آفاق بيئية : د. أحمد زكى أبو كنيز
فى الخامس من يوليو ارسلت حكومة الاحباش خطابين رسميين الى كلاً من مصر و السودان يفيد بالبدء في عملية الملىء الثاني لخزان سد النهضة فى تحد صارخ لكلا البلدين و من ورائهما قواعد القانون الدولى. وطبيعى ان يكون رد الفعل المصرى السودانى توجيه خطابين رسميين للحبشة لإخطارها بالرفض القاطع لهذا الاجراء الأحادي الجانب الذي يعد خرقاً صريحاً وخطيراً لإتفاق إعلان المبادئ الموقع فى مارس 2015، هذا الاجراء الحبشى احادى الجانب يعد انتهاكاً للقوانين والأعراف الدولية التي تحكم المشروعات المقامة على الاحواض المشتركة للأنهار الدولية، بما فيها النيل الازرق الذي تنظم استغلال موارده اتفاقيات ومواثيق كانت أولاها منذ اكثر من ثلاثة عشر عقداً من الزمان تلزم الحبشه باحترام حقوق مصر و السودان ومصالحهما المائية وتمنع الاضرار بها. و بهذا التصرف الاحادى الجانب تؤكد الحبشة انها متجاهلة للحقوق التاريخية الثابته لكلا البلدين فى مياه النيل الازرق.
عندما وقعت مصر والسودان على اتفاق المبادئ لم يكن لديهما أي مشكلة في أن تقوم إثيوبيا بتوليد الكهرباء شريطة أن يكون هناك إطار قانوني ملزم لعمليات الملىء لبحيرة السد المشئوم وتشغيله وإدارته، وبدأت أديس أبابا في تنفيذ الشق الأول من الاتفاق وهو البناء وتنكرت لباقي البنود , فقد استفادت من توقيع مصر و السودان , حيث يثبت هذا التوقيع موافقة مصر و السودان على بناء السد وعدم وقوع اى اضرار لهما جراء بناءه وتشغيله , وبالتالى الغى الفيتو الدولى على تمويل السد بمجرد توقيع الدول المتشاركة معها , فحصلت على الاموال اللازمة للبناء وهذا ما تحتاج اليه اثيوبيا, وبمجرد حصولها على الاموال , لم تلتزم ببقية البنود وكانها قد اخرجت لسانها للبلدين. بل وانها تخطت كل الأعرف الإقليمية والدولية بشأن سد النهضة. و يذكر بناء هذا السد بدأ فى 2008 و تعثر كثيراً خلال سبع سنوات بسبب عدم توافر التمويل اللازم حتى تم التوقيع بنية حسنة من مصر و السودان فى 2015. بعدها ظهر الاحباش على حقيقتهم فى المراوغة و المساومة و العناد و التصرفات احادية الجانب بل وصل التطاول الى تهديد مصر عسكريا.
الوضع المائى لمصر
طبقاً لتصريحات وزير الرى فأن مصر تحتاج الى 114 مليار متر مكعب سنويا، ومتاح لديها 60 مليار متر مكعب ، وتعيد استخدام 20 مليار متر مكعب” و يفهم من هذه التصريحات ان مصر تعانى عجزاً مائياً قدره 34 مليار مترمكعب فى الحالة العادية و لكن بعد الملىء الثانى للسد فان المتوقع هو اتساع هذا العجز وربما يتخطى حاجز الاربعين مليار متر مكعب ,علما بان إثيوبيا لا تعترف بحصتي مصر والسودان في المياه في ظل اعتراف فعلي لدراسات إثيوبية معلنه بتأثر مصر والسودان من بناء السد.
ماذا يريد الاحباش
علينا ان ندرك أننا في حالة صراع مصيرى فرض علينا مع إثيوبيا,و هناك أجندة حبشية خفية تظهر للعلن بالتدريج، وهي أنها لا تريد التنمية ولا الكهرباء فحسب، وإنما تريد السيطرة على النيل الازرق و تحويله من نهر دولى الى بحيرة اثيوبية ويراجع فى هذا تصريح وزير الخارجيه الاثيوبى ابان الملىء الاول لبحيرة السد المشئوم العام الماضى, و يحلم الاحباش بتدشين امبراطورية مائية على شاكلة امبراطوريات النفط ، وتريد في نهاية المطاف حصار مصر و السودان والتضييق عليهما ووضع فواصل وعوائق بينهما، لانها تضمر على أطماع في أراض سوداتية و ما الاشتباكات التى حررت بها السودان اجزاء كبيرة من اراضى الفشقه السودانية المحتلة اثيوبياً من عشرات السنين ببعيدة عن المشهد بل و ربما يسبح الاحباش فى خيالاتهم المريضة بالعمل على استعادة اريتيريا لكي يكون لها منفذ على البحر. و الذى وصلت ايه فعلياً و بشكل غير مباشر بمساعدة احدى دويلات المنطقة.
