من الهشاشة إلى الاستدامة: مشروع تنمية أركان الفلاحي يحقق التحول في المناطق القاحلة

محمد التفراوتيمنذ 5 ساعاتآخر تحديث :
من الهشاشة إلى الاستدامة: مشروع تنمية أركان الفلاحي يحقق التحول في المناطق القاحلة

آفاق بيئية:  محمد التفراوتي

بمناسبة اليوم العالمي لشجرة أركان: ندوة علمية بأكادير للكشف عن نتائج مشروع تنمية أركان الفلاحي

بمناسبة اليوم العالمي لشجرة أركان، نظم المعهد الوطني للبحث الزراعي (INRA) والوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر أركان (ANDZOA)، ندوة علمية بأكادير لتقديم نتائج مشروع تنمية أركان الفلاحي بالمناطق الهشة (DARED” )، الذي يعد ثمرة شراكة استراتيجية انطلقت سنة 2020 بتمويل مشترك من الصندوق الأخضر للمناخ.

نحو رؤية وطنية طموحة للحفاظ على شجرة أركان وتحقيق التنمية المستدامة

استهلت فعاليات الندوة العلمية بكلمة افتتاحية ألقتها السيدة لطيفة اليعقوبي، المديرة العامة للوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر أركان (ANDZOA)، عبرت فيها عن اعتزازها بهذا الموعد الرمزي الذي يخلد شجرة أركان كتراث طبيعي وثقافي وإنساني. وأبرزت في كلمتها الرؤية الوطنية الطموحة للحفاظ على هذا النظام البيئي الفريد، مشيرة إلى الإنجازات المهمة التي تحققت بفضل التعاقدات القطاعية، ومنها تأهيل أكثر من 176.000 هكتار من غابات أركان، وغرس 10.000 هكتار من أركان الفلاحي، مع تطلعات لمضاعفة هذه الأرقام بحلول 2030.

وأكدت السيدة اليعقوبي أن المشروع (DARED)، المنجز بشراكة مع المعهد الوطني للبحث الزراعي (INRA) وبدعم من الصندوق الأخضر للمناخ، يمثل نموذجا طليعيا لتطوير الزراعة المستدامة لأركان، ورافعة علمية واقتصادية واجتماعية لفائدة الساكنة القروية، خاصة النساء. كما أشادت بدور البحث العلمي والتعاون بين مختلف الفاعلين في تحقيق نتائج ملموسة على مستوى تحسين تقنيات الإنتاج، و تقييم قدرة الاحتجاز الكربوني، وتعزيز دينامية الابتكار في مواجهة التغيرات المناخية.

 أركان تواجه تحديات المناخ والإنسان

ومن جهتها أكدت المديرة العامة للمعهد الوطني للبحث الزراعي السيدة لمياء الغوتي أن شجرة أركان أصبحت مهددة بفعل عوامل مناخية وأنشطة بشرية ساهمت في تدهور نظام بيئي غابوي وتراجع مستمر في الغطاء النباتي. و لمواجهة هذه التحديات، أولت وزارة فلاحية وصيد بحري وتنمية قروية وموارد مائية أهمية خاصة لأركان فلاحي ضمن استراتيجيتين وطنيتين هما مخطط مغرب أخضر والجيل الأخضر، بدعم من مشروع ممول من طرف صندوق أخضر لمناخ. و يرتكز هذا المشروع على إحداث حقول أركان في أراض خاصة مجاورة لغابات طبيعية، حيث يلتزم مستفيدون بتدبير مستدام لغابات واعتماد مقاربات تسيير مشترك. ويهدف إلى غرس عشرة آلاف هكتار من بساتين حديثة، منها ألفا هكتار مدمجة مع نباتات طبية وعطرية، واعتماد تقنيات حصاد مياه أمطار، ضمن التزامات وطنية للتكيف مع تغير مناخي. ويُصنّف البرنامج ضمن إجراءات وطنية مناسبة لتقليص انبعاثات غازات دفيئة بنسبة اثنين وأربعين في المئة بحلول ألفين وثلاثين.

