د. محمد عبد الرءوف عبد الحميد *
على ما يبدو أن تغير المناخ تراجع شكل كبير على مستوى جدول الأعمال العالمي، وأكبر دلالة على ذلك أن نتائج جولة المفاوضات لمؤتمر الأطراف الخاصة بتغير المناخ الثامن عشر (COP18) فى الدوحة، قطر متواضعة للغاية وأقل بكثير من طموحات العديد من المتابعين والمعنيين بالشأن البيئى. الا أنها بلاشك تمثل خطوة إلى الأمام على طريق مازال يبدو طويل جدا لحل أزمة المناخ.
وتكمن المشكلة الرئيسية فى التعامل مع مشكلة تغير المناخ عالمياً فى عدم وجود قيادة، فزعماء العالم ليسوا قادرين على وضع مصالحهم الوطنية جانبا والعمل على أجندة عالمية مشتركة من أجل إتخاذ خطوات عملية نحو التوصل الى إتفاق مناخ جديد قوى وملزم لجميع الدول بما يحقق امال وطموحات شعوب العالم. إن المشكلة مع القيادات السياسية فى أنهم مازالوا يتبعوا نفس الطرق القديمة لإنجاز الأشياء التي ثبت أنها غير مستدامة وغير منصفة وأدت بالتالي إلى العديد من الأزمات كالأزمة الإقتصادية، أزمة المناخ، وأزمة الغذاء … والقائمة تطول. هذا يعني أيضا أن الإسلوب التقليدى من أعلى لأسفل فى حل مشاكل العالم لم يعد خياراً ناجحاً. فلابد من الضغط من الشعوب وأصحاب المصلحة والمجموعات الرئيسية المختلفة مثل المجتمع المدني، النساء، مجتمع البحث العلمى، المزارعين، والشباب والأطفال وغيرهم، فبات ذلك أمر أساسي لدفع الحكومات إلى التصرف بمسؤولية وفى الوقت المناسب لتجنب الآثار الوخيمة المترتبة على تغير المناخ.
وعلى الرغم من أنه هناك أدلة علمية متزايدة على أن درجة الحرارة العالمية ومستوى سطح البحر آخذتا في الإرتفاع بشكل أسرع مما كنا نعتقد، كما يبدو أننا قد تجاوزنا بالفعل حد الدرجتين المئويتين لتفادى الأثار الكارثية لتغير المناخ، بل أصبحنا نشهد بالفعل عواقب كارثية مثل العواصف القوية والفيضانات، وموجات الحرارة الطويلة. ومع ذلك، كانت الدول المتقدمة في مؤتمر الدوحة غير راغبة في الإعتراف بمسئوليتهم وذنبهم ودورهم في ظاهرة الإحتباس الحراري.
وبالرغم من النجاح في مؤتمر الأطراف الثامن عشر فى الحصول على موافقة 35 دولة صناعية لتجديد بروتوكول كيوتو حتى نهاية عام 2020. الا أن دولاً كبيرة فى إنبعاثات غازات الدفيئة مثل روسيا واليابان وكندا إنسحبت من المعاهدة الوحيدة الملزمة قانونا (بروتوكول كيوتو) والتي تجبر البلدان على خفض إنبعاثاتها. وهذا يعني أن أنصار من وافق على تجديد برتوكول كيوتو – وهي أستراليا وعدة دول أوروبية – بما يمثل نسبة 15 في المائة فقط من الإنبعاثات العالمية. كما وافق الإتحاد الأوروبي على المساهمة بعشرين مليار دولار لصندوق تغير المناخ العالمي.
وهذا يعنى أن دولاً متقدمة مثل الولايات المتحدة وكندا واليابان رفضت توقيع إتفاق مؤقت لخفض الإنبعاثات وكذلك الإتفاق على أليات لصندوق مقترح للخسائر والأضرار المستحقة للدول الفقيرة والمعرضة للخطر خاصة تلك المعرضة لفقد أراضيها نتيجة إرتفاع منسوب سطح البحر. وتتحجج الدول الغنية بالأزمة الإقتصادية العالمية كمبرر لعدم رغبتها في الموافقة على هذه الإلتزامات.
وبناء عليه بات من الواضح أنه يمكن للدول النامية الآن إلقاء اللوم الدول الغنية مثل الولايات المتحدة وكندا واليابان لرفضها التوقيع على إتفاق يخلف مؤقتا بروتوكول كيوتو لخفض الانبعاثات.
دولة قطر والمنطقة العربية هما الفائز الحقيقى:
وعلى الجانب الإيجابى، كانت الأمور التنظيمية واللوجستية من جانب الدوحة لمثل هذا الحدث الضخم نجاحاً حقيقياً. كما كانت إستضافة قطر لمؤتمر الأطراف الثامن لتغير المناخ مهمة جداً حيث كانت هذه هي المرة الأولى التي ينعقد فيها المؤتمر في العالم العربي، وفي منطقة الخليج العربى على وجه الخصوص بما يرسل إشارة إيجابية جداً لبقية العالم أن وجهات نظر دول مجلس التعاون الخليجي النفطية نحو تغير المناخ قد تغير.
وفيما يتعلق بمحادثات المناخ نفسها فيمكن القول بما لا يدع مجالاً للشك أن صورة المنطقة العربية – لاسيما من دول الخليج العربى، الغنية بالنفط والغاز الطبيعي – قد تغيرت للأحسن كثيراً. فبعد أن كانت مجرد منطقة غنية بالنفط والغاز ومعرقلة لمفاوضات تغير المناخ أصبحت منطقة تساهم بإيجابية جداً وتهتم بمستقبل هذا الكوكب وتقدم العديد من المشروعات قليلة إنبعاثات الكربون.
فلا غرو أن المؤتمر سلط الضوء على منطقة الخليج العربي وخططها الخضراء المختلفة كما سمح للمنطقة العربية كلها بعرض المشاريع الخضراء المختلفة، وبصفة خاصة في مجال الطاقة المتجددة (الشمسية أساساً). كما لعب المؤتمر دورا جوهرياً في رفع الوعي بين الناس، ولا سيما الشباب فى العالم العربي، حول آثار تغير المناخ على المنطقة وكذلك على أهمية اتخاذ إجراءات جادة وسريعة لمكافحة تغير المناخ. فقد ساعد هذا الحدث فى لفت الإنتباه، وربما للمرة الأولى، حول تغير المناخ وأثره على المواطنين العاديين. وتقع على عاتق الحكومات ونشطاء المناخ والمجتمع المدني مسئولية كبيرة الأن فى الحفاظ على هذا الزخم وتركيز الإهتمام حول تغير المناخ وأثاره المختلفة الإقتصادية، وتوافر المياه، والهجرة ومختلف مناحى الحياة البشرية بصفة عامة.
* المنسق العالمى للمجتمع المدنى لمجموعة البحث العلمى التابعة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة
عذراً التعليقات مغلقة