و هنا علينا ان نفكر و نتسآئل عم من وراء اثيوبيا, بالتأكيد ورائها العديد من الدول سواء قوى اقليمية او دولية , و منها تلك التى تبتغى الاستثمار فى السد أو تلك التى تتربص بنا الدوائر.
و بالمصادفة تم الاعلان اليوم على اتفاقية تم توقيعها بين الاردن و الكيان الصهيونى المغتصب لاراضى فلسطين و الذى سرق مياه نهر الاردن, يتم بموجب هذه الاتفاقية شراء الاردن لحوالى خمسين مليون متر مكعب مياه من الكيان الصهيونى. اذن اصبحت هناك سابقة دولية لبيع وشراء المياه.
سوابق عالمية و اقليمية
اننا لن ننسى ان اثيوبيا فعلت نفسر الشىء مع كينيا عند بناؤها عدة سدود على نهر أومو المشترك بينهما ورغم التعهدات و التطمينات الاثيوبية لكينية كما تفعل معنا الان ،الا ان الامر تمخض فى النهاية على قطع المياه عن شمال كينيا والإضرار ببحيرة توركانا وتشريد 200 ألف كيني في الشمال، والتسبب في أضرار بالغه للنظام البيئى لنهر اومو سواء في كينيا أو إثيوبيا.
.كما كررت نفس الفعلة تركيا مع العراق و سوريا عند بناؤها لسد اتاتورك الذى تسبب فى نقص بالغ لحصتى البلدين وهنا أضيف, أنه وببجاحة منقطعة النظير صرح رئيس وزراء تركيا سليمان ديميريل عن افتتاحه سد اتاتورك فى بداية التسعينات قائلاً إن «ما يعود لتركيا من مجاري مياه الفرات ودجلة وروافدها هو تركي… نحن لا نقول لسوريا والعراق إننا نشاركهما مواردهما النفطية… ولا يحق لهما القول إنهما يشاركاننا مواردنا المائية… فهل ننتظر و نسمح لآبى احمد بذات البجاحة.
رسائل مصر
لكن رسائل كثيرة انطلقت فى الاونة الاخيرة, لم يقرئها قادة الاحباش كما لم يقرؤا واقع فارق القوة الهائل بين بنهم و بين مصر و السودان, لم يدركوا من خلال المناورات المصرية السودانية خلال الاشهر الفائتة ان السد على مرمى حجر من من موقع تدريبات الجيشين العربيين الشقيقين, لم يقرأ الرسائل الصامته التى بعثت بها مصر من خلال تدريبات و مناورات مع قوى محلية و عالمية , و افتتاح قواعد عسكرية وتصريحات القادة العسكرين المصرين و احدها ان مصر تستطيع ان تنهى امر السد خلال 60 دقيقة….الخ.
و فى المقابل تعانى اثيوبيا حروباً اهلية و انهيار عسكرى واضح للجيش الاثيوبى الفدرالى امام قوات التجراى و الفضيحة المدوية بالهزيمة المذلة للجيش الاثيوبى و اثر اكثر من 8000 جندى اثويبى مرة واحدة لدرجة اضطهرتهم للاعلان عن وقف القتال من جانب واحد, و الذى اراه يتساوى مع الاستسلام .
و الآن مصر و السودان لجئتا الى الخطوة الاخيرة وهى الذهاب الى مجلس الامن الدولى الذى سيلئم اللية فى التاسعة مساءً بتوقيت القاهرة, شخصيا لا اتوقع منه حسم الامر ولن يعطى مصر و السودان حقهما فى مياه النيل و لن يلزم الاحباش بشىء.
عندها , وعندها فقط سيرى الاحباش من مصر و السودان وجهاً آخر سيكون الحسم بمعنى الحسم و الوسائل و السبل كثيرة ومعروفه و ميسرة لمصر و السودان و عندها لن يكن لأحد الحق فى توجيه اللوم لبلادى ولا لجيش بلادى , لن تترك مصر و السودان حقوقهما التاريخية نهباً للاحباش و من وراؤهم, سننفذ وصية الفرعون المدونة على جدار مقياس النيل بمعبد ادفو, ستتحقق الرسائل الصامته التى لم يدركوها او تجاهلوها, لن نقبل ان نشترى حصتنا فى مياه النيل الازرق من الاحباش بالمال, ايها الاحباش أن غداً لناظره قريب.