آفاق بيئية: محمد التفراوتي
أسدل الستار أن أشغال مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيطات (UNOC3) في نيس بخليط من خيبات الأمل والإنجازات الملموسة. ففي الوقت الذي تجاهل فيه القادة العالميون ذكر الوقود الأحفوري، المصدر الأكبر لانبعاثات الكربون، خطت الدول المشاركة خطوة تاريخية نحو تسريع وتيرة المصادقات على معاهدة أعالي البحار (BBNJ) ودخولها حيز التنفيذ، مما يكشف عن مفارقة واضحة بين الخطاب الطموح والإرادة السياسية الانتقائية.
تجاهل مدو لأزمة الوقود الأحفوري
رغم المطالبات العاجلة من الدول الجزرية والمنظمات البيئية، خلت إعلانات نيس السياسية من أي إشارة مباشرة إلى الوقود الأحفوري، مما اعتبره مركز القانون البيئي الدولي (CIEL) فشلا ذريعا في تحمل المسؤولية الجماعية. فقد تم التغاضي عن دعوات وقف التوسع في مشاريع النفط والغاز، لا سيما البحرية منها، بالرغم من كونها أحد أكبر ملوثات المحيطات. وقالت “برونا كامبوس” (Bruna Campos)، مسؤولة الحملات في المركز (CIEL) بوضوح “من غير المقبول إقصاء الوقود الأحفوري من مؤتمر يفترض أن يحمي المحيط. إنه تهديد وجودي للمحيطات، والدول الجزرية قالتها بصراحة: هذه مسألة حياة أو موت”.
تقدم كبير في التصديقات على معاهدة أعالي البحار
ورغم هذا التجاهل، حمل المؤتمر أيضا خبرا إيجابيا مهما: ارتفع عدد الدول التي صادقت على معاهدة أعالي البحار إلى 50 بعد انضمام 19 دولة جديدة، ولم يعد يفصلنا سوى 10 مصادقات أخرى لدخول الاتفاقية حيز التنفيذ، وهو ما يرتقب قبل انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر.
ووقعت 20 دولة إضافية على الاتفاقية، ما يرفع عدد الموقعين إلى 136 دولة. وأُعلن عن تمويلات جديدة لتسريع المصادقة والتنفيذ، منها 10 ملايين يورو من الاتحاد الأوروبي لدعم الدول النامية. و6.5 ملايين دولار من مؤسسة “مينديرو”.(The Minderoo Foundation).
إعادة إطلاق “تحالف الطموح العالي” لحماية المناطق البحرية.
أين التوازن؟ ما يثير التساؤل هو هذه الانتقائية الدولية في التعامل مع تحديات المحيط. ففي الوقت الذي يتم فيه الترويج لحوكمة أعالي البحار والتنوع البيولوجي، يتم التغاضي المقصود عن التهديد الأكبر. استمرار اعتماد الاقتصاد العالمي على الوقود الأحفوري. وحتى المبادرات الطموحة، كـ”تحدي المساهمات الزرقاء المحددة وطنيا “، بدت منقوصة دون معالجة حقيقية لمصادر التلوث والانبعاثات.
مناطق بحرية ذات أولوية للحماية
من ضمن المواضيع التقنية التي برزت خلال المؤتمر، طرح ملفات لمناطق بحرية مرشحة للحماية تحت المعاهدة، منها مرتفعات « سالاس إي غوميز” و”نازكا” (المحيط الهادئ) وقبة كوستاريكا الحرارية وبحر جنوب “تاسمان”.
بين التفاؤل بدخول المعاهدة حيز التنفيذ، وواقع التحديات، يبقى مستقبلها مرهونا بعدة عناصر تأسيس أمانة دائمة للمعاهدة. دمج المعارف التقليدية والمجتمعات المحلية. ومراقبة استغلال الثروات البحرية بشفافية، كما طالبت منظمة مراقبة الصيد العالمية.
أصوات من الميدان
وقالت ماريا خوسيه جونزاليس بيرنات (María José González-Bernat) من الرابطة الأمريكية للدفاع عن البيئة (AIDA) “إنها لحظة لتحقيق العدالة البيئية، يجب أن تنصف المناطق المتضررة مثل أمريكا اللاتينية في رسم مستقبل المحيطات”. أما “ماثيو كوليس” من الصندوق الدولي لرعاية الحيوان فقال “رحلة المعاهدة كانت طويلة كهجرة الحيتان، لكنها اليوم تقترب من مرفأ الأمل”.
ما بين الإنجاز والتقصير.
إذا كانت معاهدة أعالي البحار تمثل بارقة أمل لإرساء حوكمة عادلة ومحمية لمناطق خارج الولاية الوطنية، فإن فشل القادة في تبني موقف حازم تجاه الوقود الأحفوري يطرح تساؤلات مقلقة حول مصداقية الإرادة الدولية في حماية المحيطات حقا، لا مجرد التفاوض عليها.
إن مستقبل “الخير الأزرق المشترك” لن يصان إلا إذا واجهت الأمم الواقع بكل جرأة، وتجاوزت حدود التجميل السياسي إلى الفعل البيئي الحقيقي.