الخبراء يحذرون؛ يجب “فك الارتباط” بين معدل استهلاك الموارد وبين معدّل النمو
نيويورك، نيروبي : يحذر تقرير جديد صدر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة من أن الإنسانية قد تلتهم ما يقدر بنحو 140 مليار طن من المعادن والخامات والوقود الأحفوري والكتلة الحيوية سنويًا، بحلول عام 2050 – أي ثلاثة أضعاف ما تلتهمه الآن – ما لم “يُفك الارتباط” بين معدل النمو الاقتصادي ومعدل استهلاك الموارد الطبيعية.
يستهلك مواطنو الدول المتقدمة في المتوسط 16 طن من تلك الموارد الرئيسية الأربعة لكل فرد (وقد يصل الاستهلاك إلى 40 طن أو أكثر). وبالمقارنة، يستهلك الفرد العادي في الهند اليوم حوالي أربعة أطنانٍ كل عام.
ويُحذر تقرير فريق الموارد الدولي التابع لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة من أنه مع نمو التعداد وزيادة الرخاء، خاصة في الدول المتقدمة، فإن إمكانية ارتفاع مستويات استهلاك الموارد في المستقبل تُعد “أعلى بكثير مما يمكن أن يكون مستدامًا” هذا إذا أمكن تحقيقها أصلاً نظراً لأن الموارد العالمية المحدودة.
إنّ العالم يستنفد بالفعل المصادر رخيصة الثمن وعالية الجودة لبعض المواد الأساسية، مثل البترول والنحاس والذهب، التي يتطلب إنتاجها بدوره كميات متزايدة على الدوام من الوقود الأحفوري والمياه العذبة.
ويقول الفريق إن تحقيق معدل إنتاجية للموارد (“تحقيق المزيد بتكلفة أقل”) يفوق معدل النمو الاقتصادي هو المقصود بـ “فك الارتباط”. ولكن الهدف يتطلب بصورة مـُلِحّة إعادة التفكير في العلاقات بين استخدام الموارد والرفاهية الاقتصادية، مدعومًا باستثمارات ضخمة في الابتكارات التقنية والمالية والاجتماعية لتجميد نصيب الفرد من الاستهلاك في الدول الغنية، ومساعدة الدول النامية على اتباع مسار أكثر استدامة.
ويشير الخبراء إلى أن الميل إلى التوسع الحضري قد يساعد أيضًا، حيث تتيح المدن وفورات الحجم الكبير كما تتيح زيادة فاعلية تقديم الخدمات. ويقولون إن الأماكن المكتظة بالسكان تستهلك موارد أقل للفرد من تلك ذات الكثافة الضئيلة، ويعزى ذلك للوفر في مجالات مثل توصيل المياه والإسكان وإدارة المخلفات والتدوير واستخدام الطاقة والنقل.
ويقول آشيم ستينر الأمين العام المساعد للأمم المتحدة والمدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة “إن فك الارتباط أمرٌ منطقي من جميع وجهات النظر الاقتصادية والاجتماعية والبيئية”.
ويضيف، “يؤمن الناس أن ‘المساوئ‘ البيئية هي الثمن الذي لابد أن ندفعه مقابل ‘المحاسن‘ الاقتصادية، ولكننا لا نستطيع، بل لا نحتاج إلى الاستمرار في التصرف كما لو كانت هذه المقايضة أمراً حتمياً. إن فك الارتباط جزء من التحول إلى اقتصاد أخضر منخفض الكربون وأكثر كفاءة في استخدام الموارد المطلوب لتحفيز النمو، وتوليد أنواع جيدة من التوظيف والقضاء على الفقر بطريقة تبقي على البصمة الكربونية للإنسان داخل حدود كوكبنا”.
“يمثل اجتماع ريو+20 الذي يعقد العام القادم فرصة للإسراع بنمو هذه ‘البراعم الخضراء‘ للاقتصاد الأخضر التي تنبت في مختلف الدول النامية والمتقدمة، والإكثار منها”.
وقد عـُرِضَ التقرير الصادر عن فريق الموارد الدولي التابع لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، وهو الرابع في سلسلة من التقارير المماثلة، أثناء الاجتماع السنوي للجنة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، حيث يمثل الاستهلاك والإنتاج المستدامان موضوعين جوهريين. وهو يسبق بعام كاملٍ اجتماع مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2012 (أو ما يُعرف بـ ‘ريو+20‘ الذي سيعقد في ريو دي جانيرو في الفترة من 4-6 يونيو/حزيران 2012) بمحوريه الأساسيين وهما الاقتصاد الأخضر في سياق التنمية المستدامة والقضاء على الفقر، والاتفاق على إطار دولي للتنمية المستدامة.
وفي حين لا يعرض التقرير سياسية وخيارات تقنية مفصّلة – وهو الأمر الذي ستشمله التقارير التالية – فإنه يقول أن التقنيات التي ساعدت الإنسانية في استخلاص الموارد الطبيعية على نحو متنام لابد أن يعاد توجيهها لطرق أكثر كفاءة في استخدام تلك الموارد.
