صانعو التغيير الأخضر في حوض المتوسط

محمد التفراوتي4 أكتوبر 2017آخر تحديث :
صانعو التغيير الأخضر في حوض المتوسط

 مبادرات ملهمة وحلول اجتماعية وبيئية مؤثرة

آفاق بيئية : البيئة والتنمية 

يقدم برنامج “سويتش – ميد” (SwitchMed)، الدعم ويعزز التواصل بين المهتمين، لتوسيع نطاق الابتكارات الاجتماعية والبيئية في منطقة البحر المتوسط. وبالتنسيق بين الاتحاد الأوروبي وعدد من المنظمات الإقليمية التابعة للأمم المتحدة ومركز العمل الإقليمي للإنتاج والاستهلاك المستدامين، يهدف البرنامج إلى توفير الأدوات التي تساعد الشركاء المحليين على تحقيق اقتصاديات منتجة ومترابطة في المنطقة.

ويعد مجتمع “صانعو التغيير” (The Switchers)، على الموقع الإلكتروني [theswitchers.eu] واحداً من أهم المبادرات التي يرعاها برنامج “سويتش – ميد”. فهو يعرض تجارب روّاد أعمال وأصحاب مبادرات خضراء في عدد من البلدان المتوسطية، مثل مصر والجزائر والأردن ولبنان والمغرب وفلسطين وتونس، إلى جانب إيطاليا وإسبانيا وتركيا وغيرها.

“صانعو التغيير”، هم مجموعة من الأفراد والشركات ومنظمات المجتمع المدني يتبنون الحلول المبتكرة والبيئية التي تساهم في تحقيق الإنتاج والاستهلاك بشكل مستدام ومتوازن. وهم ينشطون في العديد من المجالات كالزراعة العضوية والسياحة البيئية والطاقة المستدامة وإدارة النفايات. وفي القصص التالية نماذج من المبادرات التي قام بها “صانعو التغيير” وعادت بالمنفعة عليهم وعلى مجتمعاتهم.

في سنة 2011، وبعد التطوع للعمل في مزرعة بولاية لويزيانا الأميركية، أطلق الأخوان شريف وطارق حسني مشروعهما “شادوف” [schaduf.com]، وهي شركة مصرية تعنى بتنفيذ المزارع الصغيرة والجدران الخضراء. وتشير كلمة شادوف إلى أداة الري التقليدية التي تستخدم في رفع المياه من أجل ري الأراضي الزراعية، ولكنها تعني في حالة الأخوين حسني توفير الماء والشمس والحياة للجدران والأسطح الخرسانية، بهدف الوصول إلى حلول خضراء في المناطق الحضرية تحسّن نوعية الحياة وتحدث تغييراً بيئياً واجتماعياً.

غاية الشركة الأساسية هي مساعدة الأسر الفقيرة في مدينة القاهرة على إيجاد مصدر دخل إضافي عن طريق زراعة الخضار، وذلك من خلال تقديم العون في تأمين التمويل الاستثماري عبر القروض المتناهية الصغر، ثم تعليم مزارعي المستقبل تقنيات الزراعة من دون تربة وكيفية تسويق منتجاتهم الزراعية الفائضة. وتنفذ الشركة أيضاً الجدران التي تكسوها النباتات لصالح قطاع الأعمال والمتاجر والأبنية السكنية، وهي ممارسة صديقة للبيئة لأنها تحسّن نوعية الهواء وتزيد العزل الحراري والصوتي.

ويشير طارق حسني إلى الدور الهام الذي لعبه نظام القروض المتناهية الصغر في السماح للناس بتمويل مشاريعهم الخاصة، حيث كان نظام التمويل هذا عاملاً مساعداً في نجاح مبادرتهم التي تقوم على تقنية الزراعة المائية. ويوضح طارق أن مصر تعاني من مشكلة زراعية كبرى ترتبط بطبيعة أراضيها الصحراوية، ولذلك فإن الزراعة المائية التي لا تستخدم التربة هي حل نموذجي لمدينة مثل القاهرة يوجد فيها الكثير من الأسطح الخاوية.

بشكل عام، تلعب المزارع المصغّرة والجدران الخضراء دوراً هاماً في الاستدامة البيئية للمدن، لأن النباتات تساعد في التخلص من ملوثات الهواء كثاني أوكسيد الكربون الذي يساهم في تغير المناخ، والجسيمات الدقيقة التي تهدد الجهاز التنفسي بأمراض خطيرة. ومن المعروف أن الأسطح الخضراء تقلل من امتصاص أشعة الشمس وتزيد من العزل الحراري، ولذلك فهي تحدّ من ظاهرة الجزر الحرارية في المناطق الحضرية.

ويعتبر طارق أن مستقبل الزراعة هو في المزارع التي لا تستخدم التربة، خاصةً أن الزراعة التقليدية هي السبب الأهم في إزالة الغابات حول العالم. ومن ناحية أخرى، فإن الظروف الطبيعية، كالبرد الشديد والحرارة المرتفعة وقلة الأمطار، تجعل الزراعة التقليدية أمراً مستحيلاً في عدد من البلدان. الزراعة من دون تربة هي بديل جيد يضمن الاكتفاء الذاتي للبلدان التي تعاني من مشاكل مناخية، ويؤمن لها متطلباتها الغذائية بشكل لا يترك أثراً سلبياً على الأرض.

 مزارع مصغّرة في قلب القاهرة

المزارع المصغّرة لا تتيح للناس تأمين احتياجاتهم الغذائية بشكل صحي فحسب، وإنما توفر لهم مصدر دخل إضافي عندما يكون هناك فائض في الإنتاج، وعندها تعمل شركة شادوف على مساعدة المزارعين في تسويق محاصيلهم. ويرى طارق أن الخدمات المتكاملة التي تقدمها شركته بالاعتماد على فريقها الذي يتكون من عشرين شخصاً، إلى جانب الانفتاح على العالم والإصغاء إلى الناس والمرونة في التفكير، تجعل من تجربتها نموذجاً ناجحاً على إمكانية تحقيق المنفعة المالية مع خلق قيمة مضافة بيئية واجتماعية.

تعتبر المغرب من بين الدول العربية التي تملك برنامجاً طموحاً للاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة. وتشير بعض التقديرات إلى أن الألواح الشمسية وتوربينات الرياح والعنفات المائية ستوفر نحو 40 في المئة من حاجة البلاد إلى الطاقة بحلول سنة 2020، وأكث من النصف سنة 2030.

مركب نور للطاقة الشمسية بورزازات

المهندس الزراعي إسماعيل بوحميدي هو من الشباب المغربي الذي أخذ على عاتقه المساهمة في تحقيق هذا التحوّل عبر شركته “فلاّح برو” [fellahpro.esy.es] التي تختص في مبيع وتقديم الاستشارات لمشاريع الطاقة المتجددة في القطاع الزراعي. وتقدم هذه الشركة، التي تأسست في مدينة الرشيدية منتصف سنة 2016، حلولاً مبتكرةً لضخ المياه بالاعتماد على الألواح الشمسية الطافية.

يسمح نظام الألواح الشمسية الطافية باستخدام المسطحات المائية للإفادة من الطاقة الشمسية بشكل بيئي مستدام. ويستطيع هذا النظام توفير الطاقة الكافية لضخ 200 متر مكعب من المياه يومياً، كما أنه يمثل حلاً للمنازعات في استخدامات الأراضي، حيث يتم توليد الطاقة المتجددة من دون خسارة المساحات التي يمكن استخدامها لأغراض أخرى كالزراعة والسياحة.

ألواح شمسية طافية لزراعة مغربية مستدامة

ويتميز نظام الضخ باعتماد الألواح الشمسية الطافية بأنه قابل للتخصيص حسب الحاجة الفعلية لكل مزارع، وبالتالي لا يوجد هدر في الاستثمار. ومن ناحية أخرى، يمكن تقديم خدمات هذا النظام باعتماد نموذج “الدفع مقابل الخدمة”، حيث يستفيد المزارع من خدمات الضخ عن بعد باستخدام تطبيق للهاتف المحمول، وهذا ما يجعل خدمات “فلّاح برو” في متناول الجميع حسب قدراتهم وحاجاتهم.

ويشير بوحميدي إلى أن نظام الألواح الشمسية الطافية هو نظام مؤتمت بشكل كامل، ويسهّل على المزارعين إمكانية الوصول إلى المصادر المائية متجاوزاً مصاعب التزود بالديزل أو البنزين. كما أن تركيب الألواح لا يوفر في التكاليف فحسب، وإنما يتيح استرجاع رأس المال في غضون سنتين إلى أربع سنوات. وبالإضافة إلى ذلك، يحصل المزارعون على منح من وزارة الزراعة المغربية.

