قضية التجارة الحرة في السلع البيئية

محمد التفراوتي2 أغسطس 2023آخر تحديث :
قضية التجارة الحرة في السلع البيئية

آفاق بيئية : بقلم ألبرت بارك* وجونغ وو كانغ*

مانيلا ـ لقد عززت التجارة الدولية النمو الاقتصادي في العديد من البلدان وخاصة تلك التي تفتقر إلى موارد طبيعية وفيرة أو رأس مال ثابت. لقد اتاحت التجارة إلى جانب خلق فرص للتخصص عبر الحدود، إمكانية استيراد سلع استهلاكية رخيصة الثمن، ومدخلات وسيطة للتصنيع، ومعدات رأسمالية. إن هذا ينطبق على وجه الخصوص على منطقة آسيا والمحيط الهادئ والتي شكلت 35٪ من التجارة العالمية في عام 2020 بزيادة مقدارها 25٪ مقارنة بمساهمتها في التجارة العالمية قبل 10 سنوات من ذلك التاريخ.

وبالمثل، يمكن أن تلعب العولمة والتجارة المفتوحة دورًا لا غنى عنه في إنقاذ الكوكب، ونظرًا للتهديد الوجودي لتغير المناخ، ينبغي توفير السلع والخدمات البيئية على نطاق واسع وبأسعار معقولة لدعم اقتصاد عالمي صديق للبيئة على

نحو متزايد. ان واردات الألواح الشمسية وتوربينات الرياح والمركبات الكهربائية إلى جانب خدمات مثل معالجة مياه الصرف الصحي يمكن أن تؤدي كذلك الى تأثيرات تقنية غير مباشرة تحفّز وتدعم تطوير قطاعات الطاقة المتجددة والصناعات النظيفة محليًا.

لكن التقدم بالمجمل كان بطيئًا. إن من شبه المؤكد أن عدم وجود التزام جماعي بتحرير التجارة في السلع والخدمات البيئية وزيادة التدابير الحمائية سيؤدي الى تقويض جهود التخفيف والتكيف. إن هناك حاجة عاجلة للتعاون العالمي والإقليمي من أجل الاتفاق على مبادئ مشتركة لتسهيل هذه التجارة وحماية سلاسل التوريد.

إن التحدي الأول هو تحديد ما هي السلعة أو الخدمة البيئية حيث وافق منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ على قائمة تضم 54 سلعة بيئية سيطبقون عليها تعريفات بنسبة 5٪ أو أقل. ومع ذلك، كان للاتفاقية تأثير محدود وذلك نظرًا لطبيعتها غير الملزمة والعدد القليل نسبيًا من المنتجات التي تمت تغطيتها كما تعطلت المفاوضات لإبرام اتفاقية سلع بيئية بين مجموعة من أعضاء منظمة التجارة العالمية.

بالطبع، إذا أرادت الحكومات تسريع التحول الأخضر، فإن لديها مطلق الحرية في خفض التعريفات الجمركية على السلع البيئية (مثل معدات التصنيع) من جانب واحد وذلك من أجل تقليل انبعاثات غازات الاحتباس الحراري محليًا بشكل كبير. ومع ذلك، فإن إدراجها في اتفاقيات التجارة الدولية يتطلب وجود اجماع على معايير موضوعية علمًا أنه الى جانب التحديات الفنية المرتبطة بتحديد السلع البيئية، فقد تسعى بعض البلدان إلى تطويع المواصفات لجعلها تلائم المنتجين لديها.

إن الزيادة مؤخرًا في السياسات الصناعية المتنافسة في كل من الاقتصادات المتقدمة والناشئة تؤدي إلى خلق بعض الفرص لنشر السلع البيئية على نطاق أوسع وبأسعار منخفضة، حيث يمكن ان تساهم الدعومات المقدمة لمنتجي الطاقة المتجددة في زيادة الاستثمار في البحث والتطوير مما قد يؤدي إلى ابتكارات تخفض من التكلفة، وعلى سبيل المثال فقد انخفض سعر الوحدات الشمسية بشكل كبير ليصل في المتوسط إلى أقل من دولار واحد لكل واط لأكبر المنتجين في العالم بما في ذلك ألمانيا واليابان والولايات المتحدة وجمهورية الصين الشعبية. إن القدرة على استيراد مثل هذه التكنولوجيا المتجددة الرخيصة تزيد من قدرة مجموعة أكبر من البلدان على تحمل تكلفة الانتقال إلى الطاقة النظيفة.

لكن التحديات الضخمة التي تشكلها مثل هذه السياسات على العمل المناخي تفوق الفوائد، فطبقًا لوكالة الطاقة الدولية، تتجاوز حصة الصين في جميع المكونات المستخدمة في تصنيع الألواح الشمسية – مثل البولي سيليكون والسبائك والرقائق والخلايا والوحدات النمطية – 80٪. ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى قدرتها التنافسية من حيث التكلفة حيث انخفضت الأسعار بنسبة 20٪ عن نظيرتها في الولايات المتحدة وأقل بنسبة 35٪ عنها في أوروبا، لكن الكثير من دول العالم لا تستطيع الوصول إلى الألواح الشمسية الرخيصة من

الصين بسبب الرسوم التي تعوض عن الدعوم ورسوم مكافحة الإغراق التي يفرضها شركاؤها التجاريون، وفي حين أن الجهود المبذولة لتحقيق تكافؤ الفرص بين المنتجين الأجانب والمحليين أمر مفهوم ومسموح به بموجب قواعد منظمة التجارة العالمية ، فإن إقامة حواجز تجارية للسلع البيئية يبطئ التحول الأخضر. علاوة على ذلك، قد يكون من الأصعب تبرير السياسات الحمائية

الأخرى على أسس تنافسية مثل تلك التي تربط متطلبات إيجاد مصادر محلية بالقدرة على الوصول إلى الأسواق.

أن فرض قيود التصدير على المواد الخام الحيوية مثل الليثيوم والعناصر الأرضية النادرة والكروم، وكلها مطلوبة بشدة مع تزايد وتيرة انتقال الطاقة، هو أمر غير مفيد أيضًا. لقد زادت هذه القيود التي تشمل متطلبات الترخيص بالإضافة إلى التعريفات الجمركية على الصادرات وحظر الصادرات بمقدار خمسة أضعاف من عام 2009 إلى عام 2020. أن أي خفض في التدفقات عبر الحدود لهذه المواد يمكن أن يشكل تحديًا كبيرًا لأمن سلاسل التوريد للمنتجات الخضراء. علاوة على ذلك فإن تفكك التجارة وتجزئتها يجعل من الصعب على الشركات العالمية القيادية تعزيز إمكاناتها التنافسية والابتكارية مما يقلل من فرص خفض التكاليف بشكل أكبر. ومع ذلك، يوجد هناك عدد قليل نسبيًا من اتفاقيات التجارة الدولية التي تتضمن أحكامًا لتحرير التجارة في السلع والخدمات البيئية. إن الطبيعة الملحة لأزمة المناخ تلزم المجتمع الدولي بأن ينشط من أجل الاتفاق على تعريفات لهذه السلع والخدمات وتنفيذ تدابير عملية للتقليل من الحواجز التجارية الجمركية وغير الجمركية. يمكن مناقشة هذه القضايا في المنتديات الدولية مثل مجموعة العشرين ومنتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ أو كجزء من جهود التعاون الاقتصادي الإقليمي مثل الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة أو الإطار الاقتصادي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ.

يمكن أن يؤدي تحسين الوصول إلى السلع والخدمات البيئية إلى تسريع جهود التخفيف والتكيف على مستوى العالم وبتكلفة أقل. لذلك وبدلاً من الانخراط في الحمائية، فإن من الأفضل أن تقوم الحكومات التي ترغب في دعم الإنتاج المحلي لمثل هذه السلع بتقديم الدعوم للبحث والتطوير وهو أمر مسموح به بموجب قواعد منظمة التجارة العالمية لأنه يمكن أن يساعد الشركات في أن تصبح أكثر كفاءة وابتكارًا، وفي الوقت نفسه، يجب أن تدعم تلك الحكومات التدفق الحر للتجارة، لأن جعل هذه السلع متاحة على نطاق أوسع قد يكون أفضل فرصة لنا لحل أزمة المناخ.

*ألبرت بارك هو كبير الاقتصاديين في بنك التنمية الآسيوي.

*جونغ وو كانغ هو خبير اقتصادي أول في قسم تأثيرات الأبحاث والتنمية الاقتصادية في بنك التنمية الآسيوي.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكت ،2023

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!