الماء كقوة لتعزيز السلام

محمد التفراوتي15 يناير 2017آخر تحديث :
الماء كقوة لتعزيز السلام

آفاق بيئية : سونديب واسليكار *

حدث تغيير الحرس في الطابق 38 من مبنى الأمم المتحدة في نيويورك، بمناسبة تنصيب أنطونيو جوتيريس خلفا لبان كي مون كأمين عام للأمم المتحدة، في وقت شهدت فيه المفاهيم حول السلام والصراع تغييرا دقيقا.  وتم الاعتراف  بالدور الحيوي للموارد – وخاصة المياه.

وحصل هذا منذ وقت طويل. وقد دافع كل من بان كي مون وسلفه كوفي عنان لعقدين من الزمن على ضرورة حماية وتقاسم الموارد الطبيعية، وخاصة المياه، لكونها عاملا بالغ الأهمية لتعزيز السلام والأمن. لكنها لم تصبح كذلك إلى أن أضحت هذه القضية موضع اهتمام كبير في نونبر/تشرين الثاني الماضي، بعد عقد السنغال – الذي ترأس مجلس الأمن لذلك الشهر – النقاش الرسمي الأول من نوعه للأمم المتحدة حول المياه والسلام والأمن.

ولكونه مفتوحا عل جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، جلب النقاش ممثلين عن 69 حكومة، والذين طالبوا بالإجماع أن تتحول المياه من مصدر محتمل للأزمة إلى أداة للسلام والتعاون. وبعد أسابيع قليلة، عين جوتيريس أمينة محمد، وزيرة البيئة النيجيرية السابقة، نائبة الأمين العام.

ويعكس هذا الاعتراف المتزايد بالأهمية الإستراتيجية للمياه التطورات العالمية الحاصلة. في السنوات الثلاث الماضية، استولت الدولة الإسلامية (داعش) على سد الثورة، وسدود تشرين والموصل والفلوجة على نهري دجلة والفرات. لكن فقد تنظيم داعش السيطرة على كل منها في وقت لاحق، بعد استخدامها لإغراق أو تجويع السكان، لإجبارهم على الاستسلام.

ويأمل العديد من المحللين أن يتم إخراج تنظيم داعش من العراق وسوريا في الأشهر القليلة المقبلة. لكن هذا لا يعني أن المجموعة سوف يتم تفكيكها، بل على العكس من ذلك، قد تنتقل إلى المناطق الحدودية بين ليبيا وتشاد، وتضع المدن في غرب إفريقيا ومنشآت المياه في خطر.

هذا التكتيك ليس جديدا على  تنظيم داعش. فقد هددت الجماعات المتطرفة في جنوب آسيا أيضا بمهاجمة البنية التحتية للمياه. كما يمكن للجهات التابعة للدولة بالطبع استخدام موارد المياه للحصول على فوائد إستراتيجية.

إن أهمية المياه في القرن الحادي والعشرين – المماثلة لأهمية النفط في القرن العشرين – لا تكاد تكون مبالغا فيها. ومع ذلك لا يزال بعض الخبراء الاستراتيجيين يقللون منها. والحقيقة أن للنفط بدائل مثل الغاز الطبيعي وطاقة الرياح، والطاقة الشمسية، والطاقة النووية. لكن على النقيض من ذلك، بالنسبة للصناعة والزراعة وكذلك الشرب والصرف الصحي، البديل الوحيد للماء هو الماء، كما سبق وأشار إلى ذلك الرئيس السلوفيني السابق دانيلو تورك.

ونفس الشيء ينطبق على التجارة. لننظر إلى نهر تشاجرز في ريو. رغم كونه غير معروف على نطاق واسع، لكنه ذو أهمية كبيرة، لأنه يغذي قناة بنما، التي تؤمن 50٪ من التجارة بين آسيا والأمريكتين. ليس هناك خطر في النضوب الطبيعي لتدفق هذا النهر لمئات السنين القادمة، لكن في حال وقوع أزمة أمنية في أمريكا الوسطى، فإنه يمكن الاستيلاء عليه من قبل القوات الإرهابية. وسيؤثر ذلك على الاقتصاد العالمي تأثيرا كبيرا.

فالإجماع على ضرورة حماية الموارد المائية والمنشآت في مناطق الصراع مسألة واضحة. ما هو أقل وضوحا هو كيفية القيام بذلك. على عكس الأدوية والمواد الغذائية، لا يمكن نقل الماء إلى مناطق النزاع. وهناك ضغط متزايد على قوات حفظ السلام في الأمم المتحدة.

وقد تفاوضت اللجنة الدولية للصليب الأحمر على العبور الآمن للفنيين لفحص وإصلاح الأضرار التي لحقت بأنابيب المياه وأنظمة التخزين في العراق وسوريا وأوكرانيا؛ لكن يحتاج كل عبور إلى التفاوض عليه مع الحكومات المعنية بالصراع ومع قادة المتمردين – وهي عملية طويلة ومرهقة. ويبقى النهج الأفضل في يد القوى العظمى، مع تأثيرها الكبير على التفاوض من أجل وقف إطلاق النار على المدى القصير في المناطق التي تعاني من النزاع الذي طال أمده، وخاصة لإصلاح واستعادة شبكات المياه.

لتمهيد الطريق لمثل هذا النهج، سيكون على مجلس الأمن للأمم المتحدة إعلان المياه “موردا استراتيجيا للإنسانية” واتخاذ قرار لحماية الموارد المائية والمنشآت، على غرار قرار 2286، الذي اعتُمد في مايو/أيار الماضي لحماية المرافق الطبية في مناطق الصراعات المسلحة.

على المدى الطويل، تحتاج البلدان التي تتشارك في الأنظمة النهرية إلى وضع ترتيبات أمنية إقليمية لصون وحماية مواردها. وبفضل التعاون في مجال إدارة المياه وبحمايتها الجماعية، يمكن أن تصبح المياه عاملا ميسرا للسلام والتعاون، وليس مصدرا للمنافسة والصراع كما هو معمول به.

ويوجد دينيس ساسو نغيسو، رئيس جمهورية الكونغو، على رأس هذه الحركة، من خلال قيادة مجموعة تتكون من ثماني حكومات هدفها إنشاء الصندوق الأزرق لحوض الكونغو. وفي حال نجاحه، فإن الصندوق سيساعد على التخفيف من تغير المناخ، وعلى خلق مجالات جديدة لفرص الشغل، وتعزيز الأمن الجماعي في المناطق الغير مستقرة. وقد اعتبرت قمة أفريقيا التي تمت في مراكش قبل شهرين الصندوق واحدة من الأفكار الرئيسية الأربعة التي يمكن أن تغير القارة.

في مارس/آذار الماضي، بمناسبة اليوم العالمي للمياه، طالبنا، الأمير الحسن بن طلال وأنا، بإنشاء صندوق مارشال لأحواض الأنهار المشتركة في العالم. ويُعد الصندوق الأزرق لحوض نهر الكونغو خطوة في هذا الاتجاه. الآن، نحن بحاجة إلى إنشاء صناديق مماثلة لحماية جميع أحواض الأنهار والبحيرات المشتركة في العالم والبالغ عددها 263. ونظرا لقوة المياه في خلق النزاعات أو دعم السلام، يتعين علينا مواجهة هذا التحدي الهائل بكل شجاعة.

*سونديب واسليكار : رئيس مجموعة الاستبصار الاستراتيجي.

 

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!