آفاق بيئية: محمد التفراوتي
حين تتأمل في شخصية البروفيسور مايكل ج. سكولوس، (Michael J. Scoullos) تشعر أنك أمام عالم استثنائي يجسد التوازن بين العلم والعمل، بين الدبلوماسية والصرامة الأكاديمية، بين الفكر الإنساني والرؤية البيئية الشمولية. إنه أحد أبرز الوجوه الفكرية في فضاء البحر المتوسط، وصوت علمي راسخ في الدفاع عن البيئة، التعليم المستدام، والمصير المشترك بين ضفتي الجنوب والشمال.
المسار الأكاديمي والبحثي
يحمل البروفسور سكولوس (Scoullos) مسارا علميا غنيا ومتعدد الأبعاد. فهو كيميائي بيئي (ماجستير ودكتوراه علوم من جامعة أثينا) وعالم محيطات (دكتوراه من جامعة ليفربول البريطانية). يشغل منصب أستاذ الكيمياء البيئية بجامعة أثينا ومدير مختبر الكيمياء البيئية، حيث قاد أجيالا من الباحثين والمختصين في علوم البيئة والمياه والتلوث.
عرف عنه منذ بداياته شغفه بربط البحث العلمي بالسياسات العامة، فعمل لسنوات على قضايا السياسات البيئية والدبلوماسية البيئية والتعليم من أجل التنمية المستدامة، مؤمنا بأن حماية البيئة علما، و ثقافة ومسؤولية إنسانية ومجتمعية.
مسؤوليات دولية ومهام قيادية
يعد البروفيسور:سكولوس”‘ (Scoullos) أحد الوجوه الموثوقة في الهيئات الأوروبية والدولية. فهو ممثل البرلمان الأوروبي كخبير في مجلس إدارة ومكتب الهيئة الأوروبية للبيئة (EEA)، ومستشار علمي لعدد من المنظمات الدولية الكبرى مثل الاتحاد الأوروبي، برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، اليونسكو، الصندوق الدولي للتنمية الزراعية (IFAD)، الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة (IUCN)، إضافة إلى حكومات عديدة.
كما قاد مشروع بناء القدرات ضمن برنامج الاتحاد الأوروبي “Horizon 2020″، ويرأس اللجنة الدولية للخبراء التابعة للبنك الدولي حول مشروع البحر الأحمر – البحر الميت، وهو من أبرز المساهمين في التفكير الإقليمي المشترك حول قضايا المياه والطاقة والمناخ.
قيادة المتوسط ومؤسس شبكات العلم والوعي
تولى البروفسور “سكولوس” (Scoullos)، عبر مسيرته الطويلة، رئاسة عدد من الهيئات العلمية والبيئية الدولية، من قبيل المكتب المتوسطي للمعلومات حول البيئة والثقافة والتنمية المستدامة (MIO-ECSDE)، و الشراكة العالمية للمياه في المتوسط (GWP-Med)، و المكتب الأوروبي للبيئة (EEB)، و الجمعية اليونانية لحماية البيئة والتراث الثقافي (Elliniki Etairia)، وكذا اللجنتان الوطنيتان لليونان في برنامجي ماب/اليونسكو وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP).
كما أنه عضو في الأكاديمية الأوروبية للعلوم، ومؤسس شبكة الجامعات المتوسطية للتنمية المستدامة، التي تشكل جسرا معرفيا بين جامعات الشمال والجنوب، مركزا على التربية من أجل التنمية المستدامة كأداة للتغيير الاجتماعي العميق.

إرث علمي وأكاديمي غني
يعد البروفسور سكولوس من أكثر الباحثين غزارة في مجال البيئة في المنطقة المتوسطية، إذ ألف وحرر العديد من الكتب والتقارير وأصدر أكثر من 400 مقالة علمية. وتدرس بعض أعماله كمراجع رئيسية في جامعات ومراكز أبحاث حول العالم. من أبرز منشوراته التعليمية:
Environment and Society: Education and Public Awareness for Sustainability (اليونسكو، 1998)
و Water in the Mediterranean (2001)
Handbook on Methods used in Environmental Education and Education for Sustainable Development (2004)
Mediterranean Food: Historical, Environmental, Health & Cultural Dimensions (2007)
وكذا The Gift of Rain (2009)
وكتاب Education for Sustainable Development in MAB Biosphere Reserves and other Designated Areas الصادر عن اليونسكو (2013)، الذي أصبح مرجعا أساسيا للمربين في أوروبا والبحر المتوسط.
إلى جانب ذلك، شارك في تحرير وإعداد كتب علمية مرجعية مثل Mercury-Cadmium-Lead: Handbook for Sustainable Heavy Metals Policy and Regulation (منشورات Kluwer Academic، 2002)، وأعماله حول المياه المدمجة، المشاركة العامة، وإدارة الموارد في المناطق المحمية.
جوائز وتكريمات عالمية
تقديرا لمسيرته، حاز البروفيسور سكولوس عددا من الجوائز والأوسمة الدولية المرموقة، منها: الميدالية الذهبية لمدينة باريس (بصفة مواطن شرف)، و ميدالية سيمون بوليفار من اليونسكو، و جائزة البيئة من أكاديمية أثينا، و وسام فارس من القديس يوحنا في القدس، وسام ضابط من “الرتبة الوطنية للأرز” من لبنان، و ميداليات من البابا بولس السادس، وغيرها من التكريمات التي تكرس مسيرته كمفكر بيئي عالمي.
كرسي اليونسكو وصوت المتوسط
منذ عام 2011، يشغل سكولوس كرسي اليونسكو في إدارة وتعليم التنمية المستدامة في منطقة البحر المتوسط، حيث يواصل عبره رسالته الأكاديمية في تعزيز ثقافة الاستدامة وربط الجامعات والمجتمعات بخطط التحول البيئي.
في المحافل الدولية، يخاطب سكولوس الجمهور بصوت جهوري وحماس صادق، يفيض حبا للمتوسط الذي يعتبره “منزله الكبير”. حين يتحدث عن البحر والمناخ والإنسان، تشعر وكأنه يدافع عن أسرته وعن قيم الحياة نفسها، بعقل علمي متقد وقلب إنساني متوهج.
بين الشمال والجنوب… جسر إنساني وعلمي
رجل كانه أقام توأمة فكرية وروحية بين ضفتي المتوسط. فهو يمثل ضمير الشمال العلمي المتفتح على الجنوب، يمد الجسور بين الشعوب والثقافات والعلماء، مؤمنا بأن مستقبل المتوسط لا يبنى إلا بالتعاون المشترك والعدالة البيئية.
بلحيته البيضاء ونظراته الواثقة، يجسد سكولوس نموذج العالم الذي لم يفقد شغفه رغم مرور العقود، وما يزال في كل مؤتمر ومنبر يشع نورا علميا وإنسانيا، مؤمنا بأن الاستدامة ليست شعارا، بل أسلوب حياة ومسار إنقاذ لكوكب واحد يجمعنا جميعا.







































