نحو أبحاث علمية و معرفية رصينة تساعد ذوو القرار لتنفيذ برامج تنموية تراعي سياسة القرب والنوع.
آفاق بيئة : محمد التفراوتي
نظم مشروع ” إدارة المياه ودفع مقابل الخدمات البيئية في سياق تغير المناخ ” (GIREPSE) الذي تنسقه الجمعية المغربية للعلوم الجهوية (AMSR) برحلة علمية لفائدة بعض طلبة المهندسين من المدرسة الغابوية للمهندسين بالرباط .
لا مناص للباحث العلمي ومهندسي المستقبل أن يقاربوا إشكالات تغير المناخ ونضوب المياه والفياضات والتصحر والتعرية ومختلف مظاهر النظم البيئية بالوسط الطبيعي والغابوي عن قرب ، مع تناولهم بالدراسة والتحليل الواقع المعيش لساكنة القرى الجبلية ومعاناتهم اليومية مع التأقلم وتطويع جغرافية المكان وتوفير سبل العيش.
أبى مؤطروا الرحلة الاستطلاعية بقيادة البروفسور عبد اللطيف الخطابي ، منسق المشروع ، إلا أن تكون نوعية أبحاث طلبتهم ، لهذا الفوج من السنة الدراسية الحالية ، مختلفة وإضافة نوعية للابحاث العلمية المنجزة سالفا في إطار المشروع (GIREPSE) والتي أغنت البحث العلمي ووفرت خلفية معرفية رصينة تساعد ذوو القرار لتنفيذ برامج تنموية تراعي سياسة القرب والنوع.
عظمة جبال الاطلس الكبير تحف المكان بجلال. مسالك الطريق المتربة تبدو في الافق كشريط ممتد يرتسم على ضفاف الوادي ومحاذاة الجبال السامقة والمنحدرات السحيقة . وما على فريق الرحلة إلا تجشم عناء مجاراة وعورة المسالك ومشاعر الترقب والتوجس.
كان يوم مشمس وجميل ، من صبيحة ذلك اليوم الموعود . على ضفاف واد “أوريكا ” . انطلقت 3 سيارات رباعية الدفع تضم فريق من طلبة باحثين وأساتذة مؤطرين وذلك من قرب زاوية ستي فاطمة. اخترق الباحثون بحذر وترقب مسالك جبلية وعرة وطرق ضيقة ، متعددة الالتواءات . هول تحدي الفجاج المرتفعة والتطلع للأعالي حال دون استمتاعنا برونق المشهد وجمال الفضاءات الطبيعية التي تؤثتها جداول ووديان ممتدة بين السفح والجبل وفي المنحدرات، والبنايات السكنية المتكيفة مع الاكراهات الجغرافية على الضفاف والأعالي.
تبدو مدرجات زراعية على أطراف الجبال مشعة اخضرارا ، تنتشر و تتموج على جنبات الوادي تحوي أشجارا مثمرة مدرارة للفواكه والثمار ومزروعات معيشية . وفي الافق شِّعابِ وفجاج مُنحدرة مع روافد وجداول تصب في السواقي والقنوات المائية .
هكذا تتواصل المسيرة العلمية للفريق وسط هذه الفضاءات الرحبة من الحوض المائي لأوريكا ، مرورا بعدة دواوير وصولا إلى قمة جبل أوكيمدن مع وقفات على بعض الخصوصيات والتفاصيل يقدم من خلالها كل من الدكاترة عبد اللطيف الخطابي وأحمد أوهمو ومحمد صابر وزين العابدين عبد النبي والامراني مصطفى … وسعيد الاحسايني .ليشرحوا، وفق تخصصات علمية دقيقة مختلف الاشكالات والمظاهر المرتبطة بتغير المناخ وما يسببه من أزمات ومعضلات على مستوى الثروات الطبيعية والأنظمة الايكولوجية والتجهيزات الاساسية والانشطة البشرية .
ترتسم على وجوه أهالي المنطقة قسمات الطمأنينة الممزوجة بسمات التعب .وفي أعلى الوادي وعلى قارعة ممر ضيق بدوار “تورديو” بعد المرور من دواوير تدرارت و إبعاشن ثم أنفلي ، جلس فريق الرحلة ، وفق مجموعات انزوت تحت ظلال أشجار الجوز لتناول وجبة الغداء واسترجاع الأنفاس. إلتحق محمد أحد ساكنة المنطقة ، الذي كان يرعى 4 معزات ، بنا لنتجاذب معه أطراف الحديث ليروي لنا معاناة أهالي الدوار مع الفياضات المفاجئة التي تأتي على الاخضر واليابس والظروف المناخية القاسية والتجاء أهالي المنطقة إلى كهوف الجبال المعدة سابقا كإجراء احترازي للإحتماء من السيول الجارفة .
