حين يجتمع العلم لإنقاذ المستقبل: أكادير تحتضن مختبر العالم لحلول الماء والبيئة

محمد التفراوتي16 نوفمبر 2025آخر تحديث :
حين يجتمع العلم لإنقاذ المستقبل: أكادير تحتضن مختبر العالم لحلول الماء والبيئة
المؤتمر الدولي الأول حول الماء والمواد والبيئة
آفاق بيئية: محمد التفراوتي

وسط مدينة أكادير، حيث يلتقي نسيم الأطلسي بروح الابتكار، تحول مؤتمر WaMEC 2025 إلى فضاء حي يجمع بين الهندسة والبيئة، والتقنيات الحديثة، والطاقة والذكاء الاصطناعي.  يومين جعلت من كلية الطب مختبرا عالميا مفتوحا، شارك فيه علماء ومهندسون وخبراء في المناخ والمواد، لصياغة رؤية مشتركة: كيف يخدم العلم الإنسان، وكيف يعيد الإنسان تشكيل مستقبله عبر العلم؟

المؤتمر الدولي الأول حول الماء والمواد والبيئة، الذي نظمه مختبر الكيمياء التطبيقية والبيئة (LACAPE) بكلية العلوم بأكادير بشراكة مع مختبر البحث المتعدد التخصصات والابتكار (LMRI) بالكلية المتعددة التخصصات بخريبكة بشراكة مع الجمعية المغربية للعلوم التطبيقية والبيئة، جاء امتدادا لنجاح مؤتمر JIME2019، مؤكدا الدور الريادي للجامعة المغربية في البحث العلمي وتبادل الخبرات. على مدى أيامه، ناقش المشاركون أحدث الابتكارات في إدارة الموارد المائية ومعالجة المياه العادمة، تطبيقات المواد والنانومواد، تقنيات الأغشية والتحلية، تثمين الموارد الطبيعية، الطاقات المتجددة، والتحديات المناخية والاقتصاد الدائري، ليكرس المؤتمر مكانته كمنصة دولية للتفكير الجماعي وصياغة حلول عملية، واضعا المغرب في قلب النقاش العالمي.

و اعتبر  عميد كلية العلوم بأكادير، البروفيسور أحمد بلمودن، المؤتمر لحظة حاسمة أمام ضغوط الموارد المائية والتغيرات المناخية التي تشهدها الجهة، مؤكدا أن الحلول المتكاملة تنطلق من البحث العلمي. وأبرز أن الكلية وفرت منصة حديثة للتحليل والتوصيف بأجهزة متطورة مثل المجهر الإلكتروني الماسح، حيود الأشعة السينية، ومجهر رامان، مفتوحة أمام الباحثين الوطنيين والدوليين بأسعار رمزية، تحت شعار: “المعدات العلمية يجب أن تخدم المجتمع العلمي بأسره”. ودعا الطلبة والباحثين الشباب إلى المشاركة الجريئة وبناء شراكات قوية.

وشدد البروفيسور محمد شيبان، منسق المؤتمر، على أن العالم يواجه تحديات بيئية جسيمة من ندرة المياه إلى موجات الجفاف والفيضانات وارتفاع الحرارة، وهي تهدد الزراعة والاقتصاد والأنظمة البيئية، خاصة في منطقة أكادير المعتمدة على الفلاحة. واعتبر المؤتمر فضاء للتعاون والإبداع، حيث تبنى شراكات جديدة وطرحت حلول عملية لمواجهة التحديات البيئية.

و أوضحت البروفيسورة فاطمة الباز، المديرة بالنيابة لمختبر مختبر الكيمياء التطبيقية والبيئة (LACAPE)، أن المؤتمر يعقد في سياق وطني يبعث على الأمل والفخر، مشيرة إلى أهدافه في تعزيز الروابط بين الجامعة والقطاع السوسيو-اقتصادي، تشجيع البحث والابتكار، وخلق شراكات جديدة. وأكدت أن المختبر يقود برامج ماستر حديثة في علوم وتقنيات الماء، الكيمياء التطبيقية، هندسة البيئة والتغير المناخي، ويربط البحث بالفعل عبر مشاريع في إدارة المياه، مكافحة التلوث، تثمين النفايات، وتطوير مواد مبتكرة ذات تطبيقات بيئية وطاقة.

