نتائج قمة ” فرصة المناخ ” وآفاق قمة المناخ القادمة “كوب 23”

محمد التفراوتي29 سبتمبر 2017آخر تحديث :
نتائج قمة ” فرصة المناخ ” وآفاق قمة المناخ القادمة “كوب 23”

 

 

 

 

 

 آفاق بيئية : حسن هرماس

 

بعد الشروع في تنزيل اتفاق باريس في “كوب 22” بمراكش،

قمة ” فرصة المناخ ” بأكادير تفتح المجال لمشاركة الفاعلين غير الحكوميين في “كوب 23” بألمانيا

بعد النجاح الذي شهدته الدورة 22 لمؤتمر الأطرف لاتفاقية الأمم المتحدة حول التغيرات المناخية “كوب 22” التي احتضنتها مدينة مراكش في شهر نونبر من العام الماضي، جاء الدور خلال السنة الجارية على مدينة أكادير لتأكيد ريادة المغرب، ليس على الصعيد القاري فحسب ولكن على الصعيد الكوني ، في مجال الإلتزام بأجندة المناخ العالمية، والانخراط القوي في الجهود العالمية المبذولة للحد من الآثار السلبية للتغيرات المناخية.

   فمن بين المبادرات المغربية الدالة بالملموس على هذا الانخراط القوي للمملكة في الحفاظ على البيئة، تكفي الإشارة إلى مشروع ” نور ” ورزازات الضخم الخاص بتوليد الطاقة الكهربائية النظيفة بواسطة استغلال الطاقة الشمسية ، والذي كان مجرد تصور في نونبر 2009 ، ليصبح في زمن قياسي واقعا ملموسا تشهد بأهميته البلدان المتقدمة ذات الباع الطويل في استخدام الطاقات المتجددة، إلى جانب الهيئات الدولية المهتمة بقضايا البيئة.

   وعلاوة عن مشروع “نور” ، الذي لا يشكل سوى جزء من مخطط وطني ضخم لاستغلال الطاقة الشمسية والطاقة الريحية في توليد الطاقة النظيفة، أقدم المغرب أيضا على إطلاق العديد من المبادرات الطموحة التي تصب في خدمة القضية البيئية بانسجام تام مع الأجندة العالمية المعمول بها في هذا الإطار، ويمكن أن نذكر في هذا الإطار المشاريع التي تنهض بها المندوبية السامية للمياه والغابات ومحاربة التصحر، والوكالة الوطنية لتنمية الطاقات المتجددة والنجاعة الطاقية ، وغيرها من المشاريع الأخرى الرائدة.

   وفي سياق تفاعل المغرب مع المحيط الدولي في ما يتعلق بجهود المحافظة على البيئة، شكل احتضان المغرب خلال نونبر الماضي لقمة “كوب 22” حدثا بارزا على الصعيد العالمي ، وذلك باعتبار هذه القمة شكلت محطة مفصلية في مسار المسلسل العالمي لحماية كوكب الأرض من المخاطر المحدقة به جراء الأضرار المتواصلة التي تلحق بالبيئة.

   فقد أجمع المتتبعون لقضايا البيئة على أن قمة مراكش كانت بمثابة نقطة انطلاق التنزيل الفعلي لاتفاقية باريس الشهيرة التي تبناها العالم قبل سنتين، والتي اعتبرت بمثابة الأمل الحقيقي للبشرية للسيطرة على ظاهرة الاحتباس الحراري ، وذلك من خلال بذل مجهودات من طرف جميع الدول لحصر ارتفاع حرارة الأرض في درجتين اثنتين ، مع العمل التدريجي على تخفيضها إلى درجة واحدة ونصف.

   وتتجلي أهمية قمة “كوب 22 ” بالنسبة لمستقبل البشرية أيضا في النتائج المتعددة التي تمخضت عن المفاوضات التي دارت خلال هذا الملتقى العالمي . ومن أهم هذه النتائج النداء الموجه من أجل إعطاء العناية اللازمة للقارة الأفريقية باعتبارها منطقة هشة وتحتاج إلى استثمارات ضخمة من أجل مساعدتها على ربح رهانات التكيف مع متطلبات التنمية المستدامة .

   وقد شكل انعقاد قمة “كوب 22” إلى جانب ذلك فرصة للتأكيد على أهمية تعزيز ديناميات العمل بين مختلف الأطراف المتدخلة في مجال مكافحة التغيرات المناخية ، وذلك عبر إدماج متدخلين آخرين من ضمنهم على الخصوص الفاعلين غير الحكوميين ، من منظمات مدنية، وهيئات منتخبة، وقطاع خاص، مع السعي إلى خلق تحالفات وائتلافات قطاعية يصب مجهودها في خدمة أجندة واحدة هي تقليص درجة انبعاث غازات الدفيئة، والتخفيف بالتالي من حدة العواقب الوخيمة للاحتباس الحراري على الصعيد الكوني.

