بالنظر إلى أهمية مكافحة ظاهرة الاحتباس الحراري ، يمكن أن يصبح الصراع بين الروايات القومية والعالمية الخضراء الفجوة السياسية المهيمنة في العشرينات. إذا كان الأمر كذلك ، فإن مناقشة المناخ قد تستورد القضايا العالمية إلى السياسة الوطنية كما لم يحدث من قبل.
آفاق بيئية : كمال درويش
أجمع العلماء إجماعا ساحقا، على أن هذا العقد سيكون الفرصة الأخيرة أمام البشرية، لتغيير المسار العالمي الحالي لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون، بحيث يمكن للعالم أن يقترب من مستوى صافي صفري من الانبعاثات بحلول عام 2050، ومن ثم، تجنب احتمال مخاطر المناخ الكارثية. ولكن على الرغم من أن التغييرات التكنولوجية والاقتصادية الهائلة، المطلوبة لتحقيق هذا الهدف مفهومة جيدًا، إلا أنه نادراً ما تناقش آثارها السياسية.
وبينما أسس نشطاء المناخ حركة دولية ملفتة للانتباه، حيث وسعوا نطاق دعمهم السياسي، وعبروا الحدود، حققت الرواية القومية مكاسبا في السياسة الداخلية حول العالم. إن رسالتها الأساسية– التي تقول أن العالم يتكون من دول قومية تتنافس فيما بينها بلا هوادة- تتناقض تناقضاً حاداً مع رسالة “كوكب واحد”، للحركة المناخية، التي تحث على التضامن الإنساني. ويسير هذان الاتجاهان في مسار تصادمي.
وعلى الرغم من أن انبعاثات غازات الدفيئة لا تحترم الحدود السياسية، وأن تغير المناخ يؤثر على جميع أجزاء الكوكب، إلا أن تأثير الاحتباس الحراري ليس موحدا. وسيؤدي ارتفاع متوسط درجة الحرارة في العالم بمقدار 2 درجة مئوية، إلى إحداث ضغط حراري شديد في الهند، وأفريقيا. وكذلك، على الرغم من أن ارتفاع منسوب مياه البحر سيهدد المناطق المنخفضة حول العالم، وستؤثر أحداث الطقس الأكثر تطرفًا على الجميع تقريبًا، فإن السكان الفقراء، والضعفاء، معرضون للخطر بشكل خاص. والجانب الدولي الآخر للمشكلة، هو تسرب الكربون نتيجة للتجارة. إذ رغم أن غازات الدفيئة تنبعث في بلد واحد بسبب إنتاج الصلب، على سبيل المثال، فإن استخدام هذا الفولاذ في البلدان المستورِدة هو الذي “يسبب” الانبعاثات في البلد المُصدِّر.
إن الفوائد الصافية التي ستكتسبها جميع البلدان من التحكم في ظاهرة الاحتباس الحراري واضحة، لأن نقاط التحول المختلفة، (وإمكانية التأثيرات المتتالية) تمثل مخاطر عالمية هائلة، ليس فقط على الأجيال القادمة. وفضلا عن ذلك، يوفر الاقتصاد الأخضر فرصًا كبيرة على المدى المتوسط. ولكن نظرًا لأن التخفيف من حدة المناخ يعد منفعة عامة عالمية، ونظراً للتنوع الجغرافي المتنوع للاحتباس الحراري، ونقل الانبعاثات عبر التجارة، فمن الصعب جدا إحراز تقدم عن طريق المفاوضات المتعددة الأطراف. إذ تحاول كل حكومة زيادة مكاسبها إلى الحد الأقصى، وتقليل خسائرها إلى الحد الأدنى، وفقًا لمنظور قومي ضيق- وغالبًا في الأطر السياسية القصيرة الأجل. ويعكس إخفاق المفاوضات الأخيرة لقمة المناخ ال25 في مدريد، هذه الصعوبات جيدا.
وهكذا، فقد أدركت حركة المناخ إدراكا صحيحا، أن النجاح سيتطلب أخلاقيات كوكبية قائمة على التضامن، والمسؤولية العالميين، مع أي حل ذي مصداقية، يشمل بالضرورة تعويض الخاسرين المؤقتين من السياسات الخضراء. وقد يكون التضامن على شكل تحويلات مالية مباشرة، أو اتفاقية عالمية لتغيير أهداف الانبعاثات الوطنية، أو ضرائب الكربون وفقًا لمستويات دخل الدول.
