حين يجتمع العلم لإنقاذ المستقبل: أكادير تحتضن مختبر العالم لحلول الماء والبيئة

محمد التفراوتيمنذ ساعتينآخر تحديث :
حين يجتمع العلم لإنقاذ المستقبل: أكادير تحتضن مختبر العالم لحلول الماء والبيئة
آفاق بيئية: محمد التفراوتي

وسط مدينة أكادير، حيث يلتقي نسيم الأطلسي بروح الابتكار، تحول مؤتمر WaMEC 2025 إلى فضاء حي يجمع بين الهندسة والبيئة، العلوم الإنسانية والتقنيات الحديثة، والطاقة والذكاء الاصطناعي. ثلاثة أيام جعلت من كلية الطب مختبرا عالميا مفتوحا، شارك فيه علماء ومهندسون وخبراء في المناخ والمواد واللسانيات، لصياغة رؤية مشتركة: كيف يخدم العلم الإنسان، وكيف يعيد الإنسان تشكيل مستقبله عبر العلم؟

المؤتمر الدولي الأول حول الماء والمواد والبيئة، الذي نظمه مختبر الكيمياء التطبيقية والبيئة (LACAPE) بشراكة مع مختبر البحث المتعدد التخصصات والابتكار (LMRI) والجمعية المغربية للعلوم التطبيقية والبيئة، جاء امتدادا لنجاح مؤتمر JIME2019، مؤكدا الدور الريادي للجامعة المغربية في البحث العلمي وتبادل الخبرات. على مدى أيامه، ناقش المشاركون أحدث الابتكارات في إدارة الموارد المائية ومعالجة المياه العادمة، تطبيقات المواد والنانومواد، تقنيات الأغشية والتحلية، تثمين الموارد الطبيعية، الطاقات المتجددة، والتحديات المناخية والاقتصاد الدائري، ليكرس المؤتمر مكانته كمنصة دولية للتفكير الجماعي وصياغة حلول عملية، واضعا المغرب في قلب النقاش العالمي.

الجلسة الافتتاحية أبرزت التزام جهة سوس-ماسة بدعم المبادرات العلمية والبيئية، حيث شدد نائب الرئيس عادل موفكير على ضرورة تطوير حلول مبتكرة لإدارة المياه والانتقال نحو اقتصاد دائري قائم على مواد صديقة للبيئة، مؤكدا أن التعاون العلمي هو السبيل لمواجهة التحديات. من جانبها، أوضحت المديرة الجهوية للبيئة خديجة السامي أن قضايا المؤتمر تنسجم مع الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، مشيرة إلى الاتفاقية الإطار بين وزارتي الانتقال الطاقي والتعليم العالي لدعم تكوين الدكتوراه في مجالات الطاقة والبيئة حتى 2028، بما يعزز التكامل بين البحث والسياسات العمومية.

أما عميد كلية العلوم بأكادير أحمد بلمودن فاعتبر المؤتمر لحظة حاسمة أمام ضغوط الموارد المائية والتغيرات المناخية، مؤكدا أن الحلول المتكاملة تنطلق من البحث العلمي. وأبرز أن الكلية وفرت منصة حديثة للتحليل والتوصيف بأجهزة متطورة مثل المجهر الإلكتروني الماسح، حيود الأشعة السينية، ومجهر رامان، مفتوحة أمام الباحثين الوطنيين والدوليين بأسعار رمزية، تحت شعار: المعدات العلمية يجب أن تخدم المجتمع العلمي بأسره. كما دعا الطلبة والباحثين الشباب إلى المشاركة الجريئة وبناء شراكات قوية.

