آفاق بيئية: بيتر تومسون*
ملبورن ــ في حين أصبحت صحة المحيطات قريبة بدرجة خطيرة من نقطة تحول، فقد زَوَّدَنا عام 2025 بأسباب للأمل. في الواقع، على مدار السنوات الخمس المقبلة، ستكون الفرصة سانحة للتراجع عن حافة الهاوية وضمان استمرار المحيطات في تثبيت استقرار المناخ، وإطعام مليارات من البشر، ودعم سبل معايش المجتمعات الساحلية. وإذا فشلنا في اغتنام هذه الفرصة، فسوف تكون العواقب التي ستتحملها الأجيال القادمة وخيمة.
بصفتي مواطنا من فيجي، أدرك أن تدهور المحيطات على نحو لا رجعة فيه ليس مجرد تخوف نظري. يعيش سكان جزر المحيط الهادئ مع واقع ارتفاع منسوب مياه البحر التي تبتلع مساحات متزايدة من سواحلنا كل عام وتلوث طبقات المياه الجوفية التي نستخدمها للزراعة ومياه الشرب. ويتسبب ارتفاع درجة حرارة المياه في اشتداد الأعاصير الاستوائية وتدمير الشعاب المرجانية التي توفر الأمن الغذائي وحماية السواحل.
ولكن وسط هذه التحديات، وبعد سنوات من سياسات الإصلاح التدريجي، اكتسبت الجهود الدولية لحماية المحيطات زخما قويا في عام 2025، الأمر الذي أدى إلى اتخاذ بعض القرارات التاريخية. على الرغم من الضغوط المفروضة على التعددية، بات من المعترف به الآن على نطاق واسع أن صحة المحيطات تشكل جوهر الاستقرار العالمي، والقدرة على التكيف مع تغير المناخ، والازدهار الاقتصادي.
في يونيو/حزيران، شهدنا مدى قوة هذا الإدراك في مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيطات الذي استضافته فرنسا وكوستاريكا في نيس. شارك في مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيطات حوالي 15 ألف شخص، بما في ذلك أكثر من 60 رئيس حكومة و100 وزير، واستقبل المؤتمر أيضا ما يقرب من 100 ألف زائر. وأجمع الحاضرون على المطالبة بتوسيع نطاق حماية البحار، وزيادة الجهود للحد من تلوث المحيطات، وتنظيم أعالي البحار، وتقديم الدعم المالي للمجتمعات الساحلية والجزرية المعرضة للخطر.
يتمثل إنجاز تاريخي آخر في التصديق على معاهدة الأمم المتحدة بشأن أعالي البحار (الاتفاق بشأن التنوع البيولوجي البحري في المناطق الواقعة خارج حدود الولاية الوطنية)، التي ستدخل حيز التنفيذ في يناير/كانون الثاني. لأول مرة في التاريخ، أصبح لدى البشرية إطار عمل لحماية التنوع البيولوجي في المناطق البحرية خارج نطاقات الاختصاص الوطنية ــ أي نصف سطح الكوكب. على نحو مماثل، دخلت اتفاقية منظمة التجارة العالمية بشأن إعانات دعم مصايد الأسماك حيز التنفيذ، والتي تحظر تقديم إعانات الدعم لأنشطة الصيد غير القانونية، وغير المبلغ عنها، وغير المنظمة، التي ظلت لفترة طويلة تقوض الإدارة المستدامة لمصايد الأسماك وتهدد الأنظمة الإيكولوجية البحرية.
علاوة على ذلك، احتل العمل المناخي فيما يرتبط بالمحيطات مكانة أكثر بروزا في كثير من المساهمات المحددة وطنيا المحدثة التي كان على البلدان تقديمها هذا العام بموجب اتفاقية باريس للمناخ. تتبنى الحكومات الآن الحلول المناخية القوية التي توفرها المحيطات، من الطاقة المتجددة البحرية إلى الشحن المنخفض الكربون واستعادة غابات المانجروف.
لكن صُـنّاع السياسات ليسوا وحدهم الذين يسعون إلى تسخير إمكانات المحيطات. في يونيو/حزيران، اقترب العالم بدرجة كبيرة من تحقيق اقتصاد أزرق متجدد ومستدام في منتدى الاقتصاد الأزرق والتمويل، وهو اجتماع خاص في إطار مؤتمر الأمم المتحدة الثالث المعني بالمحيطات في موناكو. انطلاقا من إدراكهم لحقيقة مفادها أن الأنظمة الإيكولوجية البحرية السليمة تدعم النمو الاقتصادي والمرونة، التزم المستثمرون من القطاع الخاص، والبنوك العامة، والمؤسسات الخيرية باستثمار 8.7 مليار يورو (10.2 مليار دولار) في اقتصاد أزرق مستدام بحلول عام 2030. وفي مختلف أنحاء الجنوب العالمي، بدأت نماذج التمويل المبتكرة في توجيه رأس المال نحو حماية السواحل، والحفاظ على البيئة بقيادة المجتمعات المحلية، والبنية الأساسية القائمة على الطبيعة.