وأكد نائب رئيس جهة سوس-ماسة، السيد عادل موفكير، على ضرورة تطوير حلول مبتكرة لإدارة المياه والانتقال نحو اقتصاد دائري قائم على مواد صديقة للبيئة، مشيرا أن التعاون العلمي هو السبيل لمواجهة التحديات.

وقالت المديرة الجهوية للبيئة، السيدة خديجة السامي،  أن قضايا المؤتمر تنسجم مع الاستراتيجية الوطنية للتنمية المستدامة، مشيرة إلى الاتفاقية الإطار بين وزارتي الانتقال الطاقي والتعليم العالي لدعم تكوين الدكتوراه في مجالات الطاقة والبيئة حتى 2028.

وأكد نائب عميد كلية متعددة التخصصات بخريبكة، السيد نور الدين بركة، أن المغرب يواجه تحديا مائيا غير مسبوق، يستدعي تعبئة جماعية وفق التوجيهات الملكية لإدارة عقلانية وتضامنية للموارد، مشيرا إلى أن المؤتمر جمع أكثر من 200 باحث وخبير من 15 دولة لتبادل الخبرات حول إدارة المياه، التحلية، تثمين الموارد غير التقليدية، والطاقات المتجددة.

رؤى علمية متعددة

إدارة الموارد المائية: رؤية مغربية
في اليوم الأول، قدم البروفيسور الحسين بوشعو عرضا بعنوان التكنولوجيات الجديدة لإدارة الموارد المائية: رؤى من المغرب. سلط الضوء على واقع الموارد المائية حيث يستهلك القطاع الزراعي حوالي 85 في المائة منها، في ظل ضغط متزايد من التغيرات المناخية والاستغلال المفرط. طرح رؤية متكاملة لإدارة المياه عبر أدوات حديثة مثل القياسات الميدانية الدقيقة، المراقبة الفضائية بالأقمار الصناعية، النمذجة متعددة التخصصات، بروتوكولات ذكية لإدارة مياه الري اعتمادا على تقنيات الأغرو-ميتيورولوجيا، وإشراك الذكاء الجماعي لبناء نموذج مستدام. الأثر المتوقع يتجاوز الجانب التقني ليحدث تحولا رقميا في قطاع الماء والفلاحة، يحسن ظروف عيش الفلاحين، ويرفع كفاءة الإنتاج، ويجعل الزراعة أكثر جاذبية للشباب، مع تعزيز التدريب وبناء القدرات. النقاش مع الشركاء تناول القيود المرتبطة بنقص الموارد البشرية وقواعد البيانات، واعتمد منهجية أسئلة بسيطة وفعالة (ماذا؟ من؟ أين؟ متى؟ كيف؟ كم؟ لماذا؟) لتوزيع المهام وضمان وضوح الرؤية.

تثمين الموارد الزراعية بالإنزيمات

في محور آخر، تناول البروفيسور “روناطو فرواديفو” موضوع الإنزيمات والبيوكاتاليز في تثمين الموارد الزراعية. أوضح أن التصنيف الدولي للإنزيمات يحدد سبع فئات رئيسية (EC1–EC7)، تعكس إمكانات هائلة لتحويل المخلفات الزراعية إلى منتجات ذات قيمة مضافة مثل الوقود الحيوي والمواد الكيميائية الخضراء والمكونات الغذائية. لكن هذا المجال يواجه تحديات عملية من قبيل الموسمية والتوفر، و الجدل الأخلاقي حول “الغذاء مقابل الوقود”، و العوائق التكنولوجية المكلفة، والعوامل السوقية والسياساتية. في المقابل، برزت اتجاهات مبتكرة مثل تطوير كوكتيلات إنزيمية، اعتماد الإنزيمات المثبتة، استكشاف الإنزيمات الميتاجينومية، وإنشاء مصافي حيوية متكاملة (بيوريفينري). هذه الابتكارات تجعل البيوكاتاليز ركيزة أساسية لبناء اقتصاد دائري ومستدام يوازن بين البيئة والجدوى الاقتصادية.