   وتجاوبا مع هذا الطموح الوجيه، جاء انعقاد الدورة الثانية لقمة “فرصة المناخ” ( كليمات شانس) ، التي احتضنتها مدينة أكادير الأسبوع الماضي ،خلال الفترة ما بين 11 و 13 شتنبر الجاري، والتي تميزت بمشاركة حوالي 5 آلاف شخص، ينتمون لحوالي 80 دولة عبر العالم، وذلك من أجل التأكيد أمام العالم بأن المنظمات غير الحكومية ، والجماعات المحلية، إضافة إلى القطاع الخاص، لديهم ما يساهمون به من أجل محاربة التغيرات المناخية التي تكلف البشرية غاليا سواء على مستوى الأرواح أو الممتلكات.

   وقد ألقى جانب كبير من الانشغالات التي سادت خلال قمة “كوب 22” بظلالها على المناقشات المثمرة التي دارت خلال قمة “كليمات شانس” ، وفي مقدمة هذه الانشغالات ضرورة التزام الدول المتقدمة بتوفير 100 مليار دولار سنويا من أجل توفير التمويل الضروري لإطلاق مشاريع التنمية المستدامة ، خاصة في أفريقيا التي لا تنتج سوى 4 في المائة ، من غازات الدفيئة على الصعيد العالمي ، وتتم مطالبتها ببذل مجهودات كبيرة للحفاظ على ثرواتها البيئية في الوقت الذي تعاني فيه من الفقر والهشاشة الكبيرة.

   وطرح الفاعلون غير الحكوميون المشاركون في ملتقى أكادير على طاولة النقاش أيضا العديد من القضايا ذات الصلة بمجالات اشتغالهم من قبيل تهيئة المجلات الترابية، ومشاكل الهجرة، والحفاظ على المهارات التقليدية المكتسبة لدى الشعوب الأصيلة ، والحرص على تفعيل مقاربة النوع في المشاريع التنموية، وحماية النظم الإيكولوجية البحرية منها والبرية، والحرص على إدماج البعد البيئي في المخططات التنموية … وتكثيف العمل الشامل والمشترك في كل ما له علاقة بالحد من التدهور السريع للمنظومة البيئية.

   وقد شكل التوقيع على “إعلان المنتخبين المحليين والجهويين الأفارقة” في اليوم الثاني من أشغال قمة “كليمات شانس” بأكادير(يوم 12 شتنبر 2017) ، إحدى تجليات الانخراط الفعلي للقارة الأفريقية في الجهود الكونية للحفاظ على البيئة، حيث يلتزم المنتخبون المحليون الأفارقة ، بموجب هذا الإعلان، بالعمل على تكثيف مبادراتهم إزاء مكافحة الاحترار المناخي ، خاصة من خلال تبنيهم لسياسات تخدم الحفاظ على المحيط البيئي ، وتحظى بدعم من طرف نظرائهم في مناطق أخرى عبر العالم، خاصة في أوربا، وفي الولايات المتحدة التي كانت ممثلة في ملتقى أكادير بواسطة عدد من الفاعلين غير الحكوميين من ولاية كاليفورنيا، والذين عبروا من خلال هذا الحضور عن رفضهم لقرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب من اتفاقية باريس.

   ومما لا شك فيه، أن نتائج القمة الثانية ل”فرصة المناخ ” بأكادير ، وفي مقدمتها اعتماد الدول الأفريقية لإعلان أكادير ل”المنتخبين المحليين والجهويين الأفارقة”، سيكون لها بالغ التأثير على مجريات عمل قمة المناخ القادمة “كوب 23” التي ستعقد في مدينة بون الألمانية بعد حوالي شهرين، وذلك بعدما أصبح من المؤكد أن وفود الفاعلين غير الحكوميين ستكون ممثلة جنبا إلى جنب مع الوفود الحكومية في “كوب 23”.

   وعلاوة عن ذلك، فمن المحتمل أن يتم خلال هذه القمة الاعتراف اللامشروط بالفاعلين غير الحكوميين كقوة لا غنى عنها في تحقيق الانتقال البيئي المنشود الذي ينعكس بشكل إيجابي على الجميع، بدءا من الفرد ، مرورا بالجماعة الترابية ، ثم الدولة والقارة ، وانتهاء بكوكب الأرض.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!