نهر الشمس

محمد التفراوتي6 مارس 2015آخر تحديث :
نهر الشمس

كهرباء لـ 10,000 بيت من ألواح شمسية فوق نهر بيروت

solair

آفاق بيئية : راغدة حداد

حقل على نهر! لكنه ليس لإنتاج الخضار والثمار، بل هو حقل لاقطات لإنتاج كهرباء من شمس لبنان.

امتداد أزرق من اللوحات الشمسية يغطي نهر بيروت بين جسر أرمينيا وجسر يريفان في منطقة برج حمود. هذا الحقل الشمسي هو الآن بقدرة ميغاواط واحد، ويمكنه تأمين نحو 1,6 مليون كيلوواط ساعة سنوياً، تكفي حاجة نحو ألف منزل. ويقدَّر أن يوفر نحو ألف طن مكافئ من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون سنوياً.

الأعمال التنفيذية شارفت النهاية: 3600 لوحة شمسية مركزة على هيكل من عوارض خرسانية ممتدة على عرض النهر مع دعامات فولاذية، بطول 325 متراً وعرض 32 متراً، يشكل «جسراً معلقاً» من دون أي اعتراض لمجرى النهر. ويتوقع ربط الحقل الشمسي بالشبكة العامة في أيار (مايو) 2015، من خلال محوّل ومن دون تخزين. وستكون أولوية الاستفادة لأهل برج حمود، هكذا يشعرون بميزة «امتلاك» طاقة نظيفة مميزة ينتجها سطح النهر العابر في منطقتهم.

لكنها المرحلة الأولى من «مشروع نهر بيروت للطاقة الشمسية»، الذي سمي بالإنكليزية «ثعبان نهر بيروت الشمسي» (Beirut River Solar Snake)، وهو جزء من الخطة الوطنية لكفاءة الطاقة التي عمل عليها المركز اللبناني لحفظ الطاقة ووافق عليها مجلس الوزراء في تشرين الثاني (نوفمبر) 2011. والهدف النهائي للمشروع إنتاج 10 ميغاواط من حقول الطاقة الشمسية على امتداد نحو 6 كيلومترات فوق مجرى النهر خلال نحو خمس سنوات، تكفي حاجة نحو 10 آلاف منزل. وقد أمنت وزارة الطاقة والمياه تمويل المرحلة الأولى بنحو ثلاثة ملايين دولار. ويؤمل بدء المرحلة الثانية خلال 2015 لإنتاج ما بين 1 و2 ميغاواط، بحسب الميزانية، إذ إن كل مرحلة تموَّل من قيمة إنتاج الكهرباء في المراحل السابقة.

تحرّك السوق الشمسية
لبنان، بلد الـ300 يوم مشمس في السنة، يتفاخر بميغاواط واحد من الكهرباء الشمسية؟

يقول المهندس بيار الخوري، مدير المركز اللبناني لحفظ الطاقة، إن أهمية مشروع نهر بيروت للطاقة الشمسية ليست في قيمته المادية فقط، بل في تحريكه للسوق الشمسية. فمنذ بدء تنفيذه في أواخر العام 2013، تم تركيب أنظمة فوتوفولطية في أنحاء لبنان بقدرة إجمالية تصل الى 30 ميغاواط في مؤسسات القطاع الخاص، من مصانع ومدارس ومستشفيات وغيرها. وفي حين رسا تنفيذ المشروع على تحالف «فينيكس أساكو» الذي تقدم بالسعر الأدنى، فإن الشركات الاثنتي عشرة التي شاركت في المناقصة تعمل حالياً على تركيب اللاقطات الفوتوفولطية في المناطق لإنتاج الكهرباء بالطاقة الشمسية.

توقع الخوري تركيب ما بين 200 و300 ميغاواط إضافية بحلول سنة 2020 إذا فُتح للقطاع الخاص باب إنتاج الكهرباء الشمسية وربطها بشبكة مؤسسة كهرباء لبنان. فقد أقر مجلس النواب قانوناً في نيسان (أبريل) 2014، تعمل الحكومة على إعداد آليات تنفيذه، يسمح للحكومة بإعطاء رخص لإنتاج الكهرباء بناء على اقتراحي وزارة الطاقة والمياه ووزارة المال. وقد تم تقديم الاقتراح، وهو يناقش حالياً في مجلس الوزراء.

أما الصيانة فأهم ما فيها تنظيف الألواح الشمسية من الغبار، وهو سيتم باستخدام خراطيم المياه، فضلاً عن تغيير الألواح التي تنكسر لسبب ما. ويقام سياج بعلو ثلاثة أمتار على ضفتي النهر لمنع الوصول إلى الألواح، مع حراسة دائمة وكاميرات مراقبة على امتداد الحقل الشمسي.