التحلية في المغرب: قوة وتحديات

أما البروفيسور محمد تاكي من جامعة ابن طفيل، فقدم عرضا بعنوان التحلية في المغرب: نقاط القوة، التحديات، وفرص البحث. أوضح أن نصيب الفرد من الموارد المائية في المغرب يبلغ حوالي 540 م³ سنويا، قريبا من عتبة الندرة العالمية (500 م³)، ما يجعل البحث عن حلول غير تقليدية ضرورة استراتيجية.
اعتمد المغرب منذ عقدين على تقنية التحلية بالتناضح العكسي، لما توفره من استقلالية مائية ونقاء عال ومرونة في التركيب والتوسيع، إضافة إلى كفاءتها مقارنة بالتحلية الحرارية. لكن التحديات قائمة: ارتفاع تكلفة الطاقة (3–5 ك.و.س لكل م³)، الكلفة الاستثمارية العالية، تقادم الأغشية، مشكلة البورون، إضافة إلى الأثر البيئي للرجيع الملحي وانبعاثات ثاني أكسيد الكربون.
في المقابل، تفتح هذه التحديات فرصا للبحث والتطوير: تحسين المعالجة الأولية، تطوير الأغشية باستلهام قنوات الأكوبورينات، إعادة تدوير الأغشية المستعملة، تقليل استهلاك الطاقة عبر أنظمة استرجاع الطاقة والطاقات المتجددة، وإدارة الرجيع الملحي بنظم مبتكرة مثل التخلص الصفري من السوائل. المغرب اختار بوعي استراتيجي هذا المسار، مع مشاريع كبرى في الدار البيضاء والرباط وطنجة، لكن ضمان استدامته يتطلب مواجهة التحديات الاقتصادية والبيئية والبشرية.

الجسيمات النانوية في خدمة الطاقة النظيفة

قدمت البروفيسورة “غابرييلا كارجا” من جامعة التقنية “غ. أساشي” بمدينة ياش – رومانيا، مداخلة متقدمة بعنوان:”احتجاز الجسيمات النانوية المعدنية الصغيرة جدا داخل مصفوفات هيدروكسيد مزدوج الطبقات من أجل تحفيز مستدام”.

استعرضت الباحثة أحدث التطورات في مجال التحفيز النانوي المستدام، موضحة كيفية احتجاز الجسيمات النانوية المعدنية مثل الذهب والنحاس والنيكل داخل تراكيب نانوية ثنائية الطبقات (LDH). وأوضحت أن هذه البنى المزدوجة توفر بيئة مثالية للتحكم في التفاعلات الكيميائية، مما يفتح آفاقا واسعة لتطبيقها في التحفيز الكيميائي وإنتاج الطاقة النظيفة. كما بينت أن التفاعلات بين الجسيمات النانوية والمصفوفة الطبقية تعزز الانتقائية والنشاط التحفيزي بفضل ظواهر فيزيائية مثل فصل الشحنات المدفوعة بالبلازمون (PICS). وأكدت أن هذه الأبحاث تمهد الطريق نحو بناء معماريات نانوية معقدة تساهم في تطوير حلول مستدامة للطاقة والبيئة.

