التنمية ليست سرقة للمستقبل

محمد التفراوتي17 ديسمبر 2012آخر تحديث :
التنمية ليست سرقة للمستقبل

  * نجيب صعب

najibsaab

طلب البلدان العربية على منتجات الطبيعة وخدماتها تبلغ ضعفي ما يمكن الأنظمة الطبيعية في هذه البلدان أن توفره من موارد متجددة. الخلل بين الامدادات المحلية والطلب على الموارد يشكل تهديداً لفرص النمو ونوعية الحياة في المستقبل. ويتم سد العجز عن طريق الاستيراد من الخارج واستنفاد مخزونات الموارد المحلية، بما يفوق طاقة الطبيعة على التجدد. هذا أبرز ما توصل إليه تقرير “خيارات البقاء” الذي صدر عن المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد). يتفحص التقرير خيارات الاستدامة في البلدان العربية، استناداً الى حجم الطلب على الموارد الطبيعية مقارنة مع الإمدادات المتجددة المتوافرة. 

يبحث التقرير في المسارات الممكنة لتحقيق الاستدامة، استناداً إلى محدوديات النظم الطبيعية. وقد أوكل المنتدى الى شبكة البصمة البيئية العالمية إعداد أطلس للبصمة البيئية والموارد الطبيعية في العالم العربي، باستخدام أحدث البيانات المتاحة، ليكون أساساً يبني عليه تحليله. ويغطي الأطلس البلدان الـ22 الأعضاء في جامعة الدول العربية، وذلك على مستوى المنطقة كلها والمجموعات الإقليمية وكل بلد على حدة، بهدف تكوين صورة واضحة عن التباين في الموارد المتاحة والطلب عليها، بما يساعد في تحديد مسارات بديلة، خاصة في مجال التعاون الإقليمي. 

يقترح التقرير التعاون الإقليمي والإدارة الرشيدة للموارد كخيارين أساسيين للبقاء، في منطقة تتميز بتفاوت كبير في البصمة البيئية والموارد الطبيعية ومستويات الدخل. لهذا، يتطلب تحقيق نوعية حياة جيدة يمكن الحفاظ عليها على المدى الطويل لجميع سكان المنطقة، الاهتمام بتحقيق مستويات عالية من التكامل الاقتصادي وفتح التجارة الحرة عبر الحدود العربية، بحيث يساعد التدفق الحر للمنتجات والرساميل والثروة البشرية على تحسين أوضاع جميع البلدان. 

يقدم المنتدى تقريره هذا تخليداً لذكرى محمد عبدالفتاح القصاص، الرائد والرائي البيئي الذي رحل في آذار (مارس) 2012 عن واحد وتسعين عاماً. لقد كان مؤمناً صلباً بضرورة التعاون الإقليمي بين البلدان العربية، استناداً الى فوائد التكامل بين المزايا الطبيعية والبشرية المتنوعة والتشارك في الأبحاث العلمية لتحقيق تقدم حقيقي. القصاص كان وراء فكرة إصدار تقرير يتفحص خيارات الاستدامة في المنطقة العربية. وقد عملنا معاً على خطة هذا التقرير، وعقدنا اجتماعات متعددة في مكتبه بجامعة القاهرة لتحليل النتائج الأولية. وحين اطّلع على الأرقام التي تم جمعها لأطلس البصمة البيئية والموارد، علّق بحزن أن ما تواجهه المنطقة العربية لا يقل عن صراع من أجل البقاء. هذا ما دفع الى تغيير عنوان التقرير من “خيارات الاستدامة” الى “خيارات البقاء”. 

وعندما طرحنا التعاون الإقليمي على أنه “خيار”، علّق القصاص أنه واجب وليس مجرد خيار. وللتأكيد على هذا، مشى على عكازه الى مكتبة الكلية وطلب التقرير الثاني لنادي روما، الذي صدر عام 1974 بعنوان “البشرية على مفترق الطرق”، وهو اقترح تقسيم العالم الى عشر مناطق نمو، وشجّع على التكامل العضوي داخل كل منطقة والتعاون في ما بينها، كحل لإدارة رشيدة للموارد. وأشار القصاص الى خريطة في تقرير نادي روما وضعت البلدان العربية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ضمن مجموعة إقليمية واحدة من مجموعات النمو العشر المقترحة. 

بينما يتغنى العرب منذ عشرات السنين بشعارات مثل “أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة”، لم يحققوا أي شي يُذكر على صعيد التعاون الإقليمي في المسائل العملية، أكان في الدراسات والأبحاث أو في الاقتصاد وإنتاج الغذاء. لا يمكن لأي بلد عربي أن يؤمن سبل الحياة منعزلاً. غير أن التنوع في الموارد الطبيعية والبشرية يشكل مصدر غنى. لذا فإن خيار البقاء الوحيد للدول العربية هو التعاون الإقليمي والإدارة المتوازنة للموارد. وفي ما عدا ذلك، تكون برامج التنمية سرقة لحق الأجيال الطالعة في المستقبل. 

*الأمين العام، المنتدى العربي للبيئة والتنمية 

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!