منظمة حلف شمال الأطلسي تحتضر

محمد التفراوتي16 يوليو 2020آخر تحديث :
TOPSHOT - French President Emmanuel Macron (R) and Turkish President Recep Tayyip Erdogan walk during a joint press conference on January 5, 2018, at the Elysee Palace in Paris.
Erdogan will attempt to reset relations with Europe at talks with Macron in Paris on January 5 that are likely to be overshadowed by human rights concerns. / AFP PHOTO / POOL / LUDOVIC MARIN (Photo credit should read LUDOVIC MARIN/AFP via Getty Images)
TOPSHOT - French President Emmanuel Macron (R) and Turkish President Recep Tayyip Erdogan walk during a joint press conference on January 5, 2018, at the Elysee Palace in Paris. Erdogan will attempt to reset relations with Europe at talks with Macron in Paris on January 5 that are likely to be overshadowed by human rights concerns. / AFP PHOTO / POOL / LUDOVIC MARIN (Photo credit should read LUDOVIC MARIN/AFP via Getty Images)

آفاق بيئية : آنا بالاسيو

ربما تكون منظمة حلف شمال الأطلسي هي “التحالف الأكثر نجاحا في التاريخ” ــ كما يزعم أمينها العام ينس ستولتنبرج ــ لكنها ربما تكون أيضا على حافة الفشل. فبعد سنوات قليلة حافلة بالاضطرابات أدار خلالها رئيس الولايات المتحدة دونالد ترمب ظهر أميركا على نحو متزايد لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، تصاعدت التوترات بين فرنسا وتركيا بشكل حاد، مما كشف عن مدى هشاشة الحلف.

TOPSHOT – French President Emmanuel Macron (R) and Turkish President Recep Tayyip Erdogan walk during a joint press conference on January 5, 2018, at the Elysee Palace in Paris.
Erdogan will attempt to reset relations with Europe at talks with Macron in Paris on January 5 that are likely to be overshadowed by human rights concerns. / AFP PHOTO / POOL / LUDOVIC MARIN (Photo credit should read LUDOVIC MARIN/AFP via Getty Images)

بدأ التشاحن الفرنسي التركي في منتصف يونيو/حزيران، عندما حاولت فرقاطة تابعة للبحرية الفرنسية تحت قيادة الناتو في البحر الأبيض المتوسط تفتيش سفينة شحن اشتبهت في انتهاكها لحظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على ليبيا. تزعم فرنسا أن ثلاث سفن تركية مرافقة لسفينة الشحن كانت “شديدة العدوانية” تجاه فرقاطتها، حيث أومضت أضواء راداراتها ثلاث مرات ــ وهي إشارة إلى اشتباك وشيك. نفت تركيا رواية فرنسا، مدعية أن الفرقاطة الفرنسية كانت تتحرش بسفنها.

أيا كانت التفاصيل، فالحقيقة هي أن حلفاء الناتو اقتربوا للغاية من تبادل إطلاق النار في سياق مهمة للناتو. وهذا منحدر غير مسبوق للحلف ــ منحدر ربما ينذر بزواله.

في مناسبة شهيرة، قال الأمين العام الأول للناتو ساخرا إن مهمة الحلف تتلخص في “إبقاء الروس في الخارج، والأميركيين في الداخل، والألمان في الأسفل”. من الواضح أن هذه الديناميكية تغيرت على مدار العقود اللاحقة، وخاصة العلاقة مع ألمانيا. لكن الأساس العريض للتعاون ــ التهديد المشترك المتصور، والقيادة الأميركية القوية، وحس الغرض المشترك ــ ظل على حاله بلا تغيير.

في غياب القيادة الأميركية، تصبح البنية بأكملها عُـرضة لخطر الانهيار. ليس من قبيل المصادفة أن الولايات المتحدة كانت منشغلة بحرب فيتنام في المرة الأخيرة التي اقترب فيها اثنان من حلفاء الناتو إلى هذا الحد من الاشتباك ــ أثناء الغزو التركي لقبرص في عام 1974. الواقع أن الشجار بين تركيا وفرنسا نشب بعد أيام فقط من الكشف عن القرار الذي اتخذه ترمب، دون أي استشارة مسبقة مع حلفاء أميركا في الناتو، بسحب آلاف الجنود الأميركيين من ألمانيا.

ربما لم تعد ألمانيا على الخط الأمامي، كما كانت خلال الحرب الباردة، لكن القوات الأميركية هناك لا تزال تعمل كرادع قوي للعدوان الروسي على طول الجناح الشرقي للناتو. ومن خلال سحب هذه القوات، بعث ترمب برسالة جوهرية مفادها أن ضمان الأمن الأوروبي لم يعد أولوية عليا في نظر الولايات المتحدة.