من جهته، شدد نائب عميد كلية متعددة التخصصات بخريبكة نور الدين بركة على أن المغرب يواجه تحديا مائيا غير مسبوق، يستدعي تعبئة جماعية وفق التوجيهات الملكية لإدارة عقلانية وتضامنية للموارد. وأوضح أن المؤتمر جمع أكثر من 200 باحث وخبير من 15 دولة، لتبادل الخبرات حول إدارة المياه، التحلية، تثمين الموارد غير التقليدية، والطاقات المتجددة، مؤكدا أن التعاون بين الجامعتين المنظمتين يعزز البحث متعدد التخصصات ويضعه في خدمة الأولويات البيئية.

كما أبرزت الدكتورة فاطمة الباز، المديرة بالنيابة لمختبر LACAPE، أن المؤتمر ينعقد في سياق وطني يبعث على الأمل والفخر، بعد ترسيخ السيادة المغربية على الأقاليم الجنوبية، مشيرة إلى أن أهدافه تتمثل في تعزيز الروابط بين الجامعة والقطاع السوسيو-اقتصادي، تشجيع البحث والابتكار، وخلق شراكات جديدة. وأوضحت أن المختبر يقود برامج ماستر حديثة في علوم وتقنيات الماء، الكيمياء التطبيقية، هندسة البيئة والتغير المناخي، ويعمل على ربط البحث بالفعل عبر مشاريع في إدارة المياه، مكافحة التلوث، تثمين النفايات، وتطوير مواد مبتكرة ذات تطبيقات بيئية وطاقة.

واختتم المنسق محمد شيبان بالتأكيد على أن العالم يواجه تحديات بيئية جسيمة من ندرة المياه إلى موجات الجفاف والفيضانات وارتفاع الحرارة، وهي تهدد الزراعة والاقتصاد والأنظمة البيئية، خاصة في منطقة أكادير المعتمدة على الفلاحة. واعتبر أن المؤتمر فضاء للتعاون والإبداع، حيث تبنى شراكات جديدة وتطرح حلول عملية لمواجهة التحديات البيئية. ودعا إلى جعل المؤتمر محطة قوية للتعاون والإبداع والأمل من أجل الأجيال القادمة.

رؤى علمية متعددة

إدارة الموارد المائية: رؤية مغربية
في اليوم الأول، قدم البروفيسور الحسين بوشعو عرضا بعنوان التكنولوجيات الجديدة لإدارة الموارد المائية: رؤى من المغرب. سلط الضوء على واقع الموارد المائية حيث يستهلك القطاع الزراعي حوالي 85 في المائة منها، في ظل ضغط متزايد من التغيرات المناخية والاستغلال المفرط. طرح رؤية متكاملة لإدارة المياه عبر أدوات حديثة مثل القياسات الميدانية الدقيقة، المراقبة الفضائية بالأقمار الصناعية، النمذجة متعددة التخصصات، بروتوكولات ذكية لإدارة مياه الري اعتمادا على تقنيات الأغرو-ميتيورولوجيا، وإشراك الذكاء الجماعي لبناء نموذج مستدام. الأثر المتوقع يتجاوز الجانب التقني ليحدث تحولا رقميا في قطاع الماء والفلاحة، يحسن ظروف عيش الفلاحين، ويرفع كفاءة الإنتاج، ويجعل الزراعة أكثر جاذبية للشباب، مع تعزيز التدريب وبناء القدرات. النقاش مع الشركاء تناول القيود المرتبطة بنقص الموارد البشرية وقواعد البيانات، واعتمد منهجية أسئلة بسيطة وفعالة (ماذا؟ من؟ أين؟ متى؟ كيف؟ كم؟ لماذا؟) لتوزيع المهام وضمان وضوح الرؤية.