تراوح المتوسط العالمي لاستهلاك الموارد في عام 2000 ما بين 8 إلى 10 أطنان للفرد، أي حوالي ضعف معدله عام 1900. وفي عام 2000، بلغ المعدل المتوسط للدول الصناعية (التي يمثل سكانها خمس تعداد العالم) ضعف المتوسط العالمي تقريبًا، وأربعة أضعاف إلى خمسة أضعاف متوسط أفقر الدول النامية.
وتحتسب المتوسطات العالمية (والقومية) لاستهلاك الفرد بقسمة إجمالي ما يستخرجه العالم (والدولة) من المعادن، والخامات والوقود الأحفوري والكتلة الحيوية على عدد سكان العالم (والدولة).
ولكن كاتبيّ التقرير يشيران إلى أن التجارة العالمية التي تتوسع بسرعة، تحجب مسئولية استهلاك الموارد وما يتعلق بها من تأثيرات بيئية.
وقد ساهمت إجراءات الحد من التلوث وغيرها، على مدار القرن الماضي، في الحد من الأثر البيئي للنمو الاقتصادي. وبفضل الابتكارات في مجالات التصنيع وتصميم المنتجات واستخدام الطاقة – والتي ساعد عليها تزايد عدد السكان الذين يعيشون أنماط حياة أكثر كفاءة في المدن – فقد نما الاقتصاد العالمي بمعدلٍ أسرع من زيادة استهلاك الموارد.
لكن هذا التحسن كان نسبيًا فقط. حيث زاد استهلاك الموارد – مع زيادة السكان، واستمرار معدلات الاستهلاك المرتفعة في الدول الصناعية والطلب المتزايد على السلع المادية، خاصة في الصين، والهند والبرازيل وغيرها من الاقتصادات سريعة النمو – بالمقاييس المطلقة ثمان أضعاف، من 65 مليار طن عام 1900 إلى 49 مليار طن عام 2000. وتقدر قيمته اليوم بنحو 59 مليار طن.
إن فك الارتباط يحدث بالفعل ولكن “بمعدل لا يكفي لمواكبة احتياجات مجتمع منصف ومستدام،” طبقًا لما يقوله التقرير. فقد انخفضت الموارد اللازمة لكل 1000 دولار أمريكي من المخرجات الاقتصادية من 2.1 طن إلى 1.6 طن في الفترة من 1980 إلى 2002.
ويستعرض التقرير تفاصيل التقدم في أربع دول تدعم فيها سياسات الحكومة فك الارتباط. وقد قدمت كلٌ من ألمانيا واليابان مثالاً على الاحتمالات الممكنة.
* وضعت ألمانيا أهدافًا لإنتاجية الطاقة والموارد – تهدف إلى مضاعفتهما بحلول عام 2020. وهناك أيضًا أهداف طموحة لعام 2020 لتلبية احتياجات التدفئة والكهرباء وغيرها من احتياجات الطاقة من مصادر متجددة، كما وضعت هدفًا لخفض نسبة انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون بمقدار 30% بحلول نفس العام.
* تلتزم اليابان بالتحول إلى “مجتمع مستدام” يركز على تخفيض الكربون والحد من استهلاك المواد وإعادة استخدامها وتدويرها والاتساق مع الطبيعة. ويجري حساب دقيق لدورة المواد. ويبين التقرير أن الإجراءات التي اتخذتها اليابان “قد تكون أكثر الأمثلة تطورًا بين الأمثلة المطبقة زيادة إنتاجية الموارد والحد من الأثر البيئي السلبي”.
*ينص دستور جنوب أفريقيا على ضرورة “استخدام الموارد الطبيعية وتحقيق التنمية على نحو مستدام بيئيًا”. وتدعو السياسات صراحةً إلى “فك الارتباط بين الموارد والأثر البيئي” وخفض انبعاث غازات الاحتباس الحراري بنسبة 30 إلى 40 في المائة بحلول عام 2050. ولكن تنامي الاعتماد على صادرات الفحم والمعادن الأخرى يعوق التقدم. وتُعد كثافة الكربون في جنوب أفريقيا الأعلى في العالم، وتبلغ كمية الانبعاث للفرد ضعف المتوسط العالمي.
* تطمح الصين لبناء “حضارة بيئية”، تضع في مقدمة أولوياتها الاهتمام بالموارد والبيئة. وقد وضعت مؤشرات لفك الارتباط وحددت أهدافًا مـُلزِمة، تتضمن خفض كثافة الطاقة بمقدار 20 في المائة كما أدارت برامجاً لتوفير الطاقة والحد من التلوث في كافة أنحاء البلاد. وتهدف خطة الإجراءات الوطنية لتغير المناخ انخفاضًا قدره 40 إلى 45 في المائة في كثافة ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2020.
وتمثل الصين على وجه الخصوص حالة اختبارية عالمية، “حيث تريد الاستمرار في نموها الاقتصادي السريع مع استخدام الموارد بأسلوب أكثر استدامة” كما يقول التقرير.
