المسألة البيئية بالمغرب على ضوء القوانين التنظيمية للجماعات الترابية.

محمد التفراوتي16 يناير 2017آخر تحديث :
المسألة البيئية بالمغرب على ضوء القوانين التنظيمية للجماعات الترابية.

آفاق بيئية : محمد نبو *

 تقديم

 شكلت قضايا البيئة انشغال بال الرأي العام الدولي منذ سبعينيات القرن الماضي، كما يستشف ذلك من أدبيات الأمم المتحدة،حيث كانت أولى المبادرات عام 1972-مؤتمر ستوكهولم- الذي تمخض عنه برنامج الأمم المتحدة للبيئة[1] مرورا بتقرير بورنتلاند سنة 1987 ثم الى قمة الأرض سنة 1992وغيره من اللقاءات والمؤتمرات التي راكمت في مجال البيئة والتنمية المستدامة والحفاظ على الموارد، ومع توالي هذه المؤتمرات اتسعت دائرة الاهتمام بهذه الموضوعات، كما اتسع مجال الاهتمام المحلي للحكومات بهذه القضايا البيئية.

    انخرط المغرب في هذه الدينامية العالمية للاهتمام بالبيئة والحفاظ على الموارد الطبيعية وإدماج البعد البيئي في مجال السياسات العمومية منذ قمة الأرض المنعقد بريوديجانيرو سنة 1992 وما تلاها من لقاءات ومؤتمرات أخرها استضافته لمؤتمر الأطراف حول المناخ كوب 22 بمدينة مراكش شهر نونبر المنصرم،

وقد عمل المغرب على ايلاء أهمية لهذا الموضوع مع توالي السنوات عبر سن ترسانة قانونية وإحداث مؤسسات وطنية وقطاعات وزارية وبيحكومية تعنى بالشأن البيئي والحالة البيئية للمغرب سواء في شموليتها أو بشكل قطاعي.

 فيما شكلت سنة 2011 قفزة نوعية في هذا المجال، تمثلت في دسترة الحق في الماء والبيئة السليمة والتنمية المستدامة سنة.كما سبق وان اعتمد ميثاقا وطنيا للبيئة والتنمية المستدامة بمثابة قانون إطار، واقر مؤخرا إستراتيجية وطنية للبيئة والتنمية المستدامة كمقاربة مندمجة لحماية البيئة والنهوض بها[2].

والى جانب هذا الاهتمام المركزي بقضايا البيئة،فقد أولى اهتماما للشأن البيئي محليا أيضا عبر إحداث مؤسسات جهوية (كوكالات الأحواض المائية  و المراصد  الجهوية للبيئة…) ومن أبرز أوجه الانشغال بقضايا البيئة محليا وضرووة انخراط الفاعلين المحليين في هذا المسلسل (الجماعات الترابية،المجتمع المدني ،السكان،…)ما تضمنته مقتضيات القوانين التنظيمية للجماعات الترابية في مستوياتها الثلاث  (الجهات،العمالات والاقاليم،الجماعات) وهي 111.14 و 112.14 و113.14 وهذا ما سنعالجه في هذه المقالة عبر ثلاث مباحث :

  • المبحث الأول : البيئة من خلال مقتضيات القوانين التنظيمية الثلاث.
  • المبحث الثاني: منظورات تناول البيئة في القوانين التنظيمية للجماعات.
  • المبحث الثالث : إدماج قضايا البيئة في متن القوانين التنظيمية للجماعات الترابية إعمال لمقتضيات دستورية والتزامات دولية.

المبحث الأول : البيئة في مقتضيات القوانين التنظيمية للجماعات الترابية

           تضمنت القوانين التنظيمية للجماعات الترابية على مستوياتها الثلاث(الجهات،الأقاليم والعمالات،الجماعات)مقتضيات ذات صلة بالشأن البيئي لكن بدرجات مختلفة سواء من حيث قيمتها القانونية والنوعية (اختصاص،إجراء،ميكانزم للاشتغال،مقاربة…)أو من حيث حجم حضورها داخل القانون التنظيمي.إذ نجد حضورا مهما على مستوى القانون التنظيمي 111.14 المتعلق بالجهات وبدرجة اقل أهمية بمقتضيات القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بتنظيم الجماعات وبمستوى ضعيف في متن القانون التنظيمي 112.14 الخاص بتنظيم العمالات والأقاليم.

         سنتلمس في هذا المبحث حدود انشغال المشرع بقضايا البيئة ومستوى ترجمتها أثناء الإعداد لهذه القوانين التنظيمية لعمل الجماعات الترابية بمستوياتها الثلاث: الجهات،العمالات والأقاليم،الجماعات  عبر ثلاث مطالب :

المطلب الأول سنخصصه للإبراز موقع البيئة في القانون التنظيمي 111.14 الخاص بتنظيم الجهات.

المطلب الثاني سنقدم فيه أوجه تناول موضوع البيئة في القانون التنظيمي 112.14 الخاص بتنظيم العمالات والأقاليم.

المطلب الثالث سنقدم فيه أوجه ومستويات حضور البيئة في القانون التنظيمي  113.14 المتعلق بالجماعات.

المطلب الأول : البيئة في مقتضيات القانون التنظيمي المتعلق بالجهات

       لقد تناول القانون التنظيمي 111.14 المتعلق بتنظيم شؤون الجهة موضوع البيئة من خلال عدة مواد،سواء في باب الاختصاصات الذاتية للجهة وآليات ووسائل عمل المجلس (الفقرة الاولى)أو الاختصاصات المشتركة مع الدولة أو تلك المنقولة من الدولة الى الجهة (الفقرة الثانية) أو في باب صلاحيات المجلس الجهوي ورئيسه (الفقرة الثالثة).

