المعهد الوطني للبحث الزراعي يثير جدلا علميا حول إمكانية وجود صنف جيني فرعي لشجر أركان
آفاق بيئية : محمد التفراوتي
يلعب البحث العلمي دورأ أساسا لإنجاز دراسات تستشرف التوقعات المستقبلية وتبدي حلولا مناسبة، عبر تصميم حلول مبتكرة وخيارات تكنولوجية وإدارية قادرة على الحفاظ على الخدمات التي يقدمها مجال أركان، وكذا السهر على إبقاءه قيمة مضافة تنافسية على الصعيد المحلي لصالح الساكنة المحلية.
ويقدم البحث العلمي الأدلة والنظريات التي تناولت مجال أركان وكذا فهم القضايا وزيادة الوعي العام، والمساهمة في تطوير المعرفة . وضمن المداخلات العلمية الافتتاحية للمؤتمر الدولي لشجرة أركان استعرض المدير العام بالمعهد الوطني للبحث الزراعي السيد فوزي بكاوي برنامج البحث للتحسين الجيني لأصناف أركان حيث تم تطوير 13 صنفا بمميزات جد عالية.
وكشف بكاوي أن هناك بحوث تهم نوع وسلالة شجرة أركان مشيرا إلى أن الأبحاث والتحاليل المخبرية بينت أن هناك أصنافا من شجرة أركان لديها 20 كروموسوم (Chromosome) وأخرى 22 كروموسوم وأخرى 24 كروموسوم . و هذه النتائج في طور للتدقيق من قبل المعهد الوطني للبحث الزراعي بشراكة مع كلية العلوم ابن زهر. وعليه ما زال هناك تدقيق في هذه النتائج التي ممكن أن تبين أن هناك نوع فرعي ، مما أثار جدالا واسعا وردود أفعال متباينة ونقاشا حادا بين الباحثين والعلماء لجرأة هذا الاعلان وصعوبة التصريح بوجود أفراد من الاشجار مختلفين جينيا يمكن أن يشكلوا سلالات أخرى فرعية.
ولتوضيح الأمر تم الإتصال بفريق البحث المكون من السيدة نعيمة آين عابد وعبد العزيز ميموني و مريم طوفان ، عبد الغني طاهري ، رشيد بو حرود والطالب الباحث في سلك الدكتوراة علي البخاري لإستجلاء الموضوع وبسط النتائج المتوصل إليها وتقديم تبريرات علمية تقنع الباحثين في الضفة المقابلة من نفس التخصص . والذين أكدوا أن هذه النتائج في طور التدقيق بشراكة مع كلية العلوم ابن زهر.
واعتبر فريق البحث أن شجرة أركان عبارة عن شجرة معقدة وأن أحدث الأبحاث التي أجراها المعهد الوطني للبحث الزراعي بالتعاون مع جامعة ابن زهر قد أسفرت عن تحديد وتوصيف الأنماط البيئية للشجرة ، والتي قد تكشف عن وجود أفراد مختلفين جدا وراثيا يمكن أن يشكلوا نوعا فرعيا. فخلال التسعينيات ، كان البحث عن شجرة أركان في المعهد الوطني للبحث الزراعي فرديا ومعزولا ولم يتم اعتماد أي برنامج بحث رسمي. ومع ذلك ، فمن خلال مخطط المغرب الأخضر ، أنشأ المعهد الوطني البحث الزراعي برنامجا بحثيا حول شجرة أركان وزراعته على وجه الخصوص.
