تقرير المنتدى العربي للبيئة والتنمية “أفد” :
المغرب : تخصيص موازنة تبلغ نحو أربعة بلايين يورو لمشاريع صرف صحي سيتم انجازها بحلول سنة 2015
محمد التفراوتي
أطلقت الحكومة المغربية ، في العام 2008 ، مشاريع متعددة لإعادة الاستعمال ركزت أساساً على توفير مياه الري لملاعب الغولف ولاغراض تجميل المناظر الطبيعية في مدن مراكش وبنسليمان وأكادير تغطي مساحة سطحية مقدارها 3000 هكتار.
وخصص المغرب موازنة تبلغ نحو أربعة بلايين يورو لمشاريع صرف صحي سيتم انجازها بحلول سنة 2015 ، في إطار خطة رئيسية وطنية للخدمات الصحية وفي أفق حماية موارد المياه.. التي تشهد اجهاداً مائياً مضطردا، من حيث شح المياه وتدهور نوعيتها. بعموم الوطن العربي وذلك خلال العقود الثلاثة الماضية. إذ برز اختلال للتوازن بين الكميات المتوفرة من المياه والطلب المتزايد عليها . مما استدعى الاستعمال الكفء لموارد المياه وإحقاق التوازن بين العرض والطلب في المنطقة و التفكير في استغلال إعادة استعمال مياه الصرف الصحي عبر معالجتها … خصوصا وأن 10 بلايين متر مكعب من مياه الصرف تنتج من قبل 343,8 مليون نسمة ،حسب إحصاء سنة 2008.
وفي نفس السياق أنجز الباحث المغربي الدكتور رضوان شكر الله دراسة لفائدة المنتدى العربي للبيئة والتنمية حول معالجة مياه الصرف واعادة استعمالها كبديل استراتيجي لكل بلد ، ليؤكد أن الزراعة في معظم البلدان العربية تعد المستهلك الرئيسي للمياه، إذ تستأثر بنحو 80 في المائة من مجموع إمدادات المياه في تونس مثلا و 90 في المائة من سورية . لذلك فان إعادة الاستعمال الموسَّع لمياه الصرف المستصلحة (المعالجة) في الري ولأغراض أخرى يمكن أن تساهم بشكل كبير في تخفيض “الإجهاد المائي” و”شح المياه” في البلدان العربية كجزء من منهج الإدارة المتكاملة لموارد المياه.
و تستهدف إعادة استعمال مياه الصرف المعالجة في المنطقة العربية ، الزراعة بالدرجة الأولى خصوصاً في تونس وسورية والأردن. كما أن ري الحدائق العامة وملاعب الغولف هو في ازدياد في البلدان الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي وفي شمال أفريقيا . ومقابل ذلك هناك قيوداً اقتصادية ومؤسساتية وصحية وبيئية تعيق اعادة استعمال مياه الصرف واعادة تدويرها بشكل مستدام ومأمون. ويحتاج التصدي لهذه القيود الى جهد والتزام مشترك من قبل الحكومات العربية والى دعم من منظمات اقليمية ودولية لزيادة كميات مياه الصرف المعالجة وكذلك الجزء من مياه الصرف المعالجة الذي يعاد استعماله.
وحرص المنتدى العربي للبيئة والتنمية “أفد” في تقريره الأخير على تحديد الممارسات والتجارب وتطبيقات اعادة استعمال مياه الصرف في البلدان العربية. وبذلك قارب الباحث رضوان شكر الله من خلال هذه الدراسة على بيانات ومطالعات لمنشورات تقليدية، ومطالعة معمَّقة لعدد كبير من مشاريع إعادة استعمال المياه العربية، وعلى النتائج التي توصلت إليها أوراق علمية. مستنتجا ضرورة ترتيبات مؤسساتية أنظف، ووسائل اقتصادية أكثر تفانياً، من أجل زيادة استخدام مياه الصرف المستصلحة، مع وضع خطوط توجيهية لاعادة استعمال المياه. والابتكار التكنولوجي.