بالإضافة إلى هذه المبادرات، أمضى المجتمع الدولي هذا العام وقتا أطول في التواصل مع الشعوب الأصلية، والصيادين المهرة، والمسؤولين المحليين الذين طالما حافظوا على الأنظمة الإيكولوجية البحرية لكنهم نادرا ما نالوا التقدير أو الدعم المالي. وهذا أمر بالغ الأهمية، لأن الحلول المناخية القائمة على المحيطات التي تتجاهل المجتمعات المحلية المعرضة للخطر محكوم عليها بالفشل.
وقد ساعد بلدي، فيجي، في قيادة هذه الجهود. على الصعيد الدولي، شاركت فيجي في استضافة أول مؤتمرات الأمم المتحدة المعنية بالمحيطات في عام 2017 مع السويد، ثم قادت العمل العالمي منذ ذلك الحين. على سبيل المثال، في أوائل ديسمبر/كانون الأول، اعتمدت الدورة السابعة لجمعية الأمم المتحدة للبيئة قرارا بقيادة فيجي بشأن حماية الشعاب المرجانية. وعلى المستوى المحلي، دافعت فيجي عن المناطق البحرية الـمُدارة محليا وعززت الإشراف المجتمعي، على النحو الذي ساعد في تشكيل أفضل الممارسات لكليهما.
لضمان استمرار التقدم في مجال الحفاظ على المحيطات ومرونتها، لا سيما في الفترة التي تسبق مؤتمر الأمم المتحدة الرابع المعني بالمحيطات، الذي سيعقد في كوريا الجنوبية في يونيو/حزيران 2028، وتشارك في استضافته كوريا الجنوبية وشيلي، يتعين علينا أن نركز على ثلاث أولويات.
أولا، يجب على الحكومات أن تنفذ بالكامل معاهدة أعالي البحار. وهذا يعني إنشاء مناطق بحرية محمية (التي ستكون ضرورية لتحقيق الهدف الذي حدده إطار عمل كونمينج-مونتريال العالمي للتنوع البيولوجي المتمثل في الحفاظ على 30% من البحار بحلول عام 2030)، وتمويل بناء القدرات، ووضع تقييمات قوية ومبنية على أسس علمية للأثر البيئي.
ثانيا، يتعين على منظمة التجارة العالمية أن تتخذ إجراءات حاسمة لإنفاذ اتفاقية دعم مصايد الأسماك. لا يملك العالم تَرَف تَحَمُّـل عقد آخر من الصيد الجائر في المحيطات من قبل الأساطيل الصناعية. إن تحقيق الاستدامة في مصايد الأسماك أمر ممكن من خلال استراتيجيات إدارة قائمة على العلم وتركز على صِغار الصيادين والمجتمعات الساحلية.
ثالثا، من الأهمية بمكان العمل بسرعة على توفير مزيد من التمويل. لن تتمكن المؤسسات الخيرية وحدها من تمويل الاقتصاد الأزرق الذي تبلغ قيمته عدة تريليونات من الدولارات. يجب على القوى الفاعلة العامة والخاصة أن تتفق على استثمارات تعمل على تجديد الأنظمة الطبيعية، وتقليل المخاطر المرتبطة بالمناخ، وتمكين المجتمعات المحلية. الواقع أن الحاجة ملحة بشكل خاص بالنسبة للبلدان الجزرية، حيث يهدد المزيج القوي من الضعف المناخي وضائقة الديون بتقويض المرونة والقدرة على الصمود في الأمد البعيد.
إن تدهور المحيطات ليس أمرا حتميا. بل يتوقف الأمر على اختيارنا ما إذا كنا لنعمل على توفير محيطات أكثر صحة ووفرة لأجيال المستقبل. وهذا يتطلب قيادة مستنيرة وتدخلات مدعومة علميا وضاربة بجذورها في مبدأ المساواة. لقد تحولت الأمور إلى الأفضل في عام 2025. وللحفاظ على هذا الاتجاه الإيجابي، لا يجوز لنا أن نسمح لالتزامنا بتمكين المحيطات من الصمود وتجديد شبابها بأن يتزعزع في العام الجديد.
ترجمة: إبراهيم محمد علي
*بيتر تومسون المبعوث الخاص من قِـبَـل الأمين العام للأمم المتحدة لشؤون المحيطات.
حقوق النشر: بروجيكت سنديكيت، 2025.









