معالجة الكبيلات الملوثة بالرصاص لأغراض هندسية مستدامة

و قدم فريق جامعة كوامي نكروما للعلوم والتكنولوجيا – غانا (KNUST)، المكون من بنيتا كومسون، إليوت بابوي، وبارتريك بواكيي، دراسة بعنوان:” زالة سمّية الكبيلات المستهلكة لاستخدامات هندسية”

تناولت المداخلة معالجة المخلفات الناتجة عن عمليات تحليل الذهب المعروفة بـ”الكبيلات” (cupels)، والتي تحتوي على نسب مرتفعة من أكسيد الرصاص تصل إلى 45 في المائة وتشكل خطرا بيئيا وصحيا كبيرا. اقترحت الدراسة مقاربة خضراء باستخدام أحماض عضوية ضعيفة مثل حمضي “الخليك” و ” الستريك” لاستخلاص الرصاص، وذلك بعد طحن العينات لتحسين النفاذية. وأظهرت النتائج أن حمض “الخليك” أكثر فعالية في الاستخلاص، وأن حجم الجزيئات له تأثير أكبر من نوع الحمض المستخدم. وأكد الباحثون أن هذه الطريقة تتيح إعادة تدوير المواد الخطرة وتحويلها إلى مواد هندسية صديقة للبيئة، بما يعزز مفهوم الاقتصاد الدائري في القطاع الصناعي.

اختتم اليوم الأول من الملتقى بنقاش تفاعلي بين الباحثين والطلبة المشاركين، أجمعت مداخلاته على ضرورة دمج البحث العلمي بالتطبيق الميداني لمواجهة تحديات الماء والطاقة والبيئة، وتعزيز التعاون بين الجامعات المغربية والأجنبية لتطوير حلول مبتكرة ومستدامة.

و شهد اليوم العلمي،الثاني، الحافل نقاشات موسعة امتدت عبر عدد كبير من المحاور العلمية المتنوعة،  و سلسلة من المداخلات العلمية التي أبرزت أحدث التطورات في معالجة المياه والمواد المتقدمة.
واستعرض البروفيسور “لويجي ريزو” من “جامعة ساليرنو” التحديات التي تواجه المعالجة الثلاثية والرباعية لمياه الصرف في أوروبا، في ظل التشريعات الجديدة التي تفرض معايير صارمة لإزالة الملوثات الدقيقة وتحقيق الحياد الطاقي في محطات المعالجة.

و من جهته، قدم البروفيسور أحمد س. ج. خليل من جامعة الفيوم ابتكاراته في تطوير الأغشية النانوية المركبة لمعالجة المياه، مبرزا إمكانات هذه المواد في تعزيز كفاءة التحلية والمعالجة المتقدمة، إضافة إلى دوره في ربط البحث العلمي بالابتكار الصناعي .

كما عرض الباحث الحسين أبلو من جامعة محمد السادس متعددة التخصصات التقنية (UM6P)  نتائج أبحاثه حول البوليمرات الحيوية القابلة للتحلل لإنتاج أسمدة بطيئة الإطلاق، مؤكدا دور هذه التقنيات في دعم الزراعة المستدامة والاقتصاد الحيوي الدائري.

و عرضت الدكتورة “صوفي سيرنو” حول الأغشية الخزفية الكارهة للماء المستخدمة في التقطير الغشائي، والتي حققت نسبا مرتفعة في إزالة الأملاح والزيوت.

و تناول الباحثون، كذلك في ملتقيات موازية، مشاركات معمقة في مجالات الخطاب، وعلوم المياه، وتقنيات الاستشعار عن بعد، وتثمين الموارد الطبيعية، والمواد المتقدمة، والذكاء الاصطناعي، والاقتصاد البيئي، وإدارة المخاطر، والنمذجة العددية، والتصنيع الذكي، وغيرها.

و تواصلت العروض الشفوية في حماس علمي ملفت.  تمكن  من خلالها المشاركون من الاطلاع على طيف واسع من الأبحاث والاختبارات الميدانية والتجارب المخبرية التي تعكس تطور العلوم المرتبطة بالماء والمواد والبيئة. وقد تميزت الجلسات بتنوع تخصصاتها، وعمق المقاربات العلمية التي قدمها باحثون من المغرب وإفريقيا وأوروبا، مما أتاح نقاشات معمقة حول الابتكارات، التحديات، والحلول المستقبلية في مجالات ذات أولوية استراتيجية.