تثمين الموارد الزراعية بالإنزيمات

في محور آخر، تناول البروفيسور “روناطو فرواديفو” موضوع الإنزيمات والبيوكاتاليز في تثمين الموارد الزراعية. أوضح أن التصنيف الدولي للإنزيمات يحدد سبع فئات رئيسية (EC1–EC7)، تعكس إمكانات هائلة لتحويل المخلفات الزراعية إلى منتجات ذات قيمة مضافة مثل الوقود الحيوي والمواد الكيميائية الخضراء والمكونات الغذائية.
لكن هذا المجال يواجه تحديات عملية: الموسمية والتوفر، الجدل الأخلاقي حول “الغذاء مقابل الوقود”، العوائق التكنولوجية المكلفة، والعوامل السوقية والسياساتية. في المقابل، برزت اتجاهات مبتكرة مثل تطوير كوكتيلات إنزيمية، اعتماد الإنزيمات المثبتة، استكشاف الإنزيمات الميتاجينومية، وإنشاء مصافي حيوية متكاملة (بيوريفينري). هذه الابتكارات تجعل البيوكاتاليز ركيزة أساسية لبناء اقتصاد دائري ومستدام يوازن بين البيئة والجدوى الاقتصادية.

التحلية في المغرب: قوة وتحديات

أما البروفيسور محمد تاكي من جامعة ابن طفيل، فقدم عرضا بعنوان التحلية في المغرب: نقاط القوة، التحديات، وفرص البحث. أوضح أن نصيب الفرد من الموارد المائية في المغرب يبلغ حوالي 540 م³ سنويا، قريبا من عتبة الندرة العالمية (500 م³)، ما يجعل البحث عن حلول غير تقليدية ضرورة استراتيجية.
اعتمد المغرب منذ عقدين على تقنية التحلية بالتناضح العكسي، لما توفره من استقلالية مائية ونقاء عال ومرونة في التركيب والتوسيع، إضافة إلى كفاءتها مقارنة بالتحلية الحرارية. لكن التحديات قائمة: ارتفاع تكلفة الطاقة (3–5 ك.و.س لكل م³)، الكلفة الاستثمارية العالية، تقادم الأغشية، مشكلة البورون، إضافة إلى الأثر البيئي للرجيع الملحي وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
في المقابل، تفتح هذه التحديات فرصا للبحث والتطوير: تحسين المعالجة الأولية، تطوير الأغشية باستلهام قنوات الأكوبورينات، إعادة تدوير الأغشية المستعملة، تقليل استهلاك الطاقة عبر أنظمة استرجاع الطاقة والطاقات المتجددة، وإدارة الرجيع الملحي بنظم مبتكرة مثل التخلص الصفري من السوائل. المغرب اختار بوعي استراتيجي هذا المسار، مع مشاريع كبرى في الدار البيضاء والرباط وطنجة، لكن ضمان استدامته يتطلب مواجهة التحديات الاقتصادية والبيئية والبشرية.

الجسيمات النانوية في خدمة الطاقة النظيفة

قدمت البروفيسورة “غابرييلا كارجا” من جامعة التقنية “غ. أساشي” بمدينة ياش – رومانيا، مداخلة متقدمة بعنوان:”احتجاز الجسيمات النانوية المعدنية الصغيرة جدا داخل مصفوفات هيدروكسيد مزدوج الطبقات من أجل تحفيز مستدام”.

استعرضت الباحثة أحدث التطورات في مجال التحفيز النانوي المستدام، موضحة كيفية احتجاز الجسيمات النانوية المعدنية مثل الذهب والنحاس والنيكل داخل تراكيب نانوية ثنائية الطبقات (LDH). وأوضحت أن هذه البنى المزدوجة توفر بيئة مثالية للتحكم في التفاعلات الكيميائية، مما يفتح آفاقا واسعة لتطبيقها في التحفيز الكيميائي وإنتاج الطاقة النظيفة. كما بينت أن التفاعلات بين الجسيمات النانوية والمصفوفة الطبقية تعزز الانتقائية والنشاط التحفيزي بفضل ظواهر فيزيائية مثل فصل الشحنات المدفوعة بالبلازمون (PICS). وأكدت أن هذه الأبحاث تمهد الطريق نحو بناء معماريات نانوية معقدة تساهم في تطوير حلول مستدامة للطاقة والبيئة.

