العلاقة بين تلوث البيئة وغياب الإبداع … الوطن العربي أنموذجا؟؟

محمد التفراوتي17 ديسمبر 2012آخر تحديث :
العلاقة بين تلوث البيئة وغياب الإبداع … الوطن العربي أنموذجا؟؟

محمد يحي جهلان *

يعد موضوع أو علم البيئة نقطة التقاء كل العلوم سواء السياسية منها أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو النفسية أو الإبداعية  باعتباره العلم الذي يحمل خصائص التأثير والتأثر على كافة الأنماط الحياتية والبشرية بكل مكوناتها ,,  فعلمي الاجتماع  والنفس على سبيل المثال يحددان شخصية الإنسان وصفاته من خلال تأثير البيئة بتعدد أشكالها الجغرافية والمناخية ومدى إسهامها في تشكيل الشخصية والمواهب والاهتمامات والهوايات لدى الفرد..بدورها العلوم  السياسية والاقتصادية والتنظيمية  أعطت البيئة أولوية في الدراسة والبحث لبناء الاستراتجيات وإعداد الخطط  كعنصر أساسي  قد يؤدي إلى الفشل إذا لم يأخذ في الاعتبار ,, الأمر الذي أدى إلى مزيد من التطور والاكتشافات لتلك النظريات المتعلقة بالبيئة والمناخ والتلوث لتصبح بعد ذلك علوم  أساسية  كالجغرافيا السياسية وعلوم المناخ والبيئة …الخ .رغم كل تلك الأهمية التي أولتها العلوم القديمة للبيئة والتعريف بماهيتها وتأثيرها  إلا انه تم التعامل معها خلال القرون الأخيرة  كنظريات يمكن تجاوزها في ظل ما حدث من طفرة هائلة  ونمو متسارع  للعلوم والتكنولوجيا.. فقد عمد ما سمي بالنظام العالمي الجديد أو العولمة والسوق الحرة إلى ابتكار و تسويق  تلك التطورات والاكتشافات المتلاحقة وفق أهداف تقوم على بسط  النفوذ والسيطرة والربح فقط ,, غافلة تأثيرها السلبي  على الحياة البشرية الأمر الذي أدى إلى مشكلة بيئية كبيرة نتج عنها الظواهر والمخاوف التي كثير ما نسمعها مؤخرا منها الاحتباس الحراري واتساع طبقة الأوزون والكوارث الطبيعية مثل الفيضانات والزلازل والازدياد المضطرد للتلوث البيئي …الخ

مؤخرا أدركت الأنظمة والحكومات على وجه التحديد الغربية مدى الخطر القائم  فحسب الخبراء والمختصين تعد قضية التلوث البيئي من أهم قضايا العصر .. ولعل آخر الدراسات  توضح ذلك من خلال التحذير الذي أطلقة باحثون بريطانيون بأن مستوى الذكاء عند ملايين البشر قد يتأثر بصورة سلبية نتيجة للتلوث البيئي و انتشار المواد السامة في الجو !.وأن المواد السامة الموجودة في الهواء كالرصاص و الإشعاعات و بعض المواد المستخدمة في التجهيزات الكهربائية  ، تهدد صحة البشر و تضعف ذكاءهم ، كما أن عوامل التعرية تقلل من بعض المكونات المعدنية في التربة مما يخفض مستوى إنتاج المحاصيل الزراعية .

موضحين التهديد المستقبلي والمتمثل بظهور العديد من المشاكل والظواهر ، فالأطفال مثلا اكبر المتضررين صحيا وعقليا  من قلة الحديد ,, كما أن الخطر يهدد  ما يقارب المليار و خمسمائة مليون شخص في جنوب شرقي آسيا  الذين يعيشون معاناة مستمرة من نقص الحديد في العديد من محاصيلهم الزراعية، بسبب اندثار الغابات .

