التقرير السنوي للمنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد) – 2014
الأمن الغذائي في البلدان العربية: التحديات والتوقعات
آفاق بيئية : محمد التفراوتي
أضحى احتواء الجوع لدى البلدان النامية من الاشكالات المؤرقة . فرغم أن الجوع ينكمش في العالم وأن هدف الألفية الإنمائي لخفض نسبة الجياع إلى النصف لا يزال في المتناول قبيل نهاية 2015 . إذ أن 63 من البلدان النامية في بلوغ الهدف الإنمائي للألفية، وثمة ستة آخرون في طريقهم للوصول إليه بحلول عام 2015، لكن 805 ملايين شخص لم ينفكّوا يعانون نقص تغذيةٍ مزمناً .
إذن لا مناص من تصعيد الجهود الجارية، على نحو ملائم وعلى الفور . من هنا أبى المنتدى العربي للبيئة والتنمية إلا أن يسبر أغوار شبح الجوع ، ووضعية تأمين الغداء بالوطن العربي . ويستجمع أبحاث رصينة ودقيقة قاربت فصوله القيمة ، وضع الامن الغدائي والموارد الغدائي ضم تجربة المخطط الاخضر المغربي . ثم دور العلم والتكنولوجيا في تعزيز الامن الغدائي ومساهمة الزراعة البعلية وصغار المزارعين في الاكتفاء الغذائي وتطوير سلاسل الغداء وأثر تغير المناخ على الامن الغذائي أما الفصل الاخير فخصص للثروة الحيوانية والامن الغدائي فضلا عن ملحقات متنوعة.
التقرير السابع للمنتدى يمكن أن تشكل دليلا يهتدى به ذوو القرار ويساعد المجتمع الدولي للانتصار على الجوع والاستجابة للأفواه المشرئبة نحو لقمة تحفظ الكرامة الانسانية .
وأفاد نجيب صعب، أمين عام المنتدى ، ممهدا للتقرير أن الأمن الغذائي هو السابع في سلسلة التقارير السنوية عن وضع البيئة العربية التي يصدرها المنتدى العربي للبيئة والتنمية (أفد). الهدف الأول من تقارير “أفد” هو ترسيخ الاعتماد على العلم في السياسات البيئية واتخاذ القرارات. وهذا يتماشى مع مهمة “أفد” في “دعم السياسات والبرامج البيئية الضرورية لتنمية العالم العربي استناداً الى العلم والتوعية”.
ويركز التقرير على الحاجة الى إدارة أكثر كفاءة للموارد الزراعية والمائية، بما يعزز فرص تحقيق الأمن الغذائي. وهو يأتي كإضافة طبيعية إلى التقارير الستة التي سبقته: البيئة العربية – تحديات المستقبل (2008)، أثر تغير المناخ على البلدان العربية (2009)، المياه – إدارة مستدامة لمورد متناقص (2010)، الاقتصاد الأخضر في عالم عربي متغير (2011)، خيارات البقاء – البصمة البيئية في البلدان العربية (2012)، الطاقة المستدامة (2013).
كما الأمن الغذائي موضوع ذو أهمية استثنائية للبلدان العربية. ورغم سعيها المتواصل لتحقيق مستوى أعلى من الاكتفاء الذاتي في الغذاء، بقي تحقيق هذا الهدف صعب المنال. فإلى جانب قلة الأراضي الصالحة للزراعة وندرة الموارد المائية، لم تستخدم البلدان العربية إمكاناتها الزراعية على نحو فعال وكفوء. وأسفر ضعف السياسات والممارسات الزراعية الملائمة عن تقليص قدرة الموارد والخدمات الطبيعية على تجديد نفسها، مما هدد استدامة الإنتاج الزراعي.
