فرصة ضريبة الكربون

محمد التفراوتي8 مايو 2020آخر تحديث :
An employee of a gas station adjusts gasoline pump prices as they continue to fall with the oil market in turmoil on April 21, 2020, in Arlington, Virginia. - Collapsing demand for fuel during the COVID-19 pandemic has created a glut of oil, with storage capacity running short. President Donald Trump on Tuesday ordered his administration to come up with a plan to aid US oil companies struggling with a massive supply glut and record-low crude prices. "We will never let the great US Oil & Gas Industry down," Trump tweeted. (Photo by Olivier DOULIERY / AFP) (Photo by OLIVIER DOULIERY/AFP via Getty Images)
An employee of a gas station adjusts gasoline pump prices as they continue to fall with the oil market in turmoil on April 21, 2020, in Arlington, Virginia. - Collapsing demand for fuel during the COVID-19 pandemic has created a glut of oil, with storage capacity running short. President Donald Trump on Tuesday ordered his administration to come up with a plan to aid US oil companies struggling with a massive supply glut and record-low crude prices. "We will never let the great US Oil & Gas Industry down," Trump tweeted. (Photo by Olivier DOULIERY / AFP) (Photo by OLIVIER DOULIERY/AFP via Getty Images)

آفاق بيئية : كمال درويش / سيباستيان شتراوس

دَفَـعَـت جائحة مرض فيروس كورونا 2019 (كوفيد-19 COVID-19) النشاط الاقتصادي والاجتماعي في مختلف أنحاء العالم إلى التوقف شبه الكامل. ونتيجة لهذا، سجلت الانبعاثات من غاز ثاني أكسيد الكربون انخفاضا حادا، وأصبحت السماء فوق بعض المدن الضخمة نظيفة وصافية للمرة الأولى منذ عقود من الزمن.

An employee of a gas station adjusts gasoline pump prices as they continue to fall with the oil market in turmoil on April 21, 2020, in Arlington, Virginia. – Collapsing demand for fuel during the COVID-19 pandemic has created a glut of oil, with storage capacity running short. President Donald Trump on Tuesday ordered his administration to come up with a plan to aid US oil companies struggling with a massive supply glut and record-low crude prices. “We will never let the great US Oil & Gas Industry down,” Trump tweeted. (Photo by Olivier DOULIERY / AFP) (Photo by OLIVIER DOULIERY/AFP via Getty Images)

لكن “تراجع النمو” ليس استراتيجية مستدامة لتفادي كارثة بيئية. ينبغي للإنسانية أن تحمي نفسها من تغير المناخ ليس عن طريق الحد من النشاط الاقتصادي، بل من خلال جعل هذا النشاط أكثر مرونة، وقوة، واستدامة.

أظهرت الجائحة الجارية بوضوح شديد التكاليف المترتبة على تجاهل المخاطر التالية الكارثية (التي تنطوي على احتمال بالغ الضآلة بوقوع كارثة هائلة العواقب). الواقع أن المخاطر المرتبطة بتغير المناخ، على الرغم من تصاعدها تدريجيا، لا تقل جسامة عن تلك التي تفرضها جائحة كوفيد-19. ورغم أن المجتمع الدولي يركز جهوده بحق على الأزمة الصحية والاقتصادية المباشرة، فلا ينبغي له أن يغفل عن هذا التهديد.

ما يدعو إلى التفاؤل أن الانخفاض السريع الذي طرأ على تكلفة التكنولوجيات الخضراء في السنوات الأخيرة زاد من القدرة التنافسية التي تتمتع بها الطاقة النظيفة المتولدة من مصادر مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح. وما دام صناع السياسات قادرين على خلق توقعات جديرة بالثقة بتحقيق أرباح طويلة الأجل من خلال الالتزام بمعايير بيئية قوية وتوفير إطار طويل الأجل لإلغاء إعانات دعم الوقود الأحفوري، فمن المرجح أن يكون المستثمرون على استعداد لتحمل تكاليف الاستثمارات الخضراء الثابتة.

