة الإنمائي(PNUD) في المغرب كخطوة رائدة نحو تعزيز قدرة الجهات المحلية على مواجهة تحديات تغير المناخ من خلال دعم صياغة خطط التكيف الوطنية والإقليمية. إذ عمل برنامج (PNUD) بشكل متكامل مع الجهات المعنية في معظم جهات المغرب لتطوير خطط مدعمة ببيانات علمية، تراعي خصوصيات كل جهة وتحدد أولويات واضحة تتماشى مع الاحتياجات البيئية والاجتماعية والاقتصادية.

وقد ساهم هذا الدعم في بناء قدرات الجهات على التخطيط الاستراتيجي، وضمان مشاركة فعالة للمجتمعات المحلية، وخاصة الفئات الأكثر هشاشة، مما عزز من فرص نجاح هذه الخطط على أرض الواقع. كما ساعد البرنامج المغرب في ربط خطط التكيف بخطط التنمية المستدامة، مما يجعل التكيف جزء لا يتجزأ من السياسات التنموية.

تجربة المغرب مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (PNUD) تعكس أهمية الشراكة الفعالة بين المنظمات الدولية والحكومات المحلية لتحقيق نتائج ملموسة في مجال التكيف، وتبرز أن التمويل وحده لا يكفي، بل يحتاج الأمر إلى تخطيط دقيق، تنفيذ متقن، ومتابعة مستمرة لضمان الاستدامة. هذه التجربة تشكل نموذجا يحتذى به في دول الجنوب، تؤكد أن الاستراتيجيات المحلية المدعومة بالخبرة الدولية والتعاون متعدد الأطراف هي مفتاح بناء مستقبل أكثر قدرة على الصمود أمام تغير المناخ.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!