أولمبياد لندن هل يكون الأكثر استدامة؟

محمد التفراوتي17 ديسمبر 2012آخر تحديث :
أولمبياد لندن هل يكون الأكثر استدامة؟

Photo_5

عماد فرحات

وضع منظمو دورة الألعاب الأولمبية في لندن خطة طموحة لاستضافة «أفضل أولمبياد حتى الآن». لكن «الأفضل» لا يعني فقط الهندسة المعمارية والعائدات والمتفرجين، إذ تطمح لندن أيضاً الى جعل دورتها «الأكثر استدامة». هذا هدف جريء لأهم حدث رياضي عالمي، ويعني بالنسبة الى اللجنة المنظمة حماية موائل الحياة البرية في المناطق المعنية، وتخفيض الانبعاثات الكربونية وتقليل استهلاك الطاقة وإنتاج النفايات، فضلاً عن تحديد مصادر المواد واللوازم بمسؤولية.

ستبقى الأضواء العالمية مسلطة على لندن طوال ثلاثة أسابيع تقريباً هذا الشهر. لكن ثمة من سيتابع بشكل خاص تنفيذ التدابير الصديقة للبيئة وإلى أي مدى ستفي عاصمة بريطانيا بوعودها البيئية، التي نالت على أساسها شرف استضافة الأولمبياد.

نقل أنظف ونفايات أقل

من سيقصدون لندن لحضور الألعاب الأولمبية سيجدون صعوبة في الحصول على بطاقات دخول إلى الملاعب اذا لم يشتروها من قبل، لكنهم لن يجدوا صعوبة في «تخضير» إقامتهم في المدينة.

سوف تعمل وسائل النقل، ومنها قطارات الأنفاق، أوقاتاً اضافية. وبالطبع تتوافر خيارات أخرى، مثل الترام الكهربائي وقطارات السكك الحديد والحافلات الشهيرة ذات الطبقتين وسيارات الأجرة. وهناك أيضاً نظام «باركلي» لتأجير الدراجات الهوائية الذي يوفر محطات خدمة في أنحاء المدينة.

وسيتولى أسطول سيارات «نظيفة» من طراز BMW نقل الشخصيات المهمة، بحيث تسلك مسارات خاصة على طرق لندن الرئيسية. ويعمل معظم هذه السيارات بالديزل النظيف، لكن بينها 200 من طراز جديد يعمل بالكهرباء فقط. ولئن كان الهدف الأصلي إقامة دورة «صفر نفايات»، فقد وعد منظمون بإعادة تدوير 70 في المئة من النفايات، بما فيها القوارير البلاستيكية، وتحويل النفايات العضوية إلى سماد. وسوف تستعمل المطاعم ومتاجر المواد الغذائية في الميدان الأولمبي الرئيسي أغلفة وعلباً قابلة للتحويل الى سماد، صنعت في غالبيتها من لدائن عضوية أساسها نشاء السليلوز. وهذا يتيح التخلص منها بطريقة سليمة فلا تبقى سنوات طويلة في المطامر.

ويعمل مدققو «خطة السياحة الخضراء» بشكل مستقل على مراقبة خدمات الفنادق ومنح شهادات لتلك التي تتمتع بصفات الاستدامة والميزات الصديقة للبيئة.

تخفيض البصمة البيئية

سوف تؤدي الطاقة المتجددة دوراً مهماً في الأولمبياد. وكانت الخطة الأصلية تعد بتزويد 20 في المئة من الطاقة في الميدان الأولمبي والقرية الأولمبية من مصادر متجددة، لكن هذا قد لا يتعدى حالياً تسعة في المئة. فلأسباب تتعلق بالسلامة، تم التخلي عن مشروع لإقامة توربينات رياح في الموقع ومولدات كهرمائية في نهر التايمز. وتم تركيب ألواح شمسية على سطوح عدد من الأبنية وإنتاج بعض الطاقة من النفايات.