معالجة الكبيلات الملوثة بالرصاص لأغراض هندسية مستدامة

و قدم فريق جامعة كوامي نكروما للعلوم والتكنولوجيا – غانا (KNUST)، المكون من بنيتا كومسون، إليوت بابوي، وبارتريك بواكيي، دراسة بعنوان:” زالة سمّية الكبيلات المستهلكة لاستخدامات هندسية”

تناولت المداخلة معالجة المخلفات الناتجة عن عمليات تحليل الذهب المعروفة بـ”الكبيلات” (cupels)، والتي تحتوي على نسب مرتفعة من أكسيد الرصاص تصل إلى 45% وتشكل خطرًا بيئيًا وصحيًا كبيرًا. اقترحت الدراسة مقاربة خضراء باستخدام أحماض عضوية ضعيفة مثل الخليك والستريك لاستخلاص الرصاص، وذلك بعد طحن العينات لتحسين النفاذية. وأظهرت النتائج أن الخلّيك أكثر فعالية في الاستخلاص، وأن حجم الجزيئات له تأثير أكبر من نوع الحمض المستخدم. وأكد الباحثون أن هذه الطريقة تتيح إعادة تدوير المواد الخطرة وتحويلها إلى مواد هندسية صديقة للبيئة، بما يعزز مفهوم الاقتصاد الدائري في القطاع الصناعي.

اختتم اليوم الأول من الملتقى بنقاش تفاعلي بين الباحثين والطلبة المشاركين، أجمعت مداخلاته على ضرورة دمج البحث العلمي بالتطبيق الميداني لمواجهة تحديات الماء والطاقة والبيئة، وتعزيز التعاون بين الجامعات المغربية والأجنبية لتطوير حلول مبتكرة ومستدامة.

و شهد اليوم العلمي،الثاني، الحافل نقاشات موسعة امتدت عبر عدد كبير من المحاور العلمية المتنوعة،  و سلسلة من المداخلات العلمية التي أبرزت أحدث التطورات في معالجة المياه والمواد المتقدمة.
واستعرض البروفيسور “لويجي ريزو” من “جامعة ساليرنو” التحديات التي تواجه المعالجة الثلاثية والرباعية لمياه الصرف في أوروبا، في ظل التشريعات الجديدة التي تفرض معايير صارمة لإزالة الملوثات الدقيقة وتحقيق الحياد الطاقي في محطات المعالجة.

و من جهته، قدم البروفيسور أحمد س. ج. خليل من جامعة الفيوم ابتكاراته في تطوير الأغشية النانوية المركبة لمعالجة المياه، مبرزا إمكانات هذه المواد في تعزيز كفاءة التحلية والمعالجة المتقدمة، إضافة إلى دوره في ربط البحث العلمي بالابتكار الصناعي .

كما عرض الباحث الحسين أبلو من جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية (UM6P)  نتائج أبحاثه حول البوليمرات الحيوية القابلة للتحلل لإنتاج أسمدة بطيئة الإطلاق، مؤكدا دور هذه التقنيات في دعم الزراعة المستدامة والاقتصاد الحيوي الدائري.

و عرضت الدكتورة “صوفي سيرنو” حول الأغشية الخزفية الكارهة للماء المستخدمة في التقطير الغشائي، والتي حققت نسبا مرتفعة في إزالة الأملاح والزيوت.

وهكذا يؤكد اليوم الثاني للمؤتمر الاتجاه المتصاعد نحو حلول مبتكرة تدمج بين المواد المتقدمة والتقنيات البيئية المستدامة.

و تناول الباحثون، كذلك في ملتقيات موازية، مشاركات معمقة في مجالات الخطاب واللسانيات، والطاقات المتجددة، والهندسة الميكانيكية، وعلوم المياه، وتقنيات الاستشعار عن بعد، وتثمين الموارد الطبيعية، والمواد المتقدمة، والذكاء الاصطناعي، والاقتصاد البيئي، وإدارة المخاطر، والنمذجة العددية، والتصنيع الذكي، وغيرها.

