حكاية الشاي ومقام الرجاء

محمد التفراوتي15 يونيو 2025آخر تحديث :
حكاية الشاي ومقام الرجاء

 مكناس: محمد التفراوتي

حكى لي جدي، سيدي محمد بن محمد بن هاشم، من سلالة الأشراف العلويين المدغريين، الذين يتصل نسبهم بالإمام الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام.
قال: “سلالتنا تحتضن أربعة وأربعين وليا، كل واحد منهم حارس لسر من أسرار السماء، وسيدي محمد بن هاشم، والدي، كان أحدهم، له مقامه في مقبرة البقيع بالراشيدية، في أرض الحيبوس، وله حكاية لا يشبهها شيء.”

تسنت لي الفرصة للقاء أحد أبناء “قصر السوق” (الراشيدية حاليا)، يعمل عدلا في محكمة مدينة سلا ، وسألته عن هذا الإرث، فأكد لي القول، وقال: “نعم، معروفة ب 44 ولي، من نسل طيب، وسيدي محمد بن هاشم واحد من ” اللي عمرهم ما نسيناهم”.

سلالة جدي تمتد في خط النور إلى سيدي هاشم بن عبد الله العلوي، من ذرية مولاي إدريس الأكبر، حفيد الرسول صلى الله عليه وسلم، الذين وفدوا إلى الجنوب الشرقي المغربي، واستوطنوا مدغرة وتافيلالت، وبنوا الزوايا، ونشروا العلم، وربوا الأجيال على الصلاح والزهد.

وكان سيدي محمد بن هاشم معروفا بعشقه الكبير للشاي، حتى صار ذكره مقترنا به. بعد وفاته، صار الناس يقصدون قبره، لا حزنا، بل رجاء.
عند المقام، تهيأ أدوات الشاي المغربي الأصيل، وتوقد النار، ويغلى الماء على مهل، ثم يرتشف الشاي على هدوء، قبالة القبلة، وكل من دعا، قيل إن دعاءه استجيب.

ورويت قصص عديدة عن البركة التي تحف المكان، بعضها عن نساء أنجبن بعد عقم، وآخرون وجدوا عملا، وآخرون نالوا شفاء لم يرجى. وصارت العادة أن يزار القبر، ويشرب الشاي، وترفع الأكف للسماء.

أما أغرب ما سمعته من جدي، فهي الحكاية التي تعود إلى زمن السلطان العلوي الحسن الأول، الذي حكم المغرب بين 1873 و1894، حين استدعى علماء القرويين ليستفتيهم في حكم الشاي وضريبة “الصنك”.
وقيل إن أحد العلماء الحاضرين، وكان ضريرا، يدعى مولاي عبد المالك، وهو صديق والد جدي، قال: “حرام أسيدي حرام”، ثلاثا، لأنه لا يدري بطهارة السائل الذي يضم الشاي به.

أما والد جدي، فشرب كأس الشاي ذاك ومأس مولاي عبد المالك وقال: “والله ما ذقت طعما مثله في حياتي”، ومن يومها، صار يطلب تلك النكهة في كل كوب يشربه، ولم يجدها قط.
لكنه أوصى، في ساعة صفاء، بأن من أراد دعاءه مستجابا، فليشرب الشاي عند قبره، مستقبل القبلة، داعيا بما شاء…

ومنذها، توارث الناس هذا الطقس الروحي، فصار قبر سيدي محمد بن هاشم محطة رجاء، ومقام شاي لا يشبهه مقام.

______________

*حكاية الشاي ومقام الرجاء: رواية شفوية صاغتها من حكاية جدي سيدي محمد بن هاشم.

هذه القصة ليست من محض الخيال، بل هي رواية شفوية حقيقية حكاها لي جدي سيدي محمد بن هاشم، ونقلتها بعد صياغتها بأسلوبي المعاصر، وفاء لذاكرة الجد، وتكريما لمقام مقام الرجاء ودفء القصة الأصيلة.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!