الفقرة الاولى : موقع الشأن البيئي في آليات العمل والاختصاصات الذاتية للجهة

        جاء في المادة 28 من هذا القانون التنظيمي التي تنص على الأجهزة المساعدة للمجلس ان المجلس يحدث ثلاث لجان دائمة على الأقل في أول دورة له من بين ما يعهد إليها دراسة قضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئة وكذا اعداد التراب”.

ونصت الفقرة الاولى من المادة 80 المتعلقة بالمهمة الرئيسية أو الغاية المثلى للجهة انه يناط بها كجماعة ترابية ” مهام النهوض بالتنمية المندمجة والمستدامة وذلك بتنظيمها وتنسيقها وتتبعه”.

كما تضمنت نفس المادة في الفقرة الثانية المتعلقة بحصر هذه المهام أن من بينها: تحقيق الاستعمال الأمثل للموارد الطبيعية وتثمينها والحفاظ عليها… والإسهام في تحقيق التنمية المستدامة..”

وفي الباب المتعلق بالاختصاصات الذاتية للجهة،فان قضايا البيئة مستحضرة بحيث جاء في الفقرة الرابعة من المادة 82 ان الشأن البيئي يعد من بين ما تشمل هذه الاختصاصات الذاتية  للجهة وذلك بإطلاعها بمهمة تهيئة وتدبير المنتزهات الجهوية ووضع إستراتيجية جهوية لاقتصاد الماء والطاقة و إنعاش المبادرات المرتبطة بالطاقة المتجددة.

كما أشارت الفقرة الثانية من المادة 83  من هذا القانون التنظيمي أن برامج التنمية الجهوية المعدة من قبل المجالس الجهوية يقتضي ان تنبني على مبدأ الاستدامة كأفق حيث جاء فيها “…يحدد برنامج التنمية الجهوية لمدة ست سنوات الإعمال التنموية المقرر برمجتها اوانجازها بتراب الجهة…..،لتحقيق تنمية مستدامة ووفق منهج تشاركي ….،كما جاء في الفقرة الثانية مراعاة إمكانيات الجهات والتي يدخل ضمنها الإمكانيات البيئية عند إعداد كل تنمية جهوية ممكنة  حيث نصت على أنه”يجب ان يتضمن برنامج التنمية الجهوية تشخيصا لحاجيات وإمكانيات الجهة وتحديدا لأولويتها……”

ومن بين مواطن استحضار قضايا البيئة ما ورد في المادة 88 من هذا القانون التنظيمي المتعلق بمحددات وضع إطار التنمية بالجهة التي تجسدها وثيقة التصميم الجهوي لإعداد التراب والتي جاء فيها ” يضع مجلس الجهة ،تحت إشراف رئيس مجلسها،التصميم الجهوي لإعداد التراب وفق القوانين والأنظمة الجاري بها العمل في إطار توجهات السياسة العامة لإعداد التراب المعتمدة على المستوى الوطني وبتشاور مع الجماعات الترابية الأخرى والإدارات والمؤسسات العمومية،وممثلي القطاع الخاص المعنيين بتراب الجهة..”

كما تأكد هذا الحضور بما تضمنته الفقرة الاولى والثانية من المادة 89 والمادة 90 حيث جاء فيهما الضرورة الملحة في استحضار جانبان أساسيان ،لايستقيم معناهما دون استحضار البيئة،عند بلورة التصميم الجهوي لإعداد التراب وهما الاستشراف والاستدامة كركائز لهذه الوثيقة المرجعية الى جانب أخرى في اعداد وتنفيذ التنمية الجهوية.

الفقرة الثانية :الجوانب البيئية في الاختصاصات المشتركة بين الدولة والجهة وكذا الاختصاصات البيئية المنقولة إليها.

           لقد أثار القانون التنظيمي 111.14قضايا البيئة أيضا على مستوى الاختصاصات المشتركة بين الدولة والجهة،وهمت بالأساس جوانب التعاون على مستوى إعمال الاستدامة في مقاربة التنمية بالجهة والحرص على حماية المجالات الهشة كالواحات،الجبال،السواحل،الغابات..والحفاظ على الموارد الطبيعية كالماء والنبات والوحيش …والإسهام في إدارة الأخطار والمخاطر البيئية كالفيضانات والتلوث والتصحر… ويتجسد هذا من خلال مضامين المادة 91 التي نصت على ان الجهات تمارس اختصاصات مشتركة بينها وبين الدولة في عدة مجالات ومنها ذات الصلة بالبعد البيئي حيث جاء فيها” تمارس الجهات الاختصاصات المشتركة بينها وبين الدولة في المجالات التالية :أ-)التنمية الاقتصادية:-التنمية المستدامة ،ب) التنمية القروية:تنمية المناطق الجبلية،تنمية مناطق الواحات ،د) البيئة:الحماية من الفيضانات ،الحفاظ على الموارد الطبيعية والتنوع البيولوجي ومكافحة التلوث والتصحر،المحافظة على المناطق المحمية ،المحافظة على المنظومة البيئية الغابوية و المحافظة على الموارد المائية”.

     أما بخصوص الاختصاصات المنقولة الى الجهات اعتمادا على مبدأ التفريع،فقد جاء في متن  المادة 94 من هذا القانون التنظيمي، أنه واعتمادا على مبدأ التفريع تحدد مجالات الاختصاصات المنقولة من الدولة الى الجهة، والتي تشمل من بين ما تشتمل عليه  قضايا الطاقة والماء والبيئة.

