الإستغوار سياحة جميلة داخل مغارات عجيبة نحتتها أنامل الطبيعة

محمد التفراوتي17 يناير 2020آخر تحديث :
الإستغوار سياحة جميلة داخل مغارات عجيبة نحتتها أنامل الطبيعة

آفاق بيئية : محمد التفراوتي

بات الاستغوار سياحة جميلة تحت الأرض.. أنفاق وكهوف نحتتها الطبيعة تتحول لمزارات ساحرة. الاستغوار هو نشاط ينشد البحث واكتشاف ورسم خرائط المغارات والكهوف، أشكال  وتجاويف ذات تراكيب صخرية أضحت متعدد التخصصات تجمع بين الجوانب العلمية والبيئية والرياضية والترفيهية.

 ممارسة الاستغوار يستوجب وجود فجوات طبيعية بمختلف التشكيلات من كهوف ومغارات وفجوات وأودية وأخاديد. ويتطلب من ممارس هذا النشاط الرياضي والعلمي بنية جسدية صلبة تتحمل المشي والتسلق نزولا وصعودا لمسافة طويلة بكل أناة وصبر فضلا عن وجوب التزود بالمعدات الضرورية، واحترام المشهد الطبيعي الخاص بالمغارة.

الصورة : المستغورة سميرة حمادي

يتغيا المستغورون استكشاف البيئات الكارستية والبيئية الطبيعية والاصطناعية أو البشرية المنشأ من أجل المساهمة بنشاط في دراسة ومعرفة وحفظ مجالات ممارسة الاستغوار، مع مراعاة عناصر التراث السطحي.

كان ولوج المغارات عبر العصور لدواعي عديدة تتجلى في الاختباء والبحث عن الأمان والسكينة وممارسة الشعائر والطقوس الدينية. ونسجت حول المغارات والكهوف عدة أساطير على امتداد العصور يمليها الصراع والحب والنسك ومختلف نوائب الدهر ووفق الزمان والمكان، ليتحول حديثا إلى مجال للاستجمام وممارسة رياضة التنقيب الاكتشاف العلمي الأركيولوجي والجيولوجي …

وفي هذا السياق نظمت جمعية المستكشفون المغاربة(Moroccan Explorers) ، مؤخرا، بمدينة أكادير مؤتمرا علميا للاستغوار والسياحة الجيولوجية وتأهيل الموارد الطبيعية، تحت شعار “ثمين التراث الطبيعي وتنمية البحث العلمي”، وذلك بشراكة مع مختبر الفيزيولوجيا الوراثية والبيولوجيا الجزيئية “PGMB” بجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء و المتحف الوطني الطبيعي للعلوم بمراكش ومختبر الجيولوجيا الإنشائية ورسم الخرائط “GESCAT” بجامعة ابن زهر بأكادير .

ويعتبر هذا المؤتمر من أهم المحطات الوطنية التي تهتم بتثمين وحماية التراث الاستغواري بالمغرب إذ يتطلع لأن يكون موعدا منتظما ينعقد كل سنتين في إحدى المدن المغربية. وعرف هذا الملتقى مشاركة العديد من الخبراء والباحثين المغاربة والأجانب في مجال الاستغوار والسياحة الجيولوجية، وكذا باحثين في مجال تثمين وتأهيل الموارد الطبيعية وعلم الآثار وبالإضافة لممثلي الجمعيات المغربية التي تعنى بالاستغوار من كافة ربوع المملكة.

مجال غني للبحث العلمي

وشكل المؤتمر فرصة للباحثين الشباب للانفتاح على هذا الميدان والاحتكاك بخبرائه. ومكنت العروض العلمية المقدمة من الوقوف على أهمية الاستغوار كمحور للدراسات وتثمين والمحافظة على المغارات والكهوف وجعل المغارات والكهوف في خدمة التنمية المستدامة. وعرف الملتقى عرض مجموعة من المستجدات العلمية من خلال سلسلة من المحاضرات لخبراء مغاربة وأجانب، بالإضافة لزيارة ميدانية لمغارة “وين تيمدوين” المتواجدة بضواحي مدينة أكادير. واستعرض المشاركون عدة محاور وموضوعات متنوعة بين الاستغوار وعلم الآثار والجيولوجيا وثمين السياحة الجغرافية للموارد الطبيعية ومساهمة نظام المعلومات الجغرافية.

