التأقلم مع مناخ متغير في الدول العربية

محمد التفراوتي3 نوفمبر 2013آخر تحديث :
التأقلم مع مناخ متغير في الدول العربية

SONY DSC

تقرير تقييمي مترابط لتأثيرات تغير المناخ على المنطقة العربية

خارطة طريق لصانعي السياسات في البلدان العربية

تونس : محمد التفراوتي

 تجتهد كثير من المنظمات والهيئات وفعاليات المجتمع المدني والباحثين لتشخيص وتفسير ظاهرة تغير المناخ، بغية إيجاد وسائل وآليات مكافحة تأثيره وتأقلم الساكنة المتضررة من انعكاساته السلبية.

   ويعزى هذا التحول المناخي والاحترار العالمي ،حسب الكثير من العلماء ، إلى النشاط الانساني والتطور الصناعي  من خلال  زيادة استهلاك الساكنة، المتزايدة ،  للموارد الطبيعية و الطاقة والغابات ثم تلوث البيئة والفقر والهجرة …

“التكيف مع مناخ متغير في الدول العربية” هو تقرير أعد من قبل البنك الدولي بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حول تغير المناخ ، يضم أبحاثا مختلفة أجابت عن كثير  من النقط  المؤرقة، حررها خبراء وباحثين بالاشتراك مع جامعة الدول العربية ، حاولوا سبر أغوار هذه المعضلة ثم وصف الخيارات المطروحة للسياسات العامة،  مع توفير منظور شامل للآثار الناجمة عن تغير المناخ , وانعكاس ذلك على سبل كسب العيش والأحوال المعيشية للفئات الفقيرة بالإضافة إلى طرح توصيات بشأن سياسات الدول العربية.

واعتمد الفريق المعد للتقرير على مقاربة تشاركية همت مجموعة عريضة من الأطراف المعنية بالمنطقة، بغية استجلاء منظور شامل للآثار الناجمة عن تغير المناخ، وكذا توفير معطيات حول التغيرات المناخية المحتملة في المنطقة، وتوفير إرشادات إستراتيجية بشأن كيفية تكيف المنطقة مع هذه التغيرات.

وعلى إثر هذا التقرير عقدت الجمعية الوطنية للتنمية المستديمة وحماية الحياة البرية ورشة عمل حول التغيرات المناخية في العالم العربي تحت إشراف وزارة التجهيز والبيئة التونسية وبتعاون مع البنك الدولي ودعم الصندوق العالمي للتنمية الفلاحية FIDA وذلك بغية دراسة نتائجه وعرض نتائجه من طرف خبراء وباحثين عملوا على صياغة فصوله العلمية.

وأفاد صادق العامري كاتب الدولة، مكلف بالبيئة ، لدى وزير التجهيز والبيئة أن البيئة والموارد الطبيعية بالوطن العربي شهدت منذ نصف القرن الماضي ضغوطات كبيرة من حيث الكثافة السكانية والتنمية الحضرية  ونمط التطور الاقتصادي  المعتمد  على المستوى الدولي ..

وتمثل التغيرات المناخية تحديا بيئيا  كبيرا تؤثرا على العناصر الأساسية لحياة  شريحة كبيرة من الساكنة بمختلف مناطق العالم  خصوصا الولوج إلى الماء والإنتاج الغذائي  والصحة فضلا عن البيئة.إذ يعاني  مئات الملايين من الأفراد من المجاعة والخصاص المائي والفياضانات الساحلية هذا مع احترار المتزايد للكوكب الأرضي.واستشهد العامري ببعض نتائج أبحاث المجموعة الدولية لتطور المناخ( GIEC) المؤكدة على  التحول المنتظر لمستوى الحرارة بالدول العر بية ، ما بين 3 درجات إلى 4 درجة  في نهاية القرن 21 . وفي هذا السياق يضيف العامري أن التقرير موضوع الورشة يشهد على خطورة عدم الانتظام المناخي وتأثريه على البيئة والصحة والتنمية الاقتصادية والاجتماعية .

وأكد يوسف السعداني مدير عام  الغابات على وجوب تربية الساكنة على مفهوم تغير المناخ  والتأقلم معه والعمل بشراكة  وفق مشاريع التعاون التقني المنظمات الدولية و الاستماع لما يجري في العالم في الموضوع .

وأضاف السعداني أن الغابات بتونس  تعد إحدى أهم روافد تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، حيث تغطي ثلث مساحة البلاد أي ما يعادل مليونا و230 هكتارا وهو ما يعطي نسبة غطاء غابي بقرابة 12.3٪ مشيرا إلى  الإستراتيجية المعتمدة والرامية  إلى ضخ حيوية متجددة على قطاع الغابات من خلال مجموعة من المجهودات الهامة للحفاظ على هذه الثروة الطبيعية.

SONY DSC

وتحدتث تمارا ﻟﻴﻔﻴن  مستشارة البنك الدولي  عن أسباب تغير المناخ بالمنطقة مؤكدة على الاختلاف الطبيعي كسمة من سمات المناخ مع تأثير انبعاثات الغازات الدفيئة الماكثة ولفترات طويلة بالجو كسبب رئيسي من أسباب التغييرات التي نشهدها حاليا مستشهدة بتقرير التنمية في العالم لسنة  2010حيث  ” يتم تحديد مناخ الأرض من الطاقة القادمة من الشمس، و تشع الطاقة الصادرة من الأرض ، وتبادل الطاقة بين الغلاف الجوي والأرض و المحيطات ، والجليد ، و الكائنات الحية. تكوين الغلاف الجوي له أهمية خاصة لأن بعض الغازات و الرذاذ الجوي (الجزيئات الصغيرة جدا)  تؤثر على تدفق الإشعاع الشمسي الوارد و الأشعة تحت الحمراء الصادرة ” .

