آفاق بيئية: محمد التفراوتي
شهد مؤتمر الأمم المتحدة للمحيطات في 9 يونيو 2025 بمدينة نيس الفرنسية لحظة تاريخية باتجاه حماية البيئة البحرية، مع بلوغ عدد الدول المصادقة على “معاهدة أعالي البحار” 55 دولة من أصل 60 لازمة لدخولها حيز التنفيذ. في عالم يواجه اختلالات بيئية متسارعة، يمثّل هذا الرقم أكثر من مجرد تقدم تقني، بل تعبيرًا عن إرادة سياسية جماعية لحماية “الكنز الأزرق” من حافة الانهيار.
اتفاقية BBNJ: معاهدة مفصلية لحماية أعالي البحار
تعرف المعاهدة رسميا باسم “الاتفاقية بموجب اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار بشأن حفظ التنوع البيولوجي البحري واستخدامه المستدام في المناطق الواقعة خارج نطاق الولاية الوطنية”، واختصارا BBNJ. وقد تم التوافق على نصها في مارس 2023، وبدأ التوقيع عليها منذ سبتمبر من العام نفسه.
في فعالية خاصة خلال المؤتمر، أودعت 18 دولة جديدة وثائق مصادقتها، من بينها “فيجي”، موريتانيا، اليونان، الأردن، وجزر البهاما، لترتفع الحصيلة إلى 49 دولة. كما أعلنت 17 دولة أخرى عزمها على المصادقة قريبا، ليصل عدد الموقعين الإجمالي إلى 134.
و في هذا السياق صرحت “ريبيكا هوبارد”، مديرة تحالف أعالي البحار “إن موجة المصادقات اليوم تمثل موجة عارمة من الأمل وانتصارا عظيما لكل من عمل على إدراج حماية أعالي البحار ضمن الأجندة البيئية العالمية”.
الهدف: حماية 30 في المائة من المحيطات بحلول 2030
تعد هذه المعاهدة الأداة القانونية الوحيدة القادرة على إنشاء مناطق محمية في أعالي البحار، وهي خطوة مفصلية لتحقيق الهدف العالمي بحماية 30 في المائة من المحيطات بحلول عام 2030. علما أن أقل من 1.5 في المائة من أعالي البحار فقط تقع حاليا ضمن مناطق محمية.
تشكل أعالي البحار نحو نصف سطح الكوكب، لكنها تفتقر بشدة إلى الحماية. و يعد كل من الصيد الجائر، و التلوث، والتنقيب غير المستدام أبرز التهديدات التي تنال من صحتها.
قالت “ميغان راندلز”، رئيسة وفد منظمة غرينبيس أن “المعاهدة ليست فقط إنجازا بيئيا، بل هي رهان على العدالة المناخية وحق الإنسان في الغذاء والمعيشة”.
التحدي القادم: من التعهدات إلى التنفيذ
بموجب نص المعاهدة، ستدخل حيز التنفيذ بعد 120 يوما من بلوغ 60 مصادقة، على أن يعقد أول مؤتمر للأطراف خلال عام. وهنا تبرز التساؤلات. هل ستحول الدول التزاماتها الورقية إلى سياسات ومناطق محمية فعلية؟
و أكدت السفيرة “رينا لي”، خبيرة القانون الدولي في سنغافورة، أن المشاركة الواسعة ضرورية لضمان فعالية الاتفاقية، داعية إلى تجاوز الحد الأدنى من المصادقات. ومؤكدة، “لقد أحرزنا تقدما هائلا، لكننا بحاجة إلى زخم إضافي ليكون للمعاهدة قوة فعلية على الأرض”.
زخم مالي وسياسي غير مسبوق
و شهد المؤتمر أيضا دعما ماليا وسياسيا مهما، حيث أعلن الاتحاد الأوروبي عن تمويل بقيمة 40 مليون دولار لتنفيذ المعاهدة. و تعهدت مؤسسة “مينديرو” بـ10 ملايين دولار أسترالي لتسريع إنشاء المناطق البحرية المحمية. أعلنت مبادرة “بلومبرغ” للمحيطات تمويل أمانة خاصة لمبادرة “BBNJ First Movers” لتسريع تحديد وتنفيذ المناطق البحرية المحمية ذات الأولوية الحيوية.
وصرح الدكتور “أندرو فوريست”، مؤسس مؤسسة مينديرو
أنه “يجب أن يبدأ التخطيط للمناطق البحرية المحمية فورا إذا أردنا تحقيق هدف 30×30”.
تحالف الطموحات العالية: تعبئة سياسية شاملة
جرى خلال المؤتمر إعادة إطلاق تحالف الطموحات العالية، بقيادة مشتركة من “بالاو” و”سيشل” والاتحاد الأوروبي، لتسريع المصادقة وتنفيذ المعاهدة. وشددت الأطراف على أن الوقت لم يعد في صالح المحيطات، وأن على المجتمع الدولي أن يتحرك الآن، لا لاحقا.
فرصة لن تتكرر لحماية الكوكب
إن موجة المصادقات التي اجتاحت مؤتمر نيس ليست مجرد إجراء بروتوكولي، بل تعكس شعورا متزايدا بالمسؤولية الجماعية. يبقى الأمل معقودا على أن يكتمل المسار خلال عام 2025، لأن المحيطات لا تنتظر، والنافذة الزمنية لحمايتها تنغلق بسرعة.