التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي: تطبيقات لمحاربة سوسة النخيل الحمراء

محمد التفراوتي24 مارس 2019آخر تحديث :
التكنولوجيا في خدمة الأمن الغذائي: تطبيقات لمحاربة سوسة النخيل الحمراء

آفاق بيئية : محمد التفراوتي

بفضل التقدم التكنولوجي أصبح الآن بالإمكان محاربة آفات زراعية قد تفتك بالمحاصيل مما يجعلها مصدر تهديد للأمن الغذائي في مناطق عديدة من العالم. حيث إن الابتكارات التقنية توفر حلولا جديدة للتصدي لآفة السوسة الحمراء التي تضر بالنخيل، بمجرد تحميل تطبيق على الهاتف الجوال مهمته الأولى جمع البيانات الأساسية عند فحص أشجار النخيل ومعالجتها. هذا التطبيق هو جزء من تقنيات أخرى عديدة تم ابتكارها لأهداف عديدة ومختلفة، لكنها تشترك جميعها في النهوض بالمجال الزراعي، ومن بينها تكنولوجيا تساعد في زيادة الإنتاج، وأخرى تساهم في جعل المياه المالحة صالحة للاستعمالات الزراعية، وغيرها يحارب الإجهاد الإحيائي الذي أفرزه التغيير المناخي.

أبوظبي – تعد التطورات التقنية سمة العصر الحالي بامتياز، حيث تغلغلت التكنولوجيا في كل المجالات حتى في تفاصيل الحياة اليومية للناس فلم تترك الابتكارات التقنية الجديدة أي ميدان بمنأى عنها لتكون إيجابياتها الكثيرة مفتاحا لكل الأبواب المغلقة وحلا سحريا لكل المشكلات المستعصية، ومن هنا كان إطلاق تطبيق السوسة الحمراء للهواتف المحمولة، والذي يستخدم لجمع البيانات الأساسية عند فحص أشجار النخيل ومعالجتها.

بالتالي ترسخ التكنولوجيا ميزتها الأبرز باعتبار أنها في خدمة كل شيء حتى في تفصيل دقيق وخاص مثل مواجهة سوسة النخيل الحمراء.

لقد باتت حشرة السوسة الحمراء تمثل خطرا على قطاع نخيل التمر كآفة رئيسية عابرة للحدود تصيب نخيل التمر وجوز الهند ونخيل الزينة. وظهرت أول إصابة بها في جنوب آسيا، ثم أخذت في الانتشار بسرعة في جميع أنحاء العالم، من أميركا اللاتينية والشرق الأدنى وشمال أفريقيا إلى حوض البحر المتوسط.

تعتبر هذه الآفة هدفا لتدابير الطوارئ في الاتحاد الأوروبي نظرا لتسببه في أضرار واسعة النطاق لنخيل التمر وتؤثر على الإنتاج وسبل عيش المزارعين والبيئة. وساهم ضعف إجراءات الحجر الصحي وصعوبات الكشف المبكر عن المواد النباتية المصابة بسوسة النخيل الحمراء في الانتشار السريع لهذه الآفة، التي لم تتم مكافحتها بفعالية رغم الجهود المبذولة والموارد المقدمة من الدول والمنظمات.

وعمل خبراء وباحثون على سبر أغوار هذه المعضلة التي أضحت تؤرق منتجي التمور مما استوجب مكافحة سوسة النخيل الحمراء ومعالجة التحديات الناتجة عنها على المستويات الوطنية والإقليمية والعالمية. وفي هذا السياق، نظمت الأمانة العامة لجائزة خليفة الدولية لنخيل التمر والابتكار الزراعي، مؤتمر وزراء الزراعة للدول المنتجة للتمور في أبوظبي وذلك بغية وضع استراتيجية إطارية لاستئصال سوسة النخيل الحمراء وكذلك إنشاء صندوق ائتمان لتنفيذ هذه الاستراتيجية بمساهمة من الدول المتضررة من حشرة السوسة الحمراء.

