للمنتدى العربي السنوي للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد)
آفاق بيئية : محمد التفراوتي
تناول المنتدى العربي السنوي للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد)، مند تأسيسه كمنظمة غير حكومية، ما يناهز 10 تقارير قطاعية تشكل المحاور الكبرى لقضايا البيئة بالوطن العربي . وباتت ملاذا عاجلا للعديد من الاطراف والهيئات التي تنشد النمو ومكافحة المعضلات البيئية الحادة، ووضع الاستراتيجيات التنموية .تقارير أثرت بشكل ملموس التركيبة النظرية والبحثية للمشهد البيئي العربي، ومختلف قطاعاته الدقيقة كما ونوعا .كما أضحت مراجع موثوقة ومستقلة من مستويات مختلفة ،مرفوقة بتوصيات تستوجب التطبيق من قبل ذوو القرار السياسي وواضعي السياسات العامة . لكن كل هذه التقارير تتطلب تحديد الاحتياجات التمويلية والثغرات والخيارات والآليات، مع التركيز على المصادر ودور كل منها .
من هنا اهتدى المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) لسنة 2018 تخصيص تقريره السنوي موضوع ” تمويل التنمية المستدامة في البلدان العربية ” ، معالجا متطلبات التمويل للانتقال إلى النمو المستدام وتنفيذ أهداف التنمية المستدامة، في سياق خطة عام 2030 . ومتطلعا إلى عرض وتحليل البيانات من مختلف القطاعات حول تمويل التنمية المستدامة في البلدان العربية، وتحديد الحواجز أمام التنمية المستدامة في البلدان العربية ثم دعم الإجراءات والتدابير اللازمة لسد الفجوات في السياسات الحكومية الحالية وكذا رفع مستوى الوعي العام وإثارة النقاش حول حسابات البيئة كخطوة استراتيجية نحو التحول إلى الاقتصاد الأخضر.
وأظهر التقرير أن المنطقة العربية تحتاج إلى أكثر من 230 بليون دولار سنوياً مخصصة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. أما الفجوة التمويلية السنوية فقُدِّرت بأكثر من 100 بليون دولار. كما بيّن أن الخسائر في النشاط الاقتصادي بسبب الحروب والصراعات في المنطقة العربية منذ العام 2011 بلغت نحو 900 بليون دولار، وهذا سيعيق تنفيذ أهداف التنمية، لتداخلها مع متطلبات إعادة الإعمار. كما بيّن أن الفساد تسبب بخسارة توازي المبالغ المطلوبة لسد فجوة الاستثمار في التنمية، والمقدرة بمئة بليون دولار سنوياً.
وأشار التقرير إلى انحسار مصادر التمويل العامة والخاصة في المنطقة العربية. ففي مقابل كل دولار يدخل من خلال تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، يتم إعادة استثمار نحو 1.8 دولار فعلياً في الخارج، إما بواسطة تدفقات الاستثمار المباشر إلى الخارج، أو من خلال تحويل الأرباح التي يحققها المستثمرون الأجانب. وفي الوقت نفسه، تظل المنطقة مقرضة للبنوك الأجنبية، حيث كانت ودائع العملاء العرب لدى البنوك الدولية الرئيسية أعلى باستمرار من القروض المقابلة للعملاء العرب من هذه البنوك.
ودعا إلى العمل على عكس اتجاه الاستثمارات إلى المنطقة العربية، ما يستدعي إصلاح السياسات المالية والنظام الضريبي ومكافحة الفساد وإعطاء حوافز وتسهيلات لتشجيع الاستثمار واستخدام الموارد بكفاءة.
وذكر تقرير” تمويل التنمية المستدامة في البلدان العربية ” أن متطلبات الالتزام باتفاقية باريس المناخية وتحقيق أهداف التنمية المستدامة تستدعي استثمارات ضخمة. تحتاج المنطقة العربية إلى أكثر من 230 بليون دولار أميركي سنوياً مخصصة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. أما الفجوة التمويلية في الدول العربية التي تعاني العجز فقُدِّرت بأكثر من 100 بليون دولار سنوياً، أي 1.5 تريليون دولار حتى عام 2030.
و بلغ إجمالي المساعدات الثنائية المقدمة من الدول العربية سنة 2016 نحو 13 بليون دولار، ذهب ثلثها إلى دول عربية أخرى. وقدمت صناديق التنمية العربية ما مجموعه 204 بلايين دولار حتى نهاية 2017، ذهب 54 في المائة منها إلى الدول العربية. أما إجمالي المساعدات الإنمائية الرسمية المقدمة إلى البلدان العربية من مصادر خارجها فبلغ 22 بليون دولار عام 2016. ومع أن هذا يمثل زيادة كبيرة عن السنوات السابقة، لكنه يخفي حقيقة أن ما يصل إلى 15 في المائة كان مخصصاً لمساعدة اللاجئين والمعونات الإنسانية، التي هي في الواقع ليست جزءاً من برامج التنمية.
وانخفضت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى المنطقة العربية إلى 32 بليون دولار سنة 2016، من 88 بليون دولار عام 2008. ولا تزال هذه التدفقات متقلبة ومرتبطة بتقلبات أسعار النفط وعدم الاستقرار السياسي. ويتطلب عكس هذا الاتجاه وجود إطار تنظيمي يولّد الثقة القادرة على جذب المستثمرين وتعبئة المدخرات الخاصة.