ويقول صعب أن أزمة الغذاء العالمية والارتفاع غير المسبوق في أسعار الغذاء خلال السنوات الأخيرة، مع ما رافقها من قيود على التصدير فرضتها بعض البلدان المنتجة للغذاء، أدّت إلى تجديد الدعوة لتوفير مصادر مأمونة للبلدان التي تعتمد على الاستيراد، كما هي حال المنطقة العربية. لذا يحاول هذا التقرير التصدي لقضايا مثل: إلى أي حد يمكن للموارد الزراعية المتوافرة على المستوى المحلي والإقليمي أن تلبي الطلب على الغذاء في العالم العربي؟ ما هي فرص تحقيق الاكتفاء الغذائي، مع اعتبار التضخم السكاني المتسارع وأثر تغير المناخ على الأراضي والموارد المائية؟ وفي المحصلة، ما هي الخيارات البديلة التي تملكها البلدان العربية لتحقيق الأمن الغذائي؟
وحرر التقرير خبراء ينتمون الى مختلف مناطق العالم العربي، وهو نتيجة عمل جماعي تعاوني، تم تحقيقه بالاشتراك مع منظمات وهيئات إقليمية ودولية وجامعات ومراكز أبحاث، وساهم فيه أكثر من مئتي باحث واختصاصي. وعقدت اجتماعات تشاورية متعددة على الصعيد الوطني لبحث المسوَّدات، وصولاً الى الاجتماع التشاوري الإقليمي الموسع الذي استضافه في أيار (مايو) 2014 الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، بمشاركة 40 خبيراً ينتمون إلى 14 بلداً و21 مؤسسة، حيث ناقشوا المسودات قبل النهائية للفصول مع المؤلفين.
ويتفرد التقرير بمجموعة من الخرائط تبيّن موارد الأرض والمياه في المنطقة العربية، تمَّ إنتاجها بالتعاون مع المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا) استناداً إلى أحدث البيانات. وإذ تظهر هذه الخرائط مواقع توافر الأراضي الزراعية والمراعي والمياه المتجددة وفق البلدان، فهي تساعد في الاستدلال على مسارات ممكنة للتعاون الإقليمي، تقوم على الاستفادة من التنوع في الثروات الطبيعية. وقد كان وراء فكرة إنتاج هذه الخرائط مستشار “أفد” والرئيس الأول لمجلس أمنائها الدكتور مصطفى كمال طلبه، الذي وجد من المفيد تحديد مواقع وجود المياه والأراضي المنتجة، لمعرفة أين يتلاقى الاثنان وأين يمكن للتعاون الإقليمي بتبادل الموارد أن يكون ذا جدوى.
ويستبشر التقرير، رغم الواقع الخطير المتمثل في اعتماد المنطقة العربية بشكل مقلق على استيراد الغذاء لإطعام سكانها الذين يتزايدون باستمرار، مع ما يرافق هذا من تدهور في الموارد الطبيعية، مؤكدا أنه يمكن أن نعكس الاتجاه التراجعي المظلم للوضع الغذائي عن طريق حزمة من التدابير، في طليعتها تحسين إنتاجية الأراضي وكفاءة الري. والاثنان اليوم أقل كثيراً من المعدلات العالمية، يضيف صعب.
وبذلك تواجه البلدان العربية في مسعاها إلى تعزيز الاكتفاء الذاتي الغذائي تحديات جدية ناتجة عن مجموعة من العوامل المقيِّدة، تشمل الجفاف، ومحدودية الأراضي الصالحة للزراعة، وندرة الموارد المائية، وتداعيات تغير المناخ. وقد ساهمت السياسات غير الملائمة والاستثمار الضئيل في العلوم والتكنولوجيا والتنمية الزراعية في تدهور الموارد الزراعية، إلى جانب الاستخدام غير الكفوء لها وإنتاجيتها المتدنية. ويمثّل النمو السكاني، والطلب المتزايد على الغذاء، وتدهور الموارد الطبيعية، وتحويل الأراضي الزراعية إلى الاستخدام الحضري، تحديات إضافية أمام تحسين مستوى الأمن الغذائي في المنطقة العربية. ويبرز العجز الغذائي من خلال نسبة الاكتفاء الذاتي البالغة نحو 46 في المئة للحبوب، و37 في المئة للسكّر، و54 في المئة للدهون والزيوت. أي أن العجز يصل إلى نحو نصف الحاجة من المواد الغذائية الأساسية.