في محور جودة المياه ومعالجتها، قدم باحثون ألمان دراسة رائدة حول بدائل طبيعية لمواد التخثير (flocculants) المستعملة في محطات مياه الشرب. وركز العرض على مستقبل المخثرات المستخلصة من مصادر طبيعية مثل النشا والكايتوسان والالجينات كبدائل أكثر أمانا واستدامة للبوليمرات الاصطناعية التي يعتريها جدل بيئي وصحي متزايد.

وفي السياق نفسه، لفتت دراسة من النيجر الانتباه إلى المخاطر المرتبطة بضعف شروط النظافة داخل وحدات إنتاج المياه المعبأة في الأكياس البلاستيكية، إذ كشفت التحاليل أن 60 في المائة من العينات تصبح ملوثة بالكوليفورم بعد عملية التعبئة رغم سلامتها عند المصدر، مما يعكس تحديات صحية تتطلب تفعيل الرقابة والرفع من مستوى المعايير المهنية.

أما في محور الهندسة المائية واستقرار البنيات التحتية، فقد قدم فريق مغربي من ENSAM مكناس مقاربة مبتكرة لرفع موثوقية تقييم سلامة السدود عبر الجمع بين التحليل شبه الساكن التقليدي وقياسات جيوفيزيائية متقدمة كالرادار المخترق للأرض (GPR) والتصوير الزلزالي والمقاومية الكهربائية. هذه المقاربة تسمح بتحديد التشققات والفجوات الداخلية بدقة أكبر، وهو ما يكتسي أهمية بالغة في ظل التغيرات المناخية وتزايد الضغط على الموارد المائية.

وفي موضوع المواد المتقدمة والحلول المستدامة، تميزت عدة عروض بأفكار مبتكرة مبنية على الاقتصاد الدائري. من تطوير فريق من جامعة ابن زهر محفزا ضوئيا فعالا مشتقا من مخلفات البيض، أثبت قدرة كبيرة على تفكيك أصباغ عضوية ملوثة بنسبة تفوق 98 في المائة مع استقرار عال عبر دورات استعمال متعددة. كما قدم الفريق نفسه مادة مغناطيسية مركبة (LDH-PANI@Fe₃O₄) أثبتت فعاليتها في إزالة مبيد الأعشاب (Dichlorprop-P)، مع نتائج حرارية وحركية تدعم إمكانية توظيفها في محطات معالجة مياه الصرف الصناعي.

وفي الاتجاه نفسه، عرض باحثون من جهة بني ملال تطور مواد مركبة تجمع بين الكربون النشط والبوليمرات الحيوية مثل الشيتوزان والألجينات، بما يمنحها قدرة امتصاص عالية وانتقائية أفضل للملوثات العضوية الملونة، مع قابلية للاسترجاع وإعادة الاستخدام، ما يجعلها خيارا واعدا لمعالجة المياه العادمة الصناعية.

أما على مستوى الابتكار الزراعي والموارد الطبيعية، فقد قدم فريق من جامعة محمد السادس متعددة التخصصات نموذجا لهيدروجيل فائق الامتصاص مصنوع من نانو سيللوز مسلفن قابل للتحلل، يمثل حلا فعالا لتدبير الرطوبة في التربة وتقليل ضياع المياه في الزراعات البورية والمروية. كما تم استعراض تقنيات الذكاء الاصطناعي، خاصة الشبكات العصبية الاصطناعية، للتنبؤ بكفاءة إزالة النيتروجين والفوسفور من محطات معالجة المياه العادمة ودعم عمليات استرجاع المغذيات الحيوية مثل الستروفيت، مما يعزز توجه تحويل محطات التطهير إلى وحدات إنتاج للمدخلات الزراعية.

ولم تخل الجلسات من عروض مرتبطة بجيولوجيا الموارد الطبيعية، إذ قدمت دراسة مشتركة من غينيا والسنغال وصفا دقيقا للخصائص المعدنية والجيوميكانيكية لطين منطقتين في “بوكي” بهدف تطوير استعمالاته في البناء الإيكولوجي، وهو ما ينسجم مع التحولات العالمية نحو مواد بناء منخفضة الانبعاثات وذات بصمة بيئية أخف.