النهر الشمسي لن يكون لإنتاج الكهرباء فقط، بل يأمل القائمون عليه أن يكون «واحة تنظيم مدني». وذلك عبر خطة مستقبلية تتضمن حديقة عامة تركز على ترويج مفاهيم الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة، وإقامة ممر للعبور مشياً على «الجسر الشمسي» الذي يفصل بين بيروت وجبل لبنان في منطقة برج حمود ويعتبر أعرض جسر نهري في لبنان. وستقام لوحة إعلامية يراها المارة تظهر كمية الكهرباء المنتجة في الأوقات المختلفة، وكمية الانبعاثات الكربونية التي يتم تفاديها، والفوائد البيئية للمشروع.

أضاف الخوري باعتزاز: «قيمة المشروع أيضاً أنه أول حقل شمسي في العالم يقام فوق مجرى نهر». وقد أقيم في الأردن مشروع من هذا النوع على قناة في العقبة، كما تنفذ الهند خطة طموحة لإقامة حقول شمسية على قنواتها المائية. وأشار الى مشروع وشيك لحقل شمسي في منطقة الزهراني، حيث محطة «تابلاين» لتكرير النفط المتوقفة عن العمل منذ سنين طويلة. المنشآت هناك تستعمل لتخزين الوقود، وثمة مساحة واسعة من الأرض تابعة لوزارة الطاقة، يمكن إقامة حقل شمسي عليها بتمويل من منشآت النفط. والهدف إنتاج ميغاواط واحد في المرحلة الأولى، يضاف إليها 2 ميغاواط بعد الربط على شبكة مؤسسة كهرباء لبنان. وقد تم تقديم تسعة عروض، ويتوقع اختيار الشركة المنفذة قريباً وبدء العمل في أيار (مايو) 2015. وستكون الكلفة أقل والتنفيذ أسرع مما في مشروع نهر بيروت، إذ سيقام الحقل الشمسي على الأرض من دون حاجة إلى مد جسور فوق المياه، ويمكن إنجاز المرحلة الأولى قبل نهاية 2015.

فقر الطاقة

المقيم في لبنان اعتاد حياة القلّة الكهربائية المزمنة. لكن الزائر يكاد لا يصدق أن «بلد الإشعاع» يرزح تحت تقنين كهربائي مزمن، حيث يقتصر تأمين التيار في معظم المناطق على 12 ساعة يومياً أو أقل، وصولاً إلى الصفر أحياناً في بعض المناطق. ويعتمد السكان على مولدات كبيرة في الأحياء تزودهم بالكهرباء عن طريق اشتراك شهري يزيد على قيمة الفاتورة الرسمية التي يدفعونها لمؤسسة كهرباء لبنان، في حين يكتفي البعض بمولدات منزلية صغيرة. والنتيجة كلفة مزدوجة وتلويث كبير للهواء.

وتتكلف خزينة الدولة نحو 1,6 بليون دولار سنوياً على الكهرباء، تزيد أو تنقص بحسب سعر النفط. وقد بلغ عجز مؤسسة كهرباء لبنان نحو 30 بليون دولار منذ العام 1992. وتسجل خسارة كبيرة في الكهرباء المنتجة تصل إلى 40 في المئة، ناجمة عن «هدر تقني» بسبب تدني كفاءة محطات الإنتاج والتحويل والكابلات و«هدر غير تقني» بفعل السرقة وعدم القدرة الكاملة على الجباية.

هناك أربع محطات لإنتاج الطاقة في لبنان هي: محطتا الذوق والجية اللتان تم بناؤهما في الستينات وكان مفترضاً أن تتوقفا عن العمل قبل 10 سنين، ومحطتا البداوي في الشمال والزهراني في الجنوب اللتان أنشئتا في العام 1998. وفي حين يراوح الطلب على الطاقة في لبنان بين 2000 و2800 ميغاواط، لا تتعدى القدرة القصوى لهذه المحطات مجتمعة 1850 ميغاواط، تبلغها في يومين فقط هما عيد الميلاد وعيد رأس السنة. أما في بقية الأيام فتتراوح بين 1300 و1500 ميغاواط. ولدى وزارة الطاقة خطة لزيادة الإنتاج في المحطات القائمة وإضافة محطات جديدة لزيادة القدرة بنحو 800 ميغاواط.