وفي هذا السياق نفذ المركز الجهوي للبحث الزراعي بأكادير برامج بحثية متوسطة المدى على مدى 4 سنوات منذ 2014. ومن خلال هذه البرامج ، حقق باحثو المعهد الوطني للبحث الزراعي بالتعاون مع شركاء آخرين نتائج بحث مشجعة . وتتجلى هذه البحوث في الاختيار والتسجيل في السجل الرسمي لستة أصناف عالية الأداء ومنتجة من شجر أركان ، وسبع أصناف أخرى في طور التسجيل في السجل الرسمي من بينها صنف واحد ملقح. وثم تطوير البصمة الوراثية لشجرة أركان باستخدام الأدوات الجزيئية في بحث علمي نال جائزة الحسن الثاني الكبرى في 2015. وسجل بحث آخر في السجل الرسمي في سنة 2021 لستة أصناف أخرى منتجة للغاية (> 50 كجم / شجرة) غير متناوبة مع معدلات زيت عالية تتراوح بين 40 و 55 في المائة . وتم الاختيار والتسجيل في السجل الرسمي كذلك في سنة 2021 مجموعة التلقيح اللازمة لبرامج زراعة أركان .و ثم تحديد وتوصيف الأنماط البيئية لشجرة أركان ذات عدد الكروموسوم المتغير والتي تم تأكيدها ، والتي قد تكشف عن وجود أفراد مختلفين جينيا يمكن أن يشكلوا سلالات فرعية. وفي سياق الابحاث المكثفة التي يجريها المعهد الوطني للبحث الزراعي وشركاءه، تم تحديد 14 نوعا من حشرات تلقيح أركان ، 3 منها تدعو أكثر إلى التفائل :Apis mellifera (نحل العسل) Eristalis tenax et Eristalinus taeniops .
وهكذا ، طور فريق البحث تقنيات فعالة لتكاثر نباتات أركان من أصناف المعهد الوطني للبحث الزراعي عن طريق تكثير النباتات بغرس أَغصان منه. وتوج هذا العمل أيضًا بجائزة الحسن الثاني الكبرى في عام 2019.
و توصلت البحوث الى تكاثر نباتي ناجح بنسبة تصل الى 30 في المائة من الاشجار البالغة مع وجود تأثير كبير للطراز العرقي (effet du génotype) ، وتحسين إنتاج جذور عالية الجودة وفقا لأصل المادة النباتية ، وتأثير التشطيب ، وتأثير الطبقة التحتية وتأثير التركيب الوراثي ثم التمكن من زراعة النباتات المطعمة قيد الإنتاج حاليا في سن 5 إلى 6 سنوات . وهي قيد الإنتاج الأولي حاليا ولم تتم ملاحظة أي علامة على عدم التوافق بين السليل والطعم الجذري على مستوى قطعة الأرض المزروعة. وتم تحديد الاحتياجات المائية للحقول الصغيرة (1800 إلى 2200 م 3 / هكتار) والبالغات (2600 إلى 3200 م 3 / هكتار) ، وكذا تحديد احتياجات عنصر التسميد لبساتين أركان اليافعة. ثم تحديد أمراض وآفات شجرة أركان في المشاتل والحقول الصغيرة والكبيرة بهدف المساهمة في تطوير قواعد تقنية متعلقة بشجرة أركان والتي تستلزمها أو تتطلبها مصالح المكتب الوطني للسلامة الصحية للمنتجات الغذائية ) .ONSSA)
وأظهرت نتائج الدراسات التي أجريت بالمركز المعهد الوطني للبحث الزراعي أن تأثير حبوب اللقاح على خصائص زراعية معينة مهم جدا. لذلك يوصى بشدة بزراعة الملقحات عند إنشاء حقول أركان. ومن ناحية أخرى ، كان السؤال الذي نشأ في ذلك الوقت هو تحديد ناقل / ناقل حبوب اللقاح ، وذلك بالنظر إلى أن الدراسات السابقة أظهرت أن أكثر من 88 في المائة من التلقيح هو بفعل الحشرات. و تم تحديد ما مجموعه 14 نوعا على أنها ملقحات لزهور أركان مع 3 أنواع تعتبر ملقحات محتملة لشجرة أركان ،لذلك تعتمد زراعة أركان بشكل كبير على التلقيح من الحشرات ويجب تصميم إدارة غابات أركان وحقوله لتعزيز التنوع البيولوجي لمجتمع الحشرات والحفاظ عليه.
وفي نفس الاتجاه وأثناء دراسات توصيف المفصليات المرتبطة بشجرة أركان ، اكتشف فريق البحث بالمعهد الوطني للبحث الزراعي على مستوى علم الحشرات اكتشاف نوع جديد من النمل من جنس Temnothorax الفريد من نوعه في العالم والذي يوجد فقط على أشجار أركان في منطقة تامري شمال أكادير. تم تمييز هذا النوع كمؤشر حيوي لشجرة أركان وتم تسميته لاحقا Temnothorax tamriensis نسبة إلى المكان الذي تم اكتشافه فيه.