“إن الإجراءات التي تطبقها الصين للمواءمة بين تلك الأهداف سوف تكون هامة للغاية بالنسبة لجميع الدول النامية التي لها نفس النوايا السياسية.”
ويؤكد التقرير على إمكانية الحد من معدل استهلاك الموارد والأثر البيئي من الناحية النظرية، إذا استخدمنا تعريفاً لتحسن الاقتصاد القومي لا يقوم على أساس النمو المادي.
ويقول الكاتبان “لقد حان الوقت للاعتراف بحدود الموارد الطبيعية المتاحة لدعم التنمية البشرية والنمو الاقتصادي”.
وسوف يتطلب فك الارتباط “تغيرات هامة في سياسات الحكومة وسلوك المؤسسات وأنماط الاستهلاك الشعبية. … كما سيتطلب الابتكار، بما فيه الابتكار الجذري.”
يصف التقرير ثلاث سيناريوهات تستهلك بموجبها البلدان المتقدمة والنامية الموارد بإنصاف: “التقارب بحلول عام 2050”.
السيناريو رقم 1: نهج العمل المعتاد في الدول المتقدمة، وتقارب الآخرين منها
يبقى استهلاك الموارد للفرد ثابتًا في الدول الصناعية على ما كان عليه في العقود الثلاث الماضية، وتستمر بقية دول العالم في النمط القائم للحاق بهم. ويؤدي هذا المسار إلى إجمالي استهلاك سنوي يبلغ 140 مليار طن من المعادن والخامات والوقود الأحفوري والكتلة الحيوية، أو ما يعادل 16 طن للفرد من تعداد السكان الذي سيبلغ 9 مليار شخص بحلول عام 2050. ويقول التقرير: إن هذا “يمثل مستقبلاً غير مستدام على صعيد كلٍ من استخدام الموارد والانبعاث، وغالباً ما يفوق الموارد المتاحة مهما كانت أساليب قياسها وحدود القدرة على استيعاب الأثر البيئي مهما كانت أساليب تقييمه”.
السيناريو رقم 2: انكماش متواضع في الاستهلاك في الدول المتقدمة، وتقارب من جانب الآخرين
تخفض الدول الصناعية استهلاك الموارد للفرد إلى النصف فيما ترتفع الدول الأخرى إلى هذا المستوى. النتيجة: يصل إجمالي استهلاك العالم إلى 70 مليار طن في عام 2050. ويشير التقرير إلى أن “هذا السيناريو يفترض مسبقًا القيام بتغييرات هيكلية مؤثرة تؤدي إلى أنماط جديدة من الإنتاج الصناعي والاستهلاك تكون مختلفة تمامًا عن النموذج الصناعي الغربي التقليدي شديد الاستهلاك للموارد”.
يؤدي هذا السيناريو إلى استهلاك عالمي مقداره 70 مليار طن بحلول عام 2050 – وهو ما يمثل زيادة قدرها 40% تقريبًا في استخلاص الموارد مقارنة بعام 2000. وسيرتفع انبعاث ثاني أكسيد الكربون للفرد بنحو 50% ليصل إلى 1.6 مليون طن للفرد وسيزيد انبعاث ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم بأكثر من الضعف.
ولم تنخفض قيم الاستهلاك المطلقة إلا في عدد قليل من الدول يعد على أصابع اليدين – وبنسبة أقل بكثير مما يتطلبه السيناريو الثاني – وفي بعض الحالات لم تتراجع قيم الاستهلاك إلا بسبب خفض معدل استهلاك الفرد عن طريق استيراد الموارد من أماكن أخرى.
السيناريو رقم 3: تقليص شديد في الدول المتقدمة، والتقارب من جانب الآخرين
تخفض الدول الصناعية استهلاك الفرد بمقدار الثلثين وتظل الدول الأخرى عند نفس معدلاتها الحالية، مما ينتج عنه معدل استهلاك عالمي للفرد يبلغ 6 أطنان وإجمالي استهلاك عالمي يبلغ 50 مليار طن، كما كان الحال في عام 2000.
ويعترف الكاتبان بأن هذا السيناريو سيكون مـُقـَيِّدًا وغير جذاب لرجال السياسة، بحيث “لا يحتمل أن يُعد هدف استراتيجي”.
ولكن حتى مع اتخاذ مثل هذه الإجراءات الصارمة، تظل مستويات الاستهلاك العالمي في نطاق يعتبره كثير من العلماء غير مستدام. وتؤدي إلى خفض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بنحو 40% تقريبًا إلى 0.75 طن/فرد ويظل الانبعاث العالمي ثابتًا عند مستواه عام 2000.
“تتحدى هذه المستويات نهج تفكيرنا الحالي وافتراضاتنا فيما يخص التنمية” كما يقول التقرير. “إذا قامت استثمارات الدول النامية والمتقدمة اليوم بحيث تحبس الإنسانية في مسار تنموي قائم على النهج المعتاد للأعمال الذي يعتمد على الاستهلاك الكثيف للموارد، أو تحسن منه قليلاً، فسيزداد احتمال مواجهتنا لمشاكل بيئية ومشاكل عدم كفاية العرض.”