واستعرض “ميشيل شاسير” عن نادي الاستغوار بـ”بلواز” الفرنسية (Blois) مسيرة 60 سنة من التنقيب في الحجر الجيري بسلسلة جبال الريف. وتمتد منطقة الريف، وهي منطقة جبلية تحتل الجزء الشمالي من المغرب، على حوالي 300 كيلومتر من الشرق إلى الغرب، على طول شاطئ البحر الأبيض المتوسط، حيث تم استكشاف سلسلة التلال الجيرية في الريف غرب مدينة الشاون منذ سنة 1959، مع أكثر من 200 “تجويف” تم استكشافه، بما في ذلك أعمق فجوة في المغرب، حوالي أكثر من 21 كيلومتر من الشبكات الطبوغرافية، ذات أهمية كبيرة للاستغوار بالمغرب.

وأكد “ميشيل شاسير” أنه لا يزال هناك الكثير من الدراسة والاكتشاف ويشكل وجود جمعية للاستغوار في الشاون مرحلة حاسمة لتطوير هذا النشاط والبحث.

ويستوطن المغارات أنواع عديدة من الكائنات الحية والطيور. وتناول الباحث العياشي الصحار عن قسم إدارة الموارد الطبيعية والبيئة بمعهد الحسن الثاني الزراعية والبيطرية بالرباط “وضع الخفافيش بالمغرب: التنوع وأسلوب الحياة واحتياجات المحافظة”. وتعتبر الخفافيش من آكلي الحشرات، لذلك تلعب دورا رئيسيا في مكافحة الحشرات الضارة بالبشر والماشية والزراعة.

وأوضح الباحث العياشي تنوع الخفافيش في المغرب، والأصل الجغرافي، والدور البيئي، وطريقة الحياة فيما يتعلق بمساكن اللجوء وفضاءات الصيد، مبرزا التهديدات الرئيسية لبقاء هذه الأنواع واقتراح التدابير الضرورية للحفا ظ على الخفافيش في المغرب.

أما مغارة الجمل “تاسركوت” كمتحف طبيعي في بني سناسن “موقع مصنف كتراث وطني”، فاستعرض الباحث أراغ حسن عن جامعة محمد الأول، كلية العلوم بقسم الجيولوجيا، خصوصياتها ومؤهلاتها الطبيعية، حيث تشتهر منطقة بني سناسن في مدينة بركان في شرق المغرب بكهوفها ما قبل التاريخ، وبعضها مشهور عالميا، مثل كهف “الجمل” في وادي “زكزل” وكهف “تافوغالت”. وصنف هذان الموقعان ضمن التراث الوطني في الخمسينيات من القرن الماضي. ويعد كهف “الإبل” (يُطلق عليه أيضا تاسيراكوت) مكانا مرتفعا للاستغوار في شرق المغرب، حيث تشكل الصواعد وهوابط الصخور جزء من أعمدة متعددة محفورة في الحجر الجيري عبر تسرب المياه خلال آلاف السنين.

وتناول الباحث “جان إيسبيك” عرضا تطرق من خلاله للبعثات العلمية والمغامرات الممتعة في مغارة “وين تمدوين” بضواحي أكادير واصفا ملامح جمالها وخصوصياتها الجيولوجية والتي تتطلب المزيد من للبحث للكشف جميع أسرارها.

وأبرز الباحث يوسف بوكبوت عن المعهد الوطني للآثار وعلوم التراث بالرباط مختلف الاكتشافات بمغارة “إيفري عمرو موسى”، والمجمع الأثري واد “بهت” مواقع ما قبل التاريخ استثنائية، حيث أتاحت أعمال التنقيب التي بدأت في أوائل أبريل 2006، في كهف “إيفري عمر أو موسى”، اكتشاف هياكل الموائل والدفن والأثاث الأثري التي تنتمي إلى حضارات ما قبل التاريخ.

