آفاق بيئية : حسن هرماس (ومع)
باتت المشاريع المرتبطة بشجر أركان التي رأت النور تباعا خلال السنوات الأخيرة الماضية تعطي الدليل على أن المغرب يسير بخطى ثابتة نحو تطوير سلسلة زراعية جديدة قائمة الذات، هي سلسلة “أركان الزراعي”، التي غدا من المؤكد أنها ستتبوأ مكانتها الخاصة إلى جانب شجر “أركان الغابوي”.
فبعدما ظل شجر أركان الغابوي منذ قرون خلت هو المصدر الوحيد للحصول على منتجات مختلفة لهذه “الشجرة المباركة” التي تمتد على مساحة إجمالية تصل حوالي 830 ألف هكتار، يقع الجزء الأكبر منها في جهة سوس ماسة، أصبحت غابة أركان تعاني مشاكل عديدة ناجمة عن الاستغلال المفرط لهذه الثروة النباتية التي دقت العديد من الأوساط ناقوس الخطر إزاء المخاطر التي تحف بها، والتي لا تقتصر على الجانب الاقتصادي والاجتماعي، ولكن هذه المخاطر تشمل أيضا، وبشكل أكثر فداحة، الجانب البيئي.
وإذا كانت المبادرات قد توالت منذ بداية عقد التسعينيات من القرن الماضي من أجل إنقاذ غابة أركان، عبر مختلف عمليات التخليف والتأهيل، وبرامج التوعية في صفوف الساكنة المحلية المنتفعة من هذه الثروة النباتية، فقد طور المغرب إلى جانب ذلك خبرة موازية تتعدى إعادة التأهيل لتشمل توسيع المساحات المشمولة بهذه النبتة وفق برنامج محدد ومقنن، يتماشى مع النتائج والتوصيات التي تمخضت عن الأبحاث العلمية المتخصصة.
وحرصا على ضمان أفضل شروط النجاح لهذه الرؤية تمت مأسسة الاشتغال على هذا القطاع من خلال إحداث “الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان” (أندزوا) التي تتولى الإشراف على هذا القطاع الذي يكتسي بعدا زراعيا وبيئيا في آن واحد، وذلك وفق الضوابط والأسس المنسجمة مع مبادئ وأهداف التنمية المستدامة.
وفي هذا الإطار، أوضح مصدر مسؤول بالوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان، أن استراتيجية تطوير قطاع أركان أصبح مؤطرا منذ سنة 2011 بواسطة “عقد برنامج”، رصدت له الدولة غلافا ماليا بقيمة 8 ر2 مليار درهم.
وأضاف أن من بين الأمور التي تنص عليها بنود هذا “العقد البرنامج”، هناك إعادة تأهيل 200 الف هكتار من شجر أركان الغابوي خلال 10 سنوات، والرفع من إنتاج زيت أركان، التي تكاثر الطلب عليها سواء على الصعيد الوطني أو العالمي، ليصل هذا الإنتاج 10 آلاف طن، عوض 4 آلاف طن التي كانت تنتج وقت إعداد استراتيجية تطوير القطاع.
وبالنظر لكون قطاع شجر أركان يكتسي أبعادا مختلفة زراعية وبيئية وتسويقية واجتماعية وحقوقية وغيرها، فإن تنزيل استراتيجية تطويره فتح المجال لبلورة نموذج متكامل للعمل المشترك بين مجموعة من المتدخلين، من ضمنهم على الخصوص، إلى جانب الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان، المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر، والفيدرالية البيمهنية المغربية للأركان، والمعهد الوطني للبحث الزراعي.
وقد أدت هذه الدينامية إلى بلورة تصورات مبتكرة للنهوض بزراعة شجر أركان، من ضمنها إحداث ضيعات عصرية متخصصة في هذه السلسلة الزراعية، وذلك وفق نمط عمل يخضع للضوابط العلمية المتعارف عليها في العلوم الزراعية.
وتجاوبا مع هذه الرؤية، تم تنزيل أولى المبادرات الخاصة بتشجيع الخواص على الاستثمار في مجال أركان الزراعي، حيث أشرف وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، السيد عزيز أخنوش، في دجنبر 2015 على إطلاق مشروع لأركان الزراعي على مساحة إجمالية تصل 600 هكتار، باستثمار مالي يصل حوالي 71 مليون درهم، وذلك في الجماعة الترابية ل “ارسموكة” بإقليم تيزنيت.
ومما شجع على المضي بخطى حثيثة في تطوير السلسلة الزراعية الجديدة لشجر أركان، هناك نتائج الأبحاث التي توصل إليها المعهد الوطني للبحث الزراعي، والتي أسفرت عن نتائج جد مشجعة سواء تعلق الأمر بالجانب الزراعي أو البيئي، ومن ذلك جودة زيت أركان المحصل عليها، وقدرة شجر أركان الزراعي على حماية التربة.
وفي هذا السياق أوضح رئيس المركز الجهوي للبحث الزراعي بأكادير، عبد العزيز ميموني، أن المعهد تمكن من تطوير ستة أصناف من نبتة أركان الزراعي في إطار الأبحاث التي قامت بها هذه المؤسسة من أجل التحسين الوراثي لشجر أركان.
وأوضح في تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء أن هذه الأصناف تمتاز بكونها ذات إنتاج وفير لثمرة أركان، فضلا عن كون زيت أركان المحصل عليها من هذه الأصناف المحسنة وراثيا ذات جودة رفيعة، مما سينعكس بشكل إيجابي تلقائي على باقي المنتجات المشتقة من ثمرة أركان وزيته.
وأضاف أن العمل يجري حاليا على تكثير هذه الأصناف التي تم تطويرها وراثيا عبر تقنية التجدير والتلقيم، مشيرا إلى أن العمل يجري بالموازاة مع ذلك على تطوير الإمكانيات والتقنيات التي يتم توظيفها في ما يتعلق بالري وتخصيب هذه النبتة.
وكتتويج لهذا المجهود، أشرف وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، السيد عزيز أخنوش، الأسبوع الماضي، على إطلاق أشغال غرس 406 هكتارات من شجر أركان الزراعي، في الجماعتين الترابيتين ل”بلفاع” و”ايت ميلك” بإقليم اشتوكة ايت باها.
ويندرج هذا المشروع في إطار برنامج تنمية أركان الزراعي على مساحة تصل 10 آلاف هكتار بحلول عام 2022، وهذا ما يؤشر على أن الزيادة الملموسة في توسيع المساحات المشمولة بهذه النبتة، دليل على أن مسيرة العمل متواصلة بخطى ثابتة نحو تطوير سلسلة زراعية قائمة الذات، هي “أركان الزراعي”، والتي تجمع كمثيلتها الضاربة في القدم (أركان الغابوي)، بين المنافع الغذائية والتجميلية والعلاجية، فضلا عن منافعها الإيكولوجية.