علماء البحار يدعون إلى تحرك عاجل لحماية جبال المحيطات من شباك الجر القاعية

محمد التفراوتيمنذ 5 ساعاتآخر تحديث :
علماء البحار يدعون إلى تحرك عاجل لحماية جبال المحيطات من شباك الجر القاعية

آفاق بيئية: محمد التفراوتي 

بالتزامن مع انطلاق مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيطات بمدينة نيس الفرنسية، وجه علماء بحار من مختلف أنحاء العالم نداء عاجلا إلى الحكومات يدعون فيه إلى الوفاء بالتزاماتها الدولية طويلة الأمد لحماية النظم البيئية الهشة في أعماق البحار، وعلى رأسها الجبال البحرية، من التدمير المتواصل الناجم عن ممارسات الصيد بشباك الجر القاعية.

الجبال البحرية… كنوز مغمورة بالتنوع البيولوجي

تشكل الجبال البحرية عوالم مذهلة تحت الماء، حيث تعد مناطق حرجة للتكاثر والحضانة، ومصادر غذاء مهمة، ونقاط استراحة وهجرة لكائنات بحرية كالحيتان وأسماك القرش وعدد لا يحصى من الأنواع البحرية الأخرى. وتؤكد الأبحاث العلمية أن هذه النظم البيئية البحرية العميقة تلعب دورا محوريا في استدامة صحة المحيطات وتوازن النظام البيئي الكوكبي.

شباك الجر القاعية تهدد قرونا من الحياة البحرية

ورغم وضوح الأدلة العلمية حول أهمية هذه الجبال البحرية وهشاشتها، فإن عددا محدودا من الدول لا يزال يسمح بالصيد بشباك الجر القاعية على قاع البحر، وهو ما يتسبب في تدمير بيئات عمرها مئات بل آلاف السنين، دون قدرة على التعافي السريع. وتعد هذه الممارسات مخالفة صريحة لقرارات سابقة صادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، من أبرزها القرار التاريخي رقم 61/105 لعام 2006، والذي دعا إلى وقف الصيد المدمر في أعماق البحار.

رسالة مفتوحة من المجتمع العلمي العالمي

وفي رسالة مفتوحة موقعة من مجموعة بارزة من العلماء الدوليين، دعت لجنة حماية الجبال البحرية الدول إلى اتخاذ إجراءات فورية لحماية هذه النظم البيئية الفريدة. وأشارت الرسالة إلى أدلة علمية متزايدة تؤكد الأهمية البيئية البالغة للجبال البحرية كمراكز حيوية للتنوع البيولوجي، وهو ما وثقه أيضا الفيلم الوثائقي “المحيط” ل”ديفيد أتينبورو”.

وقالت الدكتورة ليزيت فيكتوريرو، (Dr.Lissette Victorero) المستشارة العلمية في تحالف الحفاظ على أعماق البحار (DSCC): “لقد شهدنا بأم أعيننا الأثر الكارثي لشباك الجر القاعية على هذه النظم الهشة. هذه الرسالة تمثل دعوة واضحة من المجتمع العلمي، فالدول تمتلك الأدوات اللازمة لوقف هذا الدمار، والعلم واضح: حان وقت التحرك”.

الالتزامات الدولية ما تزال حبرا على ورق

رغم مرور ما يقارب عشرين عاما على صدور القرار الأممي الذي دعا إلى حماية النظم البيئية البحرية الهشة، لا يزال تنفيذ الالتزامات متفاوتا ومجزأ. وفي هذا السياق، قالت : “ميريلا فون ليندنفيلز”، (Mirella von Lindenfels) مديرة منظمة البرنامج الدولي لحالة المحيطات (IPSO): “بعد عقدين من القرار 61/105، بات من الجلي أن الوعود لا تكفي. مصير أعماق المحيطات معلق، ونحث جميع الدول على الالتزام الفعلي، وسد فجوات الحوكمة، ومنع الصيد المدمر في هذه المناطق الحيوية”.

دعم علمي وتحالفات دولية قوية

يحظى هذا النداء بدعم من البرنامج الدولي لحالة المحيطات (IPSO) ومعهد الحفاظ على البيئة البحرية، ويستند إلى حملة علمية انطلقت منذ أكثر من عشرين عاما بهدف حماية الجبال البحرية من التدهور. وتدفع الثغرات المستمرة في الحوكمة البحرية، خاصة في أعالي البحار والمناطق الواقعة خارج الولاية الوطنية، نحو التعجيل بالمصادقة على اتفاقية التنوع البيولوجي في المناطق الواقعة خارج الولاية الوطنية (BBNJ). ورغم أن دخول الاتفاقية حيز التنفيذ سيستغرق وقتا، إلا أن الدول قادرة منذ الآن على الوفاء بالتزاماتها القديمة، وحماية هذه البيئات من ممارسات الصيد الجائرة.

وأكد الدكتور لانس مورغان، (Dr. Lance Morgan) رئيس معهد الحفاظ على البيئة البحرية، أن الجبال البحرية تمثل “كنوزا حقيقية للتنوع البيولوجي، حيث تضم مجتمعات فريدة وموائل لا تقدر بثمن، وغالبا ما تكون أقدم من أقدم غابات الأرض. حمايتها ليست خيارا، بل التزام دولي وضرورة حيوية”.

منظمات تقود المعركة لحماية الأعماق

يشار إلى أن تحالف الحفاظ على أعماق البحار (DSCC)، الذي تأسس عام 2004، يضم أكثر من 130 منظمة غير حكومية وجمعية صيادين ومراكز بحث قانونية وبيئية من مختلف أنحاء العالم، ويعمل على حماية النظم الإيكولوجية الهشة في أعماق البحار. أما معهد الحفاظ على البيئة البحرية، الذي تأسس عام 1996، فهو منظمة غير ربحية يسعى لوضع معايير علمية دقيقة للمناطق البحرية المحمية عبر برنامج “بلو بارك”، ويدعو إلى حماية أعالي البحار وتقديم حلول قائمة على المعرفة العلمية لحماية المناطق الواقعة خارج الولاية الوطنية.

مستقبل المحيطات بين يدي الدول

في ظل التهديدات المتزايدة التي تواجه المحيطات العالمية، يضع هذا النداء العلمي المجتمع الدولي أمام مسؤولية أخلاقية وبيئية عاجلة. فحماية الجبال البحرية لم تعد ترفا علميا أو مطلبا ناشطا، بل أصبحت ضرورة استراتيجية للحفاظ على التنوع البيولوجي البحري، وضمان استدامة المحيطات كأحد أهم أعمدة الحياة على كوكب الأرض.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!