محور الخطاب والإعلام واللغات وتحليل المضامين

تدارس المشاركون قضايا تحليل الخطاب من زوايا متعددة، حيث استعرض الباحثون استخدام البرمجيات المتخصصة في تحليل النصوص مثل Iramuteq لدراسة المضامين اللغوية والاتصالية، إلى جانب تحليل محتوى القنوات التلفزية والخطابات الدعائية وآليات بناء الصورة الذهنية. وتطرق الحاضرون إلى مقاربات سيميائية وتداولية وحديثية للخطاب الدعوي والسياسي، ودراسة الخطاب المقاوم في الشعر، والبيان البلاغي في الرواية الحديثة. كما ناقش الباحثون توظيف الوسائط التعليمية في تنمية مهارات الفهم القرائي، وتحليل الخطاب الرقمي، ودراسة العلامات التجارية في البيئة الإلكترونية، واستعمال النماذج الذكية لفهم النصوص العربية والأمازيغية.

محور الطاقات المتجددة والتحويلات الحرارية وتقنيات الطاقة

استعرض الباحثون دراسات متقدمة حول فعالية السخانات الشمسية وأنماط تدفق الحرارة داخل الأنظمة الحرارية، إضافة إلى تصميم الأنظمة الهيدروليكية وتطوير حلول مبتكرة في مجال تحويل الطاقة الشمسية إلى طاقة حرارية وكهربائية. وتناول المشاركون نمذجة تصميم توربينات الرياح عالية الكفاءة، وتحليل تمدد المعادن تحت تأثير الحرارة، والخصائص الديناميكية للمواد المركبة ثلاثية الطبقات. كما قدمت عروض تعتمد الذكاء الاصطناعي في توقع المردودية الطاقية والتنبؤ بمردود الألواح الشمسية، ونماذج هجينة لتحسين فعالية المحطات الشمسية.

محور الهندسة الميكانيكية والروبوتيك والتحكم

تدارس الباحثون مستجدات التشغيل الآلي عبر أنظمة القطع الذكية وتقنيات التحكم في الاصطدامات، إلى جانب نمذجة الهياكل المركبة وتحليل الإجهاد، ودراسة حركيات الأنظمة الميكانيكية المتقدمة. كما تناول المشاركون تطوير أنظمة روبوتية دقيقة موجهة للصناعة، وتطبيقات تحسين الحركة في الروبوتات عبر النماذج التنبؤية. وتمّ عرض تقنيات جديدة لقياس الذبذبات، ونماذج لتعزيز المقاومة الهيكلية في المواد المركبة، إضافة إلى استعمال الذكاء الاصطناعي في تقييم ديناميات الهياكل.

 الموارد المائية والهيدرولوجيا وإدارة المياه

استعرض الباحثون وضعية الموارد المائية، وتناولوا بالدراسة العلاقة بين استهلاك المياه والأمن المائي، ونمذجة مستويات المخزون الجوفي. وتم تقديم نماذج تعتمد الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بتغير مستويات المياه وتحديد الطلب المستقبلي. كما ناقش المتدخلون تقنيات معالجة المياه العادمة عبر النباتات والطحالب، وتحليل جودة المياه، ونماذج رياضية لتوزيع شبكات الماء الشروب. كما تم استعراض تقنيات لإدارة التربة ومراقبة تدهور الأراضي عبر مؤشرات متعددة.