و أشارت المديرة إلى أن بحث علمي يشكل ركيزة أساسية في هذا المشروع، وهو ما تُوّج بتوقيع اتفاقية شراكة مع وكالة تنمية مناطق واحات وأركان سنة ألفين وعشرين، بهدف تطوير نموذج اقتصادي مستدام ومرن لأركان فلاحي. وشملت الاتفاقية تحسين تقنيات زراعة وتتبع أداء فسيولوجي وأغرونومي، وتقييم قدرة على امتصاص كربون، ومراقبة حالة غابات مجاورة. بتعاون مع جامعات ومؤسسات علمية، تم تحقيق نتائج مهمة، من ضمنها تطوير تقنيات الإنتاج، و تقييم البصمة الكربونية، ومتابعة التنوع البيولوجي. وأسفرت الأشغال عن نشرات علمية، تأطير طلبة دكتوراه، إنتاج دلائل تقنية وتقارير دورية، وبطاقات مرجعية.

و يعمل المعهد ضمن برنامج بحث متوسط المدى على محاور إضافية، منها تطوير أصناف جديدة ذات إنتاجية عالية وجودة زيت متميزة، و تحليل البصمة الوراثية، و تقنيات استنساخ نباتي، وتحسين تقنيات إنتاج ومكافحة آفات. واختتمت مديرة مداخلتها بتأكيد أن هذه الجهود تمهد لنموذج فلاحي مستدام يعزز صمود المجتمعات في مواجهة التغيرات المناخية ويحافظ على الإرث طبيعي والاقتصادي الفريد.

واستعرض السيد عبد الرحمان آيت الحاج، في مداخلة تقديمية، الدور المحوري الذي تضطلع به الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر أركان (ANDZOA) بصفتها فاعلا مؤسساتيا في تحقيق الالتقائية بين مختلف المتدخلين في مجال البحث والتنمية المستدامة لمنظومة أركان. وأفاد بأن الوكالة تعمل على تعبئة الشركاء وتوحيد الجهود عبر تصميم مشاريع بحث وتنمية ، وتوفير الموارد والخبرات الضرورية، إلى جانب تنسيق البحث العلمي المرتبط بهذه المنظومة البيئية الفريدة.

وأشار إلى أن الوكالة (ANDZOA) ترتكز على ثلاث مهام أساسية، تتمثل في إدارة المعرفة من خلال التتبع والتوثيق والنشر، وتفسير التراث الطبيعي لمحمية المحيط الحيوي لأركان، ثم تثمين مختلف مكونات هذه المنظومة باستعمال أدوات ووسائط مناسبة، تأخذ بعين الاعتبار إشكاليات المحافظة والتنمية.

ومن بين المكتسبات المهمة التي أبرزها السيد آيت الحاج، رصد وتثمين نتائج البحث العلمي عبر آليات النشر والتقاسم، وتنظيم تظاهرات علمية مرجعية، في مقدمتها المؤتمر الدولي لأركان. كما تم إطلاق منصة رقمية لتدبير المعرفة حول أركان (https://pgc-argane.ma/) والتي تشكل أداة محورية لتجميع المعطيات وتيسير اتخاذ القرار.

وأضاف أن الوكالة تدعم الباحثين الشباب، وتسهر على مواكبة مشاريعهم، وتوظف نظم المعلومات الجغرافية (SIG) في بناء نماذج تنبؤية للإنتاجية، مشيرا إلى مشروع تنمية أركان الفلاحي بالمناطق الهشة (DARED )كنموذج رائد في هذا الإطار. وتسعى الوكالة إلى تحسين تقنيات أركان الفلاحي (Arganiculture) من خلال البحث التطبيقي وتعميم نتائجه على الفاعلين.

وأكد أن هناك ثلاثة محاور ذات أولوية توجه استراتيجية الوكالة (ANDZOA)، تتجلى في إشراك الفاعلين في البحث والتطوير، وتثمين ونشر نتائج الأبحاث، ثم تعزيز قدرات الفاعلين المحليين والمؤسساتيين.

وفي ما يخص آفاق العمل، كشف السيد آيت الحاج عن مقترح مشروع بحث حول الكربون والأسواق الطوعية للكربون بشراكة مع جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية (UM6P)، والمعهد الوطني للبحث الزراعي (INRA)، والمعهد الإفريقي للتغذية النباتية (APNI). كما يتم العمل على تطوير نموذج تنبؤي لإنتاجية أركان، إلى جانب مشاريع تهدف إلى ضمان استدامة الزراعة أركان عبر تنويع الأنشطة الزراعية ودمجها في أنظمة الزراعة الغابوية. وتبقى منصة إدارة المعرفة أداة استراتيجية لدعم اتخاذ القرار وتعزيز التنسيق بين الفاعلين.

و شكل الملتقى مناسبة لتقديم أبرز نتائج مشروع DARED، الذي يهدف إلى تحسين أداء سلسلة أركان وتعزيز صمودها البيئي، من خلال مقاربات علمية وتقنية تستند إلى البيانات، والتقنيات الزراعية الحديثة، والشراكة مع المؤسسات الأكاديمية والبحثية.

ويهدف هذا المشروع إلى تعزيز صمود سلسلة إنتاج أركان في مواجهة التغيرات المناخية والتدهور البيئي، من خلال اعتماد مقاربة متكاملة ترتكز على تحسين التقنيات الفلاحية داخل بساتين أركان، ولا سيما عبر تتبع السلوك الزراعي والفسيولوجي للأشجار، مما يساهم في رفع جودة الإنتاج وضمان استدامته. كما يعمل المشروع على تقييم قدرة شجرة أركان بكامل منظومتها الزراعية والبيئية على احتجاز ثاني أكسيد الكربون، بما يعزز دورها في التخفيف من آثار التغير المناخي. وإلى جانب ذلك، أولى المشروع أهمية خاصة لمتابعة ومراقبة حالة غابات أركان المجاورة لمناطق الزراعة، من أجل حماية النظم البيئية الطبيعية وضمان توازنها.

ويجسد هذا التعاون النموذجي التزام المعهد الوطني للبحث الزراعي والوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر أركان، من أجل تنمية شاملة ومرنة للمناطق الهشة، حيث تعد زراعة أركان رافعة بيئية واقتصادية واجتماعية أساسية لصالح المجتمعات المحلية.

وباتت منظومة أركان الطبيعية تواجه تحديات خطيرة تهدد توازنها واستدامتها في ظل التغيرات المناخية المتسارعة، والتدهور البيئي المتزايد. و أصبحت اليوم في وضع هش نتيجة الضغوط البشرية والمناخية المتراكمة. هذا الواقع دفع المؤسسات المعنية إلى التفكير في مقاربات جديدة، أكثر شمولا واستشرافا، لإحياء هذا المورد الطبيعي بطريقة مستدامة.

في هذا السياق، انطلقت تجربة رائدة حملت اسم مشروع “تطوير أركان الفلاحي في المناطق الهشة”DARED ، والذي نفذ بشراكة بين الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر أركان (ANDZOA) والمعهد الوطني للبحث الزراعي (INRA)، بدعم من الصندوق الأخضر للمناخ.

الرهان: من الغابة إلى الحقل

ما يميز هذا المشروع هو انتقاله من تدبير غابات أركان كمجال طبيعي هش، إلى نموذج فلاحي حديث لشجر أركان، قائم على زراعة منتظمة ومكثفة، تستفيد من البحث العلمي والتقنيات الحديثة. لقد تم تحديد هدف طموح يتمثل في زراعة 50 ألف هكتار من بساتين أركان الفلاحي، وهو ما يعكس توجها استراتيجيا لتأمين المادة الأولية وضمان دخل مستدام للفلاحين، وخاصة في المناطق القروية الهشة.

منهجية علمية ومقاربة ميدانية

مشروع مشروع تنمية أركان الفلاحي بالمناطق الهشة (DARED )، لم يكن مجرد خطة زراعية، بل نموذجا علميا متكاملا، تم اعتماده في ستة أقاليم من مجالات انتشار شجر أركان: تارودانت، الصويرة، اشتوكة آيت باها، تيزنيت، سيدي إفني، وكلميم.
تم إنشاء أكثر من 120 موقعا للتجريب والرصد، وشملت تعاونيات وجمعيات وفلاحين محليين في هذه الدينامية، مما عزز الانخراط المجتمعي.