وتؤكد الدكتورة روضة القفراج ، مهندسة مياه ودكتورة في علوم الارض بتونس وأحد مؤلفي التقرير ، أن شح المياه بالمنطقة العربية  يعد تحدياً كبيراً ، حيث تتوفر المنطقة العربية على أقل الموارد الطبيعية للمياه العذبة في العالم، ذلك أن  جل الدول العربية تعاني من قلة المياه

 

SONY DSC

باستثناء ستة منها (جزر القمر، العراق، لبنان، الصومال، السودان، وسوريا) حيث لا يحصل الفرد سوى أقل من 1000 متر مكعب من المياه في العام.  وتشير التقديرات إلى أن تغير المناخ سيقلل من تدفق المياه بنسبة 10% بحلول عام 2050. في حين تشهد  المنطقة عجزا مائيا حيث يفوق الطلب العرض و يتزايد عدد السكان مع متطلبات  الفردية  من المياه  مما سيقود ، حسب التقديرات ، نحو مزيد  من الارتفاع بنسبة 60 في المائة بمطلع سنة 2045. هذا وسيؤثر التغير المناخي على  الإنتاج الزراعي والقطاع السياحي حيث سيتناقص معدل الزيادة في الإنتاج الزراعي على مدى العقود القادمة.

وتناول التقرير نسبة الزيادة في حدوث الفيضانات السريعة في المدن في مختلف أنحاء المنطقة العربية نتيجة لازدياد كثافة هطول الأمطار، وانتشار الأسطح الخرسانية التي لا تمتص الماء، وقلة ونقص كفاءة شبكات الصرف الصحي وانسدادها، وزيادة البناء في المناطق ذات الانحدارات المنخفضة والوديان. وقد تضاعف عدد السكان المتضررين من الفيضانات على مدى السنوات العشر الماضية ليصل إلى 500,000 شخص في مختلف أنحاء المنطقة العربية.

SONY DSC

وسيشمل تأثير تغيّر المناخ قطاع السياحة الذي يعد مصدراً مهماً للموارد وتوفير فرص الشغل،  حيث تصل عائداته، في المنطقة العربية، ما يناهز 50 مليار دولار أمريكي سنوياً ، حوالي 3 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي.

ولم يغفل التقرير الإشارة إلى تأثير تغيّر المناخ على مقاربة النوع الاجتماعي من حيث المساواة بين الجنسين و دور كل من المرأة والرجل في المجتمع ذلك أن نساء القرى أكثر تأثراً من الرجال. وسيكون لتغير المناخ تأثيراً كبيراً على أساليب العيش وكسب الرزق في القرى. فهجرة الرجال إلى المدن للبحث عن الشغل ترغم المرأة القروية على تحمل عبئ الأشغال المنزلية والمزروعات المعيشية وتربية المواشي..  

كما تطال تأثيرات تغير المناخ صحة الإنسان حيث يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة و انتشار سوء التغذية وزيادة احتمالات الأمراض المرتبطة بالقلب والإصابات بالأمراض المفضية للوفاة و حدوث السكتات الدماغية هذا فضلا عن تعرض التجمعات السكنية لأمراض خطيرة  كالملاريا وحمى ..بفعل الحشرات الناقلة للأمراض، مثل البعوض..

يذكر أن التقرير نهج ثلاث مناحي قدم من خلالها خريطة طريق تهم التأقلم مع تغير المناخ إلى صانعي السياسات في البلدان العربية.حيث رسم هرم التكيف حول كيفية المضي قدما في جدول الأعمال الإجراءات المزمع اتخاذها و قدم تصنيفا لنهج السياسات ذات الصلة بالمنطقة والتي تمكن من الاستجابة للسياسات الفعالة لصانعي القرار ثم عرض توصيات السياسات الرئيسية لكل فصل من الفصول.

World-Bank_MENA-Region_Adaptation-Report-Cover_2012-210x300

وتضمن التقرير ، وفق ثمان فصول  كل من محاور “تغير المناخ يحدث الآن”، و”تأثر السكان في البلدان العربية “، و “مستقبل الدراسات المناخية” ثم” إدارة مخاطر الكوارث” و”الآثار المتوقعة لتغير المناخ على الموارد المائية” و”تغير المناخ يهدد الأمن الغذائي وسبل كسب العيش في المناطق الريفية” و “تأثير تغير المناخ على سبل كسب العيش والأحوال المعيشية في المناطق الحضرية” و “التكيف مع تغير المناخ بما يراعي احتياجات المرأة: ضمان تحقيق الفاعلية والاستدامة “و “تحسين الصحة في مناخ متغير” وكذا” اتجاهات السياسات وإجراءات التكيف التي يوصي بها هذا التقرير”.

يشار إلى أن إعداد تقرير “التكيف مع مناخ متغير في الدول العربية”  تم بدعم وتمويل كل من: مؤسسة التعاون التنموي الإيطالية، والاتحاد الأوروبي، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية، وجامعة الدول العربية، ومكتب منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ووحدة الشؤون البيئية بالبنك الدولي.

وفي ما يلي دردشة مع إحدى مؤلفات التقرير الخبيرة التونسية الدكتورة  روضة القفراج :

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!