آفاق بيئية: محمد التفراوتي
في سياق دولي يشهد تصاعدا للوعي البيئي والضغط الشعبي والعلمي المتزايد، شكل “نداء نيس للاستيقاظ” لحظة سياسية مفصلية في مسار المفاوضات حول معاهدة عالمية ملزمة بشأن التلوث البلاستيكي. فقد عبرت أكثر من تسعين دولة عن التزامها المشترك بوضع حد لهذا التهديد المتفاقم، مؤمنة بأن صحة الإنسان وسلامة البيئة لم تعودا تحتملان المزيد من التسويف أو المعالجات الجزئية. في هذا الإطار، جاء رد وكالة التحقيق البيئي (EIA)، ومقرها لندن، ليؤكد على أن هذا الإعلان ليس مجرد خطوة رمزية، بل يمثل – في نظرها – صفارة إنذار طارئة تفرض تحركا حاسما وسريعا.
الوكالة، المعروفة بتحقيقاتها العميقة في الجرائم البيئية، أبدت دعمها الكامل لهذا الالتزام السياسي المتجدد، معتبرة أنه يعكس إرادة سياسية جماعية بدأت تتبلور بقوة، بعد سنوات من التردد والمصالح المتضاربة. ورأت في نبرة الإعلان الصادرة عن نيس تجسيدا لرغبة حقيقية في الانتقال من الأقوال إلى الأفعال، ومن الحلول التقنية الجزئية إلى معالجة شاملة تأخذ بعين الاعتبار الدورة الكاملة لحياة البلاستيك، بدء من الإنتاج وحتى التخلص النهائي، مرورا بالاستهلاك والتوزيع والتدوير. وهذا ما تراه الوكالة شرطا جوهريا لأي معاهدة فعالة وعادلة.
من نيس، عبرت “كريستينا ديكسون”، رئيسة حملة المحيطات لدى الوكالة، عن قلقها وإصرارها في آن واحد، مشيرة إلى أن صحة كوكب الأرض وسكانه ومستقبل محيطاته باتت على المحك. ولذلك، فإن ما يحدث الآن لا ينبغي أن يفهم كمجرد دعوة للاستفاقة، بل كإنذار أخير يتطلب استجابة بحجم الكارثة المحدقة. تصريحات ديكسون لا تنفصل عن السياق العام لحملات الوكالة، التي لا تكتفي بالكشف عن الانتهاكات بل تذهب أبعد من ذلك في الضغط من أجل تشريعات رادعة، وتدابير مؤسسية قابلة للتنفيذ، وتمويلات تتناسب مع حجم التحديات، مع إيلاء اهتمام خاص للعدالة البيئية والتمييز الإيجابي للدول الفقيرة والجزر الصغيرة.
إن ما تطرحه وكالة التحقيق البيئي في هذا السياق لا يمكن فصله عن رؤيتها الأشمل: أن المعركة ضد التلوث البلاستيكي ليست تقنية فقط، بل هي سياسية وأخلاقية، تتصل بالخيارات الإنتاجية، وبمنظومة الاستهلاك، وبموقع الإنسان في علاقته مع البيئة. ومن ثم، فإن الرهان الحقيقي لا يكمن فقط في التوصل إلى معاهدة دولية، بل في ضمان أن تكون هذه المعاهدة طموحة وملزمة وشاملة وقابلة للتطور، بما يتماشى مع تطور المعرفة العلمية وتغير الواقع البيئي. ولذا، يبدو أن نداء نيس يشكل منعطفا حاسما، لكنه في الوقت ذاته اختبار لقدرة المجتمع الدولي على ترجمة النوايا إلى التزامات قانونية، والسياسات إلى أفعال منقذة للبيئة والإنسانية جمعاء.