مستقبل إعادة استعمال مياه الصرف في المنطقة العربية
وأفاد الدكتور شكر الله في التقرير أن التحدي الرئيسي لمعظم البلدان العربية هو تأمين الوصول الى مياه مأمونة وخدمات صحية نظيفة. ويقدر مجلس المياه العربي (2006) أن 83 مليوناً آخرين يحتاجون الى إمدادهم بمياه مأمونة و96 مليوناً ما زالوا بحاجة الى خدمات صحية نظيفة للوفاء بالأهداف الانمائية للألفية. كما أن حاجات عدد متزايد من السكان، يقدر بنحو 343,8 مليوناً (AOAD, 2009)، وضعت ضغطاً مضافاً علـى مجموع سحب المياه. ويستهلك القطاع الزراعي 86 فـي المئة مـن هـذا المجموع . إذ من المتوقع أن يزداد الطلب على المياه لاستعمالات منزلية وبلدية وصناعية مدفوعاً بتوسع مُدني سريع وتصنيع وهجرة ريفية الى المدن. واستعرض التقرير خبرة نماذج من الدول العربية في استعمال مياه الصرف المعالجة من قبيل تونس التي تعرف 61 محطة تجمع 0,24 بليون كيلومتر مكعب من مياه الصرف، منها أقل من 30 في المائة يعاد استعمالها للري الزراعي.
وينزع كثير من الأشخاص ، في المنطقة العربية، الى الشك باعادة الاستعمال لأنهم غير متأكدين من نوعية المياه المعالجة. وتوافر مياه الصرف غير المعالجة مجاناً يجعل من الصعب اقناع المزارعين بدفع رسوم مقابل مياه مستصلحة يعتبرون أنها ليست ذات نوعية جيدة. وتشير مشاريع عديدة الى أن الطلب على المياه المستصلحة من قبل المزارعين هو أدنى عموماً من الطلب على مصادر مياه عذبة بديلة. هذا الارتياب يبدو جلياً في تونس، حيث السعر الذي يفرض على المزارعين مقابل مياه الصرف المستصلحة هـو أدنى أربع مرات مـن أسعار المياه العذبة. وربما الأهم، أن تعذر استعمال المياه المستصلحة لري محاصيل نباتية عالية القيمة يثبط عزيمة نحـو نصف جميع مزارعي المحاصيل الصالحة للأكل (Bahri, 2002). وأشار الدكتور شكرالله الى أن القبول الاجتماعي والأنظمة الخاصة بخيارات المحاصيل والاعتبارات الزراعية الأخرى تؤثر بقوة على القرارات المتعلقة باعادة استعمال المياه.
تأثيرات صحية وأمان بيئي
وبالنسبة للتأثيرات الصحية والأمان البيئي ذكر التقرير أن محطات معالجة مياه الصرف في البلدان العربية لا تعمل بشكل مرض، وفي معظم الحالات تفوق تصريفات مياه الصرف المعالجة الحدود القصوى المقبولة قانونياً وصحياً. وهذا يعزى لعدم وجود موظفين مدربين بشكل مناسب ممن لديهم مهارات تقنية لتشغيل هذه المحطات، فضلاً عن الافتقار الى موازنة كافية لصيانة المحطات وتشغيلها.
ذلك أن الري بمياه صرف معالجة يسبب بشكل غير كاف مخاطر صحية عامة جدية، نظراً الى أن مياه الصرف هي مصدر رئيسي لممرضات موجودة في البراز مثل الجراثيم والفيروسات والأوليات والديدان التي تسبب أمراضاً مَعِدية ـ معوية لدى البشر. “ويسبب استعمال مياه الصرف بشكل غير مناسب مخاطر مباشرة وغير مباشرة للصحة البشرية نتيجة استهلاك محاصيل وأسماك ملوثة. والمزارعون الذين هم على تماس مباشر مع مياه الصرف والتربة الملوثة معرضون أيضاً للخطر” (WaDlmina, 2008). كما أن اعادة استعمال مياه صرف غير مناسبة في الزراعة قد يؤدي الى أمراض تصيب المواشي.