ولهذا السبب، يشكل تغير المناخ معضلة واضحة بالنسبة لليمين السياسي. فمن جهة، أصبح عدد متزايد من الناخبين- بما في ذلك العديد من المحافظين- أكثر حساسية اتجاه التحدي المناخي، حيث يتأثرون بأحداث الطقس المتطرفة، وتلوث الهواء الناتج عن انبعاثات غازات الدفيئة بشكل مباشر. وأصبح بعض الناخبين الشديدي التدين، متعاطفين مع نداءات المحافظين، وقد ألقى البابا فرانسيس بثقله في منشور بابوي عن علم البيئة بعنوان، “لو داتو سي”.
وفضلا عن ذلك، حتى الحكومات التي تدعي أنها ملتزمة بأهداف التخفيف الشاملة (وغير الطموحة بشكل كاف)، في اتفاقية باريس المناخية لعام 2015، تتردد عندما يتطلب العمل تضحية كبيرة قصيرة الأجل. ويبدو أنه من دون تضامن قوي، من غير المرجح أن توضع التدابير القاسية، والتسويات الصعبة، اللازمة لحماية العالم من تغير المناخ المدمر في وقت قريب– هذا إن وضعت أصلا.
ويقلل بعض المدافعين عن المناخ من حجم قضية التوزيع، لأنهم يرغبون في بناء خيمة سياسية على أوسع نطاق ممكن، والتأكيد على المكاسب الطويلة الأجل للجميع من التصدي للاحترار العالمي. ولأن بعض الأحزاب السياسية في يمين الوسط، وخاصة في أوروبا، تجعل حماية المناخ جزءًا من برامجها، فإنه أصبح ممكنا بشكل متزايد أن تنضم إليها التحالفات الحكومية والأحزاب الخضراء. ومع ذلك، سيظل التناقض الكامن بين الروايات القومية المحافظة، و الروايات الدولية الخضراء، قائما على الصعيد العالمي
إن ما تفعله الصين والهند أمر بالغ الأهمية، لأنهما يمثلان بالفعل حوالي ثلث إجمالي انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية. ومن شأن زيادات سريعة أخرى في حصصهما أن تغذي رد الفعل القومي في أي مكان آخر، مما يجعل تحقيق أي اتفاق عالمي بشأن المناخ أكثر صعوبة. وسيُطعن بشدة في خطط الاتحاد الأوروبي التي تهدف إلى فرض ضريبة حدود الكربون، خاصة لأسباب تتعلق بالمساواة، ما لم يتم استثناء البلدان النامية. ويمكن أن تؤدي الضريبة المقترحة من الاتحاد الأوروبي أيضًا، إلى رد فعل سلبي من الولايات المتحدة، حسب نتائج الانتخابات الرئاسية في نوفمبر/تشرين الثاني.
وقالروبرت جي شيلر، الخبير الاقتصادي الحائز على جائزة نوبل، أن الاقتصادات تحركها “الروايات” الشعبية أكثر من السياسات التقنية. وينطبق الشيء نفسه على السياسة، ونظراً لأهمية قضية المناخ في هذا العقد، فمن المرجح أن يصبح الصراع بين النشاط المناخي والقومية أكثر وضوحًا.
وفي واقع الأمر، قد يصبح هذا الصدام سمة مميزة للسياسة، حيث يواجه اليمين القومي ائتلافاً من الناخبين الموجهين نحو المناخ، ليس فقط من حزب الخضر، بل وأيضاً من يسار الوسط الاجتماعي الديمقراطي، ويمين الوسط التقليدي. وفضلا عن ذلك، ستُربط قضايا أخرى بخط الصدع هذا، خاصة الحاجة إلى تعويض محلي عن تلك المجموعات التي تخسر مؤقتًا، نتيجة لجهود طموحة للتخفيف من حدة المناخ.
وإذا كانت هناك فجوة سائدة بين السرد القومي والأممية الخضراء، خلال العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، فإن مناقشة المناخ، قد تنقل القضايا العالمية إلى السياسة الوطنية كما لم يحدث من قبل. والنتيجة، بالطبع، غير واضحة حتى الآن.
بروجيكت سنديكيت – ترجمة: نعيمة أبروش
*كمال درويش ، وزير الشؤون الاقتصادية السابق لتركيا والمدير السابق لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ، هو زميل أقدم بمعهد بروكينجز.
ترجمة: نعيمة أبروش
ترجمة: نعيمة أبروش