وحدثت زيادة سنوية بمقدار 14 ضعفاً في إصدار السندات الخضراء ،على الصعيد العالمي، من 11 بليون دولار سنة 2013 إلى أكثر من 155 بليون دولار سنة 2017. ولكن رغم نموها السريع، فإنها لا تزال بعيدة جداً عن سوق السندات العالمية المقدرة بحوالى 100 تريليون دولار. وفي سنة 2017، أطلق بنك أبو ظبي الوطني أول إصدار لسندات خضراء في المنطقة العربية بقيمة 587 مليون دولار أميركي، تستحق في سنة 2022.
و يحمل استغلال إمكانات التمويل الإسلامي من خلال الصكوك (السندات المتوافقة مع الشريعة) فرصاً كبيرة لتمويل البنية التحتية، ومشاريع الطاقة النظيفة والمتجددة وتغير المناخ. وكذلك تصميم المنتجات المالية التي تناسب المغتربين والتي يمكنها تسخير التحويلات في مزيد من الاستثمار الإنمائي. و لا يجوز للقوانين، التي ينبغي تطبيقها بالتساوي على الجميع، أن تقتصر على القيود والتدابير الرادعة فحسب، بل يجب أن توفر أيضاً حوافز لتشجيع الأنشطة والاستثمارات المستدامة.
وتعتبر التدفقات المالية غير المشروعة وغسيل الأموال وسرقة الأموال العامة وهدرها أحد التحديات التي تواجه العديد من الدول العربية. ومن المقدر أن تولّد عائدات مكافحة الفساد في الدول العربية ما يصل إلى 100 بليون دولار أميركي سنوياً، وهو ما يكفي لسد معظم الفجوة المالية في الاستثمارات اللازمة لتنفيذ أهداف التنمية المستدامة.
ودعى تقرير” أفد” الهيئات التنظيمية والرقابية العمل مع المصارف لاعتماد أفضل الممارسات في إدارة المسائل المرتبطة بالبيئة. ويمكن معالجة بعض العوائق باعتماد تدابير تنظيمية وسياسات موجّهة نحو إعطاء تسهيلات وحوافز للتمويل الطويل الأجل للمشاريع التي تقع في خانة تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
وأوصى التقرير بإعطاء حوافز، على شكل تسهيلات ضريبية وشروط تمويل مدعومة، جنباً إلى جنب مع الإلغاء التدريجي لتدابير الدعم المالي غير الملائمة لتحقيق التنمية القابلة للاستمرار. كما أن السياسات النقدية الملائمة ضرورية لتشجيع التمويل الأخضر، على شكل حوافز من البنوك الوطنية المركزية، مثل قبول بعض الأصول الخضراء كضمانات للقروض.
وناشد التقرير الدول النفطية إلى تنويع الاقتصاد نحو قطاعات منتجة غير بترولية وإعادة النظر في أنظمة دعم الأسعار، لمواجهة آثار تقلبات الأسعار على الدخل وتحقيق نمو طويل الأمد. أما الدول ذات الدخل المتوسط، فلا بد لها من تعديل الأنظمة الضريبية بحيث ترتفع نسبة الدخل من الضرائب مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي، مع تأمين العدالة وفق شرائح الدخل والثروة. وهناك حاجة ملحّة إلى إصلاحات مالية لتشجيع الاستثمارات ذات البعد الاجتماعي، إلى جانب التدابير المالية القادرة على دعم تنويع الاقتصاد وإدارة الديون والاستقرار البعيد الأمد في النمو وتحصيل الإيرادات. والمطلوب أن تكون الإدارة الضريبية مبسطة وشفّافة لتجنّب التهرّب الضريبي التي يتسبب فيها عدم الوضوح.
ويستوجب استقطاب التمويل من القطاع الخاص في مشاريع التنمية المستدامة، بما فيه تشجيع استثمار المدخّرات، خصوصاً عن طريق أدوات مالية تستطيع اجتذاب التحويلات، وتطوير الأسواق المالية، واستقطاب الاستثمارات الخارجية المباشرة عن طريق سياسات وحوافز تمنح الثقة للمستثمرين. وعلى الدول تطوير آليات تشجع التمويل المختلط، مثل الشراكات بين القطاعين الخاص والعام، واستخدام القروض من المؤسسات المانحة وصناديق التنمية كضمانات للحصول على قروض إضافية من القطاع الخاص.
ودعا التقرير إلى التركيز على كفاءة استخدام الموارد المالية المتوافرة، من القطاعين العام والخاص، وتغيير وجهتها، فضلا عن تأمين مصادر جديدة للتمويل، حيث يلزم الأمر، وفق جدول أولويات، لدعم المشاريع والبرامج الكفيلة بتحقيق أهداف التنمية المستدامة. كما لا بد من القضاء على الفساد والهدر، ووضع سياسات متكاملة صديقة للاستثمار. وكذا ضرورة الاستثمار في تنمية محورها الناس، تعزز دمج حقوق الانسان، بما في ذلك الحق في التنمية، ومبادئ المشاركة الشعبية الحقيقية والمساءلة والشفافية وعدم التمييز، في أجندة التنمية.