وضع إطار إقليمي للأمن الغذائي والتغذية
مبادرة إقليمية تسعى إلى الحد من الفاقد الناجم عن خسائر الأغذية والهدر الغذائي
آفاق بيئية : محمد التفراوتي
أسدل الستار عن أشغال المؤتمر الإقليمي 32 للشرق الأدنى وشمال إفريقيا، المنعقد خلال الفترة 24 – 28 فبراير2014 ، حول تحديات الأمن الغذائي الإقليمي وتعهدت الحكومات بتعزيز تعاونها لمعالجة القضايا الحرجة لإدارة المياه، والفاقد الغذائي، وبناء مجتمعات ريفية أكثر مرونة وقدرة على المجابهة.
وعقدت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “FAO” المؤتمر “NERC-32” في مقرها بالعاصمة الإيطالية، خلال الفترة 24 – 28 فبراير/شباط 2014.
وركز المندوبون مباحثاتهم على حالة الأغذية والزراعة في الشرق الأدنى وشمال إفريقيا، و تدارسوا إستراتيجية للإدارة المستدامة للموارد المائية في وقت يواجه فيه الإقليم ما يمكن أن يصبح أسوأ تحدٍ ناجم عن ندرة المياه على امتداد تاريخه الطويل. وبحث المؤتمر أيضاً سبل الحد من خسائر الأغذية والهدر الغذائي في المنطقة، حيث يجري إهدار كمية هائلة من المواد الغذائية المنتجة للاستهلاك، على طول السلسلة الغذائية.
ونوقش البُعد الجنساني في الزراعة والقطاع الريفي بالشرق الأدنى وشمال إفريقيا كمحور رئيسي. وإلى جانب تحديد البلدان الأعضاء في الإقليم المجالات ذات الأولوية في أنشطة المنظمة على صعيد المنطقة لفترة العامين المقبلين.
و أكدت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “FAO” أن الحد من فاقد الخسائر الغذائية والهدر الغذائي المرتفعين في إقليم الشرق الأدنى وشمال إفريقيا سوف يكون حاسماً لتحسين توافر الغذاء، وبلوغ غاية الأمن الغذائي، والحد من الضغوط على الموارد الطبيعية في الإقليم الذي يشهد نمواً سكانياً سريعاً. ويعتمد الشرق الأدنى وشمال إفريقيا على الواردات لتلبية أكثر من 50 بالمائة من احتياجاته الغذائية، إلا أنه يفقد ما يصل إلى ثلث الغذاء الذي ينتجه ويستورده، بما في ذلك ما يتراوح بين 14 و19 بالمائة من الحبوب، ونحو 26 بالمائة من مجموع الأسماك والأغذية البحرية، و13 بالمائة من اللحوم، و45 بالمائة من الكميات الكلية لديه من الفاكهة والخضر. وطرحت منظمة “فاو” إطاراً استراتيجياً إقليمياً للحد من خسائر الأغذية والهدر على صعيد الإقليم، على بساط البحث خلال المؤتمر .وقطعت حكومات الإقليم التزاماً للحد من فاقد الخسائر والهدر الغذائي في المنطقة بنسبة 50 بالمائة خلال 10 سنوات. وتنعكس خسائر الموارد والعمالة الناجمة عن ذلك في بلدان الإقليم على هيئة تراجع العوائد الاقتصادية لقطاع الزراعة والمزارعين والأعمال الصناعية الزراعية، مع ارتفاع فواتير الواردات الغذائية. ويعاني أحد عشر بالمائة من سكان الإقليم الجوع المزمن، ويتألف معدل كبير بضمنهم من الأسر الريفية الضعيفة التي تعتمد على الزراعة كمورد لمعيشتها. وتشير البحوث إلى أن سبل المعيشة والدخل يمكن أن تستفيد من الدعم في مجال تقليص الفاقد الغذائي للخسائر والهدر على امتداد سلسلة القيمة الغذائية.
و أقر مؤتمر منظمة “فاو” الإقليمي ثلاثة مقترحات رئيسية طرحت للبحث خلال المحادثات. عالج المقترح الأول وضع إطار إقليمي للأمن الغذائي والتغذية من شأنه أن يُناسق بين بلدان الإقليم بهذا الشأن.وتبلغ أعداد من يعانون نقص الغذاء في 19 بلداً بإقليم الشرق الأدنى وشمال إفريقيا ما يقرب من 43.7 مليون شخص، أو 10 بالمائة من مجموع السكان. والمقدّر أن خفض هذه الأعداد، ومواجهة النمو السكاني المستمر – وسط تفاقم ندرة الموارد الطبيعية وظروف تغير المناخ الجاري – سوف يتطلب تعاوناً أوثق بكثير فيما بين حكومات الإقليم.