المشروع اعتمد مقاربة تشاركية دمجت الفلاحين والباحثين في الحقول، تحت إشراف فرق علمية تابعة لـ المعهد الوطني للبحث الزراعي (INRA) والجامعات المغربية. كما تم تتبع تطور الأشجار المزروعة من حيث النمو والإنتاج والقدرة على مقاومة التغيرات المناخية، وتقييم خصائص التربة، وطرق الري، وملاءمة النباتات الطبية والعطرية مع شجرة أركان.

البعد الإنساني والتنموي

بعيدا عن لغة الأرقام، فإن القيمة المضافة الحقيقية لمشروع DARED تكمن في أثره على الإنسان والمجتمع المحلي. فقد وفر فضاء لتكوين العشرات من الطلبة والباحثين الشباب، وربط الجامعة بالمجال، وشجع الفلاحين على الانخراط في نموذج زراعي حديث ومربح.

لقد مكن المشروع من تحويل أركان من مورد مهدد إلى فرصة اقتصادية واجتماعية، قائمة على أسس علمية مستدامة، تراعي خصوصية المجال وساكنته.

نتائج علمية… وأثر بيئي واقتصادي واعد

شهد الملتقى تقديم عروض علمية متنوعة تغطي مختلف مراحل سلسلة أركان، من جودة الشتلات والتقنيات الزراعية، إلى التثمين التشاركي الزراعي مع النباتات الطبية، مرورا بتحليل الأثر الاقتصادي والبيئي للممارسات الفلاحية، وإبراز دور زراعة أركان في احتجاز الكربون وتعزيز الاستدامة.

وتأكيدا على أهمية التكوين وبناء القدرات، شارك عدد من طلبة الدكتوراه بعرض نتائج أبحاثهم في إطار هذا المشروع، الذي أسفر عن نشر 13 مقالة علمية، وتأطير 8 أطروحات دكتوراه و11 بحثاً لنيل شهادة الماستر. كما تم نقل التكنولوجيا والمعارف المنتجة إلى الفاعلين الميدانيين عبر دلائل تقنية وأدلة مرجعية وزعت خلال فعاليات المؤتمر الدولي السابع لأركان سنة 2024 بمدينة الصويرة.

خلال سنوات تنفيذ المشروع، تم تحقيق إنجازات علمية لافتة، منها نشر 13 مقالا علميا محكما، مع وجود 7 مقالات أخرى قيد النشر. إنجاز 8 أطروحات دكتوراه، و11 بحثًا لنيل شهادة الماستر. إعداد 15 بطاقة تقنية، وثلاثة أدلة تطبيقية، ومرجع تقني يهم الممارسات الفضلى لزراعة أركان. وكذا تنظيم جلسات علمية في إطار المؤتمر الدولي أركان بالصويرة سنة 2022.
و تم تطوير مؤشرات علمية لقياس قدرة أشجار أركان على احتجاز الكربون، وهو ما يعزز التوجه نحو الفلاحة المناخية الذكية، وإعداد أولى الحسابات المتعلقة بـبصمة الكربون لسلسلة أركان.

يشار أن الندوة الختامية للمشروع، المنظمة بالتزامن مع اليوم العالمي لشجرة الأركان، مناسبة لعرض هذه المكتسبات وتقاسمها مع الشركاء. وأوصى المشاركون بضرورة تثبيت نتائج البحث وتوسيع التجربة على المستوى الوطني. و إرساء شراكات جديدة لتعزيز البحوث التطبيقية. و تمكين الفلاحين من مواكبة تقنية وتكوينية دائمة. وتطوير سلاسل القيمة المرتبطة بأركان الفلاحي، من الإنتاج إلى التسويق.
وطالبو باعتماد نظام ” أكدال” لحماية مجال أركان من جل التهديدات المحدقة.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!