الفقرة الثالثة :  صلاحيات مجلس الجهة ورئيسها ذات الصلة بالمجال البيئي

         نصت المادة 97 من القانون التنظيمي على أن مجلس الجهة يتداول في قضايا التنمية الجهوية وإعداد التراب والمرافق العمومية،منها برنامج التنمية الجهوية والتصميم الجهوي لإعداد التراب وفق أحكام هذا القانون التنظيمي، كما نتلمس ذلك مثلا في المادة 28 و80 ،فالتنمية الجهوية تقوم على أبعاد اقتصادية،اجتماعية،ثقافية،بيئية…، لذلك فصلاحيات المجلس وتداوله في برنامج التنمية الجهوية وكذا التصميم الجهوي لإعداد التراب.يقتضي استحضار هذه الأبعاد. من حيث مقاربة الإشكالات التنموية بالجهة،ومن حيث التنظيم والسهر على حسن المرافق والخدمات ذات الأبعاد البيئية المقدمة لساكنة الجهة.

والى جانب هذه الصلاحيات المخولة للمجلس الجهوي في المجال البيئي، على مستوى الإعداد والتتبع والتنفيذ. فقد افرد المشرع أيضا صلاحيات لرئيس الجهة ذات صلة بالبيئة،كما هي محددة في المواد 101و102و105،من خلال تنفيذ مداولات المجلس والسلطة التنظيمية الموكول إليه،وكذا مسؤوليته في إعداد برنامج التنمية الجهوية والتصميم الجهوي لإعداد التراب.

من خلال المقاربة البيئية لمقتضيات القانون التنظيمي رقم111.14 تتضح الأهمية التي أولها المشرع للبيئة سواء من الناحية الكمية أو النوعية،فعلى مستوى الكم نلاحظ ان المواد التي تناولت البيئة سواء جزئيا أو كليا أو من حيث الرؤية فاقت 10 مواد، خلافا للقانون رقم 47.97 الذي كان منظم للجهة فيما سلف والذي لم يتجاوز تضمينه موضوعات وقضايا البيئة إما إشارة أو بشكل مركزي مادتان هما المادة 7 و36 حيث تناولت الاولى بعض الاختصاصات البيئية،فيما تناولت الثانية الأجهزة المساعدة للمجلس في دراسة قضايا البيئة والتداول في شأنه،ولم ينظر إليها كركيزة من ركائز التنمية كما تبرز ذلك الفقرة الثانية من المادة الاولى من هذا القانون التي جاء فيها “تناط بالجهات … مهمة المساهمة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية …”، وقد استثنت هذه المادة الجانب البيئي والشأن ذاته سجل في متن الفقرة الاولى من المادة السادسة، ومن الناحية النوعية فقد أولى القانون 111.14 عناية اكبر لهذا الموضوع، إذ لم يكتفي بالإشارة الى قضايا البيئة كعناصر، بل كبعد ورؤية في إعداد المجال وتنميته الى جانب بعدها كخدمة وحق إنساني وإطار للعيش. 

المطلب الثاني : البيئة في مقتضيات  القانون التنظيمي المتعلق بالعمالات والاقاليم

   لقد أعطى المشرع المغربي من خلال مقتضيات القانون التنظيمي 112.14 للعمالة والإقليم كجماعة ترابية، تأتي في الموقع الأوسط والانتقالي بين الجهة والجماعة الترابية اختصاصات تستهدف حماية الشأن البيئي والنهوض به إما في شموليته أو في شكل عناصر بيئية مجزأة وقد حددها المشرع في ثلاث مستويات : اختصاصات ذاتية (الفقرة الاولى) واختصاصات مشتركة وأخرى منقولة (الفقرة الثانية ).

الفقرة الاولى : الاختصاصات الذاتية المتعلقة بالشأن البيئي

          تتجسد هذه الاختصاصات من خلال ما نصت عليه المادة 26 التي جاء فيها ” يحدث مجلس العمالة أو الإقليم خلال أول دورة عادية يعقدها ….،ثلاث لجان دائمة على الأقل يعهد إليها …بدراسة القضايا التالية…..التنمية القروية والحضرية وإنعاش الاستثمارات والماء والطاقة والبيئة…” وهي المادة التي تشير الى الأجهزة الملزم إحداثها للقيام بمهامه واختصاصاته ومنها تلك الموكول إليها تدارس قضايا البيئة.

كما تتضمن الفقرة الثانية من المادة 80 من هذا القانون التنظيمي جانبا من مناحي البيئة فيه .ويتعلق الأمر بالرؤية التي يلزم أن يقوم عليها برنامج التنمية الخاصة بالعمالة والإقليم وهي تحقيق تنمية مستدامة،والتي لا تتحقق إلا بتضمين البعد البيئي في مختلف مراحل بلورة هذه البرامج في مرحلة التشخيص والإعداد والتنفيذ والتتبع والتقييم..

والى جانب ذلك، فان مضمون المادة السادسة(6) منه التي تبرز إمكانية نيابة العمالة أو الإقليم عن الجماعات الترابية المتواجدة بترابها وفق شروط ومساطر محددة ومادام هناك قضايا بيئية منوط بالجماعات القيام بها،فان كل نيابة عنها قد يطال هذه الاختصاصات البيئية أيضا.كما أن صلاحيات المجالس ورؤسائها متضمنة لهذا الشأن خاصة المشار إليها في المواد 91-92-95-96 وفق لما تنص عليه أحكام هذا القانون التنظيمي.

