رسالة ملكية ترسم معالم نهج إفريقي جديد لحماية المحيط

محمد التفراوتي10 يونيو 2025آخر تحديث :
رسالة ملكية ترسم معالم نهج إفريقي جديد لحماية المحيط

في “قمة إفريقيا من أجل المحيط” المنعقدة على هامش
مؤتمر الأمم المتحدة حول المحيطات

آفاق بيئية: محمد التفراوتي
في نيس، وعلى هامش مؤتمر الأمم المتحدة حول المحيطات، علت من جديد أصوات القلق العالمي بشأن مستقبل محيطاتنا المنهكة. وبين اتفاقيات رتبت بعناية وكلمات مؤثرة من شخصيات دولية، جاءت الرسالة الملكية للعاهل المغربي الملك محمد السادس، حفظه الله، الموجهة إلى قمة “إفريقيا من أجل المحيط” لتقطع مع الخطاب الإنشائي ولتقدم ما هو أندر: بوصلة إفريقية جديدة في الحوكمة البحرية العالمية.
الرسالة التي تلتها الاميرة للاحسناء، بنفسها الاستراتيجي ومضامينها الجريئة، لم تكن مجاملة دبلوماسية، بل صيحة وعي إفريقي في لحظة تتطلب أكثر من الالتزامات الشكلية. لقد دعت إلى تجاوز منطق التبعية البيئية، رافضة أن تظل إفريقيا مجرد ساحة تجريب لمقاربات مستوردة، لا تراعي لا خصوصيتها، ولا هشاشتها، ولا إمكاناتها.
إنه توجه واضح. من الوعي إلى الفعل، ومن الخطاب إلى السيادة. فحين يتحدث المغرب، بلسان ملكه، عن ضرورة تحرير القارة من التبعية الزرقاء، فإنه يطرح سؤالا جوهريا على كافة الأفارقة. هل نملك إرادة الإمساك بزمام ثرواتنا البحرية؟

الأطلسي ليس محيطا فقط… بل مشروعا قاريا

في هذا السياق، تبرز المبادرة الأطلسية المغربية كتحرك غير مسبوق لتأطير التعاون البحري الإفريقي. هي ليست فقط مبادرة بيئية، بل مشروع قاري يعيد تعريف مفهوم الأمن الأزرق في القارة. فالمغرب لا يدعو فقط لحماية التنوع البحري، بل لتأمينه، وتنميته، واستثماره بشكل منصف.
هذه المبادرة، التي تضع الأطلسي الإفريقي في صميم دينامية الجنوب-الجنوب، تتجاوز منطق المساعدات أو الشراكات المشروطة. إنها عرض سيادي للتعاون المبني على الندية وتقاسم الخبرة والمسؤولية.

حين يصبح المحيط قضية عدالة

القوة الحقيقية في الرسالة الملكية، تكمن في ربطها العميق بين قضايا المحيط، العدالة المناخية، والسيادة الغذائية. لم يعد ممكنا فصل البيئة عن التنمية، ولا المحيط عن السيادة، ولا التعاون الدولي عن العدالة. ولهذا فإن الرسالة لم تكتف بالدعوة إلى الالتزام بمعاهدة BBNJ، بل طالبت بتحويل هذه الالتزامات إلى واقع ملموس من خلال إنشاء مناطق بحرية محمية، تعزيز القدرات الوطنية، وإطلاق آليات تمويل موجهة لإفريقيا.
إن ما حدث في نيس، مع تسجيل 55 دولة مصادقتها على معاهدة أعالي البحار، يمثل تقدما دوليا بلا شك. لكن ما حملته الرسالة الملكية يتجاوز ذلك. إنها إعلان نوايا إفريقي جديد، يرسم معالم استقلال بحري قادم. والأمر الآن لا يتعلق فقط بانتظار دخول الاتفاقيات حيز التنفيذ، بل بمدى استعداد إفريقيا لصياغة أجندتها الزرقاء بإرادة، ووضوح، وجرأة.
لقد آن الأوان لأن لا تبقى إفريقيا ساحة يتفاوض فيها الآخرون على محيطاتها، بل أن تكون الطرف الذي يملك أوراق اللعبة البحرية، من أعماقها إلى قمم قراراتها.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!