آفاق بيئية: أجاي بانجا*؛ فرناندو حدّاد*؛ مارينا سيلفا*
واشنطن، العاصمة/كالي/كولومبيا ــ مع اقتراب موعد انعقاد القمم العالمية لهذا العام بشأن التنوع البيولوجي (مؤتمر الأطراف السادس عشر)، وتغير المناخ (مؤتمر الأطراف التاسع والعشرين)، والتصحر (مؤتمر الأطراف السادس عشر)، تتجلى العواقب المترتبة على حالة الطوارئ المناخية بوضوح في كل مكان. فقد خَـرَّبَـت الفيضانات أوروبا الوسطى، وضرب الإعصار الرهيب ياجي للتو جنوب شرق آسيا، وعاث الإعصاران هيلين وميلتون فسادا في جنوب شرق الولايات المتحدة. وتسببت الظروف الأكثر حرارة وجفافا في خلق الظروف المثالية لاندلاع حرائق الغابات كتلك التي اجتاحت البرازيل، وجنوب إفريقيا، وكولومبيا، في حين دفعت موجات الجفاف الناس إلى براثن انعدام الأمن الغذائي هذا العام في إفريقيا.
إذا لم يكن نطاق وسرعة استجابتنا لتغير المناخ كافيين لمواجهة التهديد، فإن هذا الوضع المعتاد الجديد لن يزداد إلا سوءا، وهذا يعرض للخطر مكاسب التنمية التي تحققت بشق الأنفس في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل. بالإضافة إلى الحد من الانبعاثات الناجمة عن إحراق الوقود الأحفوري، يجب أن تكون إحدى أكبر الأولويات حماية الغابات الاستوائية المتبقية في العالم والحفاظ عليها.
تخزن الغابات الاستوائية كميات كبيرة من الكربون، وزوالها من شأنه أن يؤدي إلى زيادة هائلة في متوسط درجات الحرارة العالمية تبلغ درجة مئوية واحدة، ناهيك عن فقدان التنوع البيولوجي غير المسبوق واستنزاف خدمات الأنظمة الإيكولوجية مثل الأنهار الجوية التي تزود المحاصيل الغذائية بالمياه في مختلف أنحاء العالم. ويحذر العلماء من أن تدهور عدد كبير من هذه الغابات يقترب من نقطة تحول حيث لن تتمكن الغابة المتبقية من إعالة نفسها أو التعافي.
يضاعف الأفراد والدول والمنظمات غير الحكومية الجهود لحماية غابات العالم والحفاظ عليها من الدمار. لكننا سنحتاج إلى مزيج من الحلول الاقتصادية والبيئية لمعالجة العوامل المعقدة السريعة التغير التي تدفع الناس إلى إزالة الغابات بشكل غير قانوني.
ما يدعو إلى التفاؤل أن مثل هذه الحلول في متناول اليد. في البرازيل، نجحت إدارة الرئيس لويس إيناسيو لولا دا سيلفا بالفعل في الحد من إزالة الغابات بدرجة كبيرة. خلال الفترة من أغسطس/آب 2023 إلى يوليو/تموز 2024، جرى خفض خسارة الغابات الاستوائية في الأمازون البرازيلية بنسبة 46%، مقارنة بالأشهر الاثني عشر السابقة. وعلى المستوى العالمي، أكدت البرازيل، التي تتولى رئاسة مجموعة العشرين هذا العام، على الحلول القائمة على الطبيعة لتحديات المناخ كجزء من أجندتها، لتمهد بذلك الطريق لمزيد من التقدم في مؤتمر الأطراف الثلاثين الذي تستضيفه مدينة بيليم في عام 2025.
من جانبها، تدعم مجموعة البنك الدولي جهودا عامة وخاصة مماثلة في مختلف الاقتصادات النامية. ويتلخص الهدف في تصميم سياسات قوية، وبناء مؤسسات جديرة بالثقة، وحشد الاستثمارات في البنية الأساسية اللازمة للحفاظ على الغابات وإدارتها على نحو مستدام. ويشكل جعل تمويل الغابات متاحا على نطاق أوسع وبتكاليف معقولة أمرا بالغ الأهمية.
تعمل مجموعة البنك الدولي أيضا على تحويل الإمكانات الهائلة التي تتمتع بها أسواق الكربون إلى مصدر دخل للدول النامية الملتزمة بخفض الانبعاثات والحفاظ على غاباتها. وبالفعل، تستفيد 15 دولة من تدفقات يمكنها إنتاج أكثر من 24 مليونا من أرصدة الكربون بحلول نهاية عام 2024 ــ وهو فوز لكل من المناخ والتنمية.