الواقع أن هذه التطورات التكنولوجية تعني ضمنا أن المقايضة بين حماية المناخ والتقدم الاقتصادي أصبحت أصغر كثيرا مما كنا نعتقد سابقا. فحتى عندما تستبعد حسابات التكاليف والفوائد العوامل الخارجية السلبية المباشرة، مثل تلوث الهواء، التي تنشأ عن انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، فمن الواضح أن الاستثمار الأخضر أصبح مجديا من الناحية الاقتصادية حتى بدون إعانات دعم. بل إن مصادر الطاقة المتجددة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح البرية أصبحت مؤخرا الخيار الأرخص في قسم كبير من العالم.

ولكن يبقى أن نرى ما إ ذا كان من الممكن الحفاظ على هذه القدرة التنافسية في مواجهة انهيار أسعار الوقود الأحفوري نتيجة للجائحة. فقد انخفض سعر الخام الأميركي القياسي إلى ما دون 20 دولارا للبرميل في أواخر إبريل/نيسان، وهذا أدنى مستوياته منذ عام 1999. كما شهد سعر الغاز الطبيعي انخفاضا كبيرا. ورغم أن أسعار النفط ربما تتعافى بشكل طفيف مع قيام المنتجين بخفض الإنتاج، فمن المرجح أن تظل منخفضة لبعض الوقت.

في حين أن أسعار النفط المنخفضة ستعطي موارد المستهلكين المالية دَفعة محمودة ــ مع استفادة الأسر ذات الدخل المنخفض بشكل أكبر نسبيا ــ فإنها ستجعل مصادر الطاقة المتجددة أقل قدرة على المنافسة، في وقت حيث يتعين على العالم أن يعكف على هندسة التعافي الرحيم بالمناخ. علاوة على ذلك، فإن فترة طويلة من انخفاض أسعار النفط والغاز من شأنها أن تجعل مصادر الطاقة الخضراء أقل قدرة على المنافسة في المستقبل من خلال تثبيط الاستثمار في مشاريع البحث والتطوير في مجال التكنولوجيا النظيفة.

بيد أن هذه الحال ليست حتمية بالضرورة. الواقع أن انهيار أسعار النفط يقدم لنا فرصة ممتازة لتعزيز السياسات المناخية من خلال فرض ضريبة جديدة أو زيادة الضرائب المفروضة على الكربون بتكلفة سياسية منخفضة. في أواخر عام 2014، عندما انخفضت أسعار النفط من 108 دولارا للبرميل في يونيو/حزيران من ذلك العام إلى 45 دولارا فقط للبرميل، اقترح أحدنا أن يسارع صناع السياسات دون إهدار لأي وقت إلى فرض ضرائب على الكربون. لأن الضرائب التي تؤثر على المنتجات النفطية الحساسة سياسيا مثل البنزين لن تعوض إلا جزئيا عن الانحدار الحاد لأسعار النفط، فإن مثل هذه التدابير ستواجه مقاومة أقل من ذي قبل.

هذه الحجة أقوى اليوم، لأن أسعار النفط هبطت بما يتجاوز كثيرا مستواها في ذلك الوقت. وفي حين أن سعر المستخدم للوقود الأحفوري سيظل منخفضا تاريخيا حتى مع وجود ضريبة كربونية كبيرة، فإن مثل هذه الضريبة من شأنها أن تخفف من التأثير السلبي الذي تخلفه هذه الأسعار الشديدة الانخفاض على القدرة التنافسية لمصادر الطاقة المتجددة، مما يجعل تحقيق التعافي الرحيم بالمناخ أكثر سهولة.

لا ينبغي لنا أن نهدر هذه الفرصة، لأن العالَـم يمر بمرحلة حاسمة في ما يتعلق بتغير المناخ. إن التعافي من الانهيار الاقتصادي الناجم عن الجائحة يتطلب استثمارات جديدة ضخمة في مختلف أنحاء العالم. الواقع أن تقرير مصير كوكب الأرض في المستقبل يتوقف على ما إذا كانت هذه الاستثمارات لتكرر أنماط الماضي في اندفاعها إلى العودة إلى “الوضع الطبيعي المعتاد” أو تُـرسي الأساس لنمو مستدام وقادر على الصمود.