ويرتبط الغذاء والماء في شكل غير قابل للفكاك. فالمنطقة العربية تواجه معضلة ندرة المياه، التي تعكسها الحصة السنوية للفرد من الموارد المائية المتجددة والبالغة أقل من 850 متراً مكعّباً، مقارنة بالمتوسط العالمي الذي يفوق 6000 متر مكعّب. ويخفي هذا المتوسط الإقليمي المستويات المتفاوتة في شكل كبير بين البلدان، التي تُصنَّف 13 منها في فئة الندرة الشديدة للمياه، بحصة سنوية للفرد تقل عن 500 متر مكعّب. والوضع مقلق جداً في ستة من هذه البلدان، حيث تبلغ المياه المتجددة المتوافرة 100 متر مكعّب سنوياً للفرد، إلى درجة أن هذا التقرير خلق فئة خاصة بها هي فئة “الندرة الاستثنائية”.
وتبرز ندرة المياه في المنطقة العربية من خلال استخدام نحو 85 في المئة من إجمالي السحوبات المائية لأغراض القطاع الزراعي، المتسم بتدني كفاءة الري وإنتاجية المحاصيل. وتتعرض الموارد المائية النادرة، بما فيها المياه الجوفية غير المتجددة، إلى ضغوط هائلة، كما يتبيّن من المعدلات العالية للسحوبات المائية لأغراض زراعية، بمتوسط يساوي 630 في المئة من إجمالي المياه المتجددة في بلدان مجلس التعاون الخليجي، ويصل إلى 2460 في المئة في الكويت. وترى منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) أن البلدان تكون في وضع حرج إن استخدمت أكثر من 40 في المئة من مواردها المائية المتجددة للزراعة، ويمكن اعتبارها تعاني إجهاداً مائياً إن استخرجت أكثر من 20 في المئة من هذه الموارد. ووفق هذا التعريف، يمكن تصنيف 19 بلداً عربياً في حال من الإجهاد المائي، لأن معدلات السحب الحالية من مواردها المائية المتجددة لأغراض زراعية تفوق بأشواط الحدود المقبولة.
إن تحسين وضع الأمن الغذائي في البلدان العربية من خلال الإنتاج المحلي، في ظل الأراضي الزراعية المحدودة، والموارد المائية التي تعاني الاستنزاف والتراجع، ناهيك عن افتقار القدرة الحيوية للموارد الزراعية، مهمة صعبة. لكن ثمة إمكانيات جديرة بالاعتبار متوافرة على صعيد تحسين نسبة الاكتفاء الذاتي الغذائي، من خلال تبني السياسات السليمة والتقنيات الزراعية المحسَّنة، وخلق سلسلة متكاملة للقيمة الغذائية تستطيع ضمان الأمن الغذائي استناداً إلى أسس توافر الغذاء وسهولة مناله واستقراره واستخدامه.
ويتطلب تحسين ذلك الجانب من الأمن الغذائي المتعلق بالاكتفاء الذاتي مقاربة إقليمية متكاملة وشاملة للجميع، تقرّ بالعلاقة المتلازمة بين الغذاء والماء والطاقة، ونموذجاً جديداً للاستدامة الزراعية يعتمد على اعتبارات اقتصادية واجتماعية وبيئية. ومن ضمن هذا الإطار، يمكن تحديد عدد من الخيارات لتحسين نسبة الاكتفاء الذاتي الغذائي، خصوصاً من خلال الاستخدام الفاعل للموارد الزراعية المتوافرة، إضافة إلى موارد الثروتين الحيوانية والسمكية. وتشمل هذه الخيارات ما يلي:
تحسين كفاءة الري: يُعتبَر إنتاج مزيد من المحاصيل الزراعية بمياه أقل خياراً يحمل أهمية كبرى في تعزيز الأمن الغذائي للبلدان التي تعاني ندرة في المياه. وهو يعتمد على اختيار النوع الصحيح من القنوات لنقل المياه إلى الحقول، واعتماد وسائل أكثر فاعلية للري مثل الرش أو التنقيط، والزراعة في مساكب عريضة مرتفعة، ومستوى التنظيم والانضباط لدى المزارعين.
