د. محمد عبد الرءوف عبد الحميد*
فى أخر يوم بمؤتمر الأمم المتحدة للتنمية المستدامة (ريو +20) والذى أقيم بمدينة ريو دى جانيرو بالبرازيل , كنت أجلس بأحد قاعات الإجتماعات بريوسينترو, عندما لاحظت إمراءة فى أواسط العمر تجلس بجانبى وهى تبكى. سألتها إذا كان هناك أمر ما أو إذا كانت تحتاج أى مساعدة، فقالت: “نعم, لقد قتلوا مستقبلنا, مستقبل أبنائنا”. كانت تلمح لنتائج قمة ريو+20، فالوثيقة الصادرة عن القمة والتى تم تبنيها بعنوان”المستقبل الذى نريده” لم ترضى الغالبية وبخاصة المجتمع المدنى والمجموعات الرئيسية التسعة (الشباب، المرأة، السكان الأصليين، البحث العلمى…الخ). فى الواقع، هذه الوثيقة لا تتضمن أى التزامات جديدة على الحكومات. هى مستند من 253 فقرة من التوكيدات والنداءات التى تطمح للتمهيد للإقتصاد الأخضر Green Economy وأهداف التنمية المستدامة Sustainable Development Goals SDGs والتى سوف تحل محل أهداف التنمية للألفية Millennium Development goals MDGs من 2015 .
هذة الوثيقة تحتوى على الكثير من الفقرات الجيدة محل التوافق العام. إنها لا تحتوى على رؤية جديدة وليست مساعدة على التغير بدرجة كافية . إنها لا تحوى على أهداف واضحة للقياس, وليس بها إطار زمنى محدد أو أى إشارة واضحة عن كيفية تمويل التحول للأقتصاد الأخضر .بإختصار، الوفود الرسمية أضاعوا فرصة لا تعوض ولا تأتى الإ مرة كل جيل لتحقيق إنتصار حقيقى للبشرية.
هذا يثبت ان زعماء العالم لا يستطيعون الحصول على إتفاق حول حل المشكلات البيئية بالعالم أو القيام بخطوات عملية لتحقيق مثال جديد يحتذى للإقتصاد .إنهم ببساطة مازالوا يدافعون عن مصالحهم المحلية الضيقة بدلاً من العمل معاً ضمن سياسة عالمية مشتركة. كما أنهم مازالزا مصرون على أداء الأعمال بنفس الطرق التقليدية القديمة. هذة الطرق التى ثبت أنها غير عادلة وغير مستدامة وقد تسببت فى السنوات الأخيرة فى أزمة إقتصادية عالمية قد قادت الناس للتظاهر فى الشوارع من العالم العربى إلى شارع وول ستريت. وهذا يعني ان الحلول من أعلى لأسفل لحل المشكلات العالمية لم تعد خياراً مناسباً.
للتغلب على فشل القيادة السياسية وغضب و إحباط تلك السيدة التى كانت تبكى وغيرها الكثيرين يجب أن يتحول هذا الغضب لفعل. فى الواقع , أملنا فى الناس. فالشعوب فى كل مكان يجب أن يكونوا مسئولين و مستعدين انفسهم للقيام بالتغيير المطلوب. بإستطاعة الناس ان يكونوا متأكدين من ان العالم الذى يورثونة لأبنائهم و أحفادهم صحى , عادل , مذدهر و مستدام.
ولحسن الحظ، غياب القيادة السياسية قد قوبل بالأفكار الإبداعية، الحماسة و العزم للحصول على المستقبل الذى تستحقة الأرض من المجموعات التسع الرئيسية و المجتمع.
ومما هو جدير بالذكر أنه عندما كان مندوبى الحكومة يقولون ان النص إنجاز هام, كان أكثر من 2000 من الجمعيات الغير حكومية, المؤسسات, والأاشخاص حتى الأن قد وقعوا طلب يدعى “المستقبل الذى لا نريدة” يذكر بالفشل فى إزالة الدعم للوقود الأحفورى , الفشل فى حماية المحيطات، تغير المناخ …الخ.
وإحقاقاً للحق، الصورة ليست كلها مظلمه. القليل قد تم إنجاذة و نتائج الوثيقة توفر أساس جيد لتحقيق التنمية المستدامة. إنها مسئوليتنا الأن للبناء على نتائج ريو +20 التى اكدت على عدة مبادىء جوهرية ووضعتنا على أول خطوة فى الإتجاه الجديد. فالوثيقة تدعو إلي الكثير من الأفعال. ومنها:
-البدء بالعملية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة SDGs. هى ستكون أهداف عالمية للدول النامية والمتقدمة على السواء وستحل محل أهداف التنمية للألفية 2015. لكن التفاصيل تبقى لتتحدد فى المستقبل. العملية من المحتمل أن تكون طويلة حيث يوجد الكثير من التحديات. ولكن هذه واحدة من إنجازات ريو +20 القليلة.
– الإعتراف بالإقتصاد الأخضر كوسيلة لتحقيق التنمية المتواصلة. وهذا فى حد ذاته خطوة كبيرة للأممام، فمنذ حوالى عام مضى كانت الشكوك تساور الكثير من الحكومات بخصوص مفهوم الإقتصاد الأخضر نفسه.
– البدء فى تحسين وإعادة هيكلة البناء المؤسسى البيئى العاملى (الحوكمة البيئية) شاملة ECOSOC، UNEP، للقضاء على البيروقراطية والإحلال التدريجى لجنة التنمية المستدامة CSD، ضم وتخفيض الإتفاقيات الدولية البيئية، وقرار بإنشاء منتدى سياسى عالمى حكومى فى مجال البيئة.
– البدء فى خطوات عملية للمحاسبة البيئية والمؤشرات المالية الخضراء بحيث يتم تفعيل تطبيق مبدأ “ما وراء الناتج القومى Beyond GDP” أو ما يطلق عليه الناتج المحلى المعدل بيئيا.
– الترويج لمعايير تقارير الإستدامة للمؤسسات.
– تطوير إستيراتيجية لكيفية تمويل التنمية المتواصلة.
– تنبى إطار للإنتاج والإستهلاك المستدام.
بالإضافة إلى الإشارة لتحسين المساواة بين المرأة والرجل، والإشارة إلى أهمية الإلتزامات الطوعية فى مجال التنمية المتواصلة والتركيز على الحاجة لإشراك المجتمع المدنى، وضرورة رسم سياسات مبنية على أساس علمى وتكنولوجى.
فى كل الأحوال، أعتقد أنه لا يمكننا الحكم على نتائج قمة ريو+20 بالنجاح أو الفشل الا بعد مرور عدد من السنوات. فإذا تم إستغلال الحماسة الحالية بطريقة إيجابية وصحيحة من جانب كافة أصحاب المصلحة وبخاصة الشعوب للبناء على ما بين أيدينا من إتفاق مبدئى، فيمكننا وضع الإقتصاد الأخضر على الطريق الصحيح، وإتخاذ خطوات عملية لتحسين الحوكمة البيئية العالمية، فبلا شك حينئذ يكون ريو+20 حقق نجاحاً. وعلى الجانب الأخر، يمكننا أن نتحول لفشل ذريع إذا لم يتم تبنى وتطبيق السياسات والإجراءات السليمة.
وأخيراً وليس أخراً، ربما تكون الإنسانية قد فقدت فرصة تاريخية فى مؤتمر ريو+20 لكن بالتأكيد أننا لم نفقد الأمل بعد.
* المنسق العالمي للمجموعة الرئيسية للبحث العلمي، التابعة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة