لماذا نتسلق جبل إفرست؟

محمد التفراوتي9 سبتمبر 2019Last Update :
لماذا نتسلق جبل إفرست؟

آفاق بيئية : بيتر سِـنجر*

في عام 1953، عندما أصبح إدموند هيلاري ومعه تينزينج نورجاي أول البشر الذين يبلغون قمة جبل إفرست، كنت في السابعة من عمري. ولبعض الوقت، انغمست في قصص التسلق الملحمية. لقد بدا ذلك الحدث وكأنه إنجاز للبشرية جمعاء، مثله كمثل الوصول إلى القطب الجنوبي. وعندما شببت عن الطوق واشتد عودي، كنت أتساءل: ترى هل تتبقى حدود لم نبلغها بعد؟

كانت صورة لحافة القمة الجنوبية لجبل إفرست هي التي أعادت إلى ذهني هذه الذكريات. ولكن يا لها من قمة إفرست مختلفة! لقد انتهت العزلة الرائعة لقمة العالم. وبدلا من ذلك، هناك طابور طويل من المتسلقين الذين ينتظرون دورهم للوقوف لفترة وجيزة على القمة.

ليس من الصعب معرفة السبب. فكما تعلن شركة الرحلات الاستكشافية “رحلات القمم السبع”: “إذا كنت راغبا في تجربة شعور التواجد عند أعلى نقطة على كوكب الأرض ولديك خلفية اقتصادية قوية للتعويض عن تقدمك في العمر وخوفك من المخاطر، فيمكنك أن تنضم إلى خدمة استكشاف جبل إيفرست VVIP”. أنت بحاجة إلى “خلفية اقتصادية قوية” لأن الرحلة ستكلفك 130 ألف دولار أميركي. هناك طرق أقل تكلفة لتسلق جبل إفرست، لكنها تبدأ جميعا برسم 11 ألف دولار الذي تتقاضاه الحكومة النيبالية لإصدار الترخيص.

لا ينبغي لنا أن نعترض على حكومة بلد منخفض الدخل يسعى إلى تحصيل إيرادات من المتسلقين الأجانب الأثرياء. ولكن حتى في ظل أفضل دعم يمكن شراؤه بالمال، يموت الناس في الهواء الرقيق على ارتفاع يتجاوز 8000 متر ــ 12 في عام 2019 وحده. ولا يزال الجبل يحوي ما لا يقل عن 200 جثة، بعضها في شقوق عميقة، وأخرى دفنت بفِعل انهيارات جليدية، وأخرى نالت وصف “معالم ثابتة على الطريق إلى قمة إفرست”.

كان من المسلم به أنه في حال تعرض أحد المتسلقين للخطر يسارع الآخرون إلى المساعدة، حتى وإن كان ذلك يعني التخلي عن خططهم الخاصة. ولكن لم تعد هذه هي الحال. في عام 2006، أفادت التقارير أن ديفيد شارب، الذي اختار تسلق جبل إفرست دون دعم من المرشدين المحليين، تجمد ببطء حتى الموت بينما مر به نحو 40 متسلقا في طريقهم إلى القمة. يرى إدموند هيلاري أن ذلك الحدث كان “مروعا”. في وقت لاحق، أشارت التقارير إلى أن أغلب الأشخاص الأربعين لم يلحظوا شارب، أو لم يدركوا أنه كان في احتياج إلى المساعدة. لكن بعض المتسلقين، مثل الأسترالي براد هورن، كانوا شديدي الصراحة في قولهم إن السبب الوحيد وراء وجودهم على الجبل هو الوصول إلى القمة، وأنهم ما كانوا ليتوقفوا لمساعدة أي شخص آخر قبل أن يحققوا هذا الهدف.

استخدمت مثال إنقاذ طفل يغرق في بِركة ضحلة لاستكشاف أسئلة حول التزامنا بإنقاذ حياة غرباء. عندما أسأل تلامذتي ما إذا كانوا ليخوضوا بركة ضحلة لإنقاذ طفل غارق، حتى لو أدى ذلك إلى إفساد الحذاء المفضل والأغلى ثمنا لديهم، كانوا يقولون: “لا يمكنك مقارنة حياة طفل بزوج من الأحذية”. أي أنهم لن يترددوا في إنقاذ الطفل بالطبع. ولكن ماذا لو كان السبيل الوحيد لإنقاذ طفل من الدهس تحت عجلات قطار جامح هو تحويل القطار إلى مسار جانبي يقوده إلى تدمير أغلى ممتلكاتك، سيارة بوجاتي كلاسيكية في حالة ممتازة، والتي استثمرت فيها أغلب مدخراتك؟ يظل الرد في الأغلب رغم ذلك: “لا يهم، عليك أن تنقذ الطفل”.

