حين يكبر الطفل فينا… ويظل يفتش عن أبيه

محمد التفراوتيمنذ 5 ساعاتآخر تحديث :
حين يكبر الطفل فينا… ويظل يفتش عن أبيه

الرباط : المختار أبو إيمان

قال أحمد توفيق:

“أود أن أبكي وأرتاح، وألتصق بأحد الكبار… ولكن الحقيقة القاسية أنني أحد الكبار.”

ويا لمرارة هذه الحقيقة حين تستوطن الروح بلا إذن، فتغدو ظلا يرافقك في كل صباح.

أحيانا، أستفيق من غفلة العمر، فأجدني قد كبرت.

لا يد أكبر من يدي تربت على كتفي،

ولا صوت ألوذ به حين تعصف بي الأيام،

ولا حضن يخفف عني قسوة العالم.… سوى حضن أمي، الذي بقي آخر ملاذ لي بعد رحيل أبي.

كبرت، نعم… لكنني لم أتعلم بعد كيف أكون كبيرا.

أتذكر أبي – رحمه الله – في مساء قديم، حين جلس بجواري وقال:

“كم أتمنى لو أجد أبي أمامي، يصفعني ويوجهني، رغم وصولي لهذا السن.”

ضحكت يومها، حسبتها مزحة من رجل تجاوز الستين،

لكنني اليوم أفهم… وأفهم جيدا.

أدرك أن الصفعة التي تشتاقها ليست ألما، بل يقينا بوجود من يراك،

من يعيدك إلى صوابك،

ويضمك بدائرة من السكينة، كما يطوق السور بيتا يخشى عليه من الريح

حين كان صوته يتسلل إلى قلبي كنسيم البحر عند الغروب،

وأحاديثه تنثر في روحي طمأنينة تشبه ضوء المصباح الوحيد في بيت قديم.

أشتاق ليده التي كانت تربت على كتفي وكأنها تقول: “أنا هنا، لا تخف.”

اليوم، أنا في المقام الذي كان فيه أبي… وربما لم أبلغ تمامه بعد.
أبحث عن ظل يشبهه، عن نظرة تحمل دفء عينيه،
عن صوت يتسلل إلى قلبي هامسا: ” اهدأ… كل شيء سيكون بخير.”
كبرت، لكن الطفل في داخلي ما زال هناك،
يمد يده في العتمة باحثا عن يد تمسك به،
يشتاق إلى صفعة أب غيبه الرحيل، وإلى نظرة أم ما زالت تحرس قلبه كنسيم الفجر

وإلى صمت شيخ يسكب السكينة في روحه دون كلمة.
وأنا… أحد الكبار، نعم،
لكنني، في لحظات كثيرة، لست سوى طفل صغير،
يعود في أحلامه إلى ذلك البيت القديم،
يجلس عند قدمي أبي،
ويترك قلبه يستريح… أخيرا.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!