وقال محمد أن ساكنة المنطقة تقتني احتياجاتها من السوق الاسبوعي الذي يبعد عنهم مسافات طويلة . وبخصوص المسالك المعوجة والمهشمة ، بفعل التساقطات المطرية القوية ، أكد محمد أن شخصا يقوم بتسوية الحفر وتنقية الممرات الضيقة من الاحجار على طول مسالك الوعرة ، مشيا و مستعملا عربة ومستلزمات الخدمة .وتأسف محمد على وفاة هذا الشخص ، مؤخرا ، الذي كانت توكل له هذه المهمة مقابل دريهمات يقدمها له مستعملي الطريق التي تعدو سالكة لساكنة الدواوير المجاورة وبهائمهم وبعض السيارات المهترئة التي ألفت نقل ساكنة قرى وداوير متناثرة هنا وهناك .
يشهد طول جنبات الوادي من السفح إلى القمة تجمعات سكنية تنبض بكل مقومات الصمود و الحياة بإصرار وتحدي رقم قساوة العيش وشظفه ووعورة المسالك والتضاريس الجغرافية . مشاهد طبيعية تغري هواة ومكتشفي رياضة تسلق الجبال والمرتفعات والسياح الاجانب . وهكذا يستمر المسح الميداني للفريق العلمي مرورا بدواوير ” إزكار” و “تمشي” و “أنمتر” ثم ” أكونس نوانسا “
بينما عجلات السيارات التي تقلنا تتلمس ولوج الطريق والتواءاتها المرهقة ، المفضية إلى عدة تجمعات سكنية متفرقة، فوجئنا بقدوم سيارتين لسياح ألمان قادمين في الاتجاه المعاكس لتتمكن السيارات من المرور بشجاعة والتجاوز بمهارة جد مخيفة .
وصرح الطالب ” أدريان نسنجيومفا” من جمهورية رواندا :
وقال ” أدريان نسنجيومفا” من جمهورية رواندا ( شرق أفريقيا) وهو طالب باحث من مدرسة الوطنية الغابوية للمهندسين والذي يوجد ضمن مجموعة الطلاب.
” أتيحت لي فرصة الاستفادة من هذا المسح ميداني لفهم أفضل لمنطقة الدراسة بحوض أوريكا ، من حيث الإمكانات وجوانب ضعف والهشاشة رفقة مؤطرين أساتذة خبراء في تخصصات مختلفة تهم إدارة الغابات، وتقييم المنتجات الحرجية، وإدارة البيئة والموارد الطبيعية، واقتصاد الغابات وتدبير المنتزهات الوطنية، وقد كان شروحاتهم جد قيمة ومفيدة توفر لنا المعلومات والمبادئ التوجيهية التي من شأنها أن تساعدنا على جعل مشاريعنا من نهاية الدراسة ذات قيمة إضافية لمجال البحث”.
و” تمكنت شخصيا من تحصيل مختلف المعارف على مستوى النظم والمعلومات الجغرافية و الأدوات الأساسية في تحليل ورسم خرائط منطقة الدراسة. ثم استيعاب البيئة الفيزيائية والجيولوجية و الهيدروغرافية لحوض أوريكا، فضلا عن إشكالية التعرية، و الفيضانات التي تدمر المساكن على طول ضفاف واد أوريكا. ثم التقنيات الزراعية المعيشية التي تسقى عبر السدود الصغيرة.
والتعرف على الانشطة المدرة للدخل بالمنطقة من خلال زراعة الأشجار الخوخ والتفاح والكرز والجوز وغيرها ثم النباتات العطرية والطبية ومجال تسويقها وتثمينها .
كما تدارسنا سبل تعزيز قدرة ساكنة المنطقة على معرفة مفهوم دفع الخدمات البيئية و تعويضها عن التهئية التي تقوم بها على مستوى بناء السدود الصغيرة، وممارسات مكافحة التعرية. ثم إنشاء تعاونيات لتيسير التأطير التدريب. وستساعدنا جميع العناصر التي سبق ذكرها على إجراء دراساتنا النهائية واقتراح الإجراءات المثلى اللازمة وفقا لكل إمكانيات المنطقة. كما سيتم تطبيقها بطريقة منهجية في رواندا وأيضا في بلدان أخرى”.
لقراءة المقال بجريدة بيان اليوم اضغط هنا