ويقل متوسط كفاءة الري في 19 بلداً عربياً عن 46 في المئة. ويُقدَّر أن رفع هذا الرقم إلى 70 في المئة كفيل بتوفير 50 بليون متر مكعّب من المياه سنوياً. وفيما يُقدَّر أن الري المطلوب لكل طن من الحبوب يبلغ 1500 متر مكعّب، يمكن للكمية الموفَّرة من المياه أن تكفي لإنتاج أكثر من 30 مليون طن من الحبوب، أو 45 في المئة من واردات الحبوب بقيمة 11.25 بليون دولار وفق أسعار 2011.
تعزيز إنتاجية المحاصيل: إن إنتاجية الحبوب في المنطقة العربية متدنية إجمالاً، خصوصاً بالنسبة إلى الحبوب الرئيسية، إذ تبلغ نحو 1133 كيلوغراماً للهكتار في خمسة من البلدان الرئيسية في إنتاج الحبوب (الجزائر والعراق والمغرب والسودان وسورية)، مقارنة بمتوسط عالمي يبلغ نحو 3619 كيلوغراماً للهكتار. وتبيّن بحوث المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا) زيادات جديرة بالاعتبار في غلة القمح في حقول تجريبية، مقارنة بحقول المزارعين في كل من الأنظمة المروية والمطرية في بلدان مثل مصر والمغرب والسودان وسورية وتونس. فالزراعة في مساكب مرتفعة في مصر، مثلاً، حققت زيادة بنسبة 30 في المئة في غلة الحبوب، وتوفيراً بنسبة 25 في المئة في مياه الري، وكفاءة في استخدام المياه بنسبة 72 في المئة.
وثمة أهمية حاسمة لتحسين إنتاجية المحاصيل في الأراضي المطرية التي تشكل أكثر من 75 في المئة من الأراضي المزروعة في المنطقة العربية. وتشير “الفاو” و”إيكاردا” إلى أشكال مختلفة لجمع مياه المطر، تشمل الحفظ في الموقع الزراعي، والري بمياه السيول، والتخزين من أجل الري التكميلي. وبيّنت برامج في بعض البلدان النامية أن الغلال قابلة للزيادة بمعدل ضعفين أو ثلاثة أضعاف من خلال استخدام مياه المطر المجمَّعة، مقارنة بالزراعة الجافة التقليدية. ويمكن لزيادة متوسط غلة الحبوب المطرية من مستواها الحالي البالغ نحو 800 كيلوغرام للهكتار إلى ضعفين أو ثلاثة أضعاف، أن تضيف ما بين 15 و30 مليون طن من الحبوب إلى الإنتاج السنوي الحالي البالغ نحو 51 مليون طن في المنطقة العربية.
ولتعزيز غلة الحبوب في المناطق المروية والمطرية إمكانية جديرة بالاعتبار لتحسين الاكتفاء الذاتي الغذائي في المنطقة العربية، من خلال زيادة البحوث الزراعية، ونقل التكنولوجيا، والاستثمار في الزراعة المطرية. ويُعتبَر تطبيق أفضل الممارسات الزراعية حاسماً، وهي تشمل الاستخدام الأمثل للأسمدة والمبيدات وغيرها من المدخلات، إلى جانب الإدارة الجيدة للموارد الزراعية المتوافرة. لكن تأثير تغير المناخ في المنطقة العربية يُتوقَّع أن يظهر من خلال تراجع حاد في إنتاجية الحبوب، وتتطلب مواجهته تبنياً لتدابير فاعلة على صعيد التأقلم مع الظاهرة والتخفيف من تداعياتها.
تحسين إنتاجية المياه: إضافة إلى زيادة كفاءة الري، يمكن رفع إنتاجية المياه على أي من الصعيدين الاقتصادي أو العملي، من خلال تخصيص المياه لمحاصيل أعلى قيمة أو إنتاج محاصيل أكثر في مقابل كمية المياه نفسها. ويعتمد انتقاء خيار من الاثنين على الأهمية التي تعلقها البلاد على قيمة المحاصيل أو كميتها في السياق السياسي والاقتصادي والاجتماعي والبيئي الأوسع.