على الرغم من تسارع انجراف أميركا بعيدا عن أوروبا في عهد ترمب، فإن هذا الانجراف بدأ قبل أكثر من عشر سنوات. في عام 2011، عندما كان سلف ترمب، باراك أوباما، يروج لمحوره نحو آسيا، حَـذَّر وزير الدفاع الأميركي آنذاك روبرت جيتس من أن الولايات المتحدة ربما تفقد الاهتمام ما لم يثبت الناتو أهميته. لم يفعل الناتو أي شيء من هذا القبيل: فحتى شهر ديسمبر/كانون الأول الفائت، فشلت إعلانات القمم التي عقدها حتى في الاعتراف بالتحديات التي يفرضها صعود الصين. بحلول ذلك الوقت، كانت الولايات المتحدة فقدت الاهتمام. والآن، في عهد ترمب، تحول عدم الاهتمام إلى عداء مفتوح.

في غياب الولايات المتحدة على الدفة، بدأ حلفاء الناتو يسلكون اتجاهات مختلفة. وتركيا هي المثال الأوضح على هذا. فقبل الشجار الأخير مع فرنسا، اشترت تركيا نظام الدفاع الصاروخي الروسي S-400، على الرغم من اعتراضات الولايات المتحدة. علاوة على ذلك، تدخلت تركيا بوقاحة في ليبيا، فوفرت الدعم الجوي والأسلحة والمقاتلين لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس.

ويبدو الرئيس التركي رجب طيب أردوغان واثقا من أن علاقته المباشرة مع ترمب ستحميه من تحمل أي عواقب لسلوكه. ويبدو أن القرار الذي اتخذه ترمب بعدم فرض عقوبات على تركيا بسبب شرائها لهذه الصواريخ، بخلاف قطع مشاركة تركيا في برنامج الطائرات المقاتلة F-35، يبرر منطق أردوغان.

لكن تركيا ليست وحدها في العمل بشكل منفرد؛ فقد فعلت فرنسا الشيء ذاته، بما في ذلك في ليبيا. فمن خلال تقديم الدعم العسكري للجنرال المدعوم من روسيا خليفة حفتر، الذي يسيطر على شرق ليبيا، لمحاربة المسلحين الإسلاميين، خالفت فرنسا اتجاه حلفائها في الناتو. ورغم نـفـي الرئيس إيمانويل ماكرون دعم جانب حفتر في الحرب الأهلية، فقد أعرب مؤخرا عن دعمه لتعهد مِـصر بالتدخل عسكريا ضد تركيا، التي يقول إنها تتحمل “مسؤولية جنائية” في ليبيا.

مع تصاعد التوترات مع تركيا، أصبحت فرنسا أكثر إصرارا من أي وقت مضى على أن النهج الأوروبي في التعامل مع الأمن والدفاع ــ وهو الذي تقوده فرنسا بحكم الأمر الواقع ــ شديد الأهمية. ويبدو أن تضاؤل الدعم الشعبي لماكرون داخل فرنسا يزيد من إحساسه بإلحاح هذه المسألة.

بعيدا عن الدوافع السياسية، قال ماكرون بصوت عال ما لم يعترف به سوى قليلين آخرين: وهو أن الناتو يعاني من “موت دماغي”، بسبب التزام ترمب المشكوك فيه بالدفاع عن حلفاء أميركا. بالنظر إلى أن انجراف الولايات المتحدة بعيدا عن الناتو بدأ قبل ترمب بفترة طويلة، فليس هناك من الأسباب الوجيهة ما يدفعنا إلى الاعتقاد بأن هذا الاتجاه قد ينعكس في الاتجاه الآخر، وإن كان من المحتمل أن يتباطأ إذا خسر ترمب انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني. ويزعم ماكرون أن أوروبا قد “تفقد السيطرة على مصيرها” ما لم تبدأ التفكير في ذاتها كقوة جيوسياسية وتتحمل المسؤولية عن أمنها.

في شهر ديسمبر/كانون الأول المنصرم، احتفل حلف الناتو بالذكري السنوية السبعين لإحلال السلام، والاستقرار، والرخاء على ضفتي الأطلسي. لكن الشقوق في جسم الحلف تزداد عمقا، مما يثير شكوك جدية حول ما إذا كان الحلف ليظل باقيا إلى الذكرى السنوية الخامسة والسبعين. الآن حان الوقت لكي تسارع أوروبا إلى دعم دفاعاتها وقدراتها.

آنا بالاسيو : وزيرة خارجية إسبانيا السابقة ونائبة رئيس سابق ومستشار عام لمجموعة البنك الدولي ، وهي محاضرة زائرة في جامعة جورجتاون

ترجمة: إبراهيم محمد علي – بروجيكت سنديكيت

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!