وبذلك فالمخاوف المتعلقة باعادة استعمال مياه الصرف المستصلحة لا تقتصر على “البنية التحتية للمعالجة وتكنولوجيا المعالجة المطبقة ذات الصلة”، لكن تمتد الى “معايير رئيسية أخرى مثل نوعية المياه المعالجة، اضافة الى خيارات اعادة الاستعمال اللاحقة وفق مقاييس النوعية الحالية كما هي محددة في التشريعات الوطنية” (AHT Group AG, 2009). مياه الصرف في المنطقة العربية محمَّلة بشكل متزايد بمواد اضافية قد تكون مضرة مثل المعادن الثقيلة وملوثات نزرة تشتمل على مركبات عضوية وغير عضوية، وملوثات ناشئة مثل المواد الصيدلانية، وهذه يجب ازالتها جميعاً قبل اعادة استعمال مياه الصرف. كما أن مكونات غير عضوية ذائبة، مثل الكالسيوم والصوديون والكبريتات، قد يكون من الواجب ازالتها لاعادة استعمال مياه الصرف. ويشكل تصريف مجاري المياه الصناعية غير المعالجة في شبكة الصرف الصحي عبئاً إضافيا على نوعية مياه الصرف المعالجة (التي في النهاية سوف يعاد استعمالها في الزراعة). وهذه هي الحال في صناعات مصايد الأسماك في أكادير بالمغرب، التي تصرِّف أحمالاً كبيرة من الملح الذي يؤدي الى ازدياد الملوحة في المياه المعالجة الصادرة عن محطة لمزار.
إن التأثيرات البيئية المحتملة الناتجة من اعادة استعمال مياه الصرف في الزراعة قد تشمل أيضاً تلوث المياه الجوفية والسطحية، فضلاً عن تدهور الموائل الطبيعية والنظم الايكولوجية. في تونس، على سبيل المثال، القيد النوعي البيئي الرئيسي الذي يعيق اعادة استعمال مياه الصرف هو زيادة النيتروجين.
الخطوط التوجيهية لاعادة استعمال مياه الصرف
وتناول تقرير “أفد” إمكانية تقسيم البلدان العربية الى ثلاث فئات وفقاً لممارساتها المتعلقة بالتخلص من مياه الصرف وفق الفئة الأولى والتي تشمل البحرين وعُمان والسعودية وقطر والكويت والامارات العربية المتحدة. وتتبع جميع البلدان في مجلس التعاون الخليجي طرقاً مماثلة للتخلص من مياه الصرف. ويعاد استعمال نسبة عالية من مياه الصرف بعد معالجة لاحقة في ري الأراضي الزراعية أو في تجميل المناظر الطبيعية، بينما يتم التخلص من البقية في البحر بعد كثير من خطوات المعالجة المتقدمة. هذه الممارسة شائعة في منطقة الخليج بسببب توافر محطات معالجة مجهزة جيداً ومتقدمة. وتُتبع مقاييس نوعية صارمة قبل التخلص واعادة الاستعمال، لكن يعتقد أنه يمكن تخفيف بعض المعايير من أجل استعمال الحجم المتزايد على الدوام للمياه المعالجة ثانوياً استعمالاً تاماً.