“وقد حفزّت تلك النتائج فريق الموارد الدولي على التركيز في التقارير المستقبلية على كيفية تحسين إنتاجية الموارد والتوصل إلى بدائل قابلة للتطبيق لصانعي السياسات.”
ويقول الفريق إن تحقيق معدل إنتاجية للموارد (“تحقيق المزيد بتكلفة أقل”) يفوق معدل النمو الاقتصادي هو المقصود بـ “فك الارتباط”. ولكن الهدف يتطلب بصورة مـُلِحّة إعادة التفكير في العلاقات بين استخدام الموارد والرفاهية الاقتصادية، مدعومًا باستثمارات ضخمة في الابتكارات التقنية والمالية والاجتماعية لتجميد نصيب الفرد من الاستهلاك في الدول الغنية، ومساعدة الدول النامية على اتباع مسار أكثر استدامة.
ويشير الخبراء إلى أن الميل إلى التوسع الحضري قد يساعد أيضًا، حيث تتيح المدن وفورات الحجم الكبير كما تتيح زيادة فاعلية تقديم الخدمات. ويقولون إن الأماكن المكتظة بالسكان تستهلك موارد أقل للفرد من تلك ذات الكثافة الضئيلة، ويعزى ذلك للوفر في مجالات مثل توصيل المياه والإسكان وإدارة المخلفات والتدوير واستخدام الطاقة والنقل.
ويقول آشيم ستينر الأمين العام المساعد للأمم المتحدة والمدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة “إن فك الارتباط أمرٌ منطقي من جميع وجهات النظر الاقتصادية والاجتماعية والبيئية”.
ويضيف، “يؤمن الناس أن ‘المساوئ‘ البيئية هي الثمن الذي لابد أن ندفعه مقابل ‘المحاسن‘ الاقتصادية، ولكننا لا نستطيع، بل لا نحتاج إلى الاستمرار في التصرف كما لو كانت هذه المقايضة أمراً حتمياً. إن فك الارتباط جزء من التحول إلى اقتصاد أخضر منخفض الكربون وأكثر كفاءة في استخدام الموارد المطلوب لتحفيز النمو، وتوليد أنواع جيدة من التوظيف والقضاء على الفقر بطريقة تبقي على البصمة الكربونية للإنسان داخل حدود كوكبنا”.
“يمثل اجتماع ريو+20 الذي يعقد العام القادم فرصة للإسراع بنمو هذه ‘البراعم الخضراء‘ للاقتصاد الأخضر التي تنبت في مختلف الدول النامية والمتقدمة، والإكثار منها”.
وقد عـُرِضَ التقرير الصادر عن فريق الموارد الدولي التابع لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، وهو الرابع في سلسلة من التقارير المماثلة، أثناء الاجتماع السنوي للجنة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، حيث يمثل الاستهلاك والإنتاج المستدامان موضوعين جوهريين. وهو يسبق بعام كاملٍ اجتماع مؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2012 (أو ما يُعرف بـ ‘ريو+20‘ الذي سيعقد في ريو دي جانيرو في الفترة من 4-6 يونيو/حزيران 2012) بمحوريه الأساسيين وهما الاقتصاد الأخضر في سياق التنمية المستدامة والقضاء على الفقر، والاتفاق على إطار دولي للتنمية المستدامة.
وفي حين لا يعرض التقرير سياسية وخيارات تقنية مفصّلة – وهو الأمر الذي ستشمله التقارير التالية – فإنه يقول أن التقنيات التي ساعدت الإنسانية في استخلاص الموارد الطبيعية على نحو متنام لابد أن يعاد توجيهها لطرق أكثر كفاءة في استخدام تلك الموارد.
تراوح المتوسط العالمي لاستهلاك الموارد في عام 2000 ما بين 8 إلى 10 أطنان للفرد، أي حوالي ضعف معدله عام 1900. وفي عام 2000، بلغ المعدل المتوسط للدول الصناعية (التي يمثل سكانها خمس تعداد العالم) ضعف المتوسط العالمي تقريبًا، وأربعة أضعاف إلى خمسة أضعاف متوسط أفقر الدول النامية.
وتحتسب المتوسطات العالمية (والقومية) لاستهلاك الفرد بقسمة إجمالي ما يستخرجه العالم (والدولة) من المعادن، والخامات والوقود الأحفوري والكتلة الحيوية على عدد سكان العالم (والدولة).
ولكن كاتبيّ التقرير يشيران إلى أن التجارة العالمية التي تتوسع بسرعة، تحجب مسئولية استهلاك الموارد وما يتعلق بها من تأثيرات بيئية.
وقد ساهمت إجراءات الحد من التلوث وغيرها، على مدار القرن الماضي، في الحد من الأثر البيئي للنمو الاقتصادي. وبفضل الابتكارات في مجالات التصنيع وتصميم المنتجات واستخدام الطاقة – والتي ساعد عليها تزايد عدد السكان الذين يعيشون أنماط حياة أكثر كفاءة في المدن – فقد نما الاقتصاد العالمي بمعدلٍ أسرع من زيادة استهلاك الموارد.