التمييز بين ذكور نخيل التمور وإناثها في مرحلة زرع البذور

يهدف إلى زيادة تحسين الجودة وتمهيد الطريق لزراعة نخيل التمر لأغراض تجارية من خلال البذور

 وتطور منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) أدوات بسيطة، ولكنها مواكبة للتكنولوجيا وفعالة لمساعدة المزارعين على مراقبة ومجابهة آفة النخيل الحمراء بطريقة أفضل، فتطبيق السوسة الحمراء للهواتف النقالة يستخدم لجمع البيانات الأساسية عند فحص أشجار النخيل ومعالجتها.

ويتم الآن بناء منصة عالمية لرسم خرائط البيانات الميدانية والتحليلات من أجل اتخاذ قرارات أفضل. ويجري الجمع بين الاستشعار عن بعد وتقنية الذكاء الاصطناعي لرسم خرائط أشجار النخيل من أجل تحسين مراقبة انتشار سوسة النخيل الحمراء.

 وخلال دورة العام الحالي لجائزة خليفة الدولية لنخيل التمر والابتكار الزراعي التي انتظمت في وقت سابق من الشهر الحالي، تم منح جائزة البحث العلمي عن فئة الدراسات المتميزة والتكنولوجيا الحديثة مناصفة لكل من الباحثة هدى بدري محمد علي من جمهورية ألمانيا الاتحادية والباحث مارك ألفريد تستر من جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية بالمملكة العربية السعودية.

تركز بحث هدى بدري محمد علي على تحديد الواسمة الجينية الجزيئية المرتبطة بالجنس والمستخدمة للتمييز بين أشجار نخيل التمر الذكور والإناث. وكانت هذه المشكلة الإحيائية موضوع محاولات عديدة خلال العقد الماضي.

وعملت الباحثة على تطبيق نهج جيني نسبي، وباستخدام أداة تقصي التسلسل الموضعي الأساسي مع التسلسل الجيني لنخل التمر. كما اكتشفت أنه يمكن استخدام التغيرات الفردية متعددة الأشكال للنيوكليوتيد المرتبطة بالجنس في التمييز بين ذكور نخيل التمور وإناثها في مرحلة زرع البذور بهدف زيادة التحسين وتمهيد الطريق لزراعة نخيل التمر لأغراض تجارية من خلال البذور.

أما الباحث مارك ألفريد تستر فقد أطلق تقنيات لزيادة تحمل المحاصيل الحالية للملوحة. ويقدَّر استهلاك المياه للزراعة في الشرق الأوسط بما يفوق 80 بالمئة. ويتضح أن كثيرا من استخدامات هذه المياه غير مستدام، حيث يتعرض المخزون الجوفي من المياه للاستنزاف السريع. ومن بين الإسهامات المطروحة لخفض الطلب على المياه الجوفية، ومن ثمَّ الإبطاء أو حتى إيقاف استنزاف هذا المخزون، هو استخدام المياه المالحة في الزراعة بدل المياه العذبة قدر الإمكان.

مع ذلك، يجب استخدام الماء المالح بعناية للحد من آثاره السلبية على بنية التربة والطبقات الصخرية المائية السطحية. وبالرغم من ذلك، توجد الكثير من البيئات التي يمكن إدارة الري بالماء المالح فيها بشكل جيد؛ إذ يمكن تطوير الأنظمة الزراعية المعتمدة على الماء المالح في البيئات الخاضعة للسيطرة، كالبيوت الزجاجية.

الحفاظ على المحصول بأنجع الطرق المتاحة

والمحاصيل المتحملة للأملاح مطلوبة من أجل الأنظمة الزراعية المعتمدة على الماء المالح، وتوجد فرص جديدة سانحة لتطوير هذه المحاصيل من خلال دمج علم الجينات والسمات عالية الإنتاجية، وهو ما يفتح الباب أمام الدراسات الجينية المعالجة وتحسين المحاصيل.

وفي برنامج تستر البحثي، تُطبق هذه التقنيات لزيادة قدرة المحاصيل الحالية على تحمل الملوحة (كالأرز والشعير والطماطم)، وتسريع عملية استزراع النباتات التي تتمتع بمستويات كبيرة بالفعل من تحمل الملوحة مثل نبات الكينوا.

