آفاق بيئية : بقلم صموئيل شكري* وإيمي إي. بوب*
القاهرة/جنيف- في السنوات الأخيرة، برز تغير المناخ كعامل من العوامل الرئيسية التي تفضي إلى الهجرة. فقد أثرت تغيرات أنماط الطقس، إلى جانب تزايد شدة الأحداث الجوية القصوى وتواترها، على ملايين الأشخاص حول العالم، مما شكل خطرا كبيرًا يهدد حياتهم وسبل عيشهم.
وفي مارس/أذار، نشرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) تقريرها التقييمي السادس، وكشفت أنه من المتوقع أن يزداد خطر النزوح القسري بسبب الفيضانات بنحو 50 في المئة لكل درجة مئوية واحدة إضافية في معدلات ارتفاع درجات الحرارة العالمية. وفي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، وجنوب آسيا، وأمريكا اللاتينية، يمكن أن تشرد الكوارث البيئية ذات التأثير البطيء مثل الإجهاد المائي، وفشل المحاصيل، وارتفاع مستويات سطح البحر، ما بين 31 إلى 72 مليون شخص بحلول عام 2050، في سيناريو يتسم بمعدلات منخفضة للاحترار العالمي. أما في الظروف التي ترتفع فيها معدلات الاحترار العالمي، يمكن أن يرتفع عدد النازحين إلى ما بين 90 إلى 143 مليون شخص. وفي أفريقيا جنوب الصحراء، يمكن أن يزداد النزوح المرتبط بالفيضانات بنسبة 200 إلى 600 في المئة بحلول سبعينيات القرن الحادي والعشرين، وذلك تبعًا لمعدل نمو السكان والزيادات في درجات الحرارة التي يُتوقع أن تتراوح بين 1.6 درجة مئوية و2.6 درجة مئوية.
ومع أن الجنوب العالمي يتأثر بالآثار الكارثية لتغير المناخ بصورة غير متناسبة مع باقي مناطق العالم، فلا مكان في العالم بمنأى عن هذه الآفة. إذ سيكون لأزمة المناخ تداعيات واسعة النطاق على الاستقرار والأمن والتنمية المستدامة على مستوى العالم، ولن تؤثر على البلدان الموفدة للمهاجرين فقط بل على بلدان العبور والمقصد أيضًا.
وتلتزم رئاسة مؤتمر) كوب27 (والمنظمة الدولية للهجرة (IOM) بمعالجة تحدي الهجرة الناجمة عن المناخ، بهدف تعزيز عالم يتسم بقدر أكبر من الإنصاف والمساواة. وخلال العام الماضي، تَعاونَّا مع الحكومات ومنظمات المجتمع المدني، ووكالات الأمم المتحدة الأخرى، ومختلف الأطراف المعنية لتطوير النُهُج المستدامة وتعزيزها، وذلك فيما يتعلق بالتنقل المرتبط بالمناخ، بما في ذلك النزوح.
ولتقليل آثار تغير المناخ السلبية التي تجبر المهاجرين على مغادرة بلدانهم الأصلية، ندعو إلى تنفيذ الميثاق العالمي للهجرة على نحو كامل. وبدعم من المنظمة الدولية للهجرة، أبرزت رئاسة مؤتمر “كوب 27” برامج مصرية مثل “الاستجابات المناخية لتعزيز السلام” و”مبادرة حياة كريمة” كنماذج يمكن أن يُحتذى بها على مستوى العالم. وتقدم هذه المبادرات مجتمعة خارطة طريق نحو التنمية المستدامة، تمكّن الحكومات من تحسين مستويات المعيشة، والحفاظ على السلام في مواجهة التهديدات المرتبطة بالمناخ. لقد شجعنا بنشاط هذه المبادرات في منتديات مختلفة رسمية وغير رسمية، بما في ذلك المنتدى العالمي للهجرة والتنمية.
ومن المؤكد أنه لا يزال يلزم بذل المزيد من الجهود. ومن أجل مواجهة التهديدات المُلحة لتغير المناخ، يجب على المجتمع الدولي دعم جهود التكيف، وخاصة في الجنوب العالمي. إن تعزيز القدرة على التحمل عامل حاسم لتمكين السكان من اتخاذ قرارات مستنيرة فيما يتعلق بالانتقال من أماكنهم أو البقاء فيها. ومع ذلك، يتطلب تحقيق ذلك تمويلًا فوريًا وكبيرًا لمبادرات التكيف، بما في ذلك صندوق الخسائر والأضرار المرتقب المُخصص للدول النامية، والمُعلن عنه في مؤتمر “كوب 27” المنعقد في شرم الشيخ. وتشمل التدابير الأخرى الضرورية ضمان تكامل أدوات تمويل المناخ وإمكانية الوصول إليها، ودمج الاعتبارات المتعلقة بالتنقل البشري في المفاوضات المناخية.
ومع اقترابنا من مؤتمر “كوب 28” (COP28)، يجب أن نركز على الهجرة والنزوح المرتبطين بالمناخ، وتطوير حلول ملموسة تعزز أمان المجتمعات والأفراد المتضررين ورفاهيتهم. ويتضمن ذلك دعم تنفيذ المبادرات الفعالة ودمج وجهات نظر المهاجرين وتجاربهم في عمليات صنع القرار.
وغالبًا ما يؤدي تغير المناخ إلى تفاقم التحديات وأوجه الضعف القائمة، مما يجبر المجتمعات على مواجهة أزمات متفاقمة. لذلك، من الضروري الاعتراف بهذه العوامل الأساسية ومعالجتها، بما في ذلك النزاعات والفقر وعدم المساواة. ولهذا الغرض، يجب أن نعتمد نهجًا شاملًا يعزز السلام والأمن، ويقلص من معدلات الفقر وعدم المساواة، ويدعم التنمية المستدامة.
إن النزوح هو تحدٍ معقد وبالغ الصعوبة، ويتطلب استجابة شاملة ومنسقة وتطلعية. وبتعزيز التعاون الدولي، يمكننا إحداث تحسينات كبيرة في حياة الأشخاص الذي نزحوا بسبب الكوارث المناخية، وكذلك في سبل عيشهم؛ وتطوير حلول مستدامة تمكنهم من إعادة بناء مجتمعاتهم والمساهمة في تطويرها. إن هذا النهج ليس فقط الخطوة الصحيحة التي يجب القيام بها؛ بل تُعد حاسمة أيضًا في بناء مستقبل يتمتع فيه الجميع بقدر أكبر من السِلم، والإنصاف، والاستدامة
إن تداعيات أزمة المناخ الحالية واضحة، بل ينبغي أن تكون كذلك. إن منطقة البحر الأبيض المتوسط، على وجه الخصوص، معتادة على التغيرات البيئية المدمرة، حيث تشير الأدلة التاريخية إلى أن الأحداث الجوية القصوى ربما قد أدت إلى نزوح جماعي، وإلى سقوط حضارات عظيمة خلال ما يُعرف الآن بانهيار العصر البرونزي المتأخر.
ولمواجهة النزوح المتعلق بالمناخ بفعالية، يجب أولًا فهم حجم التحدي ومدى تعقيده. وفقط بعد ذلك سندرك ضرورة إشراك جميع الأطراف المعنية لتطوير حلول استباقية ومستدامة، وتجنب آثار تغير المناخ الكارثية، وبناء عالم مزدهر ومًنصف.
ترجمة: نعيمة أبروش
*صموئيل شكري هو رئيس مؤتمر “كوب 27” (COP27)، ووزير الخارجية المصري.
*إيمي إي. بوب هي المديرة العامة للمنظمة الدولية للهجرة.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2023.