لكن أولئك الذين يشاركون في هذه الجهود كانوا مُـطارَدين لفترة طويلة بالتساؤل حول كيفية دعم الحفاظ على الغابات القائمة في الأمد البعيد. وفي حين خلقت أسواق كربون الغابات مصادر دخل جديدة، فإنها عادة لا تكافئ سوى البلدان، أو المجتمعات، أو مطوري المشاريع الذين يركزون على الحد من انبعاثاتهم الناجمة عن إزالة الغابات. وبالتالي، فإن الغابات التي لا تتعرض لتهديد مباشر لا تقدم أي مكافأة مالية.
يتمثل أحد الحلول المقترحة في “مرفق غابات استوائية إلى الأبد”، وهو عبارة عن آلية ضخمة قائمة على الأداء تستخدم التمويل المختلط لتوليد العائدات المالية ومكافأة البلدان على حماية غاباتها القائمة. بدلا من اعتمادات الكربون، سيوفر مرفق غابات استوائية إلى الأبد الدعم المالي الطويل الأجل الذي يمكن التنبؤ به والذي يرتبط بهكتارات الغابات القائمة في كل بلد، وبالتالي مواءمة الحوافز الاقتصادية مع النتائج البيئية.
بقيادة وزارة المالية البرازيلية ووزارة البيئة وتغير المناخ، وبالشراكة مع بلدان الغابات الاستوائية الأخرى، والاقتصادات المتقدمة، والرعاة غير التقليديين، يسعى مرفق غابات استوائية إلى الاستفادة من التمويل السيادي والخيري لحشد مزيد من رأس المال الخاص، وبالتالي توسيع نطاق تمويل الغابات إلى ما هو أبعد من أدوات القطاع العام البحتة. الأمر الحاسم هنا هو أن هذا من شأنه أن يسمح للمستثمرين من القطاع الخاص بدعم منفعة عامة عالمية من خلال تحديد الأصول الأساسية كميا والتحقق منها بشروط تتماشى مع نماذج أعمالهم.
هذا هو النوع الذي نحتاج إليه من الحلول الجريئة الـخَـلّاقة إذا كنا راغبين في إحداث فارق حقيقي في مكافحة تغير المناخ. تتمثل إحدى أكبر مزايا مرفق غابات استوائية إلى الأبد في أنه من غير المتوقع أن يعتمد على المنح النادرة من الجهات المانحة والتجديدات المتكررة. بل يتطلب بدلا من ذلك استثمارا لمرة واحدة قابلا للسداد بالكامل من الرعاة المحتملين، الذين سَـيُـعـرَض عليهم بالتالي نموذج جديد للمساعدات الإنمائية.
كما يدرس أولئك الذين يتولون تصميم مرفق غابات استوائية إلى الأبد كيفية تبسيط نماذج الصرف (دون أي فقدان للدقة) من خلال أنظمة المراقبة والإبلاغ والتحقق الرقمية، وكيفية صرف ما يكفي سنويا لترجيح كفة الميزان بعيدا عن إزالة الغابات. أخيرا، يتمثل سؤال مهم آخر أصبح موضع تركيز في كيفية تحسين قدرة الشعوب الأصلية، والمجتمعات المحلية، وغير ذلك من مالكي الغابات والقائمين عليها على الوصول إلى مثل هذه الآليات. وتعتزم البلدان العاملة على مرفق غابات استوائية إلى الأبد معالجة هذه القضايا بحلول موعد انعقاد مؤتمر الأطراف الثلاثين.
تشكل الغابات أهمية بالغة ليس فقط لقدرتها على تخزين الكربون، بل وأيضا لدورها في الحفاظ على التوازن البيئي، ودعم الصحة البيئية، وتعزيز النمو الاقتصادي والتنمية البشرية. وقد تكون الفترة الفاصلة بين مؤتمر الأطراف السادس عشر في كالي ومؤتمر الأطراف الثلاثين في البرازيل العام المقبل الوقت المثالي لإطلاق مرفق غابات استوائية إلى الأبد وتهيئة الساحة لعصر جديد في تمويل الحفاظ على الغابات. يتعين علينا أن نبدأ في مكافأة البلدان التي نجحت في السيطرة على إزالة الغابات على النحو اللائق ومضاعفة جهودنا للحفاظ على الغابات القائمة من أجل أجيال المستقبل.
ترجمة: إبراهيم محمد علي .
* أجاي بانجا رئيس البنك الدولي.
*فرناندو حدّاد وزير مالية البرازيل.
*مارينا سيلفا وزيرة البيئة وتغير المناخ في البرازيل.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2024.