الاتحاد الدولي لمكافحة سوسة النخيل الحمراء مقاربة مؤسساتية لحماية الأمن الغذائي والواحات

محمد التفراوتي22 أبريل 2025Last Update :
الاتحاد الدولي لمكافحة سوسة النخيل الحمراء مقاربة مؤسساتية لحماية الأمن الغذائي والواحات

الدكتور عبد الوهاب البوخرى زائد: يتطلب دبلوماسية زراعية واقتصادية لتوحيد الرؤية

آفاق بيئية: محمد التفراوتي 

في إطار الجهود المبذولة لمكافحة التحديات البيئية والزراعية في المنطقة، جاء إطلاق الاتحاد الدولي لمكافحة سوسة النخيل الحمراء (C4RPWC) بقيادة دولة الإمارات العربية المتحدة كخطوة استراتيجية مبتكرة، تهدف إلى توحيد الجهود العالمية في مواجهة تهديد سوسة النخيل الحمراء، التي باتت تشكل تهديدا خطيراً للأمن الغذائي والبيئة في مناطق إنتاج النخيل.

ومن خلال تبني مقاربة علمية وتقنية، يطمح الاتحاد إلى تطوير حلول مستدامة تعتمد على الابتكار، التكنولوجيا، والتعاون بين الدول والجهات الفاعلة، لتعزيز القدرة على مكافحة هذه الآفة وحماية الواحات المنتجة للتمور.

ولإبراز آفاق وأهمية تأسيس هذا الاتحاد، وإلقاء الضوء على رؤيته وأهدافه المستقبلية، نجري هذا الحوار مع أمين عام جائزة خليفة الدولية ونخيل التمر والابتكار الزراعي الدكتور عبد الوهاب البوخرى زائد، الذي سيطلعنا على رؤيته حول هذا الاتحاد وآفاقه في التصدي لسوسة النخيل الحمراء.

حوار محمد التفراوتي مع الخبير الدولي(المغربي)، عبد الوهاب البوخرى زائد، أمين عام جائزة خليفة الدولية ونخيل التمر والابتكار الزراعي: 

سؤال (01): في البداية، كيف ترى أهمية تأسيس الاتحاد الدولي لمكافحة سوسة النخيل الحمراء؟

الدكتور عبد الوهاب البوخرى زائد:

لقد أعلن معالي الشيخ نهيان مبارك آل نهيان، وزير التسامح والتعايش، رئيس مجلس أمناء جائزة خليفة الدولية لنخيل التمر والابتكار الزراعي عن إطلاق الاتحاد الدولي لمكافحة سوسة النخيل الحمراء، في الكلمة التي ألقاها خلال حفل تكريم الفائزين بالجائزة 16 ابريل 2025، ويعتبر هذا الاتحاد الذي تم إنشاؤه في إطار شراكة بين مكتب الشؤون الدولية بديوان الرئاسة بدولة الإمارات العربية المتحدة، ومؤسسة “جيتس” الدولية، بالتعاون مع المركز الدولي للبحوث الزراعية في المناطق الجافة (إيكاردا) والأمانة العامة للجائزة، وعدد من المؤسسات الوطنية والمنظمات الإقليمية والدولية. حيث يأتي إطلاق هذا الإتحاد عقب الإعلان عن شراكة جديدة بين دولة الإمارات العربية المتحدة ومؤسسة “غيتس” خلال مؤتمر الأطراف COP28، مع التزام لدعم الابتكار والتنمية الزراعية في الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط. وقد وصف معاليه الإتحاد بأنه “شراكة طموحة مدفوعة بمهمة علمية توحد الحكومات والخبراء العالميين والمؤسسات البحثية الرائدة لمواجهة تحد عالمي متنام.”

يعد تأسيس الاتحاد الدولي لمكافحة سوسة النخيل الحمراء خطوة استراتيجية غير مسبوقة في مجال وقاية النخيل، ويأتي استجابة حيوية لواحدة من أخطر الآفات الزراعية التي تهدد اقتصاد الواحات وإنتاج التمور على مستوى العالم. نحن لا نتحدث فقط عن تهديد مباشر للثروة الزراعية، بل عن تهديد يتعدى حدود الزراعة ليصل إلى الأمن الغذائي، والاستقرار البيئي، والمعيشة المستدامة لآلاف المزارعين والأسر التي تعتمد على النخيل كمصدر دخل أساسي.

الآفة التي بدأ ظهورها في ثمانينات القرن الماضي انتشرت بشكل وبائي في أكثر من 60 دولة حتى اليوم، ولم تكن الجهود الوطنية وحدها قادرة على احتواء هذا التهديد. من هنا تنبع أهمية الاتحاد، كمنصة دولية لتنسيق السياسات، وتسريع الاستجابة، وتبادل أفضل الممارسات والتقنيات الحديثة. الاتحاد ليس فقط فكرة بل هو استثمار استراتيجي في مستقبل الزراعة المستدامة والبيئة الصحراوية.