الفقرة الثانية:الجوانب البيئية في الاختصاصات المشتركة بين الدولة والعمالة أو الإقليم  والاختصاصات المنقولة إليها.

          تتضح هذه الجوانب من خلال ما جاءت به المادة 86  “تمارس العمالة أو الإقليم الاختصاصات المشتركة بينها  وبين الدولة  في المجالات التالية : ….تنمية المناطق الجبلية والواحات ،الإسهام في تزويد العالم القروي بالماء الصالح للشرب والكهرباء…” فهذه المادة المتعلقة بإبراز الاختصاصات المشتركة بين الدولة والعمالة أو الإقليم توضح اهتمام المشرع بجانبين الأول: هو اهتمام بمناطق من منطلق طبيعتها البيئة الهشة وما يتطلبه من عناية واهتمام إضافية من قبل العمالة أو الإقليم، حيث خصها بالذكر دون غيرها من المجالات الأخرى،أما الجانب الثاني :فهو التنصيص على أحد العناصر البيئية كمرفق عمومي وحق إنساني موكول لهذه الجماعة الترابية الإسهام في ولوج إليه  من قبل المواطنات والمواطنين.

       وفي فيما يتعلق بالاختصاصات المنقولة،فإن المشرع أيضا استحضر هذا الجانب وبالأساس الماء كمكون من مكونات البيئة،حيث أوكل للعمالات والاقاليم عن طريق النقل صيانة المنشآت المائية الصغيرة والمتوسطة خاصة بالعالم القروي، كما ورد ذلك في ثنايا المادة 89 من هذا القانون التنظيمي.

يستخلص مما سبق ان القانون التنظيمي112.14 جاء بمقتضيات بيئية على مستوى تنظيم العمالات والأقاليم من أبرزها إدماج البعد البيئي في المقاربة التنموية،كما تجلت في جانب تدبير وإدارة المرافق المتعلقة بعناصر البيئة والحماية والنهوض بالمجالات الهشة، ومن خلال المقارنة بين ما جاءت به مقتضيات هذا القانون التنظيمي في مجال الاختصاصات البيئية والقانون رقم 79.00الذي كان منظما لشؤون العمالات والاقاليم سابقا، تتضح تجليات التقدم بين هذا الأخير (79.00) الذي كان فقيرا من هذا الجانب ولم يزيد الأمر عن الإشارة لبعض الجوانب في مادة يتيمة هي المادة 36 منه،خلافا للقانون التنظيمي 112.14 الذي جاء متقدما من الناحية الكمية والنوعية عن سابقه.

المطلب الثالث : البيئة في مقتضيات القانون التنظيمي المنظم للجماعات

        شغلت البيئة حيز أكبر في القانون التنظيمي 113.14 مقارنة بالقانونيين التنظيميين 111.14و 112.14ولعل الدافع بالمشرع المغربي الى ذلك هو موقع الجماعات(المحلية) كوحدات ترابية قاعدية تتأسس عليها خطط وبرامج بقية المستويات الترابية والأقرب الى هموم المواطن وانشغالاته المتعددة .

وقد ضمن المشرع عدد من الجوانب البيئية التي تناط بالجماعة مهمة القيام بها. يمكن الوقوف على ذلك من خلال الاختصاصات الذاتية في المجال البيئي (الفقرة الاولى) والاختصاصات المشتركة بين الدولة والجماعة وكذا المنقولة ذات الصلة بذات المجال (الفقرة الثانية) ثم في صلاحيات مجلس الجماعة ورئيسها (الفقرة الثالثة).

الفقرة الاولى : الاختصاصات الذاتية للجماعة في المجال البيئي

         تميزت الاختصاصات الموكولة للجماعة،بما في ذلك البيئية، بهيمنة قوية لتلك ذات الصلة بالخدمات والمرافق من خلال إحداثها وصيانتها وتدبيرها والبرمجة والتخطيط…،تماشيا مع المبادئ العامة الواردة في الفقرة الثانية من المادة 77 من هذا القانون التنظيمي.

وإذا اكتفى المشرع بطريقة غير مباشرة من خلال المادة 78 التي ورد فيها ” يتم اعداد برنامج عمل الجماعة… بانسجام مع توجهات برنامج التنمية الجهوية…”بالإشارة الى إلزامية اعتماد الجماعة منظور الاستدامة في تدبير شؤون الجماعة والذي يشكل مراعاة البعد البيئي أحد مقوماته الأساسية، فإن مواد أخرى جاءت صريحة في التنصيص على جوانب بيئية يلزم الجماعة القيام بها،وتجسد المادة 83 مثالا واضحا حيث ورد فيها ” تقوم الجماعة بإحداث وتدبير المرافق والتجهيزات العمومية….في الميادين التالية: توزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء،التطهير السائل والصلب ومحطات معالجة المياه العادمة،تنظيف الطرقات والساحات العمومية وجمع النفايات المنزلية والمشابهة لها ونقلها الى المطارح  ومعالجتها وتثمينها….،إحداث وصيانة المنتزهات الطبيعية داخل النفوذ الترابي  للجماعة…”.

والى جانب ماجاءت به المادة 85 من صلة بالبيئة كإطار للعيش والتي نصت على انه “”مع مراعاة القوانين والأنظمة الجاري بها العمل ،تختص الجماعة في مجال التعمير بما يلي :

-السهر على احترام  الاختيارات والضوابط  المقررة في مخططات توجيه التهيئة العمرانية وتصاميم التهيئة والتنمية وكل الوثائق المتعلقة بإعداد التراب والتعمير…..”.