أما الفئة الثانية فتشمل مصر والعراق والأردن والمغرب وسورية. وتتبع هذه البلدان أنظمة معتدلة للتخلص من مياه الصرف. والمياه الناتجة من محطات معالجة مياه الصرف لا تفي بالمقاييس الوطنية أو الدولية. في حين تشمل هذه المجموعة الضفة الغربية واليمن ولبنان، حيث يتم التخلص من جزء كبير من مياه الصرف في الوديان وتستعمل لاحقاً لري الأراضي الزراعية بلا معالجة. وفي الضفة الغربية، يتم التخلص من مياه الصرف الطبيعية في الوديان ومن هناك تُستعمل لري جميع أنواع المحاصيل والخضار. ولا يُعطى للعمال والمنتجات والتربة واحتمال تلوث المياه الجوفية أي اعتبار يتعلق بالاشراف البيئي والصحي. وفي اليمن، تُستعمل مياه الصرف الطبيعية للري حيثما وجد من دون أي معالجة ضرورية للوفاء بمقاييس اعادة استعمال مياه الصرف.
وأشار التقرير إلى أن مراقبة وتقييم نظم اعادة استعمال مياه الصرف في كثير من البلدان العربية هي مخالفة للأصول وغير متطورة بشكل جيد. ويعزى سبب ذلك حسب الباحث الدكتور شكر الله إلى ضعف المؤسسات، ونقص الموظفين المدربين، والافتقار إلى معدات المراقبة، والارتفاع النسبي في الكلفة التي تتطلبها عمليات المراقبة. كما أن إهمال اجراءات المراقبة وتنفيذ المراقبة بشكل غير منتظم وغير صحيح يمكن أن يسببا تأثيرات سلبية خطيرة على الصحة ونوعية المياه والاستدامة البيئية والايكولوجية. وبالاضافة الى ذلك، مـن المهم ادخال اجراءات تقنية وتنظيمية مناسبة بامكانها أن تصدر بشكل منهجي وموثوق تحذيراً بحدوث أعطال وشيكة فـي تشغيل محطة معالجة مياه الصرف الـى مديري اعادة استعمال هـذه المياه، وذلك تفادياً لتدفق مياه الصرف غيـر المعالجة فـي شبكة التوزيع. واختيار تكنولوجيا مياه الصرف المناسبة يمكن أن يخفف مشاكل التمويل والمراقبة. ومحطات مياه الصرف تحتاج عموماً الى رساميل كبيرة ومشغلين متخصصين ومدربين بشكل جيد. لذلك، وقبل اختيار تكنولوجيا معالجة مياه الصرف والاستثمار فيها، يجب القيام بتحليل لفاعلية الكلفة وتقييمها مقابل الخيارات المتوافرة الأخرى. والحلول البسيطة التي تتكرر بسهولة وتسمح بتحسن اضافي وفق
ما يقتضيه التغيير، والتي يمكن تشغيلها وصيانتها من قبل قوة عمل محلية مدربة غالباً ما تعتبر الأكثر ملاءمة واقتصاداً بالكلفة. مع اعتماد اختيار التكنولوجيا على نوع اعادة الاستعمال.
واختتم الباحث الدكتور شكر الله بحثه بدعوة البلدان العربية بأن تطور اطاراً لنشر المعرفة المكتسبة من مرافق معالجة مياه الصرف القائمة في المنطقة العربية. كما أن تقاسم المعرفة من شأنه أن يؤدي الى تحسين توافر المعلومات حول الفوائد الاقتصادية والمالية، وأحجام مياه الصرف المعالجة والمعاد استعمالها، والفوائد التي يجنيها النظام الاقتصادي المائي، واستعادة كلفة نظم اعادة استعمال المياه.
ويجب على صانعي السياسة تطوير خطط وحملات توعية ذات أبعاد وطنية لنشر الثقافة حول استعمال مياه الصرف المعالجة ودعم هذا الاستعمال. ومن الضروري أيضاً نقل المعلومات الحديثة حول تكنولوجيات التصنيع وحماية المحاصيل الملائمة الى السلطات المسؤولة عن معالجة مياه الصرف واعادة استعمالها والى المستخدمين النهائيين.