ويمكن تعزيز إنتاجية المياه بمزيج من العوامل التي تشمل الممارسات الزراعية المحسَّنة، مثل أساليب الري الحديثة، والتصريف المحسَّن، والزراعة الحمائية أو الزراعة من دون حراثة، والبذور المحسَّنة المتوافرة، والاستخدام الأمثل للأسمدة، والتقنيات المبتكرة لحماية المحاصيل، وخدمات الإرشاد الفاعلة. ولا تقتصر فوائد ممارسات زراعية مثل جمع المياه، والري التكميلي والناقص، وحفظ المياه، والزراعة العضوية، على زيادة إنتاجية المياه فحسب، بل تكتسب أيضاً أهمية كبيرة في تعزيز الاستدامة الزراعية. كذلك يمكن تعزيز إنتاجية المياه أكثر من خلال تغيير عادات الاستهلاك باتجاه محاصيل ذات استخدام أقل كثافة للمياه وذات قيمة غذائية مماثلة.
استخدام مياه الصرف المعالَجة: لا تزال مياه الصرف غير مستغلة إلى حد كبير في الاستخدام الزراعي عبر البلدان العربية. فالكمية المعالَجة سنوياً من مياه الصرف البلدي تساوي نحو 48 في المئة فقط من نحو 14,310 ملايين متر مكعّب سنوياً، فيما الكمية الباقية تُرمى من دون معالَجة. ولا تتجاوز كمية مياه الصرف المعالَجة المستخدمة في الري الزراعي تسعة في المئة من الإجمالي في بلدان مثل مصر والأردن والمغرب وتونس، فيما بلدان مجلس التعاون الخليجي تستخدم نحو 37 في المئة من مياه الصرف المعالجة في الزراعة.
ويعود ارتفاع نسبة مياه الصرف المعالَجة المستخدمة زراعياً في بلدان مجلس التعاون مقارنة بالبلدان العربية الأخرى إلى الندرة الحادة في موارد المياه العذبة، والضغط الهائل على هذه الموارد من خلال السحب للاستخدام الزراعي، إلى جانب تبني معايير محسَّنة للمعالَجة من أجل ضمان الاستخدام الآمن للمياه المعالَجة. لكن مع المستويات المختلفة للمعالَجة المناسبة، يمكن إعادة استخدام مياه الصرف كمصدر لنشاطات متعددة، زراعية وصناعية ومنزلية، ما يخفف الضغط على موارد المياه العذبة والبيئة.
وإذ يعتمد إنتاج الغذاء في البلدان العربية بشدة على الزراعة المطرية وتتناقص موارد المياه العذبة بسرعة، يجب تشجيع البديل المتمثل بإعادة استخدام المياه للري. وتؤكد “الفاو” أن التحول من الزراعة المطرية إلى المروية لا يقتصر على زيادة غلال معظم المحاصيل بنسبة 100 إلى 400 في المئة فحسب، بل يمكن أيضاً أن يسمح بزراعة محاصيل بديلة تحقق دخلاً أعلى وتعطي قيمة أكبر.
تقليص خسائر ما بعد الحصاد: تُعزى الأسباب الرئيسية لهذه الخسائر إلى وسائل غير مناسبة مستخدمة في حصاد المحاصيل ومعالجتها ونقلها وتخزينها، إلى جانب خدمات لوجستية غير فاعلة على صعيد سلسلة إمدادات الواردات. ويُقدَّر أن الخسائر السنوية للحبوب في البلدان العربية بلغت نحو 6.6 مليون طن في 2012. كذلك تصل خسائر القمح المستورد في بعض البلدان العربية إلى نحو 3.3 مليون طن بسبب خدمات لوجستية غير فاعلة على صعيد الاستيراد. وتبلغ القيمة الإجمالية لخسائر ما بعد الحصاد للحبوب وخسائر واردات القمح إلى نحو 3.7 بليون دولار وفق أسعار 2011، ما يمثّل 40 في المئة من القمح المنتج في البلدان العربية كلها في حساب القيمة. وهذا يساوي قيمة نحو أربعة أشهر من واردات القمح.