كما نصت المادة 134 المتعلقة بمهام مؤسسة التعاون بين الجماعات على إجراءات في حماية البيئة وخاصة معالجة النفايات وتطهير السائل والصلب ومحطات معالجة المياه العادمة.

الفقرة الثانية :مكامن البيئة في الاختصاصات المشتركة والمنقولة

            جيء في هذا القانون التنظيمي ببعض الاختصاصات المشتركة بين الدولة والجماعة في الميدان البيئي سواء عن طريق السهر على الحماية والمحافظة أو تدبيرها وتهيئتها وذلك في متن المادة 87 التي ورد فيها ” تمارس الجماعة الاختصاصات المشتركة بينها وبين الدولة في المجالات التالية :..،المحافظة على البيئة ،تدبير الساحل الواقع في النفوذ الترابي للجماعة طبقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل ،تهيئة الشواطئ  والممرات الساحلية والبحيرات وضفاف الأنهار الموجودة داخل تراب الجماعة”.وهي اختصاصات تمارسها الجماعة بشكل تعاقدي إما بمبادرة من الدولة أو بطلب من الجماعة كما تبرز ذلك المادة 88 من هذا النص.

          وفي مجال الاختصاصات المنقولة من الدولة الى الجماعة اعتمادا على مبدأ التفريع فقد وردت بعض من الجوانب البيئية فيها، إذ نصت المادة 90 على انه ” تحدد اعتمادا على مبدأ التفريع مجالات الاختصاصات المنقولة من الدولة الى الجماعة،وتشمل هذه المجالات خاصة :… -حماية وترميم المآثر التاريخية والتراث الثقافي والحفاظ على المواقع الطبيعية.

   -إحداث وصيانة المنشآت والتجهيزات المائية الصغيرة والمتوسطة…. “

الفقرة الثالثة : الجوانب البيئية في صلاحيات مجلس الجماعة ورئيسها

          خول القانون التنظيمي للجماعات صلاحيات تداولية-سلطة تداولية- من قبل المجالس الجماعية في جملة من القضايا التنموية والخدماتية بما فيها البيئية،وقد أشارت الى ذلك المادة 92 التي جاء في فقرتها الاولى” يفصل مجلس الجماعة بمداولاته في القضايا التي تدخل اختصاصات الجماعة ويمارس الصلاحيات الموكولة إليه بموجب أحكام هذا القانون التنظيمي…” كما جاء في نفس المادة “يتداول مجلس الجماعة في القضايا التالية : ……

  • التنمية الاقتصادية والاجتماعية : برنامج عمل الجماعة …تحديد شروط المحافظة على الملك الغابوي في حدود الاختصاصات المخولة له بموجب القانون …
  • التعمير والبناء وإعداد التراب : -ضوابط البناء الجماعية والأنظمة العامة الجماعية للوقاية الصحية والنظافة العمومية ……
  • إبداء الرأي حول وثائق اعداد التراب ووثائق التعمير طبقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل….
  • التدابير الصحية والنظافة وحماية البيئة : -اتخاذ التدابير اللازمة لمحاربة عوامل انتشار الأمراض –إحداث وتنظيم المكاتب الجماعية لحفظ الصحة…”

كما أناط المشرع برئيس المجلس الجماعي جملة صلاحيات،منها تلك التي تلامس مجال البيئة بالجماعة ،بحيث الى جانب ما جاء عاما يشمل جميع مناحي التنمية بالنفوذ الترابي التابع للجماعة في الفقرة الاولى من المادة  94 والمادة 98 فإن المادة 100 تتضمن جملة صلاحيات الشرطة الإدارية للرئيس ومنها تلك المتعلق بالحفاظ على البيئة كالسهر على احترام شروط نظافة المساكن والطرق وتطهير قنوات الصرف الصحي وزجر إيداع النفايات بالوسط السكني والتخلص منها،والمساهمة في الحفاظ على المواقع الطبيعية…وتنظيم المساهمة في مراقبة الأنشطة التجارية والصناعية والحرفية ..التي من شأنها ان تمس بالوقاية الصحية والنظافة …أو تضر بالبيئة . والسهر على نظافة مجاري المياه والماء الصالح للشرب وضمان حماية ومراقبة نقط الماء المخصصة للاستهلاك العمومي ومياه السباحة….

كما أناطه أيضا تبعا لما جاء في ذات المادة “اتخاذ التدابير اللازمة للوقاية من الحريق والآفات والفيضانات وجميع الكوارث العمومية الكبرى.

والى جانب ما سلف نصت المادة 278 من هذا القانون التنظيمي أنه “يمكن لنصوص تشريعية خاصة ان تسن-عند الاقتضاء- تدابير استثنائية بخصوص صلاحيات رؤساء  المجالس الجماعية في ميدان التعمير والمنصوص عليها في المادة 101 من هذا القانون التنظيمي وذلك فيما يتعلق :….-بوضع تدابير استعجالية أو ضرورية لحماية البيئة والمحافظة عليها،في بعض المناطق…”

كما تستوجب الإشارة في هذا الصدد الى صلاحيات مجالس المقاطعات ورؤسائها من خلال المواد 224 و229و 231.

         إذن من خلال ما استعرضناه أعلاه من الجوانب البيئية التي خص بها المشرع الجماعة، يتضح حجم ما أوله لهذا الجانب حين صياغة القانون التنظيمي رقم 113.14 كما تتضح أهمية المسؤوليات البيئية التي أوكلها للمجالس الجماعية ورؤسائها على مستوى النفوذ الترابي لجماعاتهم سواء على مستوى حماية البيئة والمحافظة عليها أو إحداث المرافق وتقديم الخدمات ذات الصلة بالبيئية أو النهوض بالوضع البيئي بالجماعة… كما ان عقد مقارنة بين هذا القانون التنظيمي و الميثاق الجماعي 78.00 الذي كان منظم لعمل الجماعة يبرز مستويات التطور والتقدم الذي حصل على مستوى إدماج قضايا البيئة في جداول أعمال المجالس الجماعية.