محور الاستشعار عن بعد والجيوماتيك والخرائط الطبوغرافية

تناول المشاركون استخدام تقنيات الاستشعار عن بعد لرصد الصحة الغابوية، وتحليل تغيرات الغطاء النباتي، وتحديد استعمالات الأراضي. واستعرض الباحثون نماذج ذكاء اصطناعي لاكتشاف الآفات الزراعية مثل الجنادب، وتحليل ظاهرة تدهور الغطاء النباتي. كما تم عرض خرائط حساسية الفيضانات في عدد من المناطق، ودراسات حول قياس التبخر والنتح عبر الأقمار الصناعية، وتحليل صور الأقمار متعددة الأطياف لتقدير سمك الجليد ورصد التغيرات المناخية. كما تدارس الحاضرون نماذج لرصد الظواهر الطبيعية الدقيقة مثل الويبوغ في محاصيل الفول السوداني، وتقييم تأثير المناخ على توزيع النباتات.

محور المواد المتقدمة وتقنيات النانو

استعرض الباحثون دراسات معمقة حول المواد النانوية وخصائصها، مثل الجرافين المركب والمواد متعددة الطبقات، وطرق تصنيع مواد جديدة تعتمد على التوصيل الحراري والكهربي المحسّن. كما تناول المشاركون تطوير مواد مركبة متقدمة للاستخدام في الطاقات المتجددة والصناعة، وتحليل التوصيف الفيزيائي للمركبات المجهرية، وتقنيات التحكم في سلوك المواد عند التعرض لإجهادات عالية. وشملت العروض تقديم نتائج حول مقاومة التآكل، وتحسين المتانة، وتصنيع مواد صديقة للبيئة.

محور تثمين الموارد الطبيعية والاقتصاد الدائري

تناول الباحثون قضايا تثمين الموارد الطبيعية عبر تطوير عمليات تحويل المخلفات إلى مواد ذات قيمة مضافة، خاصة في ميدان إعادة تدوير البلاستيك وتحويل النفايات إلى مواد بناء جديدة. واستعرض المتدخلون سبل تعزيز الاقتصاد الدائري من خلال تثمين النفايات الفلاحية والمعادن المنخفضة الجودة، وتقنيات معالجة المعادن، وتطوير مواد مستدامة ذات خصائص محسنة تستجيب للمعايير البيئية الحديثة.

محور الاقتصاد البيئي والنمذجة الاجتماعية والطاقية

ناقش المشاركون تطبيقات الذكاء الاصطناعي في توقع معدل البطالة، ونمذجة الظواهر الاجتماعية والاقتصادية، وتطوير مؤشرات لاتخاذ القرار في السياسات العمومية. كما استعرض الباحثون نماذج لتوزيع محطات الشحن الكهربائي للسيارات، ودراسات حول إدارة الموارد الطاقية، وتحليل أثر تغير المناخ على التنمية. وتدارس الحاضرون أنماط الاستهلاك الطاقي، وطرق تحسين الكفاءة الطاقية، وتوقعات الإنتاج الطاقي من مصادر متجددة.

محور تحليل الإشارات والقياسات والصوتيات

استعرض الباحثون تقنيات جديدة لقياس جودة المنتجات الفلاحية عبر الذكاء الاصطناعي، مثل تقييم جودة الفاكهة، وتحليل الإشارات الصوتية والموجات فوق الصوتية. كما تناول المشاركون تصميم أفران كهربائية ذكية، وأنظمة مراقبة تعتمد القياسات الديناميكية، ونماذج لتحليل الاهتزازات والترددات في الهياكل الميكانيكية.

محور الحركية الحضرية وتحليل حركة المرور

تدارس الباحثون واقع حركة المرور في مدينة مراكش، مستعرضين نماذج حسابية وتحليلية لتحسين الانسيابية ومراقبة مستويات الازدحام. وتم استعمال تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم العميق لتحليل بيانات المرور وبناء توقعات للحركية المستقبلية.