دراسة أخرى قدمت مؤخرا ولعل نتائجها أكثر قتامه من الأولى حيث كشفت ان ظاهرة تغير المناخ  وارتفاع درجة حرارة الأرض‏,‏ درجتين بحلول عام‏2050  وفق التوقعات سوف تجلب لنا أمراضاً جديدة‏..كما أوضحت أن أثارها سيصل إلى العلاقات الاجتماعية ونوعية العلاقات الزوجية وأكدت الأرقام أن كل ستة من الأطفال يتعرضون للموت يقابلهم واحد وأن 12 مرضاً مميتاً تتراوح من أنفلونزا الطيور إلى الحمى الصفراء من المرجح أن تنتشر بشكل أكبر بسبب الآثار المترتبة على تغيير المناخ‏ حسب ما كشفته جمعية الحفاظ على الحياة البرية .

الدكتور كريس وِليامز احد خبراء البيئة والمناخ معدي الدراسة و الباحث في الشؤون الاجتماعية في معهد التربية بجامعة لندن علق على مثل هذه الحقائق بقوله  لقد أصبح الدماغ البشري في خطر جَرَّاءَ السلوكيات التي اقترفها بنفسه، بينما لا يوجد أي شيء في النظام البيئي يؤذي نفسه بنفسه.

لعل تعامل الدول الغربية تغير كثيرا وان كان ذلك التغيير محصورا بمصلحة بلدانهم فقط .. وهو ما  يتضح جليا من خلال المعالجات المستمرة والإجراءات المتخذة من قبل العالم الغربي للحد من تأثير المشكلة وقبل ذلك بل والاهم الاعتراف الكامل لتلك الدول وامتلاك المبادرة للتعامل مع المشكلة بل وصل الأمر إلى ربط موضوع البيئة والمناخ  بالخوف على الحضارات من الزوال أو على الأقل تهديدها .

لكن الفاجعة هي حين ننتقل بالمشكلة لتقييم واقعنا العربي  وطريقة تعامله مع قضية البيئية والتلوث البيئي وهو ما نركز علية  نجد ان المعاناة تتسارع بل وتنذر بالكثير من الماسي والكوارث من خلال  اللامسؤولية الجمعية سواء من قبل تعامل الحكومات والشعوب ,, فالتعامل الرسمي يمكن أن يتم تلخيصه بعبارة موجزة مفادها انه  مبنى على تفاعل وقتي مناسباتي محدود كالاحتفال باليوم العالمي للبيئة أو الندوات أو المؤتمرات التي تشارك فيها بين الحين والأخر في ظل غياب كامل للاستراتجيات والآليات للتعامل مع هذه المشكلة  لكل دولة على حدة   يصاحبه غياب لإستراتيجية شاملة للوطن العربي تتضمن الإجراءات الوقائية والأساليب التعليمية والتربوية  والإعلامية .. كل ذلك يواكب اللا مسئولية الشعبية التي قد تصنف بالسلبية المطلقة  لعدم وجود إيمان ومعرفة  بحجم المشكلة والآثار الكارثية التي ستنعكس على الواقع الحياتي وعلى واقع الأجيال القادمة وإلقاء العبء بكل سهولة على الحكومات  لحل مثل هذه المشكلة كون مثل هذه الأمور ليست من اختصاصهم  .

فتشخيص قضية التلوث البيئي في الوطن العربي حسب خبراء ودراسات ان المشكلة  تتسع باستمرار وتتفاقم بصورة سريعة بالنظر إلى ظروفها الطبيعية وحجم وتنوع الموارد المتاحة مرجعين السبب الرئيس في ذلك إلى أن معظم الدول العربية اعتمدت على أساليب التنمية السريعة والتي بدورها تعتمد على الاستغلال المكثف للموارد الطبيعية وباستخدام تقنيات الإنتاج الحديثة التي في كثير من الأحيان لا تلاءم الظروف البيئية .. كما وأن سياسات توفير الخدمات يتم بصور لا تتكافأ مع المجتمعات الحضرية والريفية ومعطياتها, في ظل الانفجار السكاني والنمو الحضري المتسارع الذي أدى بالمقابل إلى تدهور الخدمات والمرافق في كثير من المجتمعات الحضرية كل ذلك زاد من معدل التدهور البيئي والمشكلات البيئة  .