المبحث الثاني : منظورات تناول البيئة في القوانين التنظيمية للجماعات الترابية

              لقد حاولنا ان نتتبع من خلال المبحث الأول المقتضيات ذات الصلة بالشأن البيئي على مستوى القانون التنظيمي 111.14 و112.14 و.113.14،وانطلاقا مما توصلنا إليه يتضح ان تناول هذا الموضوع من قبل المشرع يمكن تصنيفه الى أربعة منظورات حكمته وهو يعد هذه النصوص التنظيمية الثلاث تجسد الأول في الاهتمام بالبيئة كإطار عام للحياة(المطلب الأول) فيما تمثل الثاني في تناول الموضوع من منطلق الخدمة العمومية والمرفق العمومي(المطلب الثاني)،أما المنظور الثالث تجاه الموضوع فكان من منطلق مقاربة التنمية(المطلب الثالث).

المطلب الأول : البيئة كإطار عام للحياة

      في ثنايا القوانين التنظيمية للجماعات الترابية ضمن المشرع مقتضيات تعنى بالبيئة باعتبارها إطار للحياة ،ومن هذه المقتضيات ما نصت عليه المادة 82 التي ورد فيها”تشتمل الاختصاصات الذاتية للجهة في مجال التنمية الجهوية  على الميادين التالية … -و) البيئة :-تهيئة وتدبير المنتزهات الجهوية …”فهذه المنتزهات الموكول تهيئتها وتدبيرها للجهات هي إطار حياة لكل الكائنات الحية من تبات وحيوان وإنسان وأي مساس بها سينعكس سلبا على حاجيات ومتطلبات هذه الكائنات.

كما تجسد منظور تناول المشرع موضوع البيئة كإطار للحياة المادة 91 من القانون التنظيمي للجهات المتعلقة بإبراز الاختصاصات المشتركة حيث مما جاء فيها ” تمارس الجهات الاختصاصات المشتركة بينها وبين الدولة في المجالات التالية :..ب) التنمية القروية : -تنمية المناطق الجبلية -تنمية مناطق الواحات…” فقد خص هذا النص بالذكر الجبال والواحات دون غيرهما من المجالات القروية الأخرى،بالنظر لكونهما يتميزان بخاصية الهشاشة مما يقتضي العناية بهما كإطار للحياة قبل أي منظور أخر اقتصادي أو ربحي مثلا.

كما نجد هذا المنظور أيضا على مستوى القانون التنظيمي 113.14 المتعلق بالجماعات حيث جاء في المادة 87 منه  ” تمارس الجماعة الاختصاصات المشتركة بينها وبين الدولة  في المجالات التالية :….-المحافظة على البيئة  -تدبير الساحل الواقع في النفوذ الترابي للجماعة طبقا للقوانين والأنظمة الجاري بها العمل . -تهيئة الشواطئ والممرات الساحلية والبحيرات وضفاف الأنهار الموجودة داخل تراب الجماعة”، فإلى جانب ورود عبارة عامة في هذه المادة تشمل العناية بكل مكونات البيئة وهي “المحافظة على البيئة” نجد أيضا التنصيص على تدبير السواحل وتهيئة الشواطىء … وغيرها وهي مجالات هشة بيئيا وإطارات لكل الكائنات الحية.

المطلب الثاني : البيئة كمرفق أو خدمة عمومية

           لقد تناولت بعض من مقتضيات القوانين التنظيمية للجماعات الترابية موضوع البيئة من منظور مرفق أو خدمة عمومية تلتزم هذه الجماعات بتقديمها للمواطن وتمكينه من الولوج السهل إليها عبر اتخاذ إجراءات وإحداث بنيات وتجهيزات لتوفيرها، والملاحظ ان معظمها ورد في القانون التنظيمي 113.14 وهو أمر طبيعي لكون الجماعة هي مؤسسة لتقديم خدمات القرب كاختصاص أول في سلم اختصاصاتها بحيث جاء في المادة 83 ” تقوم الجماعة بإحداث وتدبير المرافق والتجهيزات العمومية  ……. في الميادين التالية :

-توزيع الماء الصالح للشرب والكهرباء

-التطهير السائل والصلب ومحطات معالجة المياه العادمة

-تنظيف الطرقات والساحات العمومية وجمع النفايات المنزلية والمشابهة لها ونقلها الى المطارح  ومعالجتها وتثمينها….

-إحداث وصيانة المنتزهات الطبيعية داخل النفوذ الترابي  للجماعة.

وتضمنت المادة 90 المتعلقة بالاختصاصات المنقولة أيضا منظور البيئة كخدمة عمومية حيث ورد فيها ” تحدد اعتمادا على مبدأ التفريع مجالات الاختصاصات المنقولة من الدولة الى الجماعة،وتشمل هذه المجالات خاصة :

-حماية وترميم الماثر التاريخية والتراث الثقافي والحفاظ على المواقع الطبيعية.

-إحداث وصيانة المنشآت والتجهيزات المائية الصغيرة والمتوسطة “

والى جانب ما سبق حول الحضور القوي للبيئة كخدمة عمومية في القانون التنظيمي 113.14 فان المادة134 الموضحة لمهام مؤسسة التعاون بين الجماعة هي الأخرى تؤكد هذا المنظور الخدماتي في تناول موضوع البيئة.

