حين يصمت الأثر

محمد التفراوتيمنذ ساعتينآخر تحديث :
حين يصمت الأثر

آفاق بيئية: محمد التفراوتي 

في تلك الليلة، كانت الأضواء أكثر مما يحتمل القلب، وكان المشهد يمضي إلى وجهته الجديدة، وأنا أتعلم كيف أرافقه بصمت.

وقفت في مكاني أصفق، لا لأن اللحظة باغتني، بل لأنني تعلمت مبكرا كيف لا أربك اللحظات الكبيرة. كأن الفرح مهنة، أؤديها بإتقان، وأخفي ما لا يصلح للعرض.
حين مرت، لم أر الفستان الأخضر ولا الأبيض… رأيت قطعة قماش صغيرة كنت ألفها بيدي المرتجفتين، وسمعت صرخة ميلاد تتزاحم مع زغاريد الليل، كأن الزمن قرر أن يختصر المسافة دفعة واحدة.
بين ابتسامة وأخرى، كان شريط كامل يعبرني بصمت. أول بكاء، أول خطوة غير متوازنة، يد صغيرة تبحث عن إصبعي، وصوت يناديني. فأدخل المعنى كاملا ، وكأن كل ما حولي انسحب خطوة إلى الخلف.

كنت حاضرا كما يجب، في الصف الخلفي للبهجة، أوزع التهاني، وأتقن كتم ما لا يقال. في لحظة عابرة، شعرت أن بعضي ينسل بهدوء، جلس في زاوية مقابلة. جزء لم يعد يسير معي في تفاصيل الحياة، اختار مسارا آخر، وبيتا آخر، وتركني أعتاد النقص دون ضجيج.
حين انفض الجمع وخفتت الأصوات، عاد المكان إلى حجمه الحقيقي. لم يكن فارغا، كان ناقصا… والنقص له شكل، وله مكان، وله اسم لا ينطق.
أطفأت المصباح، وتركت الضوء الوحيد مشتعلا في صدري. ذلك الذي لا يراه أحد، ولا يفهمه سواي.
أمام الأهل، وحين كانت العيون تحصي التفاصيل، رمقتني نظرة أعرفها. لم تكن سؤالا، كانت وداعا مؤدبا.
قال أحدهم، ممن يسمع لهم قبل أن يتكلموا، ما يقال في مثل هذه اللحظات، فأنجزت المطلوب كما يجب. اقتربت، وتوقف الزمن لحظة، ولمست يدي للمرة الأولى. رآها الجميع حركة عابرة، ورأيتها أنا إشارة أخيرة تقول:
اطمئن… ما بيننا لم يتغير.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!