ويدعو الإطار الاستراتيجي المعتمد ، من قبل المؤتمر الإقليمي، الحكومات إلى العمل الوثيق معاً لمعالجة ضعف نمو الإنتاجية الزراعية من خلال زيادة الاستثمار في البحوث والجهود الإنمائية؛ وتطبيق تحسينات للنهوض بكفاءة سلاسل الإمدادات للحد من التعرض بقوة لتطاير الأسواق والصدمات الأخرى؛ وتعزيز شبكات الضمان الاجتماعي وبرامج التغذية والتعليم.
ويشكل إنشاء احتياطيات إستراتيجية إقليمية للحبوب أداة أخرى قيد الدرس، للمساعدة في موازنة قفزات أسعار السلع الأساسية، وذلك كأجراء يتضمنه الإطار الاستراتيجي للأمن الغذائي.
ولاحظ جوزيه غرازيانو دا سيلفا، المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة “FAO”، في ختام المؤتمر ، “أننا نعيش في بيئة من العولمة ولا يسعنا أن نضمن الأمن الغذائي لبلد واحد بعينه، إذ نحتاج إلى العمل سوياً. وثمة التزام قائم بالفعل من جانبنا، كدعامة نبني على صرحها من أجل عالم ينعم بالأمن الغذائي”.
مخطط “المغرب الأخضر” تقدم لمواجهة الرهانات الجديدة
وأكد وزير الفلاحة والصيد البحري، عزيز اخنوش ، أن مخطط المغرب الأخضر أدخل المغرب في منعطف حاسم، وسجله في دائرة من المنجزات المستديمة من خلال طبعه بدينامية من التطور المنسجم والمتوازن.
وأضاف أخنوش، في مداخلة تلاها بالنيابة عنه حسن أبو أيوب سفير المغرب بإيطاليا أن دينامية التطور هذه تأخذ بعين الاعتبار خصوصيات الفلاحة المغربية وهوامشها في التقدم لمواجهة الرهانات الجديدة.
وأشار أخنوش إلى أن المغرب، الواعي بالرهانات الكبيرة التي تثيرها المسألة الغذائية، جعلت من استمرارية الفلاحة ومن الأنظمة الغذائية “أكثر من مجرد رغبة ، بل واجبا في الزمن الحاضر”، مضيفا أن المغرب عقلن أمنه الغذائي في إطار انفتاح متحكم فيه يتيح له تثمين مزاياه المقارنة واستغلال إمكانيات السوق الدولية بشكل أفضل.
وقال أخنوش إن المغرب اختار مقاربة الأمن الغذائي بطريقة شمولية بوضع مخطط “المغرب الأخضر” الذي أطلقه العاهل المغربي محمد السادس في 2008 في مسعى لجعل الفلاحة المحرك الأول للاقتصاد الوطني، مضيفا أن “هذه الاستراتيجية الصلبة، والقطاعية والمندمجة تقوم على الأمد الطويل وتطمح إلى فلاحة دائمة ومجددة كي تكون تنافسية ومندمجة اجتماعيا.”. .وفضلا عن ارتفاع الإنتاج والإنتاجية، وتثمين المنتجات الفلاحية والبحث في الأسواق، تدمج هذه الاستراتيجية نمو مداخيل الفلاحين مع حمايتهم من التغييرات المناخية، من خلال منتجات للتأمين المدعوة لأن تتعمم وتتنوع.
وذكر الوزير بأن مخطط المغرب الأخضر يندرج في إطار ثلاثية التنمية المستدامة التي تكشف عن الكفاءة الاقتصادية والإنصاف الاجتماعي وصيانة الموارد الطبيعية، ملاحظا أن هذا المخطط يقوم على أساسين تؤطرهما مجموعة من الإصلاحات الهيكلية وبرامج طموحة تهدف إلى الحفاظ على الموارد الطبيعية من خلال الاستعمال المعقلن ، خاصة الماء والتربة والتنوع الفلاحي. واعتبر أخنوش أنه بعد حوالي 5 سنوات من التطبيق، غير مخطط المغرب الأخضر الفلاحة المغربية ووضع أسس نظام زراعي جديد.