وعلى المستوى الزراعي ، أكدت بحوث الفريق أنه تم تطوير المسار التقني لشجرة أركان في زراعة أركان على مستوى المعهد الوطني للبحث الزراعي بهدف تحسين الجودة والعوائد في الإنتاج. و أدى الري المقترن بمدخلات الأسمدة (التسميد) إلى تحسن كبير في نمو النباتات الصغيرة والدخول المبكر في الإنتاج من السنة الثالثة بعد الزرع. وبالنسبة لأشجار أركان البالغة ، لوحظ أيضا التأثير الإيجابي للري على النمو الكلي للنباتات وخاصة نمو الفروع وانبعاث الفروع الجديدة وإنتاجية حبة الفاكهة. وبعد إجراء الميزان المائي ، تكون حقول من نباتات أركان الصغيرة والكبيرة بكثافة 200 نبتة / هكتار من 1800 إلى 2200 م 3 و 2600 إلى 3200 م 3 على التوالي. من ناحية أخرى ، فالاحتياجات من وحدات التسميد لكل هكتار لنباتات أركان الصغيرة . كما أظهرت الدراسات التي أجريت على مستوى التنقيب عن الأمراض والآفات التي تصيب شجرة الأركان والتعرف عليها ومعالجتها أن الفطريات الممرضة للنبات المرتبطة بشجرة أركان هي من جنس Aspergilus و Rhizopus. بينما الآفات الحشرية التي تم تحديدها هي: من جنس Macrosiphum ، حشرة من جنس Nysius ، 4 أنواع من الخنافس xylophagous ، نوع واحد من الذبابة البيضاء وآخر من القرمزية. وقد ساهمت هذه البيانات في تطوير اللوائح التقنية المتعلقة بشجرة أركان التي تتطلبها خدمات المكتب الوطني للسلامة والصحة النباتية وتنفيذ إدارة الصحة النباتية على مستوى حقول أركان عند الضرورة.
يشار أن الانجازات المتكاملة للبحث العلمي ساعدت في صياغة رؤية واضحة للأولويات العلمية، وتوجيه المعارف لصالح سلسلة أركان ومجالها الحيوي. ومع ذلك، فإن التركيبة المعقدة للمنظومة البيئية تتطلب التعبئة المستمرة للخبرات المختصة لمواكبة الرؤية الاستراتيجية والمستقبلية. وفي إطار رؤية تطلعية مستدامة، يرنو المجتمع العلمي إلى دراسة إمكانات شجرة أركان ومحيطها الحيوي لبلوغ تنمية شاملة و ايجاد أبحاث ونتائج مبتكرة تلبي الاحتياجات المستقبلية وترسم مسارا يستوجب ترشيد الاستخدام للموارد الطبيعية بشكل المستدام مع تحقيق الالتقائية بين الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والبيئية في سياق دولي متحول.
يذكر أن المؤتمر الدولي لأركان يعد فرصة للتلاقح الأفكار والتجارب بين الباحثين والمهنيين في أفق معالجة مختلف قضايا شجرة أركان ومحيطها الحيوي. وأضحى المؤتمرموعدا دوليا في أجندة الفاعلين المعنيين بشجرة أركان ومجاله الحيوي. راكم بعد 5 دورات من العطاء العلمي العديد من البحوث الأكاديمية الوازنة .ويمكن المؤتمر من تعزيز الدعم العلمي لآفاق تنمية شجرة أركان ومجالها الحيوي و بات المؤتمر يلعب دورا في توفير الالتقائية والحوار بين الباحثين والمهنيين وكذا صناع القرار ومنظمات المجتمع المدني و بناء تقييم استباقي للتطورات التكنولوجية من أجل الابتكار وإنتاج المعرفة..
يذكر أن المؤتمر في نسخته السادسة عرف مشاركة عدد من الباحثين وكذا ممثلين حكوميين ومهنيي السلسلة، فضلا عن شركاء تقنيين وماليين وكذا المجتمع المدني والاعلام . ونقلت فقرات المؤتمر باستعمال تقنية التواصل شهد متابعة دولية من قبل المهتمين والباحثين وذوو القرار الزراعي والبيئي .