الأنواع الغازية تغيّر من طبيعة البحر المتوسط

محمد التفراوتي5 سبتمبر 2022آخر تحديث :
الأنواع الغازية تغيّر من طبيعة البحر المتوسط

تحويل مسار مقلق إلى فرصة للحفاظ على النظم الإيكولوجية البحرية وحماية سبل العيش 

آفاق بيئية : روما 

تغزو البحر المتوسط مئات أنواع الأسماك وقناديل البحر والروبيان وغيرها من الأنواع القادمة من خارج المنطقة. 

ورُصد أكثر من 000 1 نوع من الأنواع غير الأصلية في البحر الأبيض والبحر الأسود. وقد أصبح لدى أكثر من نصف الأنواع مجموعات مستوطنة بشكل دائم وبدأت تنتشر في المنطقة، وهو ما يثير القلق حيال التهديد الذي تشكله على النظم الإيكولوجية البحرية ومجتمعات الصيد المحلية. 

ويقول السيد Stefano Lelli، الخبير في مجال مصايد الأسماك في شرق البحر المتوسط لدى الهيئة العامة لمصايد أسماك البحر الأبيض المتوسط (الهيئة) “كان لتغيّر المناخ وأنشطة الإنسان تأثير عميق على البحر المتوسط والبحر الأسود”. 

ويقود هذا الجهاز الإقليمي لإدارة مصايد الأسماك، الذي أنشأته المنظمة، الجهود المبذولة لتعزيز مصايد الأسماك وتربية الأحياء المائية المستدامة في البحر المتوسط والبحر الأسود. ويعمل مع الصيادين والقيّمين على الصون والعلماء والسلطات الحكومية من أجل تحقيق فهم أفضل لزيادة الأنواع غير الأصلية ومساعدة البلدان على تحسين تدابير التخفيف والإدارة. 

ويضيف السيد “Lelli” قائلا “لقد شهدنا تغيرا سريعا وشديدا في النظم الإيكولوجية البحرية، وأدى ذلك إلى عدة تأثيرات على سبل عيش المجتمعات المحلية. ونتوقع في السنوات المقبلة أن يستمر عدد الأنواع غير الأصلية في الازدياد.” 

ويشهد البحر المتوسط عملية “دخول الطابع الاستوائي” مع ارتفاع درجات حرارة المياه، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى تغير المناخ. وإضافة إلى ذلك، انتقلت العديد من الأنواع عبر طرق النقل البحري التي تشهد حركة جيدة مثل مضيق جبل طارق أو قناة السويس، وغالبًا ما تكون ملتصقة بهيكل السفن أو موجودة بداخلها في مياه الصابورة. وقد أُدخلت أنواع أخرى، مثل المحار الكأسي والقفالة اليابانية، لأغراض تربية الأحياء المائية خلال الستينات والسبعينات من القرن الماضي، ومنذ ذلك الحين هربت واستعمرت النظم الإيكولوجية للبحر المتوسط. 

ويمكن لهذه الأنواع غير الأصلية، بمجرد أن تستقر، أن تتغلب على الأنواع المحلية وتغيّر النظم الإيكولوجية المحيطة بها، وهو ما قد يسبب تأثيرات اقتصادية محتملة على مصايد الأسماك والسياحة أو حتى على صحة الإنسان. وعلى سبيل المثال، هناك ستة أنواع من الأسماك غير الأصلية السامة والمفرزة للسموم موجودة في شرق البحر المتوسط، مثل السمكة المنتفخة وسمك الأسد وعدّة أنواع من قناديل البحر، ويمكن أن تكون سامة للإنسان إذا لمسها أو استهلكها. 

وتساعد الهيئة التابعة للمنظمة تركيا والجمهورية العربية السورية وجمهورية مصر العربية وقبرص ولبنان واليونان في المهمة المعقدة التي تتمثل في رسم خرائط جميع هذه الأنواع الغازية ورصدها وإدارتها. وتشكل هذه الهيئة أيضا منتدى للبلدان المتضررة من أجل تبادل المعلومات والاستراتيجيات. 