إذا كان ذلك صحيحا، فلماذا يسمح تسلق جبل إفرست للمرء بالامتناع عن إنقاذ حياة زميل متسلق؟ هل يكمن السبب، كما يقول هورن في الدفاع عن موقفه، في حقيقة مفادها أن “الجميع يدركون حجم المخاطر”؟ ربما يكون هذا صحيحا، ولكن كما زعم إيماويل كانط، فإن التزامنا بمساعدة الغرباء يستند إلى رغبتنا في الحصول على المساعدة عندما نحتاج إليها. وعلى هذا فلا يمكننا أن نُـقِر، كقانون عام، أن يمر الناس بغرباء في شِدة دون أن يسارعوا إلى نجدتهم. لابد أن يكون رد هورن على ذلك، هو أنه إذا احتاج إلى من ينقذه، فسوف يجد المبرر للمتسلقين الآخرين إذا تركوه ليموت في طريقهم إلى القمة.

في كل الأحوال، حتى لو كنت محظوظا بالقدر الكافي للوصول إلى قمة إفرست دون أن تمر بمتسلق في احتياج إلى المساعدة، فإنك ستختار الوصول إلى القمة بدلا من إنقاذ حياة شخص ما. هذا لأن تكلفة التسلق كافية لإنقاذ أرواح العديد من الأشخاص، إذا أعطيت لجمعية خيرية ناجحة.

الواقع أنني أستمتع بالمشي لمسافات طويلة في أماكن برية. وأنا أحب التنزهات التي تأخذني إلى القمة، وخاصة إذا كان المشهد خلابا. لذا، أستطيع أن أفهم لماذا كان إدموند هيلاري راغبا في تسلق جبل إفرست. لكنني أجد صعوبة في فهم السبب الذي قد يجعل أي شخص يرى في هذا هدفا يستحق العناء اليوم. فالأمر لم يعد يتطلب مهارات عظيمة في تسلق الجبال، وهو بعيد تماما عن كونه تجربة فريدة في اختبار البرية. يقول أرنولد كوستر، متسلق الجبال الهولندي الذي يقوم بتنظيم رحلات لتسلق جبل إفرست، إن العديد من عملائه أشبه بصيادي غنائم وليسوا متسلقي جبال. ويقول تيم مكارتني سنيب، الذي تسلق جبل إفرست في عام 1984، إن المتسلقين اليوم أصبحوا “أكثر اهتماما بالحديث عن التسلق في حفلات التعارف من تواجدهم فعليا على الجبال. إنها مسألة تعزيز مكانة”.

إذا كان هذا صحيحا، فلا يملك المرء إلا أن يشعر بالأسى والرثاء أن تقودنا الرغبة في المكانة إلى تحديد أهداف تنطوي على أنشطة لا فائدة منها أو حتى ضارة، بدلا من أهداف ذات قيمة بعيدا عن المكانة، مثل مساعدة المحتاجين وجعل العالم مكانا أفضل.

*بيتر سِـنجر : أستاذ أخلاق الطب الحيوي بجامعة برينستون ، وأستاذ فخري في كلية الدراسات التاريخية والفلسفية بجامعة ملبورن ، ومؤسس المنظمة غير الربحية “الحياة التي يمكنك إنقاذها”. تشمل كتبه “تحرير الحيوان” ، “الأخلاقيات العملية” ، “أخلاقيات ما نأكله” (مع جيم ماسون) ، إعادة التفكير في الحياة والموت ، وجهة نظر الكون ، شارك في تأليفها كاتارزينا دي لازاري راديك ، أكثر الأشياء التي يمكنك القيام بها ، المجاعة ، الثراء ، والأخلاق ، عالم واحد الآن ، الأخلاق في العالم الحقيقي ، والنفعية: مقدمة قصيرة جدًا ، أيضًا مع Katarzyna de Lazari-Radek. في عام 2013 ، حصل على جائزة “المفكر المعاصر الأكثر نفوذاً في العالم” من قبل معهد جوتليب دوتويلر.

المصدر  بروجيكت سنديكيت ، ترجمة: إبراهيم محمد علي         

Leave a Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


Comments Rules :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

Breaking News
error: Content is protected !!