ولعل آخر توصيات للمؤتمر الدولي الخامس للتنمية والبيئية في الوطن العربي الذي عقد في جامعة اسيوط بمصر خلال الفترة من 21 – 23 مارس 2010م تثبت مدى خطورة المشكلة من خلال توصياته التي ركزت على ضرورة  خلق الوعي الحكومي والجماهيري بالموضوعات البيئية والحرص على تضمينها بكافة المقررات الدراسية في التعليم الجامعي وقبل الجامعي بالإضافة إلى التأكيد على  تفعيل دور أجهزة الدول في المحافظة على الأمن البيئي عبر أقاليمها المختلفة وإضافة محور للمشروعات الصغيرة ودراسات الجدوى وتقييم الأثر البيئي و تشديد الرقابة على الأغذية والمنتجات الغذائية منذ دخولها . .وإنشاء قواعد بيانات رقمية وعمل بوابة إلكترونية في المجالات البيئية بكافة الأقطار العربية كوسيلة اتصال فعالة بين الباحثين والمهتمين بالشئون البيئية في الدول العربية مع ضرورة إنشاء مراجع بيئية عربية .

كما لم تغفل التوصيات إلى ما تطرقنا إلية سابقا حول العلاقة المتبادلة والترابط الوثيق  بين البيئية والتنمية الشاملة وان الأمان البيئي الخطوة الأساسية للوصول إلى التنمية المطلوبة لأي بلد … بالإضافة إلى ضرورة  إنشاء هيئات بكافة الأجهزة الإعلامية تختص برفع مستوى الوعي البيئي بكافة تفاصيله .

كل ما سبق يدعونا كحكومات وشعوب عربية إلى الإدراك الحقيقي لماهية المشكلة والعمل على وضع الحلول العاجلة.. فالواجب يحتم على الحكومات البدء بوضع استراتيجيات عامة تتفرع منها خطط اقتصادية واجتماعية وإعلامية وتوعوية لمعالجة مشكلة التلوث البيئي والتعامل مع البيئية وإيجاد آلية تنفيذ عاجلة  لتلك الخطط  دون إي تسويف في الوقت  فأي تأخير يزيد ويعقد المشكلة … فحسب نتائج دراسات قام بها باحثون أكاديميون سوريين مؤخرا أن من ابزر الحلول لمشكلة تلوث البيئة هي قيام الدول العربية بوضع استراتيجيات تساعد على زيادة الوعي البيئي مشيرين إلى أن ذلك يشكل 50 في المائة من عوامل تساعد للوصول إلى بيئة سليمة .. بالإضافة إلى ضرورة الاستفادة من تجارب الآخرين خصوصا الخبرات الأوروبية في المعالجات التي قامت بها في الحد من التلوث أهمها تقنيات البيئة المنزلية والحد من الاستخدام   العشوائي للتكنولوجيا.

بالمقابل لابد علي الأفراد والأوساط الثقافية والإعلامية والشعبية التفاعل والعمل على خلق توعية شعبية توضح الدور  المطلوب من  الفرد بالمقام الأول كونه العنصر الأول المؤثر والمتأثر,, فهو من اوجد المشكلة وهو من بيده الحل..

يلي ذلك التركيز على دور الأسرة والمدرسة ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص لخلق وعي بيئي والحد من اثر الخطر الذي يلامس ويؤثر على الحياة العامة بل ويصل مداه إلى الأجيال فالتنمية الشاملة و المستقبل والإبداع العربي  مرهون بالتفاعل الجاد من قبل الجميع ابتداء بالفرد وانتهاءا بالحكومات .

صحفي يمني /متخصص بشؤون الصحة والبيئة والسكان .

 

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!