لكن هذا التحسن كان نسبيًا فقط. حيث زاد استهلاك الموارد – مع زيادة السكان، واستمرار معدلات الاستهلاك المرتفعة في الدول الصناعية والطلب المتزايد على السلع المادية، خاصة في الصين، والهند والبرازيل وغيرها من الاقتصادات سريعة النمو – بالمقاييس المطلقة ثمان أضعاف، من 65 مليار طن عام 1900 إلى 49 مليار طن عام 2000. وتقدر قيمته اليوم بنحو 59 مليار طن.
إن فك الارتباط يحدث بالفعل ولكن “بمعدل لا يكفي لمواكبة احتياجات مجتمع منصف ومستدام،” طبقًا لما يقوله التقرير. فقد انخفضت الموارد اللازمة لكل 1000 دولار أمريكي من المخرجات الاقتصادية من 2.1 طن إلى 1.6 طن في الفترة من 1980 إلى 2002.
ويستعرض التقرير تفاصيل التقدم في أربع دول تدعم فيها سياسات الحكومة فك الارتباط. وقد قدمت كلٌ من ألمانيا واليابان مثالاً على الاحتمالات الممكنة.
* وضعت ألمانيا أهدافًا لإنتاجية الطاقة والموارد – تهدف إلى مضاعفتهما بحلول عام 2020. وهناك أيضًا أهداف طموحة لعام 2020 لتلبية احتياجات التدفئة والكهرباء وغيرها من احتياجات الطاقة من مصادر متجددة، كما وضعت هدفًا لخفض نسبة انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون بمقدار 30% بحلول نفس العام.
* تلتزم اليابان بالتحول إلى “مجتمع مستدام” يركز على تخفيض الكربون والحد من استهلاك المواد وإعادة استخدامها وتدويرها والاتساق مع الطبيعة. ويجري حساب دقيق لدورة المواد. ويبين التقرير أن الإجراءات التي اتخذتها اليابان “قد تكون أكثر الأمثلة تطورًا بين الأمثلة المطبقة زيادة إنتاجية الموارد والحد من الأثر البيئي السلبي”.
*ينص دستور جنوب أفريقيا على ضرورة “استخدام الموارد الطبيعية وتحقيق التنمية على نحو مستدام بيئيًا”. وتدعو السياسات صراحةً إلى “فك الارتباط بين الموارد والأثر البيئي” وخفض انبعاث غازات الاحتباس الحراري بنسبة 30 إلى 40 في المائة بحلول عام 2050. ولكن تنامي الاعتماد على صادرات الفحم والمعادن الأخرى يعوق التقدم. وتُعد كثافة الكربون في جنوب أفريقيا الأعلى في العالم، وتبلغ كمية الانبعاث للفرد ضعف المتوسط العالمي.
* تطمح الصين لبناء “حضارة بيئية”، تضع في مقدمة أولوياتها الاهتمام بالموارد والبيئة. وقد وضعت مؤشرات لفك الارتباط وحددت أهدافًا مـُلزِمة، تتضمن خفض كثافة الطاقة بمقدار 20 في المائة كما أدارت برامجاً لتوفير الطاقة والحد من التلوث في كافة أنحاء البلاد. وتهدف خطة الإجراءات الوطنية لتغير المناخ انخفاضًا قدره 40 إلى 45 في المائة في كثافة ثاني أكسيد الكربون بحلول عام 2020.
وتمثل الصين على وجه الخصوص حالة اختبارية عالمية، “حيث تريد الاستمرار في نموها الاقتصادي السريع مع استخدام الموارد بأسلوب أكثر استدامة” كما يقول التقرير.
“إن الإجراءات التي تطبقها الصين للمواءمة بين تلك الأهداف سوف تكون هامة للغاية بالنسبة لجميع الدول النامية التي لها نفس النوايا السياسية.”
ويؤكد التقرير على إمكانية الحد من معدل استهلاك الموارد والأثر البيئي من الناحية النظرية، إذا استخدمنا تعريفاً لتحسن الاقتصاد القومي لا يقوم على أساس النمو المادي.
ويقول الكاتبان “لقد حان الوقت للاعتراف بحدود الموارد الطبيعية المتاحة لدعم التنمية البشرية والنمو الاقتصادي”.
وسوف يتطلب فك الارتباط “تغيرات هامة في سياسات الحكومة وسلوك المؤسسات وأنماط الاستهلاك الشعبية. … كما سيتطلب الابتكار، بما فيه الابتكار الجذري.”
يصف التقرير ثلاث سيناريوهات تستهلك بموجبها البلدان المتقدمة والنامية الموارد بإنصاف: “التقارب بحلول عام 2050”.