وتقول السيدة “Elisabetta Morello”، موظفة مسؤولة عن مصايد الأسماك في الهيئة “ينبغي للنتائج والدروس المستفادة من هذه العملية أن تبني المعارف المتعلقة بالأنواع غير الأصلية بهدف إدارتها بشكل فعال”.  

تحويل التهديد إلى فرصة 

لقد تأثر صيادو الأسماك في جميع أرجاء المنطقة بهذا الاتجاه. ولكنهم بدعم من الهيئة يجدون طرقا جديدة لتحويل حالات الغزو هذه إلى فرص. 

وفي جنوب غرب تركيا حيث يمكن للأنواع الغازية أن تشكل 80 في المائة من المصيد في بعض المناطق، يعمل الصيادون بشكل تدريجي على إنشاء أسواق جديدة للمستهلكين والتصدير لأنواع مثل سمك الأسد وقنفذ البحر والأسماك الأسبورية الشائكة. 

ويقوم لبنان أيضا بتدريب الصيادين على صيد الأنواع غير الأصلية وتشجيع المستهلكين على تجربتها. وتقول السيدة منال نادر، أستاذة مشاركة ومديرة معهد البيئة في جامعة البلمند في لبنان “لا تشكل سمكة الصافي أو أسماك البربوني (السلطان إبراهيم) من البحر الأحمر أو سمكة الأسد سوى بعض الأمثلة على إمكانية تحول الأنواع غير الأصلية إلى مصدر للدخل في لبنان”. 

وفي تونس، تم تحويل نوعين غير أصلين من السرطان الأزرق كانا يهددان الصيد التقليدي إلى تجارة مربحة عندما ساعدت المنظمة والحكومة التونسية على ربط الصيادين بأسواق جديدة. ويحدث الشيء ذاته في إسبانيا وأجزاء أخرى من البحر المتوسط، مما أدى إلى إطلاق برنامج بحوث للهيئة بشأن إدارة هذه الأنواع. 

ويقول السيد “Miguel Bernal”، كبير مسؤولي مصايد الأسماك في الهيئة “إن رصد تأثير الأنواع غير الأصلية على النظم الإيكولوجية البحرية والتخفيف من هذه الآثار أمر مكلف، كما أن الاستئصال في معظم الحالات أمر مستحيل”. 

“وعندما يكون التسويق والاستخدام ممكنين، إما كمصدر للغذاء أو منتجات الصيدلانية أو غيرها، فقد أثبت الصيد التجاري أنه الأداة الأكثر فعالية لمعالجة هذه المشكلة.” 

حماية الأنواع المحلية 

لحماية الأنواع المحلية، تدعم الهيئة إنشاء مناطق مصايد أسماك مقيّدة. وأثبتت المناطق المحمية جيدا أنها أكثر قدرة على الصمود في وجه الآثار التي تحدثها الأنواع غير الأصلية. 

ويقول السيد “Bayram Öztürk”، معد دراسة للهيئة عن الأنواع غير الأصلية في البحر المتوسط “ثمة حاجة إلى التعاون على المستويين الدولي والإقليمي وإلى اتخاذ إجراءات متضافرة لمعالجة مسألة الأنواع غير الأصلية في البحر المتوسط والبحر الأسود.” 

“وغني عن القول إنه من الضروري أن تقوم جميع بلدان الإقليم برصد تأثيرات هذه الأنواع غير الأصلية. فبمجرد أن يدخل نوع ما، سيكون وقت التخلص منه قد فات”. 

ومن خلال دراسة الهيئة عن الأنواع غير الأصلية في البحر المتوسط والبحر الأسود (Non-indigenous species in the Mediterranean and the Black Sea)، كخطوة أولى، تعمل الهيئة الآن مع بلدان المنطقة لتكييف تقنيات الصيد، والاتصال بالأسواق الجديدة، ومساعدة الصيادين على تأمين سبل عيش جديدة من هذا المصيد، مع الحفاظ في الوقت ذاته أيضا على عملها الحاسم في الحفاظ على النظم الإيكولوجية البحرية من خلال المناطق المحمية. 

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!