أزمة التنوع البيولوجي هي أزمة أمنية

محمد التفراوتي26 أكتوبر 2024آخر تحديث :
Gabriel Aponte/Getty Images
Gabriel Aponte/Getty Images

آفاق بيئية: هايلي مريام ديسالين*

أديس أبابا ــ لقد أصبح ازدهارنا في الأمد البعيد ورفاهية أجيال المستقبل عُرضة للخطر، حيث لا تهدد خسارة التنوع البيولوجي وانهيار الأنظمة البيئية الـحَـرِجة بيئتنا فحسب، بل وتزيد أيضا من المخاطر التي تهدد الاقتصاد، والصحة العامة، والأمن القومي، والاستقرار العالمي. في مؤتمر الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي لعام 2024، الـمُـنـعَـقِـد حاليا في كالي بكولومبيا، يتعين على القادة أخيرا أن يتصدوا لهذه الأزمة بالمستوى الذي تستحقه من الالتزام السياسي والتمويل.

يُفهَـم التنوع البيولوجي غالبا بِـلُـغة تنوع الحياة على الأرض ــ عدد أنواع النباتات والحيوانات والكائنات الحية الدقيقة. ولن نبالغ في تقدير أهمية التنوع البيولوجي مهما قلنا. فالتنوع البيولوجي يعزز خدمات الأنظمة الإيكولوجية التي تدعم حياة البشر، مثل تنقية المياه، والسيطرة على الفيضانات، وتنظيم المناخ. وعلى هذا فإن انحدار الأنواع والأنظمة الإيكولوجية بهذه السرعة ــ مليون نوع من النباتات والحيوانات على وشك الانقراض ــ يرقى إلى تهديد لوجودنا ذاته.

إذا تُرِكَت خسارة التنوع البيولوجي دون معالجة، فسوف تُـفـضي إلى تسارع تغير المناخ وتضخيم عواقبه، فيساهم هذا بدوره في زيادة الكوارث الطبيعية وصدمات السوق. كما أن هذا من شأنه أن يجعل أنظمتنا الزراعية أكثر عُرضة للمخاطر ــ من الآفات ومسببات الأمراض إلى أحداث الطقس القاسية ــ ويستنزف المحيط من مخزونات الأسماك الحرجة. وسوف يؤثر هذا على كل من سعر الغذاء وتوافره، فيتسبب في الـنُـدرة في الجنوب العالمي وتفاقم انعدام الأمن في مجتمعات هشة بالفعل.

هذه الاتجاهات سوف تترك عددا متناميا من الناس مع أقل القليل من القدرة على اختيار أي بديل سوى الفرار من بيوتهم بحثا عن ظروف معيشية أفضل. وفقا لمعهد الاقتصاد والسلام، قد تتسبب الكوارث الطبيعية وغيرها من التهديدات البيئية في نزوح ما يصل إلى 1.2 مليار شخص بحلول عام 2050. وقد يتسبب هؤلاء “اللاجئون البيئيون” في زعزعة استقرار بلدان المقصد، وإجهاد العلاقات الدولية، وتحدي الأطر الأمنية. ومع انكماش إجمالي المساحة الصالحة للسكنى على الكوكب، ونمو المنافسة على الموارد، سيصبح الصراع حتميا.

تهدد خسارة التنوع البيولوجي أيضا الصحة العامة، والتي ترتبط ارتباطا وثيقا بالأنظمة البيئية التي تحيط بنا. وكثير من الأمراض ــ بما في ذلك أمراض معدية ناشئة مثل جدري الـقِـرَدة (mpox) ــ يمكن ربطها بشكل مباشر بالتغيرات في التنوع البيولوجي. فمع تسبب تدمير الموائل الطبيعية في إجبار الحياة البرية على الاتصال الوثيق بالسكان من البشر، يرتفع خطر الإصابة بأمراض حيوانية المنشأ مثل كوفيد-19.

لمنع مثل هذا المستقبل، يجب على كل البلدان أن تعترف بخسارة التنوع البيولوجي باعتبارها قضية أمنية. وهذا يعني دمج اعتبارات التنوع البيولوجي في صنع السياسات الدفاعية والخارجية. كما يعني تمويل الاستجابة ــ بما في ذلك الاستثمارات في الممارسات التي تحمي الأنظمة البيئية، والتدابير الطموحة القادرة على معالجة الأسباب الجذرية وراء خسارة التنوع البيولوجي، مثل تدمير الموائل الطبيعية وتغير المناخ ــ بذات القوة الموظفة في التصدي لأي أزمة أمنية أخرى.