واستهدف تستر وزملاؤه نبات الكينوا بوصفه نباتا يتحمل الملوحة وله إمكانية كبيرة للنجاح في الشرق الأوسط، حيث سيوفر الماء الآسن غير المستخدم حاليا الفرصة لنمو النبات بشكل مستقل وبجودة عالية، هذا بالإضافة إلى إتاحة الفرص للزراعة الابتكارية في الشرق الأوسط.

وجرى استزراع الكينوا بشكل جزئي، ولكن ما زال بها الكثير من السمات التي تحتاج إلى التحسين لتصير من المحاصيل الكبرى.

وكأساس لدراساته الجينية، قاد تستر اتحادا دوليا من الباحثين لإنتاج أول تسلسل عالي الجودة لجين الكينوا، ونشر هذا العمل في العام الماضي في دورية نيتشر.

ويجري حاليا تمديد هذا البحث بواسطة الدراسات الميدانية المكثفة في 10 دول، منها الإمارات العربية المتحدة، حيث يوجد من سلالة الكينوا ألف نوع يجري استزراعها وتحديد سماتها الظاهرة.

وتستخدم هذه الدراسات الميدانية الطائرات المسيرة، والتي تلتقط الصور التي تخضع للتحليل باستخدام خوارزميات معقدة تتضمن تقنيات الذكاء الاصطناعي. وأعيد ترتيب تسلسل الجين في جميع سلالات نبات الكينوا التي تُستزرع حاليا، الأمر الذي سيوفر موردا جينيا غير مسبوق من الكينوا عالميا. وإمكانية إحداث أثر بليغ على الزراعة في المنطقة.

تمهيد الطريق لزراعة نخيل التمر لأغراض تجارية من خلال البذور

أما الباحث جوليان شرودر من الولايات المتحدة، الفائز مناصفة بجائزة فئة الشخصية المتميزة في مجال النخيل والتمر والابتكار الزراعي مع الباحث عبدالباسط عودة إبراهيم من العراق، فيتعلق بحثهما بآليات نقل الإشارة والمسارات التي تتوسط مقاومة إجهاد البيئة (اللاأحيائي) في النباتات، ولاسيما الاستجابات لارتفاع ثاني أكسيد الكربون والجفاف وإجهاد الملوحة وإجهاد المعادن الثقيلة.

ويترك هذا الإجهاد اللاأحيائي تأثيرات سلبية كبيرة ويقلل من نمو النبات وإنتاج الكتلة الحيوية على الصعيد العالمي. ويعد هذا الإجهاد البيئي ذا صلة أيضا بتغير المناخ وتوسيع الأراضي الصالحة للزراعة المتاحة لتلبية احتياجات الغذاء والطاقة لنمو البشر المتزايد.

واكتشف الباحث شرودر بروتينات مرتبطة بثاني أكسيد الكربون وآليات تتوسط استجابات النباتات لارتفاع ثاني أكسيد الكربون المستمر في الغلاف الجوي وتغيرات تركيز ثاني أكسيد الكربون في الأوراق، ووجد أنه يمكن استخدام البروتينات المرتبطة بثاني أكسيد الكربون لزيادة كفاءة استفادة النبات الفورية من الماء.

وأعلنت الإمارات العربية المتحدة خلال مؤتمر وزراء الزراعة للدول المنتجة للتمور دعم صندوق الائتمان الدولي المخصص لمكافحة سوسة النخيل الحمراء بـنحو 2 مليون دولار وقدمت ليبيا 250 ألف دولار وتضاف هذه التمويلات إلى الإعلان السابق للمملكة العربية السعودية بتقديم دعم بقيمة 2 مليون دولار و0.1 مليون من سلطنة عمان.

كما التزمت الفاو بتقديم ما قدره 4.2 مليون دولار من برامج دعم فني استراتيجي بناء على طلب الدول، وهو دعم يضاف إلى آخر سابق بقيمة 9.1 مليون دولار تم تقديمه بين عامي 2016 و2019. وقررت المنظمة العربية للتنمية الزراعية المساهمة بـنحو 100 ألف دولار تخصص لمكونات بناء القدرات والتشارك المعرفي.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: Content is protected !!