المطلب الثالث : الاهتمام بالبيئة كمدخل لإعمال التنمية المستدامة

         الى جانب الحضور المسجل للمنظورين السالفين،تناول موضوع البيئة كإطار للحياة ومرفق/خدمة عمومية في هذه النصوص التنظيمية، فإن هذه القوانين انشغلت بالبيئة كمنظور وبعد لتحقيق التنمية الترابية المنشودة على المستويات الترابية الثلاث الجهة،العمالة أو الإقليم،الجماعة. انسجاما مع مفهوم التنمية المستدامة الذي يرتكز على خلق التوزان بين الحاجيات الإنسانية والموارد وضمان حقوق الأجيال القادمة وبالتالي عدم الفصل بين الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئة التي تقوم عليه التنمية . ومن هذا المنطلق، فقد جاءت القوانين التنظيمية الثلاث متضمنة لمنظور الاستدامة وإيلاء العناية اللازمة لعنصر البيئة في اعداد السياسات والبرامج الجماعية، وقد ورد ذلك في القانون التنظيمي111.14 المتعلق بالجهات من خلال مقتضيات المادة 83 ” …يحدد برنامج التنمية الجهوية لمدة ست سنوات الأعمال التنموية المقرر برمجتها اوانجازها بتراب الجهة…..،لتحقيق تنمية مستدامة ووفق منهج تشاركي..” وفي القانون التنظيمي 112.14 المتعلق بالعمالات والأقاليم إذ جاء في المادة 80 منه ” يحدد برنامج تنمية العمالة أو الإقليم … لتحقيق تنمية مستدامة ….”،كما تضمن روح هذا المنظور القانون التنظيمي  113.14 الخاص بالجماعات الذي ورد في المادة 78 منه ” ….يتم اعداد برنامج عمل الجماعة … بانسجام  مع توجهات برنامج التنمية الجهوية..” .

المبحث الثالث : إدماج قضايا البيئة في متن القوانين التنظيمية للجماعات الترابية إعمال لمقتضيات دستورية والتزامات دولية.

         ان ما ورد من مقتضيات في القوانين التنظيمية للجماعات الترابية، وخاصة تلك المتصلة بموضوعات البيئة يشكل إعمالا للدستور (الفقرة الاولى)،كما يجسد مستوى من مستويات إعمال الدولة لالتزاماتها الدولية في مجال حقوق الانسان وضمنها الحقوق المتصلة بالبيئة(الفقرة الثانية).

الفقرة الاولى: البيئة في النصوص التنظيمية إعمال لحقوق دستورية

     عرف الاهتمام بقضايا البيئة ببلادنا اهتماما متزايدا وشهد تطور نوعيا، وانتقل –نظريا-من انشغال قطاعي الى انشغال عمومي عام بقضايا البيئة وقد شكل الجانب التشريعي احد مظاهر هذا الانشغال،حيث تمخض عن النقاش العمومي حول حالة البيئة وأثارها الاقتصادية والاجتماعية… على المواطنين والتهديدات المحدقة بالتراب الوطني جراء التغيرات المناخية، خاصة ظاهرتي الجفاف والفيضانات وكذا التصحر ،تمخض عن ذلك إحداث قطاعات وزارية (كتابة الدولة في الماء ،كتابة الدولة في البيئة ،المندوبية السامية للمياه والغابات …)ومؤسسات تعنى بالشأن البيئي في عموميته(المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي..)أو في بعده الموضوعاتي(الماء،الغابة،الساحل،الواحات،الأركان،الجبال…) وإصدار قوانين لحماية البيئة وإقرار التنمية المستدامة[3].

       ويشكل تطور المضامين البيئية للقوانين المنظمة للجماعات الترابية ببلادنا وجه أخر للاهتمام المتزايد بهذا الموضوع خاصة في بعده الترابي والتي جسدت امتدادا للمقتضيات الدستورية في هذا الباب حيث نص الدستور الحالي ولأول مرة في تاريخ الدساتير على مقتضيات بيئية-كحقوق-،حيث بالإضافة إلى ما جاء في ديباجته من التزام بحقوق الانسان كماهي متعارف عليها عالميا،كما التزم في ذات الديباجة بسمو الاتفاقيات الدولية على التشريع الوطني حين التصديق عليها وفي دائرة أحكام الدستور. نجد الفصل 31 من هذا الدستور الذي جاء فيه ” تعمل الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية،على تعبئة الوسائل المتاحة ،لتيسير أسباب استفادة المواطنات والمواطنيين،على قدم المساواة، من الحق في …الحصول على الماء والعيش في بيئة سليمة،التنمية المستدامة”. ففي هذا الفصل يعتبر الدستور ان حق المواطن في الماء وحقه في العيش في بيئة سليمة والحق في التنمية المستدامة مكفولة دستوريا وموكول تسهيل الولوج إليها والانتفاع بها الى الجماعات الترابية الى جانب الدولة والمؤسسات العمومية.

الفقرة الثانية :مكانة البيئة في القوانين التنظيمية تجسيد ترابي لالتزام دولي

    عمل المغرب بشكل خاص منذ تسعينيات القرن الماضي الانخراط في التوجهات الدولية لحماية البيئة والنهوض بها، بدأ بمشاركته في قمة الأرض الذي تضمن الإعلان الصادر عنها خلاصات ومبادىء أساسية في مجال المحافظة على البيئة وإقرار التنمية المستدامة شكلت موجها للدول التي تبنتها في اعداد سياساتها التنموية.

