“ايض اناير” احتفال بالأرض وبالانسان

محمد التفراوتي14 يناير 2025آخر تحديث :
مكونات أكلة "أوركيمن"
مكونات أكلة "أوركيمن"

آفاق بيئية: الدكتور خالد العيوض

يحتفل الشعب المغربي هذه السنة بإيض اناير، و قد تحقق مطلب طالما طالب به ناشطون و مناضلون ثقافيون أمازيغ من أجل جعل يوم الرابع عشر يوم عطلة مؤدى عنها وهو ما تأكد منذ السنة الماضية، وهي مطالب تتماشى مع دينامية المجتمع المغربي، والذي يدبر اختلافاته بشكل عقلاني مما يجعله بلدا كان دائما منفتحا على النقاش وعلى تدبير الاختلاف وترسيخ قيم العيش المشترك.

ايض اناير طقس احتفالي قديم قدم هذه الأرض وهو يدخل ضمن احتفالات الأمازيغ والمرتبطة بالفلاحة وبحياة المزارعين.

المخازن الحماعية بسوس “إكودار”

فقد أن يتحول الاحتفال الى احتفالات كبيرة داخل القاعات العمومية والفضاءات المستقطبة للألاف، كان الاحتفال لا يتعدى البيوت، حيث كانت الأسر تستعد لهذا الحدث بتزيين المنزل (الجير) وإخراج الأفرشة من زرابي وتهيئي اواني الشاي لجعل تمصريت وهي الغرفة المعدة للضيوف والاحتفال تكسي بهاءها، والمعروف أن طقوس الضيافة تقتضي توفر (تمكيلين) و هي أواني بنفس الحجم والشكل تتضمن العسل والزيت (خصوصا زيت أركان) والسمن التقليدي المنتج في البيت إضافة إلى أملو الذي تتفرد به هذه الربوع.

كل هذه الأطباق هي إنتاج محلي تدخل ضمن نمط زراعي تتكامل فيه تربية الماشية وزراعة الحبوب والأشجار المثمرة خصوصا اللوز، إضافة  إلى تربية النحل لإنتاج العسل، هذا النمط الفلاحي الرعوي تعتبر فيه الأرض مركز الثروة والحياة.  لذلك لابد من الاحتفال بها سنوي عبر طبق شهير يسمى (اورکیمن) و هو طبق غریب لا يهيأ إلا مرة في السنة يتضمن 7 أنواع من الحبوب مثل الذرة – الفول – الجلبان – القمح – العدس… الخ.

 تنضاف إلى الحبوب السبع ، قوائم الماعز أو الغنم (الكرعين)، فيبدأ إعداد الطبق من الصباح على نار هادئة، بطبيعة الحال مع إضافة الزيت والبهارات التي لا يحلو الطعام إلا بها، دون اضافة الملح، وبعد أن تصبح الأكلة جاهزة يتم أخذ جزء في طبق صغير ويرش في أماكن خاصة مثل أنوال و بعض الممرات اعتقادا بأن ساكني المنزل من الكائنات الأخرى تشارك الناس طعامهم دون  إذايتهم (المسوس)، بعد ذلك يضاف الملح ويقدم الطعام عشاءا  لكل أفراد العائلة.

والغريب ان كل الأبناء الذين هاجروا للاشتغال في المدن الكبرى بالشمال أو بفرنسا يعودون لتناول نفس الطبق لان عدم أكله خلال السنة الجارية معناه أنك لن تأكله إلى السنة  المقبلة، وهو طبق يهيأ مرة واحدة في السنة، للطبق رمزیات عديدة أولها أن المهاجرين حتى لاينسلخوا عن ثقافة الأصل الأرض “تمازيرت” وهي فرصة للقاء ولتدبير أمور العائلة الممتدة والانتباه إلى أحوال القرية التي تعيش على وقع المطر والهجرة. ثم رمزية ثانية – تتجلى في الدعوة إلى العمل، فاستعمال سبعة أنواع من الحبوب تعنى أن المخزون قارب على الانتهاء وبالتالي فهي دعوة للزراعة، من أجل ملىء المخازن للسنة الموالية.

الدكتور خالد العيوض بالمخازن الجماعية إيكودار

والجميل في هذه الأجواء أن الجدة تكون هي صاحبة الأمر والنهي، ومعلوم أن المجتمعات الأمازيغية في مجتمعات أميسية تتميز فيها المرأة بمكانة خاصة فهي المسؤولة على الخزائن (أكتناز) حيث توضع المواد الغدائية للسنة ، وتكون الجدة حاملة المفاتيح التي تتمنطق بها. واذا بحثنا في الاصول سنجد أن الجدة تحرص على حياة أبناءها وحفدتها. وبما أن المنطقة عاشت مجاعات كثيرة فتقنية تدبير النذرة حاضرة بقوة ومن تم وجود المخازن داخل البيوت وخارجها أي ما يعرف بإ يكيدار تدخل ضمن الفلاحي الرعوي الذي طور تقنيات كثيرة في مجال تدبير النذرة.

طبق ثان يحضر ضمن هذه الاحتفالات هو (تاكلا) العصيدة وهي في الأصل من الذرة والتي تحتاج وقتا طويلا لكي تطبخ على نار هادئة توضع وسطها زيت الزيتون او العسل أو الزبدة والعسل وهي طبق عادة يقدم في نهاية الأكل وداخله توضع نوى ثمر من عثر عليها يصبح أسعد شخص في السنة وغالبا ما تقدم له هدية تعد للمناسبة تسمى “تسمغورت”.

كل هذه الأجواء في طابع احتفالي تحضره الأسرة الممتدة من جد وجدة وأعمام وأخوال وهو ما جعل التشبت بالعائلة والتضامن معها شيئا واجبا اتجاه الأسرة الكبيرة و”تمازيرت”.

أكلة الطاجين الامازيغي

عوامل بدء هذ الاحتفالات معضمها توارى أمام احتفالات جديدة تأثرت بالمدينة وبالاحتفالات داخل القاعات الكبرى وللتذكير فإن الحركة الثقافية الأمازيغية كانت دائما تحتفل بمقراتها أو ببعض المنازل إلى حدود سنه 1999 عندما أقامت جمعيات “تامونت افوس” بأول احتفال رسمي بأحد الفنادق الكبيرة باكادير لتوالى الاحتفالات الكبرى  بل من الجمعيات ما جعلت من هذا الاحتفال فرصة للتضامن مع الفنانين الأمازيع الذين يعيشون وضعية الهشاشة وأخص بالذكر جمعية “تاليلت” للمساعدة الطبية للفنانين، والتي استطاعت أن تعمل على تعميم التغطية الصحية للفنانين بأداء واجب الاشتراك نيابة عنهم سنويا أزيد من 120 فنان وفنانة.

ختاما سنة 2025 أو 2975 هي شبه اعتراف بمكون أساسي من مكونات الهوية المغربية وهذه السنة سيحتفل الشعب المغربي قاطبة بهذا الحدث الهام.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!