نحو تفعيل مبادرة “الواحات المستدامة”

محمد التفراوتي27 يناير 2025آخر تحديث :
نحو تفعيل مبادرة “الواحات المستدامة”

آفاق بيئية: محمد التفراوتي

رسالة مفتوحة إلى السيد وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات : 

استبشر المغاربة خيرا بضخ دماء جديدة بتعيينكم كوزير مقتدر على رأس وزارة قوية ومهمة تعنى بقطاع الفلاحة، والمياه والغابات، وكذا الصيد البحري في ظرفية سواء على المستوى الوطني أو دولي من جانب تغير المناخ. والتدخل البشري السلبي في مختلف الموارد الطبيعية بالواحات المغربية.

السيد الوزيرة المحترم

أود أن ألفت انتباهم، عبر هذا الخطاب المفتوح، إلى ملف هام يتعلق بالواحات المغربية يستوجب العناية والتفحص لاستعجالية المخاطر المحدقة بهذه المناطق الجغرافية النائية والمعطاء. والتي نلذغ كل سنة بشرارة وسطوة المعاناة التي تطالها. واحات تئن تحت وطأة تغير المناخ و بطش الحرائق.وشح المياه..، فضلا عن السلوك البشري الغير السوي تجاه معظم الموارد المختلفة باختلاف المجالات وتنوعها.
أضحت حرائق الواحات سنة واجبة كل عام بالمغرب، يستشري لهيبها في مناطق جغرافية بعينها، تخلف خسائر مهولة تجهز على كل الآمال والأفاق الواعدة في رفع نسبة الانتاج الوطني من التمور، وتطوير مجال الواحات الوطنية الوارف واستدامة نظمها البيئية والاجتماعية والاقتصادية، وتثمين تراثها المادي واللامادي بعقلانية وابتكار. كما أضيف كابوس آخر هو الفياضانات، مثل حدث فيضانات الراشيدية الاخير الذي خلف خسائر بالقنوات المائية المرتبطة بالآبار والتي تمتد أفقيا تحت الأرض (الخطارات). الحصار من كل جانب مرة لهيب النيران وتارة أخرى فيضانات تغمر الحقول المعيشية لساكنة لا مورد لها إلا ما تكتسبه من مداخيل بسيطة من هذه الفضاءات المستنزفة.

الحرائق المسجلة كل سنة تربك مختلف الاستراتيجيات التي تنشد تحقيق تنمية مجالية مستدامة. هل هو عامل مناخي أقوى من كل الاستعدادات وسبل المواجهة المعتمدة من قبل الجهات الوصية والمعنية؟، خصوصا أمام استحضار السياق الدولي المتمثل في تفشي الحرائق في عموم دول العالم. آخرها حريق أمريكا.
وعليه لا مناص من استحضار بعدين رئيسيين يندرجان أولا ضمن السياق الدولي يؤكد فرضية انعكاسات تغير المناخ. وتبعات الإحترار العالمي. ووطني بزغ في أوج تجلياته خلال ارتفاع درجة الحرارة إلى درجة قياسية تجاوزت 50 درجة، حيث شهدت مدينة أكادير (وسط المغرب)، يوم 11 غشت 2023، شكل حدثا مناخيا وطنيا متطرفا. ودخل المغرب تاريخ أعلى درجة حرارية بتسجيل، لأول مرة، رقم قياسي بلغ نحو 50.4 درجة مئوية.

ومن المرجح أن هذا الاستثناء المناخي يوعز إلى تأثير تغير المناخ، رغم أن هناك من يعتبر أن الظاهرة ما هي إلا دورة مناخية عادية. لا مراء أن تأثير تغير المناخ طال معظم الدول من ضمنها المغرب. ومختلف الظواهر المناخية القصوى التي تبدو هنا وهناك، مع موجات الحرارة الشديدة هي تذكير بوجوب اعتماد سياسات عمومية تروم إيجاد سبل التكيف مع تغير المناخ. وتأهيل المناطق الهشة للتكيف مع مثل هذه الحرارة المتطرفة، خصوصا في مجال القطاع الزراعي والواحات.

