آفاق بيئية : ديفيد مالباس*
لقد تفشَّي فيروس كورونا سريع التطور حتى وصل الآن إلى أكثر من 60 بلدا، وهو ما يتطلب إجراءات عاجلة لمساعدتها على منع انتقال العدوى والحد من الخسائر في الأرواح . وستكون الاستجابة أكثر فعاليةً لو أن الحكومات والقطاع الخاص اتخذوا إجراءات مُنسَّقة وسريعة.
لقد تعلَّمنا من خبراتنا في أزمات الإيبولا وسارز وزيكا أنه بالتدابير الصحيحة التي تُتخذ على وجه السرعة تستطيع البلدان وقف انتشار أمراض مثل هذا المرض وحماية الأرواح. ونعلم أيضا أن البلدان الأفقر التي تعاني ضعف أنظمتها الصحية هي في الغالب الأكثر تضررا من مثل هذه الأوبئة التي تؤثر بشكل غير متناسب على أكثر فئات السكان ضعفا وقابلية للتأثر، وهي الأقل استعدادا للحد من انتشار مسببات الأمراض.
إن أهدافنا المشتركة واضحة جلية. إذ يجب أن نحد من انتقال المرض بين البشر، ونقوم بتحديد المرضى في مرحلة مبكرة وعزلهم ورعايتهم، وتقليل انتقال العدوى في المجتمعات المحلية، وتقديم الدعم لإشراك المجتمعات المحلية وتقليص الآثار الاجتماعية والاقتصادية إلى أدنى حد.
وفي هذا الجهد، تواجه البلدان مستويات مختلفة من الخطر وقابلية التأثر في مواجهة هذا الفيروس، وسوف تحتاج إلى أشكال مختلفة من المساعدة، ومستويات مختلفة من الدعم المالي، ومن ثمَّ ستكون للمرونة وسرعة الاستجابة أهمية بالغة.
ويتحرك البنك الدولي ومؤسسة التمويل الدولية الآن بسرعة لمساعدة البلدان على تقوية الأنظمة الصحية المحلية والرعاية الصحية الأولية لحماية شعوبها من هذا الوباء ، والتأكُّد من تمكينهم من الحصول على معلومات مراقبة الأمراض والاستفادة من تدخلات الصحة العامة. وأعلنا هذا الأسبوع عن حزمة تمويل أولية تصل قيمتها إلى 12 مليار دولار للبلدان التي تحتاج إلى تمويل لمواجهة هذه الأزمة كي تتمكن من تلبية احتياجاتها الفورية الناجمة عن تفشي فيروس كورونا. ويتضمن أحد المكونات الرئيسية لهذه الحزمة تقديم تمويل تجاري لتيسير واردات القطاع الخاص.
لكن معالجة الاثار الصحية والاقتصادية الطارئة الناجمة عن هذا التفشِّي يجب أن تعقبها استثمارات أطول أجلا لبناء أنظمة صحية أقوى وأكثر صمودا في وجه الصدمات.
وهذا أمر منطقي من منظور الصحة والاقتصاد على السواء. فإنفاق مزيد من الموارد في خطوط الدفاع الأولى لاكتشاف حالات الإصابة ومعالجتها في مرحلة مبكرة قبل أن تستفحل ينقذ الأرواح ويؤدي إلى تحسين النواتج الصحية وتقليص تكاليف الرعاية الصحية وتقوية التأهُّب والاستعداد للمواجهة حينما يتفشى أحد الأمراض.
وفي ضوء قلة الموارد وضعف القدرات الحكومية، لا يمتلك الكثير من البلدان الأشد فقرا البنية التحتية الصحية أو الموارد الكافية للتأهب للمواجهة عند تفشي المرض. ولكن سرعة رصد تفشِّي المرض والاستجابة الطارئة السريعة قد تساعد على الحد من الأمراض والوفيات التي يمكن تفاديها، وتقليل الآثار الاقتصادية والاجتماعية والأمنية.
ويجب أن تعمل كل الحكومات لتعزيز الأمن الصحي لبلدانها. وأكثر الطرق فعالية لتحقيق هذا الهدف هو توفير أنظمة قوية للرعاية الصحية الأولية. ولا تبدو الأعذار الشائعة عن الأولويات المتعارضة، والنواتج غير المنظورة، ونقص التمويل المخصص للمنافع العامة الآن منطقية على الإطلاق.
إن تكاليف تطوير تدابير الوقاية من المخاطر على الأمن الصحي ليست سوى جزء ضئيل من التكاليف الناجمة عن الأوبئة. وتظهر التقديرات الأخيرة أن معظم البلدان ستحتاج في المتوسط إلى إنفاق 1.69 دولار لكل فرد سنويا لتحقيق مستوى مقبول من التأهب لمواجهة الأوبئة. وبالنسبة لمعظم البلدان، فإن ذلك أقل من 2% مما تنفقه على الرعاية الصحية.
وأثناء تفشي وباء سارز وميرز، شهدنا كيف أن ضعف أنظمة الرعاية الصحية وإدارة المستشفيات أدَّى إلى ارتفاع معدلات الاعتلال والوفيات. ولوقف انتشار فيروس كورونا في المستشفيات، ستحتاج البلدان إلى توفير منشآت للحجر الصحي، والفرز، والوقاية من العدوى، ومكافحتها. ويتضح من عدد الإصابة بالعدوى بين مقدمي الخدمات الطبية في المنشآت الصحية أننا نحتاج أيضا إلى بناء قدرات العاملين في مجال الرعاية الصحية والتأكُّد من توفر المعدات الواقية على المستوى المحلي.
وإذا استمر المسار الحالي لانتشار الفيروس، فإن الآثار من الدرجة الثانية سرعان ما تتحول إلى أزمة اقتصادية تهوي بالعالم في خضم كسادٍ ستكون له تأثيرات شديدة على أكثر البلدان والسكان فقرا. وتعمل مجموعة البنك الدولي مع صندوق النقد الدولي وغيره من المؤسسات في هذا الصدد. ونحن على استعداد لاستخدام كل الأدوات المتاحة لنا إلى أقصى حد ممكن. ولدينا تسهيلات للتمويل السريع يُمكِن -مجتمعة – أن تساعد البلدان على تلبية مجموعة واسعة من الاحتياجات، بما في ذلك مساندة أشد السكان فقرا أثناء الاضطرابات الاقتصادية.
ويمكن احتواء تفشي هذا الوباء، وقد تساعد الإجراءات التي تتخذها الآن البلدان والمجتمع الدولي على إنقاذ الأرواح. وسيكون نطاق هذه الاستجابة حاسما في تحديد فعاليتها ونجاحها. ويجب على البلدان أيضا تقوية أنظمتها لمراقبة الأوضاع الصحية والصحة الأولية، لأنها ذات أهمية بالغة في إيقاف انتشار هذا المرض وأي أمراض أخرى في المستقبل.