وبهذا الزخم العلمي، عكس اليوم الثاني من المؤتمر ثراء ملحوظا في الطروحات وتكاملا واضحا بين الهندسة البيئية، العلوم التطبيقية، الحلول الرقمية، والاقتصاد الدائري. كما جسد التفاعل بين الباحثين والخبراء منصة مفتوحة لتبادل التجارب، وبناء جسور تعاون جديدة، وتعزيز دور البحث العلمي في تقديم إجابات مبتكرة للتحديات المائية والبيئية التي تواجه المغرب والعالم.

شهد  المؤتمر  (WaMEC 2025) سلسلة من المداخلات العلمية التي جسدت تنوع المواضيع وأهمية التحديات المطروحة. فقد تناولت العروض قضايا إدارة الموارد المائية ومعالجة المياه العادمة، حيث عرض الباحثون أحدث التقنيات في التحلية باستخدام الأغشية المتطورة، مع التركيز على كفاءة الطاقة وتقليل التكلفة. كما شكلت المواد والنانومواد محورا رئيسيا، إذ أبرزت المداخلات إمكاناتها في تطوير حلول مبتكرة للطاقة النظيفة، معالجة الملوثات، والتطبيقات الطبية والصناعية.

إلى جانب ذلك، سلطت بعض العروض الضوء على تثمين الموارد الطبيعية عبر “البيوكاتاليز” و”الإنزيمات”، باعتبارها أدوات واعدة لتحويل المخلفات الزراعية إلى منتجات ذات قيمة مضافة، في انسجام مع مبادئ الاقتصاد الدائري. كما ناقش المتدخلون دور الطاقات المتجددة في مواجهة التغير المناخي، مع تقديم نماذج عملية لدمج الطاقة الشمسية والرياح في أنظمة إنتاج مستدامة. ولم تغب عن النقاشات مسألة الاقتصاد الدائري، حيث عرضت أوراق بحثية تجارب رائدة في إعادة إدماج النفايات الزراعية والصناعية في سلاسل إنتاج جديدة، بما يعزز التنمية المستدامة.

وقد تميزت الجلسات بتنوعها بين محاضرات عامة، عروض شفوية، وجلسات ملصقات، مما أتاح فضاء غنيا لتبادل الأفكار والخبرات بين المشاركين من مختلف الدول. هذا الزخم العلمي يعكس المكانة المتنامية للمؤتمر كمنصة دولية للتفكير الجماعي وصياغة حلول عملية للتحديات البيئية والطاقية الراهنة.

ملصقات علمية

عرف المؤتمر ملصقات علمية المصاحبة لفعاليات اليوم العلمي زخما كبيرا من العروض والأبحاث التي غطت ثلاثة محاور رئيسية، همت تدبير الموارد المائية ومعالجة المياه العادمة، والمواد والنانو مواد وتطبيقاتها، وتثمين الموارد الطبيعية والبيولوجية. وقد تناول المشاركون عبر هذه الملصقات أحدث المستجدات العلمية والتقنية، واستعرضوا نتائج دراسات معمقة، وطرحوا نماذج مبتكرة للتصنيع والمعالجة والحماية البيئية.

تدبير الموارد المائية ومعالجة المياه العادمة

تناول المشاركون في هذا المحور دراسات متقدمة حول تقييم جودة المياه ومعالجة الملوثات، حيث استعرض الباحثون الخصائص الهيدروكيميائية للمياه الجوفية في حوض درعة السفلي، إلى جانب عرض تطوير أغشية ترشيح خزفية منخفضة التكلفة تعتمد على الطين الطبيعي لمعالجة المياه العادمة. كما تدارس المتدخلون تصميم مركبات جديدة لإزالة المعادن الثقيلة مثل الكروم من المياه الملوثة، وتطوير منصات تحليل كهربائي شديدة الحساسية للكشف عن الملوثات الدوائية الدقيقة مثل الكاربامازيبين.