مواقع جديدة 

وشهد المؤتمر تقديم المعطيات الأولية عن اكتشاف موقع جديد للنقوش الصخرية بمنطقة تازناخت بالأطلس الصغير، من قبل مجموعة بحث مكونة من الباحث جمال البوقعة والباحث محمد الصنهاجي، والباحث عبد الهادي فك، وتم عرض دراسة لتقنيات وأساليب إنجاز النقوش المحصاة بهذا الموقع الجديد، واقتراح تأريخ نسبي لها مقارنة مع بقية المواقع التي تنتشر في هذا المجال. وذلك في سياق المستجدات التي يعرفها مجال البحث والتحري في مجال أركيولوجيا الفنون الصخرية، واستكمالا للتحريات التي يشرف عليها المركز الوطني للتراث الصخري بأكادير وبرامج الجرد التي تنفذها مفتشية المباني التاريخية والمواقع بجهة درعة تافيلالت.

وسيمكن هذا الاكتشاف من إكمال الخريطة الأثرية للمنطقة، وسيساهم في استكمال المعطيات المتعلقة بدينامية الاستقرار البشري بالمنطقة في القديم، خصوصا مع تصاعد موجات الجفاف بداية من الألف الثاني قبل الميلاد، وباعتبار البنية التضاريسية للمنطقة التي تجعلها ممرا طبوغرافيا يمكن من الوصول إلى السفوح الجنوبية الرطبة نسبيا للأطلس الكبير.

وتنوعت العروض الشفوية باستعراض مختلف المحاور الوازنة همت مغارة (عزيزة)، المتواجدة في جبل محاذ لنهر (كير)، قربة منطقة “تازكارت”، بإقليم الرشيدية. وقد عكف فريق من الباحثين، مكون من هشام بناني وحسن رين ومهدي معن ولحسن بايدر وأيوب نهيلي وعبد العزيز وعوال ومكرم لينزي وسفيان كعب وناديه سليماني، لدراسة النمذجة ثلاثية الأبعاد باستخدام نظم المعلومات الجغرافية لمغارة عزيزة.

وأكد فريق البحث أن تحت الأرض هو بيئة متعددة الأشكال، والكهوف عبارة عن تجاويف طبيعية شكلتها المياه لآلاف السنين، لكن استكشافهم للأغراض علمية وسياحية كان متأخرا ولم يتم تنظيمه إلا في القرن التاسع عشر. ومع استكشافات الأسطح الجيرية، تطور معرفة العالم الذي تحت الأرض، عالم يجب استكشافه والحفاظ عليه. ولا تزال “السياحة تحت الأرض” شكلا دائما من أشكال السياحة إذ يسجل 150 مليون زائر سنويا لحوالي 3 مليارات دولار من رقم معاملات سنة 2008. ويتواجد بالصين لوحدها 360 مغارة، و230 مغارة في الولايات المتحدة، و108 مغارة في فرنسا، و3 مغارات فقط في المغرب، اثنان منها مفتوحان للجمهور.

ولا تزال السياحة تحت الأرض في المغرب قيد الاستثمار إلى حد كبير، بل إن الحجر الجيري السطحي للمغرب الذي يبلغ 99890 كيلومتر مربع، يمثل 22.37 في المائة من إجمالي المساحة لـ 3 كهوف فقط مرتبة. وهذا الاستغلال الناقص يفسره الافتقار إلى تقييم ثراء التشكيلات الجيومورفولوجية والبنى الكارستية (THE KARSTIC) والتراث الكهفي والمغاري للمغرب. كما أن الخرائط الطبوغرافية للكهوف المغربية ضعيفة أو غير موجودة، ذلك أن آخر قائمة لكهوف المغرب تعود إلى عام 1981.

وتناول فريق البحث مشروع يهدف إلى التمثيل الافتراضي للكهف “عزيزة”، وإعادة تقييم تراث المغرب من الحجر الجيري. وإجراء مسح تجريبي ثلاثي الأبعاد للكهف وبيئته. وقام فريق البحث بجمع البيانات المكانية مع عرض رقمي ثلاثي الأبعاد لكهف “عزيزة” من أجل فهم حجم الكهف وتصور بطريقة افتراضية تعقيد هذا “العالم تحت الأرض”. وتم إجراء الإسقاط ثلاثي الأبعاد للكهف على برنامج “VISUAL TOPO “وتم وضع النماذج ثلاثية الأبعاد للمغارة وبيئتها على البرنامج “Sketch up” و”Arcscene”. وأظهرت النتائج التي تم الحصول عليها أن سطح الحجر الجيري في المغرب لا يزال قيد الاستغلال إلى حد كبير بالنظر إلى إمكانات الكهوف التي تتمتع بها البلاد.

