آفاق بيئية : الدكتور خالد الشرقاوي السموني*
باتت الصحافة في عصرنا الحاضر في صلب الحياة اليومية. وهي بأشكالها وتقنياتها الحديثة والمتطورة تعد من وسائل التخاطب والحوار والتبادل والاتصال الثقافي بين الأمم والشعوب ، و نشر المعرفة القادرة على التأثير في أنماط السلوك الفردي والجماعي، و أيضاً شرطا من شروط التنمية وتكوين الرأي العام، و أساسا للممارسة الديمقراطية ، فضلا عن كونها وسيلة مهمة لمراقبة أداء السلطات الأخرى الثلاث وتقييمها .
ثم لا يخفى أن الصحافة ،الورقية والالكترونية ، تساهم في ترسيخ ثقافة المجتمع و وفتح الآفاق لتحصين الديمقراطية و حماية حقوق الإنسان و الارتقاء بها. لأن الاعلام بشكل عام يعد مدخلا فسيحا لتعزيز احترام حقوق الإنسان و يشكل جـوهر هذه الحقوق، و يؤثر بشكل كبير فى بناء الوعي المجتمعي.
وقد تعاظم الدور الكبير للصحافة في ظل التقدم التقني الواسع الذى حققته صـناعة الإعـلام وكـذلك التقدم الذى أحرزه الإعلام في نشر المعرفة والوعي و تواصل الـشعوب و تقاربها ، ونقل الآراء والأخبار عبر تقنيات الاتصال الحديثة و المتطورة و اتساع فضاء شبكات التواصل الاجتماعي .
و ينبغي التأكيد في هذا الصدد على أن هناك ترابط عضوي بين الصحافة و حقوق الإنسان ، فبغير حرية الرأي والتعبير، لا تتحقق صحافة مستقلة و قوية ومؤثرة . كذلك ، فإنه بدون تبني الصحافة مهمة نشر قيم حقوق الإنسان ، تظل حقوق الإنسان مجرد حبر على ورق .وقد تعزز هذا الترابط عبر التطورات المتسارعة في تقنيات الاتصال، بظهور الإعلام الإلكتروني، ووسائل التواصل الاجتماعي ، حيث يقع على عاتق الصحافة دوراً أساسياً فـي إشـاعة المعرفة و الثقافة الحقوقية اللازمة لتأسيس وعي سياسي ديمقراطي و التي تمكن المواطن من الدفاع عن حقوقه و تحديد خياراتـه السياسية .
كما أن الصحافة لها وظيفة أساسية في نشر ثقافة الحرية و العدالة و المساواة و الاحترام المتبادل والتفاهم ، و استقصاء الحقائق في أي بلد من خلال التغطية الإخبارية و التحقيقات الصحفية .
و ينبغي التأكيد على أن ضمان حرية التعبير وحرية الصحافة، كما هما مكرستان في الدستور ، يقتضي أن تتوافر لدى الصحفيين أكبر التسهيلات الممكنة للحصول على المعلومة كحق أساسي وضروري للتمتع بباقي الحقوق، لأن الصحافة لن تستطيع أن تؤدي وظيفتها إلا إذا لم تتوافر لها مناخ الحرية والاستقلال . تلك الحرية التي نص عليها الدستور كما أشرنا إلى ذلك، وكذا الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في مادته التاسعة عـشرة : ( حرية الرأي والتعبير ويـشمل ذلك حرية اعتناق الآراء واستقاء الأنباء والأفكار وتلقيها وإذاعتها ).
و كما هو معلوم يحتفي العالم يوم 3 مايو من كل عام باليوم العالمي للصحافة ، وهي مناسبة أن نفتخر بما بلغته الصحافة من مستويات مهنية متقدمة وتطورات ملحوظة في أداء رسالتها و مشاركتها الفاعلة في ترسيخ الديموقراطية و دولة الحق و القانون ، في إطار من التعددية والانفتاح الثقافي والفكري، مما يقتضي احترام حرية الصحافة و حقوق الصحفيين في حرية التعبير والنشر والطباعة والحصول على المعلومة وتداولها في بيئة إعلامية حرة و مستقلة ، و توفير لهم الظروف المادية و المعنوية للإبداع و العطاء .
و حتى يتسنى للصحافة أن تؤدي دورها كسلطة رابعة ، تساهم في البناء الديموقراطي للمجتمع، لابد أن تكون مقرونة بأخلاقيات المهنة في نشر الأخبار بتجرد ونزاهة حماية لحقوق الأفراد و المجتمع . لأن الصحافة ، بما لها من منزلة رفيعة كونها سلطة رابعة بجانب السلطات التنفيذية و التشريعية و القضائية، فإن هذه المسؤولية الجسيمة تفرض على الصحفي الصدق و الأمانة و المسؤولية.
* الدكتور خالد الشرقاوي السموني : كاتب وحقوقي مغربي