     وقد انخرط في أهداف الألفية الثالثة التي أطلقها المجتمع الدولي سنة 2000 كما شارك في مؤتمر ريو + 20 الذي انعقد سنة 2012 في ريو ديجانيرو، كما تكرس هذا المنحى باستضافة المغرب لمؤتمر الأطراف حول المناخ 2016 بمدينة مراكش.الى جانب هذا صادق المغرب على المواثيق والعهود الدولية لحقوق الانسان الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئة

وقد انعكس هذا الاهتمام سواء من حيث المشاركة في المؤتمرات الدولية البيئية والمتعلقة بإعمال التنمية المستدامة أو تبني إعلاناتها على الأجندة الوطنية للمغرب من خلال الترسانة القانونية البيئية ومن ضمن ذلك النصوص التنظيمية للجماعات الترابية باعتبارها وحدات ترابية أكثر قربا واحتكاكا بالبيئة كإطار للحياة والعناصر المكونة لها كحقوق إنسانية وخدمات ومرافق عمومية يتطلب الأمر النهوض بها وحمايتها وتشكل المقاربة القائمة على إدماج الجماعات الترابية أنجع المقاربات باعتبارها منبنية على مقاربة التدبير من أسفل الى أعلى.

خاتمة:

        لقد مكنتنا هذه الدراسة من الوقوف على الاهتمام الذي حضيت به المسألة البيئية على مستوى القانون التنظيمي 111.14 المتعلق بالجهات و 112.14 المتعلق بالعمالات والاقاليم و113.14 المتعلق بالجماعات كجسور تشريعية لتصريف منظور الدولة على المستويات الترابية،وقد حاولنا ان نرصد هذا الحضور لقضايا البيئة على عدة مستويات سواء من حيث الحجم أو النوع أو المنظور،كما حاولنا أن نبرز مستوى هذا الحضور في كل قانون تنظيمي على حدة،ومما يمكن استخلاصه في ختام هذا العمل هو ان الاهتمام بالبيئة على مستوى التشريع المنظم لعمل الجماعات الترابية سجل تطور ملحوظ من الناحية الكمية والنوعية إذا ما قورنا بالقوانين المنظمة للشأن الجماعي سابقا،كما نسجل أيضا تفاوتا في حجم وطبيعة هذا الاهتمام على مستوى القوانين التنظيمية الثلاث حيث نجد حضور أقوى على مستوى القانون التنظيمي 113.14 و القانون التنظيمي 111.14 بشكل أساس مع حضور باهت على مستوى القانون التنظيمي 112.14،أما من حيث المنظور، فالمستخلص هو هيمنة منظور البيئة كخدمة عمومية في القانون التنظيمي 113.14 الخاص بالجماعات وحضور كمقاربة في التنمية وذو بعد استراتيجي في القانون التنظيمي .111.14 ويجدر بالذكر ان ما خول للجماعات من اختصاصات بيئية يصطدم بتنازع الاختصاصات بينها وبين متدخلين آخرين في ظل غياب رؤية مندمجة لقضايا البيئة.

فهل ستتمكن الإستراتيجية الوطنية للبيئة والتنمية المستدامة من تجاوز هذا الخلل؟

وهل سيجد هذا الالتزام النظري/التشريعي المتسم بالغزارة طريقه السالك الى ممارسة فعلية جيدة من قبل الفاعل الترابي(المعين والمنتخب)،أم سيظل رهين متن هذه القوانين التنظيمية؟

============================================

المراجع :

  • البيئة والتنمية القروية المستدامة ،محمد الاسعد 1999.
  • تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي 2011
  • تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي 2012
  • تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي 2013
  • تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي 2014
  • تقرير المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي 2015
  • تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية المستدامة 2016
  • ظهير شريف رقم 1.11.91 صادر في 27 شعبان 1423 (29 يوليوز2011)بتنفيذ نص الدستور الجريدة الرسمية 5964 مكرر الصادرة في 30 يوليوز 2011 ص 3600-مركز الدراسات وابحاث السياسة الجنائية وزارة العدل والحريات.
  • ظهير شريف رقم 1.97.84 صادر في 2 ابريل 1997 بتنفيذ قانون رقم 47.96 المتعلق بتنظيم الجهات ،الجريدة الرسمية عدد4470 صادر بتاريخ 3 ابريل 1997.
  • ظهير شريف رقم 1.02.269 صادر في 3 أكتوبر 2002 بتنفيذ القانون رقم 79.00 المتعلق بتنظيم العمالات والاقاليم ،الجريدة الرسمية عدد505821/11/2002.
  • ظهير شريف رقم 1.02.297 صادر في 3 اكتوبر 2002 بتنفيذ قانون رقم 78.00 المتعلق بالميثاق الجماعي.
  • الظهير الشريف رقم03.59 المؤرخ ب 10 ربيع الأول 1423 الموافق 12 ماي 2003 بتنفيذ قانون رقم 11.03 يتعلق بحماية واستصلاح البيئة.
  • ظهير شريف رقم1.15.83 صادر في 7 يوليوز 2015 بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 111.14 المتعلق بالجهات.الجريدة الرسمية عدد6380 الصادرة بتاريخ 23 يوليوز 2015 .
  • ظهير شريف رقم 1.15.84.صادر في 7 يوليوز 2015 بتنفيذ القانون التنظيمي رقم 112.14 المتعلق بالعمالات والاقاليم ،الجريدة الرسمية عدد6380 الصادرة بتاريخ 23 يوليوز 2015 . =================================
  • محمد نبو /عضو المكتب التنفيذي لمركز الواحة للتنمية والدراسات الإستراتيجية
اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!