السيناريو رقم 1: نهج العمل المعتاد في الدول المتقدمة، وتقارب الآخرين منها
يبقى استهلاك الموارد للفرد ثابتًا في الدول الصناعية على ما كان عليه في العقود الثلاث الماضية، وتستمر بقية دول العالم في النمط القائم للحاق بهم. ويؤدي هذا المسار إلى إجمالي استهلاك سنوي يبلغ 140 مليار طن من المعادن والخامات والوقود الأحفوري والكتلة الحيوية، أو ما يعادل 16 طن للفرد من تعداد السكان الذي سيبلغ 9 مليار شخص بحلول عام 2050. ويقول التقرير: إن هذا “يمثل مستقبلاً غير مستدام على صعيد كلٍ من استخدام الموارد والانبعاث، وغالباً ما يفوق الموارد المتاحة مهما كانت أساليب قياسها وحدود القدرة على استيعاب الأثر البيئي مهما كانت أساليب تقييمه”.
السيناريو رقم 2: انكماش متواضع في الاستهلاك في الدول المتقدمة، وتقارب من جانب الآخرين
تخفض الدول الصناعية استهلاك الموارد للفرد إلى النصف فيما ترتفع الدول الأخرى إلى هذا المستوى. النتيجة: يصل إجمالي استهلاك العالم إلى 70 مليار طن في عام 2050. ويشير التقرير إلى أن “هذا السيناريو يفترض مسبقًا القيام بتغييرات هيكلية مؤثرة تؤدي إلى أنماط جديدة من الإنتاج الصناعي والاستهلاك تكون مختلفة تمامًا عن النموذج الصناعي الغربي التقليدي شديد الاستهلاك للموارد”.
يؤدي هذا السيناريو إلى استهلاك عالمي مقداره 70 مليار طن بحلول عام 2050 – وهو ما يمثل زيادة قدرها 40% تقريبًا في استخلاص الموارد مقارنة بعام 2000. وسيرتفع انبعاث ثاني أكسيد الكربون للفرد بنحو 50% ليصل إلى 1.6 مليون طن للفرد وسيزيد انبعاث ثاني أكسيد الكربون على مستوى العالم بأكثر من الضعف.
ولم تنخفض قيم الاستهلاك المطلقة إلا في عدد قليل من الدول يعد على أصابع اليدين – وبنسبة أقل بكثير مما يتطلبه السيناريو الثاني – وفي بعض الحالات لم تتراجع قيم الاستهلاك إلا بسبب خفض معدل استهلاك الفرد عن طريق استيراد الموارد من أماكن أخرى.
السيناريو رقم 3: تقليص شديد في الدول المتقدمة، والتقارب من جانب الآخرين
تخفض الدول الصناعية استهلاك الفرد بمقدار الثلثين وتظل الدول الأخرى عند نفس معدلاتها الحالية، مما ينتج عنه معدل استهلاك عالمي للفرد يبلغ 6 أطنان وإجمالي استهلاك عالمي يبلغ 50 مليار طن، كما كان الحال في عام 2000.
ويعترف الكاتبان بأن هذا السيناريو سيكون مـُقـَيِّدًا وغير جذاب لرجال السياسة، بحيث “لا يحتمل أن يُعد هدف استراتيجي”.
ولكن حتى مع اتخاذ مثل هذه الإجراءات الصارمة، تظل مستويات الاستهلاك العالمي في نطاق يعتبره كثير من العلماء غير مستدام. وتؤدي إلى خفض انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون بنحو 40% تقريبًا إلى 0.75 طن/فرد ويظل الانبعاث العالمي ثابتًا عند مستواه عام 2000.
“تتحدى هذه المستويات نهج تفكيرنا الحالي وافتراضاتنا فيما يخص التنمية” كما يقول التقرير. “إذا قامت استثمارات الدول النامية والمتقدمة اليوم بحيث تحبس الإنسانية في مسار تنموي قائم على النهج المعتاد للأعمال الذي يعتمد على الاستهلاك الكثيف للموارد، أو تحسن منه قليلاً، فسيزداد احتمال مواجهتنا لمشاكل بيئية ومشاكل عدم كفاية العرض.”
“وقد حفزّت تلك النتائج فريق الموارد الدولي على التركيز في التقارير المستقبلية على كيفية تحسين إنتاجية الموارد والتوصل إلى بدائل قابلة للتطبيق لصانعي السياسات.”
وتتضمن التحديات المقبلة ما يلي:
* عدم وجود قناعة لدى صانعي السياسات وعامة الناس بالحدود المادية المطلقة لكمية الموارد المتاحة للاستخدام الآدمي.
* التفاوت الواسع في مستوى الاستهلاك للفرد يعني أن هناك إجراءات مطلوبة على مختلف المستويات. فالدول الفقيرة، والتي يحتمل أن تكون أول من يشعر بآثار نقص الموارد، لا بد أن تمنح الفرصة للاستمتاع بالظروف الجيدة كما في العالم المتقدم. ولكن إذا انتهجت أسلوباً تنموياً قائماً على الإسراف، فلن يكون اقتصادها عرضة لمشاكل عدم كفاية العرض فحسب، بل وسيزداد مدى تجاوز مصرف الموارد للكوكب للخط الأحمر.