وعليه اخبركم السيد الوزير أن إدارتكم في عهد الوزير السيد عزيز أخنوش فطنت إلى وجوب اعتماد استراتيجية تحمي الواحات المغربية ونظمها البيئية الأكـثـر هشاشة، وتشجيع معالجة قضايا تـغـيـر المـنـاخ مـن خــلال إجـــراءات الـتـكـيـف واستحضار خـصـائـص كـل نـظـام بيئي، وكذا الدعوة لتعاون دولـي قوي لمواجهة تغير المناخ. فأعلن السيد أدعزيز أخنوس، حينها، مبادرة “الواحات المستدامة” وذلك في مؤتمر الأطراف الثاني والعشرون بمدينة مراكش (COP22) عام 2016. بأفكار وتصور جيد يفي بالرهان ومتطلبات واقع الواحات المغربية. لكن بقيت حبرا على ورق لسنين طويلة لم تفعل، الى حين انعقاد المؤتمر الدولي للواحات ونخيل التمر في مدينة ورزازات، 29 – 30 مايو 2023 حول موضوع ” جميعا من أجل إستدامة وتكيف المنظومة الواحية”، من قبل وزارة الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات وأعلن رسميا تبني المبادرة عمليا بعد انتظار ثمان سنين. نعم 8 سنوات.
وتنفس ساكنة الواحات الصعداء. وبدأ الترقب عن مبادرات الاستدامة دقيقة التصور . هذا طبعا أمام برامج موازية تروم تحسين تجديد أنظمة الواحات للوزارة او مساعي الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وأركان.

انتظار وترقب، إلى أن برز في الأفق مبادرة عربية تنشد الدعم و تبادل الخبرات والتجارب للمحافظة على واحات النخيل في ظل التغير المناخي. وفي أفق تعاون عربي وفي إطار تبادل الخبرات والتجارب بين الدول المعنية بالواحات، بادرت جائزة خليفة الدولية لنخيل التمر والابتكار الزراعي، والتي يرأسها خبير من مغاربة العالم، في سياق استدامة الواحات بالوطن العربي، إلى الاعلان عن “المبادرة الدولية للمحافظة على واحات النخيل في ظل التغير المناخي” على مستوى دول شمال افريقيا والشرق الأوسط في المؤتمر الدولي السابع لنخيل التمر (مارس 2022) بالتعاون مع الوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر أركان، من أجل تنمية واحات نخيل التمر التاريخية وتثمين المخزون الزراعي والثقافي والاجتماعي للواحات. والمحافظة على الإرث الفلاحي والبنك الجيني للتنوع الحيوي، والإرث الثقافي للواحات. ثم تمكين مجتمع الواحات على صون التنوع البيولوجي للواحات وتعزيز أمنه الغذائي لمواجهة التغير المناخي. والمحافظة على التراث المادي واللامادي للواحات في مواجهة التغير المناخي. وصممت للمبادرة مخرجات تروم بناء شراكات إقليمية ودولية لتعزيز التعاون للمحافظة على واحات النخيل في مواجهة التغير المناخي. وتنشد نقل المعرفة ونتائج المشاريع والبرامج التي تم إنجازها في الواحات وفق أفضل الممارسات الدولية، ثم حصول الواحات المستهدفة على شهادة (GIAHS) من منظمة الأغذية والزراعة. وستعمل المبادرة على إعداد وثيقة خاصة بالواحات المستدامة لنخيل التمر ورفعها للجهات المعنية بالأمم المتحدة.

لكن لم يحسم الوزير السابق السيد الصديقي في التوقيع رسميا على المبادرة كوصي على القطاع، وذلك في مختلف المناسبات، سواء في مؤتمر الأطراف مؤتمر المناخ بالإمارات (COP28) نوفمبر 2023. أو في المعرض الدولي للفلاحة بمكناس. وكذا المعرض الدولي للتمور. كل مرة يؤجل إلى مناسبة مقبلة وهكذا دواليك. التأجيل، تم التأجيل. ومصالح ساكنة الواحات تضيع  و الفرص تهدر دون مبرر او مسوغ. وصلنا الان إلى 10 سنوات مند قمة المناخ بمراكش.

وعليه نلتمس منكم السيد الوزير إيلاء عناية خاصة بهذا الملف. ورفع كل التباس. والعمل على تفعيل جل المبادرات الوطنية التي تخدم الواحات ومجالاتها الوارفة، والاستفادة من التجارب الأجنبية لتجويد الاداء، كي ينعم مواطنوا الواحات بالاستقرار. وصون مواردهم ورأس مالهم الطبيعي من كل منغصات طبيعية أو بشرية. وتنتصر المبادرات الجادة الضامنة لحقوق الاجيال القادمة. و ضمان استدامة حقيقية لهذه المنظومات الزراعية والطبيعية للمغرب لتقوم بدورها المهم في التوازنات الطبيعية .

ودمتم للصالح العام والسلام.

محمد التفراوتي: ناشط بيئي

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!