على سبيل التوضيح، ستؤدي ضريبة قدرها 200 دولار لكل طن متري من الكربون (ما يعادل 54 دولارا لكل طن متري من ثاني أكسيد الكربون) إلى زيادة تقل عن 50 سنتا للجالون الواحد من البنزين في الولايات المتحدة، والذي يكلف حاليا أقل من 1.80 دولارا للجالون في المتوسط. عند مستوى 2.30 دولارا للجالون، سيظل سعر البنزين عند المضخة ــ المتغير الأكثر حساسية من الناحية السياسية في أغلب البلدان، كما أظهرت احتجاجات “السترات الصفراء” في فرنسا ــ عند مستويات منخفضة تاريخيا في أعقاب انقضاء جائحة كوفيد-19 على الرغم من ضريبة الكربون الكبيرة. علاوة على ذلك، فإن جعل ضريبة الكربون مرنة عن طريق ربطها بسعر النفط من شأنه أن يمكنها من العمل كأداة تلقائية لتثبيت الاستقرار. على سبيل المثال، مقابل كل زيادة بمقدار 5 دولارات للبرميل في سعر النفط، يمكن خفض ضريبة الكربون، ولكن بمقدار أقل، من أجل تخفيف التكلفة المتزايدة التي سيتحملها المستهلكون. على نحو مماثل، مقابل كل انخفاض بمقدار 5 دولارات للبرميل في سعر النفط، يمكن زيادة الضريبة بمقدار أكبر بعض الشيء (لكنه يظل ضئيلا).

بهذه الطريقة، يرتفع سعر الكربون بمرور الوقت بما يتفق مع التقدم الإجمالي الذي تحققه سياسات المناخ، في حين يساعد ذلك في حماية المستهلكين من تقلب أسعار النفط وتعزيز الإيرادات المالية. وكما أوضح أحدنا في عام 2016، فبمجرد تطبيق هذه الضريبة على الكربون، “ستصبح جزءا غير ملحوظ بشكل كبير، وغير مثير للجدال سياسيا، من تسعير البنزين (وغير ذلك من المنتجات) ــ جزء ينتج فوائد بعيدة المدى”.

بطبيعة الحال، لابد أن يكون تسعير الكربون ساري المفعول عبر مختلف القطاعات والاقتصادات من أجل توفير حافز سعري مباشر لجهود تخفيف تغير المناخ واستكمال المعايير التنظيمية وغير ذلك من التدابير. على سبيل المثال، في حين يظل النفط مهيمنا في قطاع النقل، فإن الغاز الطبيعي أصبح الآن المصدر الرئيسي لتوليد الطاقة الكهربائية. لكن الغاز الطبيعي، على الرغم من كونه أنظف كثيرا من زيت الوقود، يظل يطلق انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، ويتوجب علينا أن نستعيض عنه بمصادر الطاقة المتجددة لتحقيق صافي الانبعاثات صِفر. وحتى إذا حلت المركبات الكهربائية محل السيارات والشاحنات التي تعمل بالبنزين بالكامل، فإنها لن تكون نظيفة إلا بقدر نظافة الكهرباء التي تزودها بالطاقة.

يتعين على سياسات المناخ أن تعالج أيضا قضايا أخرى ذات صِلة وأن تستخدم مجموعة متنوعة من الأدوات. إن تسعير الكربون ليس علاجا لكل داء. لكن أسعار النفط الشديدة الانخفاض اليوم، بدلا من أن تثبط الاستثمار في الطاقة النظيفة، تعرض علينا فرصة مثالية لتعزيز عنصر التسعير في مجموعة الأدوات المستخدمة وضمان توجيه التعافي بعد الجائحة نحو المساعدة في إنشاء اقتصاد قادر على الصمود والتكيف مع المناخ في الأجل البعيد.

 

بروجيكت سنديكيت / ترجمة: إبراهيم محمد علي   

*كمال درويش :  وزير الشؤون الاقتصادية التركي السابق والمدير السابق لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) ، وكبير زملاء معهد “بروكينغز”.

*سيباستيان شتراوس : محلل أبحاث أول ومنسق للالتزامات الاستراتيجية في معهد “بروكينغز”. تابعوه على تويتر.

 

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!