تشير بعض تقديرات إلى أن معالجة أزمة التنوع البيولوجي تتطلب 700 مليار دولار إضافية سنويا بحلول عام 2030. ما يدعو إلى التفاؤل أن قادة العالَـم اتفقوا، في إطار مؤتمر الأمم المتحدة للتنوع البيولوجي لعام 2022 (مؤتمر الأطراف الخامس عشر) على سد هذه الفجوة من خلال التخلص التدريجي من إعانات الدعم الضارة بقيمة 500 مليار دولار أو إعادة تخصيصها لأغراض أخرى وجمع 200 مليار دولار المتبقية. من المفترض أن يصل التمويل من الاقتصادات المتقدمة إلى نظيراتها النامية إلى 20 مليار دولار على الأقل سنويا بحلول عام 2025، و30 مليار دولار على الأقل سنويا بحلول عام 2030.

قد يبدو هذا المبلغ كبيرا، لكنه لا يُـذكَـر مقارنة بتكلفة التقاعس عن العمل. وفقا لتوقعات معهد التغير البيئي في جامعة أكسفورد، فإن الصدمات التي يتعرض لها الاقتصاد العالمي بسبب خسارة التنوع البيولوجي وتلف الأنظمة الإيكولوجية قد تصل تكلفتها إلى 5 تريليون دولار على مدار خمس سنوات فقط. الواقع أن احتياجات العالم لتمويل التنوع البيولوجي تتضاءل أيضا مقارنة بالإنفاق الدفاعي العالمي الحالي، الذي بلغ 2.24 تريليون دولار في عام 2022. ولأن الاستثمار في الطبيعة يمثل واحدة من أكثر استراتيجيات الدفاع فعالية من حيث التكلفة في الأمد البعيد، فيتعين على كبار المنفقين على الدفاع في العالم، بدءا بالولايات المتحدة، أن يتبنوا هذا الاستثمار.

كما هي الحال مع أي استراتيجية أمنية جيدة، لابد أن يقترن التمويل بالتعاون الدولي. إن العواقب المترتبة على خسارة التنوع البيولوجي لا تعرف حدودا. ويتعين على البلدان أن تعمل معا لحماية الموائل الطبيعية الحرجة، وفرض الضوابط التنظيمية البيئية، وتعزيز ممارسات التنمية المستدامة.

وعلى هذا، ينبغي للمجموعات المتعددة الأطراف، مثل التحالف العالي الطموح من أجل الطبيعة والبشر، أن تستمر في تولي زمام المبادرة في صياغة الاتفاقيات الدولية وخطط العمل التي تؤسس للحفاظ على التنوع البيولوجي باعتباره حجر الزاوية للأمن العالمي. يتعين على صناع السياسات أن يواصلوا التركيز على العمل لتحقيق هدف إطار التنوع البيولوجي “30×30″، من خلال تشجيع وتسهيل عمل الحكومات لحماية 30% من أراضي ومحيطات الكوكب بحلول عام 2030. علاوة على ذلك، ينبغي للأعضاء من الشمال العالمي أن يعملوا على زيادة الدعم المالي المقدم للدول في الجنوب العالمي لمساعدتها على تنفيذ التكليفات الضرورية، وتحديدا من خلال الوفاء بالتزاماتها بتقديم ما لا يقل عن 20 مليار دولار من تمويل الطبيعة سنويا بحلول عام 2025.

أخيرا، يتعين علينا إشراك الجمهور وإعلامه. ومن الممكن أن تعمل حملات التثقيف والتوعية التي تشرح أهمية حماية التنوع البيولوجي على تمكين الأفراد والمجتمعات من الدعوة إلى سياسات تحمي مواردنا الطبيعية، وبالتالي المساعدة في توليد الإرادة السياسية اللازمة.

إذا هددت دولة معادية الاقتصاد، والصحة العامة، والأمن القومي، والاستقرار العالمي، فسوف نكرس كل ما نملك من موارد للدفاع عن أنفسنا ضدها. ولا تمثل أزمة التنوع البيولوجي حالة مختلفة.

ترجمة: إبراهيم محمد علي . 

*هايلي مريام ديسالين رئيس وزراء إثيوبيا الأسبق.

حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2024.

—–

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!