ملصقات علمية

شهدت المؤتمر ملصقات علمية المصاحبة لفعاليات اليوم العلمي زخما كبيرا من العروض والأبحاث التي غطت ثلاثة محاور رئيسية، همت تدبير الموارد المائية ومعالجة المياه العادمة، والمواد والنانو مواد وتطبيقاتها، وتثمين الموارد الطبيعية والبيولوجية. وقد تناول المشاركون عبر هذه الملصقات أحدث المستجدات العلمية والتقنية، واستعرضوا نتائج دراسات معمقة، وطرحوا نماذج مبتكرة للتصنيع والمعالجة والحماية البيئية.

تدبير الموارد المائية ومعالجة المياه العادمة

تناول المشاركون في هذا المحور دراسات متقدمة حول تقييم جودة المياه ومعالجة الملوثات، حيث استعرض الباحثون الخصائص الهيدروكيميائية للمياه الجوفية في حوض درعة السفلي، إلى جانب عرض تطوير أغشية ترشيح خزفية منخفضة التكلفة تعتمد على الطين الطبيعي لمعالجة المياه العادمة. كما تدارس المتدخلون تصميم مركبات جديدة لإزالة المعادن الثقيلة مثل الكروم من المياه الملوثة، وتطوير منصات تحليل كهربائي شديدة الحساسية للكشف عن الملوثات الدوائية الدقيقة مثل الكاربامازيبين.

وتناول باحثون آخرون حالات تقنية من محطات التناضح العكسي، ومشكلات التشغيل والصيانة، بينما قدمت ملصقات أخرى تحليلاً لتلوث المياه بالنترات والكبريتات والفوسفات، واقتراح تدابير عملية للمعالجة.

و استعرض المشاركون دراسات تمحورت حول تحسين عمليات الامتزاز وإزالة الصباغات، من خلال مقارنة امتزاز صبغة الكونغو ريد على مركبات هندسية جديدة، والبحث في تثمين المستخلصات النباتية كمانعات لترسّب كربونات الكالسيوم بطرق اقتصادية وبيئية. كما ناقشت إحدى الملصقات استخدام تقنية التجميد (Block Cryoconcentration) لمعالجة الملوثات الصناعية المعقدة مثل البيسفينول-A.

وتم تقديم نماذج لامتصاص الصبغات الكاتيونية عبر مركبات مغناطيسية هجينة تعتمد على البوليبيرول وأكسيد الغرافين، إضافة إلى تطوير محفزات ضوئية عالية الأداء قادرة على تفكيك الملوثات العضوية تحت الضوء المرئي. كما تدارس المشاركون نماذج رياضية لتشغيل محطات معالجة المياه العادمة، ومقاربات لمزج التحليل التجريبي والنظري في إزالة الملوثات باستخدام مواد متقدمة مطلية بالدكستروز.

محور المواد والنانومواد وتطبيقاتها

استعرض الباحثون ضمن هذا المحور أبحاثا نوعية في تصميم المواد المتقدمة والنانومواد، شملت تطويع الزجاج الفوسفاتي الحامل للتنغستين لأغراض صناعية، وتعديل الأغشية الخزفية لتحسين قدرتها على تنقية المياه. كما تناولت بعض العروض استخدام النمذجة التجريبية والذكاء الاصطناعي لتحسين قدرة بعض المواد على إزالة الصبغات مثل BET وMO1.

وتدارس المتدخلون دراسات ميكانيكية حول امتزاز ثيمول من قبل طين المونتموريلونيت، وتصنيع محفزات بلازمونية تعتمد على الجسيمات الذهبية الدقيقة المحصورة داخل هياكل مزدوجة الطبقات. كما استعرضت ملصقات أخرى تطوير أغشية أيونية متداخلة البنية (IPN) موجّهة لإنتاج الهيدروجين.

وتناول الباحثون أيضا تصنيع طبقات مزدوجة متقدمة لإزالة الصبغات مثل الفوشين الأساسي، وابتكار طرق تعتمد النماذج السطحية والشبكات العصبية لإزالة العناصر مثل اللانثانيوم باستخدام الكتلة الحيوية البحرية. كما استعرضت ملصقات أخرى تطوير مواد مستدامة على شكل أغشية تبادل أنيوني مستخلصة من مصادر حيوية وبطرق تصنيع مستوحاة من صناعة الورق.