أما نتائج البحث المتوصل إليها حول التنوع البيولوجي المائي تحت الأرض في جنوب شرق المغرب والعلامة الجيولوجية والمؤشر الحيوي لجودة مياه المنطقة، من قبل فريق البحث المكون من مريم أزيرير وعلي آيت بوغروس وباتريك مارتن، فقد تمت الدراسة في عدد قليل من مستجمعات المياه في جنوب شرق المغرب، من الناحية الفيزيائية والكيميائية. واستنتج “تمعدن” المياه الجوفية التي تمت دراستها. في حين تم جمع العديد من الأصناف الحيوانية التي تتميز بحياة حصرية في المياه الجوفية. وقد تم تحديد أكثر من عشرة أنواع. ويرتفع تنوع الحيوانات المائية الموجود في الآبار والينابيع عندما تكون المياه جيدة النوعية وتتناقص في حالة التلوث. أي أن هذه الأنواع أكثر حساسية للتلوث من الأنواع المائية الاخرى؛ وتواجدها مؤشر على جودة المياه. وتنتمي العديد من القشريات من المياه الجوفية القارية إلى مجموعات غائبة في المياه السطحية العذبة ولها أصل بحري. إنها “حفريات حية” وشهود على الانتهاكات البحرية في الماضي، وعلامات على موقع الحفريات الأثرية، يؤكد الدارسون.

وتميز الملتقى كذلك بتقديم عدد من العروض التي تندرج في سياق الاهتمام بالحفاظ على الموارد الطبيعية والتنوع البيولوجي لمختلف المناطق بالمغرب، حيث تم تقديم نتائج عدد من الدراسات حول حليب الإبل ودوره المهم في تغذية الإنسان في المناطق الجافة وشبه الجافة القاحلة. وأظهر البحث أن حليب إبل شمال افريقيا يتميز بنسبة عالية من البروتينات والدهون والسكريات والحليب الشرقي تتميز بنسبة عالية من الفيتامين (س). وأفادت دراسة لتحديد بكتيريا ﺤﻤﺽ ﺍﻟﻠﺒﻥ المنتجة للجزيئات الحيوية النشطة من قبل فريق بحث مكون من دردك رضا، سكوي صوريا، أضوم بوتينة، سكرى عبد العزيز والخلفي بشرى، أن الاهتمام المتزايد مؤخرا بحليب الحمير بسبب العناصر الغذائية الغنية، إلا أن دراسة كائناته المجهرية لا تزال أقل. وتهدف هذه الدراسة الحالية إلى تحليل حليب الحمير وعزل وتوصيف مكوناتها البكتيرية ثم تقييم قدرتها على إنتاج جزيئات حيوية ذات نشاط مضاد للجراثيم وضد مسببات الأمراض. وجعلت التحقيقات التي أجراها فريق البحث من الممكن عزل وتحديد 44 سلالة، والتي تم اختيار خمس سلالات لبنية لتحفيزها لإنتاج الجزيئات الحيوية واختبار نشاطها المضاد للبكتيريا ضد الليستيرية المستوحدة (Listeria monocytogenes) وهي جرثومة تسبب الشعور باضطراب ناجم عن تناول أطعمة ملوثة. وكذا مقاومة الإشريكية القولونية وحالات العدوى بالمكورات العنقودية  (Escherichia coli et Staphylococus aureus).

كما شكل “نبات المورينجا”، المعرفة علميا بـ”المورينجا أوليفيرا” (Moringa oleifera)، هي نبات موطنها المناطق شبه الهيمالايا في الهند، أيضا محور دراسة قام بها فريق بحث يتكون من عبد العزيز ميموني والصغيور فرحاتي وعابد نعيمة وأمارك عبد الرحيم، وهماموش نور الدين وأوريكا مليكة، بهدف المساهمة من توصيف وتعزيز نبات “المورينجا أوليفيرا”. وتعتبر الأجزاء المختلفة من “شجرة المعجزة” مفيدة للغاية، إذ تستخدم في الغذاء البشري ولها العديد من التطبيقات الطبية. وعمل البحث على تقييم التنوع الوراثي لـ15 شجرة من “المورينغا” من الضيعة التجريبية بالمعهد الوطني للبحث الزراعي بأكادير في “ملك الزهر” ببلفاع، وتم تخصيص الزيت المستخرجة من البذور من وجهة نظر كيميائية.