إن لتقليص الخسائر في الحبوب على امتداد سلسلة الإمداد الغذائي أهمية كبرى. فخسائر كهذه تمثّل هدراً في الإمداد الغذائي وموارد طبيعية أخرى، تشمل الأرض والمياه والطاقة والأسمدة والمبيدات والعمالة. ويتفاقم الأمر بضرر بيئي يشمل انبعاثات مفرطة من غازات الدفيئة تصدر عن النشاطات الزراعية على امتداد السلسلة الغذائية.
التعاون الإقليمي: يُعتبَر التعاون بين البلدان العربية على أساس الميزات النسبية في الموارد الزراعية والمالية خياراً أساسياً لتعزيز الأمن الغذائي على المستوى الإقليمي. وليكون التعاون فاعلاً فهو يتطلب مقاربة تستند إلى مواءمة الاستراتيجيات والسياسات الزراعية الوطنية، وزيادة الاستثمار في العلوم والتقنية والتنمية الزراعية، وتنظيمات وتدابير وحوافز تفضي إلى استخدام فاعل للموارد، وحفظاً للقدرة الحيوية المنتجة للموارد البرية والمائية التي تشكل حجر الزاوية للإنتاج الزراعي على المستويات الوطنية والإقليمية الفرعية والإقليمية.
تطوير الثروتين الحيوانية والسمكية: تملك البلدان العربية موارد جديرة بالاعتبار على صعيد الثروتين الحيوانية والسمكية. وهي شبه مكتفية ذاتياً على مستوى الأسماك، لكن نحو 25 في المئة من الطلب على اللحوم يُلبَّى عن طريق الواردات. ويُتوقَّع أن تزيد هذه النسبة في المستقبل بسبب زيادات السكان والثروة والتحضّر.
تواجه إنتاجية قطاع الثروة الحيوانية في المنطقة العربية عقبات بسبب ضآلة الموارد، خصوصاً تدهور المراعي وعدم كفاية الأعلاف والمياه. وأثّر غياب الدعم عن البنية التحتية والخدمات والسياسات العشوائية وأثارها السلبية على قطاع الثروة الحيوانية. وأدى إنتاج الأعلاف محلياً إلى تدهور الموارد المائية غير المتجددة وتراجع المراعي وموارد الأعلاف، ما أدى إلى فقدان التنوع الحيوي وتدهور التربة وبالتالي إلى تراجع إنتاجية الثروة الحيوانية. وفي مواجهة الجفاف الشديد والمساحات الكبيرة للأراضي الهامشية، يبقى النظامان الرعوي والمطري لتربية الثروة الحيوانية الأكثر مرونة، لذلك ثمة حاجة إلى سياسات تدعم حركة هذين النظامين ووصولهما إلى المراعي. كذلك تقدّم الأنظمة المتكاملة لإنتاج المحاصيل والثروة الحيوانية فرصاً لزيادة الإنتاج الإجمالي والتنوع والاستدامة الاقتصادية للقطاعين معاً.
وتوفر الثروات السمكية في البلدان العربية إمكانيات كبيرة، ليس لتلبية الطلب المحلي فحسب بل كذلك للتصدير. وقد بلغت صادرات الأسماك 912,460 طناً بقيمة نحو ثلاثة بلايين دولار عام 2013. لكن يمكن زيادة هذه الصادرات أكثر، ويتطلب إطلاق العنان لإمكانيات قطاع الثروة السمكية معالجة المشاكل والاختناقات المختلفة التي تواجه تطويره. والأهم أن ثمة حاجة إلى الاستثمار في هذا القطاع، إلى جانب أمور أخرى تشمل تطبيق قوانين وتشريعات على الصيد وعلى نشاطات تربية الأسماك، وذلك لضمان استدامة القطاع ومساهمته في رفاهية البلاد. وتُعتبَر الحوكمة المشتركة لمخزونات الثروة السمكية في البلدان العربية حاسمة أيضاً، فالحدود العابرة للبحار تتأثر بسلامة تجمعات مائية كاملة.
ولا تقل الأسماك كمصدر للبروتين الغذائي أهمية عن اللحوم. ويجب التشجيع على استهلاك الأسماك للحد من الاستهلاك المفرط للحوم لأسباب اقتصادية وصحية، وكذلك التفكير في تأثير إنتاج الثروة الحيوانية على الموارد المائية النادرة والبيئة. وثمة حاجة عموماً إلى حملة توعية لتشجيع المستهلكين على تكييف عاداتهم على صعيد استهلاك الغذاء باتجاه أنماط صحية أكثر، تؤمّن في الوقت عينه استدامة الموارد الزراعية.
خيارات أخرى: رغم التحفظات على مفهوم المياه الافتراضية كإحدى الأدوات المعتمدة في السياسات لمعالجة التحديات المتعلقة برابطة المياه – الغذاء، فهو يبقى مفيداً في سياق الوضع المائي المحدد لبلد ما، والدور الإجمالي الذي تؤديه الزراعة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ويمكن لمفهوم المياه الافتراضية أن يكون أداة مهمة للتعاون في الأمن الغذائي بين المناطق وفق قربها الجغرافي والميزة النسبية في الموارد الزراعية. وهذا قد يعني مثلاً توسيع التعاون بين البلدان العربية والأفريقية، حيث يمكن تعويض محدودية الأراضي وندرة المياه في البلدان العربية بالاستفادة من الميزات النسبية للبلدان الأفريقية على صعيد الموارد الطبيعية والزراعية.
توصيات
تحتاج البلدان العربية في مسعاها إلى تحقيق الأمن الغذائي، عن طريق تشجيع الإنتاج المحلي للغذاء، إلى تبني سياسات والعمل على تنفيذها من دون تأخير. ومن التوصيات التي يطرحها هذا التقرير للنقاش:
أ. تمتين التعاون الإقليمي بين البلدان العربية، استناداً إلى الميزات النسبية في الموارد الزراعية ورأس المال القابل للاستثمار، بالترافق مع التنسيق والمواءمة بين الاستراتيجيات والبرامج الزراعية.
ب. القيام بالإجراءات الضرورية لعكس الوضع المتدهور للموارد الزراعية والحفاظ على تنوعها الحيوي، بهدف إعادة توليد خدماتها ومساهمتهما في الأمن الغذائي.
ج. النظر في تطبيق الخيارات المتوافرة لتعزيز الأمن الغذائي وتحسين مستويات الاكتفاء الذاتي، بما في ذلك، على سبيل المثال لا الحصر، تعزيز إنتاجية المحاصيل والمياه، وزيادة كفاءة استخدام المياه، وتقليص خسائر ما بعد الحصاد وخسائر أخرى، وتعزيز استخدام مياه الصرف المعالَجة في الري.
د. تخصيص استثمارات إضافية للبحث العلمي الزراعي وبرامج التطوير، عن طريق دعمها بموارد مالية مناسبة، إلى جانب تنمية القدرة البشرية والمؤسسية الموجهة إلى البحث عن مدخلات أكثر إنتاجية وأكثر حماية للبيئة، بهدف تعزيز إنتاجية الزراعة المطرية والمروية.
هـ. تخصيص الاستثمارات المطلوبة لتطوير قطاعي الثروتين الحيوانية والسمكية في شكل مستدام، مع توجه إلى زيادة الإنتاج لتلبية الطلب المحلي وتعزيز إمكانيات التصدير.
و. إطلاق حملة توعية لتغيير أنماط الاستهلاك، خصوصاً بالاعتماد على سلع ذات قيمة غذائية مماثلة لكنها ذات استخدام أقل كثافة للمياه.
ز. تبني مقاربة متكاملة للأمن الغذائي، تشمل عناصر سلسلة القيمة الغذائية كلها، وتتضمن الحصاد والنقل والتخزين والتسويق، لجعل الغذاء متوافراً وسهل المنال وقابلاً للاستخدام بنوعية جيدة وفي الوقت والمكان المناسبين.
ح. تطوير استجابات تواكب تهديد تغير المناخ للأمن الغذائي في المنطقة، من خلال استراتيجيات تكيُّف تستند إلى نماذج ذات صلة وموثوقة للتنبؤ المناخي، مع تبني ممارسات زراعية وإدارة مائية محسَّنة، والزراعة الحمائية، وتنويع المحاصيل، واختيار المحاصيل والأصناف الأكثر ملاءمة للظروف المتوقعة، من بين تدابير أخرى للتكيُّف مع تغير المناخ والتخفيف من تداعياته.