وتشمل أعمال شركة “فلّاح برو”، إلى جانب تركيب النظام، خدمات ما بعد البيع كضمان الألواح الكهرضوئية والمضخات المستخدمة وتدريب المزارعين على الاستخدام الأفضل لمنظومة الضخ ومعالجة المشاكل الطارئة. وتسعى الشركة لتوسيع نطاق عملها ليشمل جميع الأراضي المغربية، آخذة بعين الاعتبار أن الجودة هي مفتاح الربحية الاقتصادية للاستثمار.

تصاميم لبنانية مبتكرة من مواد مدوّرة

في سنة 2006، بدأت قصة علامة تجارية ابتكرها مصممان لبنانيان يضعان البيئة في صلب اهتماماتهما، فكان أول نتاجاتها حقيبة مصنعة يدوياً من مخلفات المواد المستخدمة في اللوحات الإعلانية. تدور فكرة “وايست ستوديو” [waste.studio]، التي أسسها وليد جاد ومارك متني، حول المواد التي يمكن تدويرها واستخدامها من جديد بتصاميم ذكية تتصف بالابتكار والاستدامة.

وتتخصص الشركة في التصنيع اليدوي للحقائب والإكسسوارات والأثاث، باستخدام فينيل اللوحات الإعلانية وبمواصفات جيدة، وهذا يجعل منتجاتها صديقة للبيئة لمساهمتها في الإقلال من الآثار السلبية الناتجة عن النفايات البلاستيكية. وتعتمد “وايست ستوديو” على فريق مكون من 13 شخصاً يضم عدداً من المصممين والحرفيين الموهوبين، لإنتاج الحقائب الزاهية والإكسسوارات المميزة التي تتمتع كل قطعة منها بشكلها الفريد نظراً لطبيعة المواد المستخدمة.

ولا يقتصر اهتمام الشركة بمخلفات اللوحات الإعلانية، بل هي تبحث على الدوام عن مواد جيدة قابلة لإعادة الاستخدام، كالإطارات الداخلية وأحزمة الأمان وغيرها. كما أن بصمتها البيئية تتجاوز مسألة التقليل من كمية النفايات إلى إيجاد بدائل عملية للأكياس البلاستيكية التي تستخدم في التسوق. ولذلك فإن ما تعمل عليه “وايست ستوديو” يحقق منفعة مضاعفة للبيئة، سواء في المواد المستخدمة أو في المنتج بحد ذاته.

وفي عام 2012 قرر المصممان اللبنانيان المضي قدماً وتطوير المفهوم الذي تقوم عليه مبادرتهما، لكنهما واجها عدداً من المصاعب كغياب ورش العمل الواسعة التي تستطيع التعامل بسهولة مع الرقائق المستخدمة في الإعلانات الكبيرة، ولتجاوز هذه المشكلة قاما بالاقتراض من أجل تأسيس ورشتهما الخاصة وتوظيف عدد من الحرفيين والمصممين للعمل تحت سقف واحد.

وينوه متني بالدور الاجتماعي الذي تقدمه شركته، فهي توفر فرص العمل لعدد من الحرفيين فيما البلاد تواجه مصاعب اقتصادية جمّة، وهؤلاء الحرفيون مسجّلون رسمياً ويتمتعون بحقوقهم في الضمان الاجتماعي، علماً أن حجم الشركة الصغير يساعد على التعاون وتبادل الآراء في جو تسوده الثقة والصداقة. وقد نجحت “وايست ستوديو” في التحول إلى علامة تجارية دولية، حيث تتوافر منتجاتها في جميع البلدان التي تسوّق المنتجات اللبنانية المعاد تدويرها، وهذا يعتبر إنجازاً لشركة يبلغ عمرها 11 عاماً فقط.

ويؤكد متني على وجود العديد من المبادرات البيئية والاجتماعية في لبنان التي تهدف إلى مساعدة الناس وتحسين ظروفهم المعيشية، لكن بعضهم لا يدرك حجم المشاكل البيئية التي تواجهها البلاد. وما يزيد الأمور تعقيداً هو الظرف الاقتصادي السيء الذي يدفع الناس إلى التفكير بأولويات أخرى ليس من بينها البيئة. ولعل مبادرة “وايست ستوديو” تبرهن على أن القليل من الابتكار ومقاربة الأمور بشكل جديد يتيح للناس كسب العيش مع مراعاة المسؤولية الأخلاقية تجاه المجتمع.

(يُنشر بالاتفاق مع مجلة “البيئة والتنمية”)

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!