وتناول باحثون آخرون حالات تقنية من محطات التناضح العكسي، ومشكلات التشغيل والصيانة، بينما قدمت ملصقات أخرى تحليلا لتلوث المياه بالنترات والكبريتات والفوسفات، واقتراح تدابير عملية للمعالجة.

واستعرض المشاركون دراسات تمحورت حول تحسين عمليات الامتزاز وإزالة الصباغات، من خلال مقارنة امتزاز صبغة الكونغو ريد على مركبات هندسية جديدة، والبحث في تثمين المستخلصات النباتية كمانعات لترسّب كربونات الكالسيوم بطرق اقتصادية وبيئية. كما ناقشت إحدى الملصقات استخدام تقنية التجميد (Block Cryoconcentration) لمعالجة الملوثات الصناعية المعقدة مثل “البيسفينول-A”.

وتم تقديم نماذج لامتصاص الصبغات الكاتيونية عبر مركبات مغناطيسية هجينة تعتمد على البوليبيرول وأكسيد الغرافين، إضافة إلى تطوير محفزات ضوئية عالية الأداء قادرة على تفكيك الملوثات العضوية تحت الضوء المرئي. كما تدارس المشاركون نماذج رياضية لتشغيل محطات معالجة المياه العادمة، ومقاربات لمزج التحليل التجريبي والنظري في إزالة الملوثات باستخدام مواد متقدمة مطلية بالدكستروز.

محور المواد والنانومواد وتطبيقاتها

استعرض الباحثون ضمن هذا محور المواد والنانومواد أبحاثا نوعية في تصميم المواد المتقدمة والنانومواد، شملت تطويع الزجاج الفوسفاتي الحامل للتنغستين لأغراض صناعية، وتعديل الأغشية الخزفية لتحسين قدرتها على تنقية المياه. كما تناولت بعض العروض استخدام النمذجة التجريبية والذكاء الاصطناعي لتحسين قدرة بعض المواد على إزالة الصبغات مثل BET وMO1.

وتدارس المتدخلون دراسات ميكانيكية حول امتزاز ثيمول من قبل طين المونتموريلونيت، وتصنيع محفزات بلازمونية تعتمد على الجسيمات الذهبية الدقيقة المحصورة داخل هياكل مزدوجة الطبقات. كما استعرضت ملصقات أخرى تطوير أغشية أيونية متداخلة البنية (IPN) موجّهة لإنتاج الهيدروجين.

وتناول الباحثون أيضا تصنيع طبقات مزدوجة متقدمة لإزالة الصبغات مثل الفوشين الأساسي، وابتكار طرق تعتمد النماذج السطحية والشبكات العصبية لإزالة العناصر مثل اللانثانيوم باستخدام الكتلة الحيوية البحرية. كما استعرضت ملصقات أخرى تطوير مواد مستدامة على شكل أغشية تبادل أنيوني مستخلصة من مصادر حيوية وبطرق تصنيع مستوحاة من صناعة الورق.

تثمين الموارد الطبيعية والبيولوجية

تناول المشاركون في هذا المحور سبل تطوير استعمالات جديدة للموارد الطبيعية، حيث ناقشوا الكفاءة التكافلية لسلالات Rhizobium المحلية ودورها في تحسين نمو وفعل تثبيت الآزوت لدى نبتة الفاصوليا في منطقة الغرب. كما استعرض الباحثون دراسات محاكاة حاسوبية In Silico لتحليل تفاعلية مشتقات البيوتاديين، وتحضير مشتقات بيوفعالة من مكونات الثيمول.

وتدارس الحاضرون أساليب إزالة النترات باستخدام الكتلة الحيوية المعدلة كيميائيا، وتحسين كفاءة الامتزاز عبر الضبط التجريبي والنمذجة بالأسطح الاستجابية. كما تضمنت الملصقات دراسات حول التنوع الغشائري للنحل الانفرادي ودوره في تلقيح اللوز، وتحليل التأثيرات البيئية للأحياء الدقيقة التكافلية في جذور أشجار الزيتون، واستخدام النفايات العضوية مثل شاي التجفيف في إزالة صبغات صناعية عبر نماذج حركية و”ثرموديناميكية” دقيقة.