تعاون أوثق في مجالي المياه والفاقد الغذائي
وأصدر المؤتمر الضوء الأخضر ، إضافة إلى الإطار الإستراتيجي، للتوسع في المبادرة الإقليمية لمنظمة “فاو” بشأن ندرة المياه، لتتجاوز البلدان الست الرائدة المتضمنة فيها وتشمل الإقليم بأسره. وفي نطاق المبادرة، ستركز بلدان الإقليم على النهوض بممارسات إدارة المياه على المستوى الوطني مع توثيق العمل عبر الحدود لتطوير نُهُج تعاونية لإدارة هذا المورد الطبيعي الحاسم.
وتراجع نصيب الفرد من توافر المياه العذبة في الإقليم بنسبة الثلثين على مدى السنوات الأربعين الماضية، ومن المتوقع أن ينخفض بنسبة 50 بالمائة في السنوات الخمس والثلاثين المقبلة إذا استمرت الاتجاهات الحالية للنمو السكاني وأنماط الاستهلاك الجارية. ويستخدم قطاع الزراعة حالياً 85 بالمائة من إمدادات المياه العذبة المتاحة في المنطقة.
و اعتمد المؤتمر مبادرة إقليمية ستسعى إلى الحد من الفاقد الناجم عن خسائر الأغذية والهدر الغذائي. إذ يعتمد إقليم الشرق الأدنى وشمال إفريقيا على الواردات لتلبية أكثر من 50 بالمائة من احتياجاته الغذائية، إلا أنه يفقد ما يصل إلى ثلث الغذاء الذي ينتجه ويستورده.
أولويات المنظمة
وطلب المؤتمر إلى المنظمة أن تركز جهودها على مساعدة البلدان في معالجة ثلاث قضايا حاسمة هي ندرة المياه، وبناء القدرة على التكيف والمجابهة من أجل تعزيز الأمن الغذائي والتغذية، ودعم صغار المزارعين والزراعة المحدودة النطاق.
وتبلغ مخصصات ميزانية المنظمة للأنشطة المقررة في إقليم الشرق الأدنى وشمال إفريقيا للفترة 2014 – 2015، ما مجموعه 45.8 مليون دولار أمريكي، وتقدّر الاحتياجات الإضافية للمساهمات الطوعية بما يبلغ كلياً 95.5 مليون دولار.
وأقرّت البلدان المشاركة في المؤتمر الإقليمي بالحاجة إلى تعبئة موارد إضافية لدعم الأمن الغذائي والتغذية، أيضاً من خلال التعاون فيما بين بلدان الجنوب وإقامة الشراكات، وعن طريق إنشاء صندوق التضامن الإقليمي الجديد قيد الإعداد لدى المنظمة بمساهمة أوّلية من قبل الحكومة العراقية مقدارها 2 مليون دولار أمريكي.
وتنهض المؤتمرات الإقليمية كأعلى هيئات رئاسية لمنظمة “فاو” على الصعيد الإقليمي، بمهمة جوهرية في ضمان فعالية أنشطة المنظمة ميدانياً كما تؤدي دوراً حاسماً في تحديد أولويات عمل المنظمة وأنشطتها.
وصرح جوزيه غرازيانو دا سيلفا، المدير العام لمنظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة”FAO” ، خلال افتتح الاجتماع الوزاري ضمن أعمال المؤتمر الإقليمي للشرق الأدنى وشمال إفريقيا، أن هذه القضايا ليست محدودة بالحدود الوطنية للبلدان.
مؤكدا أن حالة الأمن الغذائي المتدهورة في الشرق الأدنى وشمال إفريقيا لا تعزى فحسب إلى القيود الهيكلية التي يواجهها الإقليم في إنتاج ما يكفيه من غذاء أو إلى اعتماده المتزايد على الواردات الغذائية، وإنما تُرد أيضاً إلى عوامل النزاع وتدفق اللاجئين والهجرة.
وأضاف المدير العام لمنظمة “فاو” إنها قضايا “تؤثر على الإقليم ككل، وتنعكس عواقبها إلى أبعد من ذلك بكثير”. وذكر قائلاً، “ونحن نعلم أن هنالك صلة وثيقة بين السلام والأمن الغذائي؛ وبين الجوع والصراع”. وأوضح بالقول، “ولقد رأينا كيف تولّدت الصراعات نتيجة الخلافات حول الغذاء والموارد مثل الأرض والمياه”. وأكد أن “السلام أمر أساسي لتحقيق الأمن الغذائي، والأمن الغذائي أمر أساسي من أجل حفظ السلام”.