سؤال (02): ما الذي يجعل هذا الاتحاد مختلفا عن المبادرات السابقة؟

الدكتور عبد الوهاب البوخرى زائد:

التميز الحقيقي لهذا الاتحاد يكمن في ثلاث ركائز أساسية وهي المأسسة والاستدامة ذلك أن المبادرات السابقة كانت في معظمها مؤقتة أو محدودة بإطار مشاريع ممولة ذات أفق زمني قصير (لا يتعدى خمس سنوات). أما هذا الاتحاد، فهو كيان دولي دائم، قائم على هيكل إداري واضح، وخطط استراتيجية متعددة السنوات، مما يمنحه قدرة أكبر على التأثير والاستمرارية.

كذلك يتغيى الاتحاد التكامل العلمي والتقني من خلال اعتماد نهج علمي دقيق ، يشرك الباحثين والمراكز العلمية والجامعات، ويوظف التكنولوجيا المتقدمة في مجال التحسس عن بعد، الذكاء الاصطناعي، الرقمنة، والبيانات الضخمة، لبناء أنظمة إنذار مبكر ومراقبة فعالة للآفة. ويتطلع الاتحاد إلى التعاون الدولي متعدد الأطراف يشمل في عضويته حكومات، منظمات دولية، هيئات بحثية، ومجتمع مدني، بما يخلق منظومة تكاملية قادرة على مواجهة الآفة من مختلف الزوايا السياسية، والبحثية، والميدانية.

سؤال (03): كيف يمكن أن يساهم الاتحاد في تعزيز الأمن الغذائي في المنطقة؟

الدكتور عبد الوهاب البوخرى زائد:

التمور ليست فقط سلعة زراعية، بل هي عنصر غذائي رئيسي في سلة الأمن الغذائي العربي والإسلامي. نخيل التمر يمثل عصب الحياة الزراعية في الواحات الصحراوية، حيث لا تنمو الكثير من المحاصيل الأخرى، وله قيمة اقتصادية واجتماعية وثقافية لا يمكن تعويضها بسهولة. الاتحاد سيعمل على حماية ملايين الأشجار المنتجة للتمور من الهلاك. و تقليص الفاقد الزراعي الناتج عن الإصابة بالآفة، مما يعني رفع كفاءة الإنتاجية. وكذا خفض التكاليف الباهظة التي تتحملها الحكومات والمزارعون في برامج المكافحة غير المتكاملة. ثم تعزيز الأمن الغذائي الوطني من خلال ضمان استمرارية الإنتاج، وتوفير التمور محليا وتصديريا. وبذلك، نحن نتحدث عن منظومة حماية متكاملة تبدأ من النخلة، ولا تنتهي إلا بتحقيق السيادة الغذائية في المناطق الصحراوية وشبه الصحراوية.

سؤال (04): هل ترى أن هناك تحديات قد تواجه الاتحاد في المرحلة المقبلة؟

الدكتور عبد الوهاب البوخرى زائد:

بلا أدنى شك، التحديات قائمة، وهي جزء من طبيعة العمل الدولي المشترك. من أبرز هذه التحديات اختلاف أولويات الدول،  فبعض الدول ترى في مكافحة سوسة النخيل أولوية، فيما قد تضعها دول أخرى في مرتبة متأخرة مقارنة بقضايا أخرى. هذا يتطلب دبلوماسية زراعية واقتصادية لتوحيد الرؤية. وكذا نقص التمويل، حيث تتطلب الاستجابة الفاعلة للآفة موارد مالية كبيرة على مستوى البحث، التدريب، التقنية، والمكافحة، لذا من الضروري تطوير نماذج تمويل مبتكرة، تشمل الشراكات مع القطاع الخاص والمؤسسات المانحة. هذا فضلا عن  الفجوة المعرفية والتقنية، بأن هناك تفاوت واضح في الإمكانيات التقنية والمعرفية بين الدول، مما يتطلب برامج لبناء القدرات وتعزيز تبادل المعرفة. هذا ويبرز التغير المناخي كعامل إضافي يزيد من صعوبة المكافحة، حيث يؤثر في دورة حياة الحشرة ومناطق انتشارها. وعليه  فالاتحاد يسعى أيضا لتقليص هذا التشتت، وتعزيز التنسيق على المستويين الوطني والدولي.

سؤال (05): ما الخطوط العريضة المقترحة لهذا المشروع؟

الدكتور عبد الوهاب البوخرى زائد:

أود أن أقدم خمس توصيات رئيسية:

1. بناء قاعدة بيانات دولية موحدة لرصد انتشار الآفة، وتوثيق جهود المكافحة، بما يسهل صنع القرار ويوجه التدخلات حسب الحاجة.

2. إطلاق برامج تدريب وشهادات مهنية دولية لفنيي ومهندسي وقاية النخيل، تضمن توحيد المعايير والمعرفة بين الدول.

3. تحفيز البحث العلمي التطبيقي والموجه عبر منح تنافسية ومشاريع مشتركة مع الجامعات والمراكز البحثية.

4. تشجيع القطاع الخاص الزراعي للدخول في شراكات ابتكارية لتطوير حلول رقمية وأدوات مكافحة ذكية منخفضة التكلفة.

5. العمل على التوعية المجتمعية والإعلامية لدعم تبني المزارعين للأساليب العلمية الحديثة، ودمجهم كشركاء أساسيين في منظومة المكافحة.

إن نجاح هذا المشروع مرهون بقدرته على التحول إلى منصة مفتوحة، ديناميكية، وقادرة على التكيف مع المستجدات.

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

Breaking News
error: Content is protected !!