وسيتم تخفيض كمية ماء الشرب الذي يستهلك في المنشآت الرياضية الجديدة بنسبة 40 في المئة، بتركيب أدوات صحية كفوءة والري بماء غير صالح للشرب. وسيكون استهلاك كل فرد 105 ليترات يومياً، في مقابل 160 ليتراً كمعدل قياسي. وقد تم استعمال 20 في المئة من مواد الانشاء من مصادر معاد تدويرها.

والخطة المتعلقة باعادة التدوير وإعادة الاستعمال لن تقتصر على القوارير والعلب وأغلفة السندويشات، بل ان بعض الملاعب سيعاد استعمالها. فمباريات كرة القدم سوف تقام في ملعب يمكن تفكيكه ونقله واعادة استعماله بعد انتهاء الأولمبياد. وهذا يبشر بعصر جديد، حيث يمكن إقامة أحداث رياضية كبرى في ملاعب متنقلة يتم إحضار أجزائها وتجميعها بدلاً من بناء ملاعب جديدة، لأن كثيراً منها لا حاجة إلى استعماله بعد انتهاء المباريات.

ولا بد من الإشارة هنا إلى إمكان استفادة قطر من هذه التجربة، إذ إنها تعتزم تفكيك بعض الملاعب التي ستنشئها من أجل مباريات كأس العالم في كرة القدم لسنة 2022، ليتم نقلها وإعادة تركيبها في بلدان آسيوية أخرى.

وسيكون الميدان الأولمبي التحفة الخضراء للأولمبياد. هذا المكان الذي يحتشد فيه الجمهور شُيد على أرض كانت تستعمل في الماضي لأغراض صناعية. ويضم طرفه الجنوبي الآن فسحة عامة للمشاة تزخر بالمحلات التجارية والمقاهي والمطاعم. أما الطرف الشمالي ففيه حدائق ومسطحات خضراء أشبه بمحمية طبيعية.

وتم التعاقد مع مشاتل بريطانية لزرع 300 ألف نبتة و2000 شجرة نامية في الموقع. وقد غرست الملكة إليزابيث الشجرة الأولى في تشرين الثاني (نوفمبر) 2009.

ويضم الميدان الأولمبي موئلاً للحياة البرية مساحته 45 هكتاراً، يحوي 525 صندوقاً لتعشيش الطيور و150 صندوقاً للوطاويط.

لقد باتت البيئة «البعد الثالث» للألعاب الأولمبية، إلى جانب الرياضة والثقافة. واستضافة هذه الألعاب باتت تسرّع إدخال الاعتبارات البيئية في السياسة العامة للبلد المضيف. لكن كثيراً من الشكوك تحوم حول «اخضرار» أولمبياد 2012. فقد أكدت لندن مؤخراً أن ليس لديها خطط لجعل الألعاب محايدة كربونياً، بما في ذلك مقايضة انبعاثات السفريات الدولية.لكن الخطة هي أن يكون أولمبياد لندن الأول الذي يقيس بصمته الكربونية طوال مدة المباريات.

كما أن بين الشركات الراعية للحدث اثنتين سببتا استهجاناً كبيراً. إحداهما «داو كيميكال» المندمجة مع شركة «يونيون كاربايد» المسؤولة عن كارثة تسرب الغاز السام في بوبال بالهند عام 1984، ما جعل منظمات هندية كثيرة تطالب بمقاطعة الأولمبياد. والثانية هي بريتش بتروليوم التي انهارت منصتها النفطية في خليج المكسيك عام 2010 مسببة إحدى أضخم كوارث التلوث البحري.

ويبقى تلوث هواء لندن مشكلة قديمة جديدة. وقد حذر خبراء صحيون من أن زوار المدينة، والرياضيين المشاركين في الألعاب، سيتنشقون أضعاف المستويات المأمونة من الملوثات.

(ينشر بالتزامن مع مجلة “البيئة والتنمية” عدد تموز/آب – يوليو/أغسطس 2012)

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!