وتستند هذه الدراسة إلى نوعين من التحليل. استخدام العلامات الوراثية من النوع الجزيئي، من أجل شرح الاختلافات الوراثية بين هذه الأشجار الخمسة عشر والتحليل بواسطة “كروماتوجرافيا الغاز” (YL6500 GC System) من الزيوت المستخرجة من بذور “لمورينغا”، بغية تحديد تركيبة الأحماض الدهنية الكيميائية لهذه الزيوت. تم تنفيذ استخراج الحمض النووي بواسطة طريقة (CTAB)، وأجريت تنقية الحمض النووي والكمي من خلال القراءة الطيفية للكثافة الضوئية “OD” فضلا عن طرق بحثية أخرى ليتم الكشف عن التوصيف الوراثي باستخدام علامات جزيئية من نوع (PCRISSR).


حوار مع هشام بناني رئيس جمعية المستكشفون المغاربة (  Moroccan Explorer)  

بات الاستغوار وسيلة أساسية لتثمين التراث الطبيعي من قبل البحث العلمي ،مند متى بدأ الاهتمام بمجال الاستغوار  ؟

إذا استبعدنا عصور ما قبل التاريخ، والتي توجد بها العديد من آثار الوجود الإنساني في الكهوف من المجوهرات والنقوش والعظام والأدوات واللوحات، فإن أول آثار لنشاط استكشاف المغارات تعود إلى القرن الثالث عشر في سلوفينيا كهف بوستوينا ( Postojnska jama) ، وهو من ضمن أطول الأنظمة الكهفية في العالم .

وابتكر إميل ريفيير في سنة 1890 ما قبل التاريخ كلمة”speleology” ، بعد إنشاء المجموعة الدولية الأولى لعلماء الاستغوار (جمعية لدراسة الكهوف) في 1879 بفيينا. واتخذ استكشاف الكهوف بعدا علميا خلال القرن التاسع عشر بفضل تنويع دراسات الاوساط الكارستية، (نسبة لمنطقة كارست في يوغوسلافيا) التي تنتج من فعل الأمطار والمياه الجارية، وخاصة جريان المياه الجوفية التي تفضي إلى ذوبان كربونات الكلسيوم. وتكون هذه التضاريس بأشكال سطحية أو جوفية. وفي سنة 1840 بلغ مستوى هوة منطقة Trebiciano”تريبشيانو” إلى 322 مترا حيث كان منذ فترة طويلة يعد أعمق هوة في العالم.

شهدت هذه الفترة عدة رواد للاستغوار، ويعد إمري غابور بيكي (Imre Gábor Bekey) في المجر أول المستكشفين المشهورين وإميل جورج راكوفيتزا ( Emile Georges Racovitza) في رومانيا وستيفن بيشوب (Stephen Bishop) في الولايات المتحدة الأمريكية وإي مارتل (E.A Martel ) في فرنسا والذي يعتبر أب الاستغوار الحديث، منذ 27 يونيو 1888 إذ يعد الرائد الحقيقي للاستكشاف المنهجي. وأنشئت جمعية للاستغوار في سنة 1895 مكرسة لاستكشاف المغارات.

وفي القرن العشرين، ظهر مستكشفون كبار آخرون، بما في ذلك “روبرت دي جولي”(Robert de Joly) المخترع للوسيلة الرئيسية للولوج إلى أعماق الأرض « l’échelle acier de spéléo ». وكذا “نوربرت كاسيت “Norbert CASTERET المستكشف الانفرادي في سن الحادية عشرة، لكهوف “إسكالير” بالقرب من سان مارتوري بفرنسا. وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية، زاد عدد الأندية والهواة في هذا المجال بشكل كبير، وذلك بفضل التقنيات الجديدة في هذا المجال. وبدأت تحقيق أرقام قياسية في الولوج إلى المغارات من حيث المسافة والعمق وبات الاستغوار يأخذ بعدا رياضيا.