تثمين الموارد الطبيعية والبيولوجية

تناول المشاركون في هذا المحور سبل تطوير استعمالات جديدة للموارد الطبيعية، حيث ناقشوا الكفاءة التكافلية لسلالات Rhizobium المحلية ودورها في تحسين نمو وفعل تثبيت الآزوت لدى نبتة الفاصوليا في منطقة الغرب. كما استعرض الباحثون دراسات محاكاة حاسوبية In Silico لتحليل تفاعلية مشتقات البيوتاديين، وتحضير مشتقات بيوفعالة من مكونات الثيمول.

وتدارس الحاضرون أساليب إزالة النترات باستخدام الكتلة الحيوية المعدلة كيميائياً، وتحسين كفاءة الامتزاز عبر الضبط التجريبي والنمذجة بالأسطح الاستجابية. كما تضمنت الملصقات دراسات حول التنوع الغشائري للنحل الانفرادي ودوره في تلقيح اللوز، وتحليل التأثيرات البيئية للأحياء الدقيقة التكافلية في جذور أشجار الزيتون، واستخدام النفايات العضوية مثل شاي التجفيف في إزالة صبغات صناعية عبر نماذج حركية وثرموديناميكية دقيقة.

كما تم استعراض أبحاث حول تصنيع الفحم النشط من الكتل الخشبية المحلية في النيجر، وتثمين المناطق المتصحرة في واحة تافيلالت، وتطوير أغشية صديقة للبيئة لإنتاج الهيدروجين، وتثمين النباتات العطرية والطبية عبر استخلاص الزيوت الأساسية، إلى جانب عرض اتجاهات حديثة في التحليل الكهروكيميائي لمياه البحر وإمكانات تطوير التحليل الكهربائي البحري.

يذكر أن الملصقات العلمية عكست دينامية بحثية قوية وتنوعا ملحوظا في المواضيع، إذ ربطت بين الحلول البيئية وتطوير المواد وتثمين الموارد الطبيعية والتقنيات النظيفة، مقدمة رؤى مبتكرة تعزز الاستدامة وتدعم التنمية العلمية والاقتصادية.

يذكر ان المؤتمر شهد حضور عالمي ورسالة مشتركة. شارك فيه علماء من بلجيكا، فرنسا، اليابان، الصين، وأستراليا، إلى جانب باحثين مغاربة، مما يعكس الطابع العالمي للبحث في العلوم بمختلف أصنافها تخصصاتها. هذا التنوع العلمي يرسل رسالة واضحة: التحديات العلمية و البيئية لا تعرف حدودا، والحلول يجب أن تكون ثمرة تعاون دولي. شكل مؤتمر بذلك حدثا أكاديميا بامتياز ، و منصة لإعادة التفكير في دور العلم كأداة للتغيير الاجتماعي والبيئي. بضعة نانومترات قد تبدو صغيرة، لكنها تحمل في طياتها القدرة على إحداث تحولات كبرى في مستقبل البشرية.

يشار أن المؤتمر عرف أيضا لحظة مميزة تمثلت في تسليم جوائز أفضل المداخلات العلمية للشباب الباحثين وذلك تشجيعا لهم على مواصلة مسار البحث والابتكار، وتحفيزا على تقديم أعمال رائدة ذات أثر علمي ومجتمعي. هذا التكريم يعكس إرادة المنظمين في جعل المؤتمر فضاء داعما للطاقات الصاعدة، ومنصة لتثمين جهود الطلبة والباحثين الشباب، بما يعزز انخراطهم في القضايا البيئية والطاقية الراهنة، ويمنحهم الثقة في أن مساهماتهم جزء أساسي من الحلول المستقبلية.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!