كما تم استعراض أبحاث حول تصنيع الفحم النشط من الكتل الخشبية المحلية في النيجر، وتثمين المناطق المتصحرة في واحة تافيلالت، وتطوير أغشية صديقة للبيئة لإنتاج الهيدروجين، وتثمين النباتات العطرية والطبية عبر استخلاص الزيوت الأساسية، إلى جانب عرض اتجاهات حديثة في التحليل الكهروكيميائي لمياه البحر وإمكانات تطوير التحليل الكهربائي البحري.

يشار أن الملصقات العلمية عكست دينامية بحثية قوية وتنوعا ملحوظا في المواضيع، إذ ربطت بين الحلول البيئية وتطوير المواد وتثمين الموارد الطبيعية والتقنيات النظيفة، مقدمة رؤى مبتكرة تعزز الاستدامة وتدعم التنمية العلمية والاقتصادية.

يذكر ان المؤتمر شهد حضور عالمي ورسالة مشتركة. شارك فيه علماء من مختلف الدول بما في ذلك فرنسا ورومانيا وإسبانيا وغانا والنيجر وكوت ديفوار وتركيا واليونان والسنغال والمغرب، إلى جانب باحثين مغاربة،

وتم عرض ما يناهز 11 محاضرة عامة و150 عرضا شفهيا و50 جلسة ملصقات موزعة بين الجلسات العامة والجلسات الموازية، مما يعكس الطابع العالمي للبحث في العلوم بمختلف أصنافها تخصصاتها. هذا التنوع العلمي يرسل رسالة واضحة: التحديات العلمية و البيئية لا تعرف حدودا، والحلول يجب أن تكون ثمرة تعاون دولي. شكل مؤتمر بذلك حدثا أكاديميا بامتياز ، و منصة لإعادة التفكير في دور العلم كأداة للتغيير الاجتماعي والبيئي. بضعة نانومترات قد تبدو صغيرة، لكنها تحمل في طياتها القدرة على إحداث تحولات كبرى في مستقبل البشرية.

تخلل المؤتمر أيضا لحظة مميزة تمثلت في تسليم جوائز أفضل المداخلات العلمية للشباب الباحثين وذلك تشجيعا لهم على مواصلة مسار البحث والابتكار، وتحفيزا على تقديم أعمال رائدة ذات أثر علمي ومجتمعي. هذا التكريم يعكس إرادة المنظمين في جعل المؤتمر فضاء داعما للطاقات الصاعدة، ومنصة لتثمين جهود الطلبة والباحثين الشباب، بما يعزز انخراطهم في القضايا البيئية والطاقية الراهنة، ويمنحهم الثقة في أن مساهماتهم جزء أساسي من الحلول المستقبلية.

و أظهر المؤتمر (WaMEC 2025) أن التحديات العلمية والبيئية لا تعرف حدودا، وأن الحلول تكون ثمرة تعاون متعدد التخصصات ودولي. بضعة نانومترات قد تبدو صغيرة، لكنها تحمل القدرة على إحداث تحولات كبرى في مستقبل البشرية.

وأثنى رئيس اللجنة المنظمة لمؤتمر WaMEC 2025، الأستاذ شيبان، على الدعم اللامشروط الذي قدمته كلية العلوم بأكادير وجامعة ابن زهر، إلى جانب جميع الشركاء الذين ساهموا بجهودهم وإسهاماتهم في إنجاح هذا الحدث الدولي البارز. و أكد أن هذا التعاون المثمر يعكس روح المسؤولية المشتركة ويعزز مكانة المؤتمر كمنصة علمية رائدة للحوار وتبادل الخبرات على المستويين الوطني والدولي.

للاطلاع على المقال في جريدة بيان اليوم اضغط هنا

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!