وتشكل الطاقة المتجددة حالياً ما بين 5 و7 في المئة من المزيج الطاقوي في لبنان، حيث تؤمن المياه 4 ـ 6 في المئة، والطاقة الشمسية نحو 1 في المئة كلها تقريباً لتسخين المياه. وقد جاء في بيانات وكالة الطاقة الدولية للعام 2012 أن لبنان بين أول 10 دول في العالم في سوق تركيب سخانات المياه الشمسية بالنسبة إلى عدد سكانه. وساهم في ذلك «مشروع دعم سوق السخانات الشمسية في لبنان» بالشراكة بين وزارة الطاقة والمياه وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي منذ العام 2009، الذي حدد هدفاً استراتيجياً يتمثل بتركيب مليون متر مربع من السخانات الشمسية بحلول سنة 2020. وتم تركيب أجهزة لإنارة الشوارع بالطاقة الشمسية على نحو 3000 عمود في أنحاء لبنان بناء على طلبات تقدمها البلديات إلى المركز اللبناني لحفظ الطاقة. والآمال معلقة على مشاريع مستقبلية لطاقة الرياح تؤمن ما بين 2 و3 في المئة. وثمة وعود بإعادة تأهيل المحطات الكهرمائية القائمة على السدود ومساقط المياه، وتنفيذ مشروع نموذجي لتوليد الكهرباء على مجاري الأنهر الجبلية الصغيرة والسريعة في رشميا وقاديشا وتنورين.

الهدف الإجمالي الذي أعلنته الحكومة هو رفع حصة الطاقة المتجددة إلى 12 في المئة من مجموع الطاقة المنتجة في لبنان، بالتعاون بين وزارة الطاقة والمركز اللبناني لحفظ الطاقة والشركاء المعنيين، ولا سيما مصرف لبنان والمؤسسات الدولية المانحة. ويدعم مصرف لبنان «الآلية الوطنية لتمويل مشاريع كفاءة الطاقة والطاقات المتجددة» (NEEREA) منذ 2010، وهي تمنح القروض لهذه المشاريع بمعدلات فائدة تصل إلى الصفر وبفترة سماح تمتد حتى 14 عاماً.

ولكن لا بد أيضاً من إعادة النظر في تعرفة الكهرباء التي تدعم الحكومة أسعارها بنحو 1,6 بليون دولار سنوياً. فقد بلغت كلفة إنتاج الكيلوواط ساعة 23 سنتاً، في مقابل 10 سنتات للمبيع، علماً أن كلفة الإنتاج تتغير مع أسعار المحروقات.

افتحوا الباب للقطاع الخاص!

لبنان تأخر كثيراً. الطاقة الشمسية صارت قطاعاً تجارياً في العالم، وتجاوزت مرحلة التجارب. وصلت كلفة إنتاج الكيلوواط ساعة بالطاقة الشمسية إلى 10 سنتات في مشاريع كثيرة، أي أقل من نصف كلفة إنتاجه في لبنان بالوقود الأحفوري. من ذلك أن شركة «أكواباور» السعودية، الرائدة عالمياً في الطاقات المتجددة، ستبني محطة للكهرباء الشمسية في دبي بقدرة 200 ميغاواط وتبيع الكيلوواط ساعة بسعر 5,8 سنت لحكومة دبي، على أساس تجاري صرف ومن دون دعم مالي.

قد تكون المشكلة في لبنان قلة الأراضي المتاحة، لكن هناك أماكن عامة يمكن إقامة حقول شمسية عليها. لا يجوز أن تبقى النظرة إلى البلد كأنه عقار للبيع ممنوع استخدامه للمصلحة العامة. يجب استعمال المشاعات لإفادة الناس لا الطوائف وأصحاب النفوذ.

هناك شركات وطنية وإقليمية مستعدة للاستثمار في قطاع الطاقة الشمسية إذا أعطيت لها فرصة بيع كهربائها. كما يجب السماح للمواطنين والمؤسسات بتركيب أنظمة الطاقة الشمسية على السطوح وبيع الفائض إلى الشبكة العامة، وهذا تماماً ما جعل الطاقة الشمسية تزدهر في بلد مثل ألمانيا. لبنان لن يصل إلى أي مكان مرموق في هذا المجال ما لم يحصل تعديل حقيقي في السياسات يسمح للقطاع الخاص ببيع الكهرباء المتجددة للشبكة العامة.

في كل الأحوال، الحقل الشمسي على نهر بيروت، وإن كان خطوة متأخرة ومحدودة، هو نموذج مرئي للمواطنين كي يهتموا بالإمكانات غير المحدودة التي توفرها مصادر الطاقة المتجددة ولا سيما الشمس. وإلى ذلك، لعله يحجب جزءاً من المناظر البشعة والروائح الكريهة المنبعثة من المجرى الملوث بمياه المجارير والذي يجف معظم أيام السنة، خصوصاً في الصيف. كما أنه حل تجميلي يضفي مظهراً حسناً وعصرياً وتكنولوجياً على نهر العاصمة اللبنانية.

(ينشر بالتزامن مع مجلة “البيئة والتنمية” عدد آذار-نيسان / مارس-أبريل 2015)

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!