اليوم، يمارس الاستغوار في جل بقاع العالم، وتتوالى الاكتشافات على مستوى قياس عمق الكهوف والعلوم المرتبطة بالاستغوار، ولا سيما البيولوجيا.

بالنسبة للمغرب شهد أول عملية استكشاف للكهوف سنة 1927 عبر اكتشاف مغارة الجمل ” تاسركوت  وانطلق بذلك هذا النشاط ماهو المسار التاريخي المغربي لهذه الرياضة العلمية البيئية ؟

نعم شهد المغرب اكتشاف مغارة الجمل ” تاسركوت ” في سنة 1927 من قبل عالم الآثار الشهير “نوربرت كاسيت” (Norbert CASTERET) . وفي سنة 1934، استكشف نوربرت كاسيت العديد من التجاويف في منطقة تازة بناء على طلب النقابة المحلية للمبادرات السياحية. بعد ثلاث سنوات، نشط “نوربرت كاسيت” ندوة حول علم المغارات في المغرب استقطبت العديد من اخصائيي الاستغوار الأجانب من أجل استكشاف المغارات المغربية.

وفي سنة 1948 أنشئت جمعية الاستغوار بالمغرب ولم تنطلق أشغالها إلا سنة 1953. وأخذ الخلف عنها نوادي المستغورين بكل من الرباط وأكادير والدار البيضاء. وخلال هذه الفترة ونهاية السبعينيات، مورس الاستغوار فقط من قبل عدد قليل من الأجانب الذين يعيشون في المغرب.

وتم تأسيس جمعية أكادير للكهوف في 15 مايو 1986 من قبل السيد لحسن عشير الذي يعتبر الأب لعلم الآثار المغربي. مع أعضاء جمعيته، نجح عشير في استكشاف ومسح مشاهد نهر تحت الأرض بمغارة “وين تيمدوين”. على مر السنين، تم إنشاء جمعيات أخرى وتزايد عدد المستغورين المغاربة.

وفي سنة 1997، اجتمع المستغورون المغاربة في أكادير من أجل إنشاء الجامعة المغربية للاستغوار، ومن أجل معالجة جميع المشاكل المرتبطة بالوسائل التقنية والمالية اللازمة لهذا التخصص.

يهدف هذا الإطار الجمعوي أيضا إلى توفير الوثائق وتطوير النصوص التنظيمية اللازمة للإشراف على نشاط الاستغوار في المغرب. كانت هذه التجربة قصيرة الأجل فقط، إذ توقفت لتترك المستغورين المغاربة بدون إطار عمل موحد لمدة 15 سنة.

ومع ذلك، فإن أنشطة الاستكشاف لم تتوقف قط في المغارات المغربية. وازداد عدد الجمعيات الجهوية وتضاعفت مهام الاستكشاف، مع إدماج البعثات الأجنبية. وفي سنة 2012، بدأت محاولة جديدة لإنشاء إطار عمل موحد، ولكن دون جدوى. كما كانت هناك محاولة الاتحاد الوطني المغربي لعلم الاستغوار، الذي أنشئ ثم اضمحل بعد بضعة أشهر من ذلك. ومنذ سنة 2017 هناك أكثر من ثلاثين جمعية تنشط في مجال الاستغوار، جميعها يحذوها الأمل لتطوير هذا النشاط.

ما هي دواعي تنظيم هذا المؤتمر؟

ننشد من عقد المؤتمر فتح النقاش حول أهمية التراث الطبيعي في المغرب كركيزة للتنمية المستدامة. كما أن الهدف النهائي هو إعداد ملخص ليتم إتاحته لصناع القرار كأداة للمعلومات واتخاذ القرارات فيما يتعلق بمواضيع المؤتمر. وعقد هذا المؤتمر بعد العديد من الإنجازات والدراسات والبحوث والاكتشافات. ويهدف المؤتمر أيضا إلى أن يكون فرصة للقاء وتبادل والخبرات والدراسات العلمية، وهي جزء من سياسة عالمية لتبادل المهارات والموارد. ولقي المؤتمر إقبالا مهما من المختصين حيث عرف مشاركة ما يناهز 86 مشارك من 15 مدينة مغربية و14 جمعية.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!