هدف الألفية الإنمائية لخفض الجوع
وأبلغ غرازيانو دا سيلفا المؤتمر الإقليمي بأن الهدف الإنمائي للألفية لا يزال في متناول اليد على الصعيد العالمي، ولكن ثمة حاجة إلى دفعة نهائية خلال فترة 672 يوماً الأخيرة المتبقية قبل الموعد النهائي المحدد. على أن كلاً من الجزائر، وجيبوتي، والأردن، والكويت، وقيرغيزستان، والمغرب، وتركمانستان هي من بين البلدان التي حققت بالفعل الهدف الأول من الأهداف الإنمائية للألفية، لخفض نسبة الجياع إلى النصف خلال الفترة من 1990 إلى 2015. كما أن مستويات نقص التغذية لدى كل من مصر، وجمهورية إيران الإسلامية، ولبنان، وليبيا، والمملكة العربية السعودية، وتونس، والإمارات العربية المتحدة كانت بالفعل دون نسبة 5 بالمائة في عام 1990، كحدٍ يشكل خطاً قاعدياً لأهداف الألفية الإنمائية.
مبادرات “فاو” الإقليمية
ودعا الرئيس التنفيذي لمنظمة “فاو” بلدان الإقليم إلى دعم تنفيذ ثلاث مبادرات إقليمية للشرق الأدنى وشمال إفريقيا أطلقتها المنظمة كاستجابات للأولويات التي حددتها البلدان الأعضاء، وهي المبادرة الإقليمية بشأن ندرة المياه، والمبادرة الإقليمية بشأن المرونة وبناء قدرات المجابهة لتعزيز الأمن الغذائي والتغذية، والمبادرة الإقليمية للزراعة المحدودة النطاق والتنمية الريفية المشتملة لمختلف الأطراف.
وشجع المدير العام بلدان الإقليم على زيادة مساندتها للمزارعين الأسريين في المنطقة من خلال ضمان نفاذهم إلى امتلاك التكنولوجيات الملائمة، والخدمات المالية، والوصول إلى الأسواق، والموارد الطبيعية مثل الأراضي والمياه. وذلك بالإشارة إلى سنة 2014 باعتبارها السنة الدولية للزراعة الأسرية.
كما شجع البلدان على المشاركة في المناقشات للتوصل إلى اتفاق بشأن المبادئ التي اقترحتها لجنة الأمن الغذائي العالمي لدى “فاو” للاستثمار الزراعي المسؤول، والذي من شأنه أن يساعد على ضمان مساهمة الاستثمارات في نمو المزارعين الأسريين.
التمويل “عقبة كبرى”
وأبلغ المدير العام المؤتمر الإقليمي بأن الفترة 2012 – 2013 شهدت تعبئة 100 مليون دولار أمريكي لدعم أنشطة المنظمة على الأصعدة الوطنية، ولا سيما لدى البلدان المتضررة بالصراعات وغير ذلك من حالات الطوارئ. وأضاف أن “التمويل مع ذلك لا يزال يشكل معوقاً رئيسياً أمام توسع نطاق أنشطة المنظمة على المستويات القطرية في الإقليم”، داعياً البلدان ذات الدخل الأعلى في المنطقة إلى زيادة ما تقدمه من دعم.
وقال غرازيانو دا سيلفا أنه يأمل أن تحذو بلدان أخرى حذو المثال الحميد للحكومة العراقية في التعاون الإقليمي، والتي ستساعد مساهمتها على إطلاق الشرارة الأولى لصندوق أمانة التضامن الإقليمي. وأضاف أن الاتفاق على استراتيجية إقليمية النطاق لتمويل دعم الأمن الغذائي في اليمن لهي قضية ذات أهمية خاصة.
يشار على ان المؤتمر عرف حضور أكثر من 160 مندوباً، من بينهم 11 وزيراً، و21 عضواً من المجموعة الإقليمية للشرق الأدنى، إلى جانب ممثلين عن المجتمع المدني والقطاع الخاص، ومنظمات الأمم المتحدة الأخرى والبلدان المراقبة.
المقال بصفحة منتدى البيئة بيومية” المغربية “