* يجري حاليًا استنفاد أفضل الخامات المعدنية والوقود الأحفوري وأيسرها استخراجًا. فالمصادر الجديدة عادة ما تكون أبعد منالاً وأقل جودة. ويتطلب العثور عليها واستخراجها المزيد من الطاقة مما يزيد من أثرها البيئي. وتبلغ كمية الخامات المطلوب نقلها بعد استخراجها ثلاث أضعاف نظيرتها من نفس الخامات منذ قرنٍ مضى، مع ما يسفر عن ذلك من إخلال بنظام الأراضي وآثار سلبية على المياه واستهلاك الطاقة.
* يزداد استخراج الموارد من الدول ذات المعايير القانونية والبيئية المنخفضة، مما يعني “زيادة الأثر البيئي لكل وحدة من المادة المستخرجة”.
* كلما توسعت التجارة تزداد صعوبة تحديد مسئولية استهلاك الموارد، وهو اعتبار حيوي إذا أرادت الدولة أن تحد من قيمة استهلاكها للفرد. فمثلاً، هل يجب أن يكون الحد من التعدين وآثاره مسئولية الدولة التي تستخرج فيها المعادن، أم الدولة التي تتحول فيها المادة الخام إلى منتج نهائي، أم الدولة التي يستهلك فيها المنتج؟
* عادة ما يؤدي التأثير “الارتدادي” إلى زيادة الاستهلاك بعد أن تصبح الطاقة أو السلع المصنّعة أكثر كفاءة، حيث يستفيد المستهلكون من وفورات التكلفة في شراء شيء آخر، أو يستخدمون جهازًا ما بمعدل أعلى – مثل استخدام السيارات الأقل استهلاكًا للوقود لمسافات أطول.
* أسباب تدعو إلى التفاؤل:
* طبقًا للتقرير، هناك يقين بأن نقص الموارد سيؤدي في النهاية إلى استحالة الاستمرار في النهج المعتاد للأعمال، مما يؤكد أن أية دولة ستكون في “مقدمة الركب” عن طريق الاستثمار في الأساليب المبتكرة “سوف تجني الأرباح حين يزداد الضغط على الآخرين للتخلي بسرعة عن أسلوبهم.”
* الدول النامية، التي لا تقع تحت عبء التقنيات الحالية، يمكنها أن تقفز إلى الأمام على طريق تبني سلع وأساليب عمل أقل استهلاكًا للموارد، كما حدث في أفريقيا على سبيل المثال، حين تخطى معظمها مرحلة خدمات الهاتف السلكية واتجهت مباشرة إلى الخدمات اللاسلكية.
* تمثل التكلفة المتزايدة للعديد من الموارد ضرورة اقتصادية لاستخدام الأقل – ولكن في الوقت ذاته، يمكن أن تؤدي زيادة الأسعار إلى استغلال موارد أكثر تكلفة وأشد خطورة على البيئة مثل بترول القطب الشمالي.
* يمكن للتوسع الحضري أن يحد من من معدل الاستهلاك للسكان، حيث يضفي المزيد من الكفاءة على تقديم الخدمات و”يركز الموارد المعرفية والمالية والاجتماعية والمؤسسية اللازمة للابتكارات الموجهة نحو الاستدامة”. ولكن قيم الاستهلاك في المدن قد تكون منخفضة بصورة غير طبيعية إذا اعتمدت المنطقة الحضرية على الطاقة والموارد المستمدة من المناطق الريفية المحيطة بها. وبالإضافة إلى ذلك، فإن استهلاك قاطني المناطق الحضرية يزيد مع نمو الاقتصاد. “وهذا يعبر عن معضلة المدن في مجال الاستدامة” كما يقول التقرير، “فهي تقود الاستخدام العالمي غير المستدام للموارد، ولكنها أيضًا الأعلى إمكانية في مجال الابتكارات الموجهة نحو الاستدامة”.
* حتى في يومنا هذا، يوجد اختلاف شاسع بين معدل استهلاك الموارد في الدول المختلفة، حتى بين الدول التي يتساوى فيها إجمالي الناتج المحلي للفرد. ويشير ذلك إلى أنه يمكن للدول أن تكون أقل إنتاجية للموارد وأن تنمي مع ذلك اقتصاداتها.
مقتطفات
“لا بد أن ندرك أن الرفاهية والرخاء لا يعتمدان على الاستهلاك المتزايد لكم أكبر من الموارد. إن فك الارتباط لا يعني وقف التنمية. ولكنه يعني تحقيق المزيد باستخدام موارد أقل. إن الاستهلاك العالمي للموارد يتزايد على نحو خطير. ولا يعد هذا نمطًا مستدامًا بأي حال من الأحوال.”
إرنست فون ويزساكير، الرئيس المشارك لفريق الموارد التابع لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، والرئيس السابق للجنة البيئة التابعة للبوندستاغ (البرلمان الألماني).
* * * * *
“يعد فك الارتباط بين الأثر البيئي والاستهلاك وبين النمو إنجازًا هامًا للغاية – وطريقة لإزالة حجر العثرة الذي يتمثل في ضرورة المقايضة بين التنمية الاقتصادية والبيئة. ويمكن للدول النامية أن تغير فكرتها عن معنى التنمية في عالم شحت موارده.”
“لقد تزايد استهلاك الموارد على نحو خطير عمّا كان عليه في عصر أجدادنا الأوائل، وقد نتج ذلك جزئيًا عن زيادة الكفاءة التي أدت إلى انخفاض أسعار الموارد. ومع ازدياد الأسعار الحقيقية للطعام والمعادن النفيسة والطاقة والموارد الأخرى زيادة كبيرة في الوقت الحالي، تصبح الشروط المسبقة لبذل جهود معينة في مجال فك الارتباط أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.”
آشوك كوسلا، الرئيس المشارك لفريق الموارد التابع لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، ورئيس الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، ومؤسس ‘بدائل التنمية‘ في الهند.
* طبقًا للتقرير، هناك يقين بأن نقص الموارد سيؤدي في النهاية إلى استحالة الاستمرار في النهج المعتاد للأعمال، مما يؤكد أن أية دولة ستكون في “مقدمة الركب” عن طريق الاستثمار في الأساليب المبتكرة “سوف تجني الأرباح حين يزداد الضغط على الآخرين للتخلي بسرعة عن أسلوبهم.”
* الدول النامية، التي لا تقع تحت عبء التقنيات الحالية، يمكنها أن تقفز إلى الأمام على طريق تبني سلع وأساليب عمل أقل استهلاكًا للموارد، كما حدث في أفريقيا على سبيل المثال، حين تخطى معظمها مرحلة خدمات الهاتف السلكية واتجهت مباشرة إلى الخدمات اللاسلكية.
* تمثل التكلفة المتزايدة للعديد من الموارد ضرورة اقتصادية لاستخدام الأقل – ولكن في الوقت ذاته، يمكن أن تؤدي زيادة الأسعار إلى استغلال موارد أكثر تكلفة وأشد خطورة على البيئة مثل بترول القطب الشمالي.
* يمكن للتوسع الحضري أن يحد من من معدل الاستهلاك للسكان، حيث يضفي المزيد من الكفاءة على تقديم الخدمات و”يركز الموارد المعرفية والمالية والاجتماعية والمؤسسية اللازمة للابتكارات الموجهة نحو الاستدامة”. ولكن قيم الاستهلاك في المدن قد تكون منخفضة بصورة غير طبيعية إذا اعتمدت المنطقة الحضرية على الطاقة والموارد المستمدة من المناطق الريفية المحيطة بها. وبالإضافة إلى ذلك، فإن استهلاك قاطني المناطق الحضرية يزيد مع نمو الاقتصاد. “وهذا يعبر عن معضلة المدن في مجال الاستدامة” كما يقول التقرير، “فهي تقود الاستخدام العالمي غير المستدام للموارد، ولكنها أيضًا الأعلى إمكانية في مجال الابتكارات الموجهة نحو الاستدامة”.
* حتى في يومنا هذا، يوجد اختلاف شاسع بين معدل استهلاك الموارد في الدول المختلفة، حتى بين الدول التي يتساوى فيها إجمالي الناتج المحلي للفرد. ويشير ذلك إلى أنه يمكن للدول أن تكون أقل إنتاجية للموارد وأن تنمي مع ذلك اقتصاداتها.
مقتطفات
“لا بد أن ندرك أن الرفاهية والرخاء لا يعتمدان على الاستهلاك المتزايد لكم أكبر من الموارد. إن فك الارتباط لا يعني وقف التنمية. ولكنه يعني تحقيق المزيد باستخدام موارد أقل. إن الاستهلاك العالمي للموارد يتزايد على نحو خطير. ولا يعد هذا نمطًا مستدامًا بأي حال من الأحوال.”
إرنست فون ويزساكير، الرئيس المشارك لفريق الموارد التابع لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، والرئيس السابق للجنة البيئة التابعة للبوندستاغ (البرلمان الألماني).
* * * * *
“يعد فك الارتباط بين الأثر البيئي والاستهلاك وبين النمو إنجازًا هامًا للغاية – وطريقة لإزالة حجر العثرة الذي يتمثل في ضرورة المقايضة بين التنمية الاقتصادية والبيئة. ويمكن للدول النامية أن تغير فكرتها عن معنى التنمية في عالم شحت موارده.”
“لقد تزايد استهلاك الموارد على نحو خطير عمّا كان عليه في عصر أجدادنا الأوائل، وقد نتج ذلك جزئيًا عن زيادة الكفاءة التي أدت إلى انخفاض أسعار الموارد. ومع ازدياد الأسعار الحقيقية للطعام والمعادن النفيسة والطاقة والموارد الأخرى زيادة كبيرة في الوقت الحالي، تصبح الشروط المسبقة لبذل جهود معينة في مجال فك الارتباط أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.”
آشوك كوسلا، الرئيس المشارك لفريق الموارد التابع لبرنامج الأمم المتحدة للتنمية، ورئيس الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، ومؤسس ‘بدائل التنمية‘ في الهند.